همسات لبيت لحم 9
همسات لبيت لحم
(الحلقة التاسعة)
زياد جيوسي
عضو لجنة العلاقات
الدولية في
اتحاد كتاب الانترنت العرب
كانت لحظات جميلة حين دق هاتفي الجوال يوم الاثنين 22 من نيسان 2013 ، لأجد على الهاتف السيدة الرقيقة سمر بنورة القائم بأعمال مدير مديرية وزارة الثقافة في بيت لحم، فدعتني لزيارة بيت لحم لحضور لقاء اللجان الاستشارية للثقافة في محافظات الوطن، وبحضور وزيرة الثقافة ومدراء مديريات الثقافة والذي سيتم عقده في بيت لحم، ويسبقه جولة في مسار الحجيج التاريخي باتجاه البلدية حيث سيكون مكان الاجتماع، لِيَلي ذلك جولة تبدأ بمتحف بيتنا التلحمي ثم إلى كنيسة المهد فمركز التراث الفلسطيني وإلى معرض مقتنيات تراثية في بنك فلسطين، لنكمل بعد ذلك إلى بلدة بتير المهددة أراضيها بالمصادرة، وننهي في برك سليمان التي بدأت تتعرض بكثافة إلى اقتحامات المستوطنين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وكوني حقيقة لست عضواً في اللجان الاستشارية، ولست موظفاً في وزارة الثقافة أيضاً، ولا أمتلك سيارة تسهل الحركة لي بين المحافظات، فقد وعدت السيدة سمر بعد شكرها واهتمامها هي والدكتورة عبلة فاري أن ارتب أموري لأتمكن من تلبية الدعوة، وخاصة أنني لم أتمكن من زيارة بيت لحم منذ دعوتي منذ قرابة العامين من مؤسسة إبداع وصديقي خالد الصيفي، وتجوالي الذي كتبت عنه ثمانية مقالات ووثقت مئات الصور الفوتغرافية، وما زلت على وعدي لأصدقائي لزيارتها لاحقاً إن سمحت الظروف لأوثق بالكلمة والحرف مناطق لم أزرها بعد، فاتصلت مساءً على جوال السيدة سهام البرغوثي وزيرة الثقافة في السلطة الفلسطينية لأعلمها عن الدعوة ورغبتي بالذهاب مع وفد الوزارة، فقالت: ستكون معي زياد، ولكن لا تنس أن تكون عدستك معك، فأجمل الصور رأيتها من خلال عدستك،. وصبيحة الثلاثاء كان يتصل بي السيد سعيد مدير مكتب الوزيرة ليعلمني عن موعد الحركة ويؤكد على حضوري.
صبيحة الأربعاء 24 من نيسان 2013 وكالعادة كنا نمر عبر طريق وادي النار المتعب، فالقدس محرمة علينا ومباحة للطير من كل جنس، وكنا معاً السيدة الوزيرة سهام البرغوثي والصديق الفنان وليد عبد السلام وأنا وسائق السيارة وعدستي، وأحاديث متنوعة طوال الطريق حتى وصلنا لبيت لحم، ومن دوار العمل الكاثوليكي حيث كان التجمع إلى مقر البلدية حيث الاجتماع، وفنجان قهوة بعد تعب الطريق مع السيد محافظ بيت لحم الأخ عبد الفتاح حمايل، ومن ثم لقاعة الاجتماعات وجلسة غير مطولة تحدث فيها الحضور، وسعدت بالتعرف إلى العديد من أعضاء المجالس الاستشارية، واللقاء بأصدقاء لي منهم والاستماع لأفكارهم وخططهم ورغباتهم، من أجل الرقي بالثقافة في وطننا كما سعدت باللقاء مع أصدقاء لي من مدراء الثقافة لم ألتق بهم منذ وقت ومنهم منتصر الكم وأنور ريان، وخاصة أن المجالس الاستشارية تعتمد على المتطوعين من أصحاب الكفاءات المختلفة مع ممثلي بعض المؤسسات المهتمة، يجمعهم حب الوطن والرغبة في الرقي الثقافي فيه والمساهمة بلبنة في حلمنا الكبير.
ومن الجدير بالاهتمام أن من رعى هذا الاجتماع والجولة كاملة بما فيها حفل الغداء في متحف بتير البيئي، هو مركز حفظ التراث الثقافي والذي تأسس في العام 2001م كهيئة مستقلة شبه حكومية، وهذا المركز له بصمات واضحة في مجال الترميم وحفظ التراث بما فيها ترميم متحف بتير البيئي، ويعرف المركز عن نفسه بكتيب يقول: (يمثل مركز حفظ التراث الثقافي حلقة الوصل بين المجتمع وتراثه...حيث أنه وعلى مدى الثمان سنوات الماضية، قام وبكل فخر بشق طريق الحفاظ على الموروث الثقافي من خلال إعادة تأهيل وترميم المباني التاريخية وتطويعها لخدمة المجتمع في محافظة بيت لحم،حيث ينتهج المركز توجهاً شاملاً في عمليات حفظ التراث ويكرّس جزءاً مهماً من جهوده في مجال البحث والتدريب والتوعية المجتمعية، بالترافق مع مشاريع إعادة التأهيل، وأحد أهم أهداف المركز الرئيسة هي الحفاظ على هذا التراث من خلال الترميم وتعزيز الشعور بالمسؤولية المشتركة لدى فئات المجتمع المختلفة وتقديس التراث الثقافي الفلسطيني، من خلال المشاركة المجتمعية)، وقد أفادتني مشكورة المهندسة المعمارية غدير نجار بالكثير من المعلومات عن المركز والدور الذي يقوم به، كما وجهت لي دعوة للزيارة، فشكرتها ووعدتها أن تكون زيارة المركز من ضمن برنامجي أثناء زيارة قادمة لبيت لحم، كما كانت فرصة طيبة للتعرف على المهندسة ندى الأطرش والتي لها دور كبير بجهود المركز وتبادل الحديث معها حول برامجهم.
من البلدية اتجهنا إلى متحف البيت التلحمي حيث استقبلتنا عضوات الهيئة الإدارية للاتحاد النسائي العربي، ومن الجدير الإشارة إليه أنه تم تأسيس فرع بيت لحم للاتحاد النسائي العربي سنة 1974. وقد أسس الاتحاد مركزا للتطريز بعد حرب 1967 لتوفير عمل للنساء ذوات الحاجة، وأسس الاتحاد النسائي متحفا سنة 1971 يشتمل على مجموعة كبيرة ومتميزة من الأزياء الشعبية ومنتجات الحرف اليدوية التقليدية، ويتألف المبنى من ثماني غرف موزعة في بيتين متصلين من الطراز الهندسي التراثي و القديم، وقد تم ترميمه وتحديثه على نفس النمط القديم، وفي هذا المتحف تمثيل للمطبخ الفلسطيني وغرفة النوم وغرفة الاستقبال والإسطبل وبئر الماء وغيرها ويحتوي هذا المتحف على أدوات فلسطينية قديمة استُعملت في البيت الفلسطيني من أدوات مطبخ وأثاث وحلى وملابس مطرزة وتراثية تمثل الهوية الفلسطينية وغيرها الكثير من تراثنا الوطني الفلسطيني
وبعد جولة ممتعة في أنحاء المتحف اتجهنا لكنيسة المهد، والتي سبق أن تحدثت عنها في الحلقة الثانية بالتفصيل، وتجولناها بالكامل حيث عبق القداسة والتاريخ والشعور بالسلام وراحة الروح في ظل المكان الذي شهد ميلاد سيدنا عيس المسيح عليه السلام رسول السلام، لنكمل الجولة في مركز التراث الفلسطيني حيث استقبلتنا السيدة مها السقا حارسة التراث الفلسطيني والشخصية الثقافية لهذا العام عن محافظة بيت لحم، تجولنا في كل أرجاء المركز والذي كنت قد كتبت عنه بالتفصيل في الحلقتين الرابعة والخامسة من سلسلة مقالاتي عن بيت لحم، وكالعادة كانت السيدة مها مضيافة وبشوشة الوجه هي وولدها رائد والعاملات في المركز، وبعد ضيافة من حلويات الهريسة التقليدية والقهوة، وقامت بتقديم خارطة الملابس التراثية والتي أعدتها من خلال المركز، رافقتنا باتجاه بنك فلسطين لمشاهدة معرض 400 عاما من الإبداع الفلسطيني، والذي سيكون له حديث خاص في الحلقة القادمة.
أجول دروب رام الله في هذا الصباح المبكر مستعيداً ذكريات جولة الأمس، يرافقني طيفي البعيد القريب، أعود إلى صومعتي بعد أن تنشقت الياسمينات (المتعربشة) على الجدران، فأسقي حوض النعناع وأحواض الزهور بعض الماء، وأنثر خبزاً مبللاً للحمائم البرية التي اعتدت أن أصحو على هديلها، ومع فنجان قهوة الصباح أستمع لشدو فيروز: (الدوالي دوالينا والليالي ليالينا، ومكان لنا عند كرم الهنا كل ليل ينادينا، الأغاني زرعناها والأماني حصدناها، وحكايا الأمل والهوى والغزل في الليالي حكيناها)
فأشعر أن رام الله ترنو نحو بيت لحم وتهمس لي في هذا الصباح المبكر ما أجمل بيت لحم وتاريخها وتراثها وأهلها، فأكمل تجوالك فيها وأكتب عنها وأنثر صورها في فضاء الكون فهي راوية لتاريخنا منذ وطأ كنعان الأول هذه الأرض فأبتسم وأهمس لبيت لحم وللوطن ولكم جميعاً صباحكم أجمل.