من القدس إلى مانيلا.. مع التحية
من القدس إلى مانيلا.. مع التحية
عزيز العصا
تعلمنا منذ طفولتنا المبكرة أن نقسم العالم إلى قسمين لا ثالث لهما. فأما الأول: فهو ذلك العالم المتقدم الذي نرى فيه "بعبع" الحضارة، والتقدم، والرقي، والعمران، وعزة الفرد وكرامته...الخ. انه عالم الغرب الذي نرى فيه جنة الله على الأرض! رغم قناعتنا بأنه عالم استعماري؛ استغل ثرواتنا وأهلك حرثنا ونسلنا واستباح أرضنا وسماءنا... الخ. وأما الثاني: فهو عالم الفقر، والتشرد، والتخلف واستباحة حرية الفرد وكرامته. حتى أننا، وبالرغم من اننا من ضمن هذا العالم، نرى فيه العدمية من وجوده على سطح هذا الكوكب!
والفلبين واحدة من مكونات القسم الثاني التي كنا نعتقد، شبه متيقنين، أنها مجرد بلد فقير، لا تسهم في الحضارة الإنسانية بشيء سوى مجموعة من الخادمات اللاتي ينتشرن في محيط الغنى الذي أصيبت أيدي نساءه بشلل، جزئي أو كلي، عن القيام بواجباتهن اتجاه أزواجهن وأولادهن وحتى اتجاه أنفسهن.
بقي الأمر كذلك؛ إلى أن التقيت بالسيد دانيلو أ. سونجكو/ الخبير الفلبيني الذي ساعدنا في مركز تطوير المؤسسات الأهلية الفلسطينية (NDC) على بناء الإطار الاستراتيجي لتمتين القطاع الأهلي الفلسطيني للسنوات الخمس القادمة: 2013-2017.
لأن مخزوننا الثقافي مشحون باتجاه الغرب، والغرب فقط، قلنا: لماذا لم نحضر خبيرا ابيض البشرة، ازرق العينين يتحدث الانجليزية بأصلها وفصلها صافية خالية من أي "لكنة" آسيوية أو افريقية؟! ولكن عندما أكملت الاستراتيجية مهابتها واستقرت في مكانها الصحيح قلنا: إن في الأمر خيرا؛ فهذا الرجل القادم من مسافة تزيد عن الـ (10) آلاف كيلو متراً لديه ما يقوله من تجربة حية يعيشها في بلده الأصلي. الأمر الذي جعلنا نتوق لرؤية هذا البلد والتعلم من تجربته، بما لها وما عليها.
دعانا السيد " دانيلو" إلى هناك؛ إلى حيث التربة التي نشأت فيها مبادرات أهلية مُلهمة، فاستجبنا لدعوته، واستجاب هو لمتطلبات راحتنا ومتعتنا الفكرية والمعرفية؛ بأبعاده المتعلقة بانتهال ما هو جديد والتعرف على بلد لم ندخله من قبل.
في أوائل كانون أول من العام 2012، تم تنظيم زيارة تعليمية لسبعة من أعضاء الهيئات الإدارية المنتخبة لأربع شبكات من المؤسسات الأهلية الفلسطينية، ولثلاثة من العقول التي تدير الـ (NDC)، استغرقت مدة مائة وثمانين ساعة، تركز أكثر من نصفها على العمل الميداني المباشر بين الشعب الفلبيني؛ بمختلف شرائحه ومسؤوليه، من مختلف المستويات، والمؤسسات التي توجهنا إليها لنستقي منها تجارب للدراسة والتحليل والتطبيق.
لكل شعب طريقته بالاحتفاء بالضيف؛ وللفلبينيين صفاتهم وخصائصهم المتميزة، التي لا اعتقد ان هناك من يتطابق معهم فيها، فقد وجدنا في رحلتنا ما هو أجمل بكثير مما يتوقعه المرء في هكذا زيارة، منها:
أولاً: يعتز الفلبينيون بتاريخهم بقدر ما يحرصون على مستقبل أجيالهم:
لقد احترم مضيفونا عقولنا؛ فلم يهتموا بإقناعنا بما تمتلك الفلبين من معالم الحضارة؛ من عمران، وجسور عملاقة، وشوارع، وعمارات شاهقة (تتجاوز الأربعين طابقاً)، وساحات نظيفة، ومناطق خضراء يانعة-جميلة تسر الناظرين... الخ، وإنما ذهبوا بنا إلى أعمق من ذلك بكثير؛ فغاصوا بنا إلى عمق تاريخِهم العريق، عبر العصور المختلفة، وما وقع على أجدادهم من ظلم وجور واجهه أبطالهم الذين يعتبرونهم صانعي حضارتهم المعاصرة الموصوفة أعلاه. وفي ذلك نمط جميل من نكران الذات أمام عظمة الأبطال وتضحياتهم.
منذ اللحظة الأولى؛ اتجهت بنا شابة فلبينية إلى المتحف الوطني للفلبين، حيث استقبلنا شاب يافع؛ لم يصل الخامسة والعشرين من عمره بعد، حدثنا عن تاريخ بلاده، بزهو وفخر، مركزاً على كل من صاغ سطرا فيما يعتبره السفر الخالد للفلبين. حدثنا عن رموز وطنية قاتلت الاستعمار بالحجر، وبالبندقية، وبالقلم، وعن شعب تحدى الجبال الجرداء-الشديدة الانحدار، ليحيلها إلى قطع أراضٍ أفقية أراضٍ خصبة توفر لأبنائه الغذاء والكساء..
توقف الشاب "الراوي"، مطولا، عند أكثر من بطلٍ من أبطال بلاده الذين أشعل ثورات حقيقية، عبر المراحل المختلفة لتحرر الفلبين من ربق العبودية الاستعمارية، وكان من بينهم روائيٍ-شاعر-ثائر، إنه العبقري المتعدد المواهب "جوس ريزال" الذي تمكن، من خلال روايتين ألفهما، ومن خلال كتبه وأشعاره، أن يلهب مشاعر كل من قرأها و/أو سمع عنها، فوفرت وقوداً، لا ينضب، أدام الثورة وضمن استمرار شعلتها حتى التحرر من قبضة الاستعمار والبدء ببناء الصرح الوطني الفلبيني الحر..
لكي لا تنسى الأجيال الفلبينية المتعاقبة، وكواحد من أشكال التأريخ لمراحل التطور المختلفة للفلبين، وكواحد من المعالم السياحية التعريفية للفلبين، فإن المتحف الوطني في الفلبين هو الاستهلال الأول لزوار الفلبين وضيوفها وسُيّاحها، وهو "شبه مِحَجٍ" لأبناء البلد ليذكرهم بأن حاضرهم هذا لم يأتِ عبثاً ولا مصادفةً؛ بل هو حاضر مجيد لماض تليد أسس له أبطال وبطلات ضحوا براحتهم واستقرارهم، بل وحياتهم.. وقد خلدوا ذكرياتهم بحفظ كل ما طالته أيديهم من مقتنياتهم وموجوداتهم التي تركوها خلفهم؛ فوثقوها في أجواء من المهابة والاحترام، وأقيم هذا المتحف بجهد عائلة عريقة من مانيلا استثمرت فيه كنوع من مساهمتها في ثقافة البلد.
لا شك في أن في هذا كله ما يحفز الأجيال ويشجعها على مواجهة الظلم والطغيان بشجاعة وإقدام. ولا يمكننا أن ننسى تلك اللوحة التي تضم مجسمات لجنود فلبينيين وأمريكان تخاذلوا في مواجهة اليابانيين، في العام 1942، فاستسلموا، ولأنهم لم يموتوا دفاعاً عن بلدهم فقد احتقرهم اليابانيون؛ عندما عاقبوهم بأن أجبروهم على المشي على الأقدام حتى يموتوا جوعاً وعطشاً وتعباً.
ثانياً: المؤسسات الفلبينية تتناغم في عملها في سيمفونية جميلة الإيقاعات والألحان:
كان الهدف الرئيسي لزيارتنا التعرف على تجربة الفلبين في كيفية تنظيم العلاقات المتبادلة بين مؤسسات المجتمع المدني والحكومة ومؤسسات المجتمع المحلي. فتم تنظيم عدد من اللقاءات، والندوات، والمحاضرات، من القاعدة المتمثلة بشبكة المنظمات الأهلية الفلبينية التي تضم (1600) مؤسسة حتى مكتب الرئيس لشئون الحد من الفقر، مرورا بوزارتي الشئون الاجتماعية والداخلية والبلديات. فلاحظنا، مما رأينا وسمعنا، أنه قد تحقق الكثير مما يحتاج إليه المجتمع الفلبيني، مثل:
1.إن ما يجري في الفلبين، في هذا المجال، هو انتقال حقيقي من النصوص الجامدة على الورق إلى واقع ملموس، وفق مشهد أقرب ما يكون إلى لوحة فنية متناسقة الألوان؛ لكل لون خصائصه ومهامه وموظف للأهداف التي وضع من أجلها. لينتهي الأمر بمنظومة، مضبطة الإيقاع، تؤدي إلى لحن جميل يتغنى به أهل الفلبين، من مختلف الأعمار والمستويات الفكرية السياسية والاجتماعية. فتجمع البلديات، ومؤسسات المجتمع المدني، والحكومة على برنامج وطني يخدم الاستقرار والأمن المجتمعيان، وفق معايير معدة مسبقا بدقة وإحكام، ثم ينطلق الجميع نحو التنفيذ، كل بالقدر المطلوب منه وبالدور المناط به دون تباطؤ، أو تلكؤ، ودون أن تتداخل تلك الأدوار أو تتعارض أو تتناقص.
2.لأن المياه الراكدة تتعفن وتصبح آسنة كريهة الرائحة، ولكي لا تتوقف مياه العمل الخيري والمجتمعي في الفلبين عن الجريان، فإنهم يقومون، باستمرار، بعرض نتائج أعمالهم وإبداعاتهم، وتجاربهم الناجحة، وخططهم المستقبلية المبنية على قاعدة التعلم من الأخطاء وتصحيح المعوج من الأمر. وقد تم هذا كله بحضورنا، وقمنا بمناقشتهم فيما قدموا من تجارب لكي نتعلم ولكي ندلي بدلونا الملئ بتجارب النجاح التي خضناها على أرض الوطن في أصعب الظروف. وكان من بين تلك التجارب ما يلي:
• قدمت مجموعة من الفتيات الفلبينيات، بحضور وكيلة وزارة الشئون الاجتماعية، عروضاً تتعلق بالبرامج والتجارب المختلفة التي نجح الفلبينيون في اتّباعِها من أجل تحقيق التأمين الاجتماعي، والحد من الفقر، ومواجهة حالات الطوارئ. انتهت بنتيجة هامة وهي أن التعاون والتعاضد وتكامل الأدوار بين مؤسسات المجتمع المحلي ومؤسسات المجتمع المدني، وإيمان الفرد بالدور المناط به... الخ. حتى أن هناك برنامجاً يوفر حماية للفلبينيين ومصالحهم في الدول التي يتواجدون فيها.
وقد أدى كل ذلك إلى نجاحات يعتزون بها كإنجازات وطنية تميزوا بها، أبرزها أنهم نجحوا في التخلص من أطفال الشوارع، ويعتبرونها تجارب نجاح تقود للمزيد من النجاحات للصعود بالمجتمع الفلبيني نحو العلا.
• تابعنا تجربة التدريب على مواجهة الكوارث الطبيعية قدمها لنا مهندس فلبيني بكل وضوح؛ دون أن يعظم دوره الشخصي أو دور البلدية التي يعمل بها ودون أن يلغي ادوار الآخرين غير المتواجدين أثناء العرض.. وأما النتيجة فهي أن المبتدئين، وهم من مختلف الأعمار والشرائح المجتمعة كالمعلمين والأطباء والمهندسين... الخ، تطوعوا للتدريب، حتى أنهم اتقنوا الأدوار المطلوبة منهم وواجهوا الطوارئ دون أن يتعرض أي منهم لأذى.
• كما حظينا باستضافة البرلمان الفلبيني، حيث عرّفنا موظفو المجلس وأعضاؤه أنه مؤسسة وطنية فلبينية بامتياز؛ فهو يمثل الكل الفلبيني بشرائحه المختلفة، حينما يشارك المجتمع الفلبيني، بمؤسساته وجمعياته التي يسعى كل منها، وفق نظام دقيق، إلى إيصال مرشح واحد أو أكثر إلى مجلس النواب و/أو مجلس الأعيان للدفاع عن حقوقها وحماية مصالحها.
واختتمت زيارتنا للبرلمان باستقبالنا كضيوف حظينا بالرعاية والتكريم. وكان استقبالنا هذا في إحدى جلسات البرلمان التي انعقدت لمناقشة قانون "الصحة الإنجابية" الذي أثير حوله جدل واسع على الساحتين السياسية والاجتماعية. وافتتحت الجلسة بالترحيب بنا والتصفيق الحار، تحية لنا، كقادمين من دولة فلسطين التي صوتت الفلبين لصالحها في الأمم المتحدة.
3.وجدنا أنفسنا أمام الجيل الشاب، غالبيته العظمى من الفتيات في العشرينات والثلاثينات من أعمارهن، يمسكن بزمام الأمور في جميع المؤسسات التي توجهنا إليها ويتمتعن بقدرات فائقة على فهم ما يجري، وعرضه، والدفاع عنه بما ينم عن خبرة عالية في مجال تخصصاتهن.. ولا يمكننا أن ننسى كيف كن يتناوبن على العرض، والشرح، والتفسير، والإجابة على تساؤلاتنا وأسئلتنا بما جعلنا نعترف أننا أمام خبيرات صغيرات السن لا يسعنا إلا أن ننزع قبعاتنا لهن احتراما وتقديراً. كما تعبر هذه الصورة، بما لا يدع مجالا للشك، عن المسار الذي تسير فيه الفلبين من خلال هذا الجيل الفتي المتدفق حماسا وحيوية نحو بناء البلد والنهوض به نحو الأفضل، بل أفضل الأفضل.
4.يقول المثل: "إذا كان رب البيت للدف ناقرا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص".. أما في الفلبين فان رب البيت، أو الرئيس، ينقر على دف التطور والرقي ببلده ومعالجة قضاياه بمتابعات شخصية منه؛ فهو قائد اوركسترا عظيم يستنهض طاقات بلاده، ويوظف أفضل الطاقات دون واسطة أو محسوبية، ديوانه خلية نحل لا بؤرة فساد كما هو حال دواوين ومكاتب الرؤساء. تتمثل مبادراته في تلك المؤسسات والهيئات المرتبطة بمكتبه مباشرة، ذات الصلة بالحد من الفقر، وتحقيق السلم المجتمعي، والاستقرار، في بلد أنهكته عوامل الفرقة والتشرذم وتناوبت عليه قوى استعمارية مختلفة، عبر العصور.
5.هناك ملامح الطيبة والكرم الطبيعي؛ غير المتصنع الذي يتحمله أهل الفلبين اتجاه ضيوفهم. ففي كل زيارة قمنا بها كانوا يحتفون بنا ويكرمون ضيافتنا بما يتوفر لديهم من مشروبات ومأكولات يقدمونها في جو من المحبة والاحترام، ولعل أجمل ما في ضيافتهم تقديم الماء بالدرجة الأولى، كدليل على صفاء العلاقة وطيب الضيافة وبراءتها وشفافيتها.
6.أما مضيفنا الأساسي " دانيلو أ. سونجكو" فقد كان على قدر عال من المسؤولية بما تمتع به من الحنكة والحكمة في إدارة الأمور الخاصة بالزيارة، من حيث: التنظيم، وضبط الوقت، وتوفير الخدمات الكافية لإشاعة جو من الراحة والطمأنينة لنا.
ولا اعتقد أن أحدا من الفريق يمكن أن ينسى "مدام دانيلو"؛ تلك السيدة الرائعة التي أحاطتنا بالرعاية والاهتمام والمحبة والاحترام الذي جعل الواحد منا يشعر أنه في بيته؛ لحرصها الواضح على إسعادنا، فرداً فرداً، وتقديم أفضل ما لديها في جو من الابتسامات الرقيقة – الودودة وإدارة حوارات معنا تنم عن المستوى العالي الذي تتمتع به من المعرفة، والثقافة، والخبرة في إدارة أمور الحياة.
7.وأما جمال الفلبين ونظافتها فان اقل ما يمكن قوله إن هذا البلد يتمتع بجمالية عالية تسلب اللب، من كثافة تلك الأشجار الباسقة ودقة تناسقها في مشهد طبيعي مهيب امتد لمئات الكيلومترات التي قطعناها بين المدن المختلفة في الفلبين.
8.كما أن هذه الطبيعة الخلابة قد حظيت بشعب يمتع بخلق رفيع وقدرة عالية على الانضباط استجابة للوائح والقوانين والتعليمات. فبالرغم من خلو الساحات العامة والشوارع والأزقة من الوجود الكثيف والظاهر للشرطة والعسكر الذين يشهرون أسلحتهم، كما هو الحال في دول العالم الأخرى، إلا أننا لمسنا المحافظة على البيئة، سواء الأفراد أو الجماعات؛ فلم نلحظ خلال تجولنا في الأسواق والحانات ومراكز التسوق أن هناك مدخناً يدخن في مكان غير مخصص للتدخين. كما أن الشوارع، ومهما امتدت أطوالها، إلا أنها تحافظ على تكرار رونقها الجميل وتواصله دون انقطاع كالأشجار الباسقة التي تحيط به من الجانبين، والأرصفة، المتواصلة دون انقطاع، المصممة وفق انساق هندسية تراعي حاجة المركبات والمارة والجمهور.
بقي القول: إن في الفلبين شعباً يرنو إلى الأمام؛ ولا مجال لديه للتراجع. فقد تمكن، من خلال تماسك مؤسساته وتكاملها في العمل وحسن الأداء، من تذوق سكانه نكهة البيئة الجميل، ومتعة النجاح والتقدم والصعود نحو العلا. وأن في الفلبين ثروات طبيعية، تتصدرها مياهها الوفيرة وتربتها الخصبة. كما أنها تحظى بقيادة وطنية منتخبة تسعى إلى تحقيق نهضة على المستويات كافة؛ علمياً، وتكنولوجياً، وحضارياً لتصيغ، في نهاية المطاف، إنساناً منتمياً إلى وطنه وملتقياً مع ذاته. ولعل تلك الجحافل من الفلبينيات اللواتي ينتشرن في مؤسسات الفلبين، وبنسب تتجاوز الـ 60% على المستويات القيادية، وبأعلى من ذلك على المستويات الوظيفية، خير دليل على ذلك. أما النتيجة المتوقعة، من هذا كله، فهي أن الفلبين، وإن بقيت على هذا المنوال، فإنها في طريقها للقفز من مجموعة العالم النامي إلى مجموعة العالم الصاعد؛ التي تضم حتى الآن روسيا، والبرازيل، والهند، والصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا.
ختاماً؛ نتوجه إلى صانعي القرار، على المستويين الفلسطيني والعربي، مذكرين بأن الفلبين بلد يشهد نهضة حقيقية، وأمناً وأماناً، وثروات طبيعية وخصوبة أرض ووفرة مياه تجعلنا نحلم بتوجه رأس المال العربي إلى هناك ليستثمر فيه، بدلاً من تكديس أموال الأمة وثروات أبنائها في بنوك أوروبا التي تنقسم بين منكرٍ لحقوق شعبنا الفلسطيني وبين ساكتٍ عن قول كلمة حقٍ لصالحه.
أما على المستوى الفلسطيني؛ فإنه لا بد من تعميق العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، والتبادل التجاري، مع هذا البلد الذي صوت إلى جانب فلسطين الدولة غير العضو في الأمم المتحدة بالرغم من حساسية علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية التي ضغطت للتصويت ضد هذا القرار. ولا بد من السعي الجاد والحثيث من أجل فتح سفارة فلسطينية في مانيلا يرفرف عليها علم دولة فلسطين الحرة الأبية بعاصمتها القدس.
كما لا يفوتنا أن نقول: لقد انتهت زيارتنا وجولاتنا، لمدة أسبوع كاملٍ، كان معظمها في مانيلا الكبرى التي تضم سبع مدن ويقطنها (20) مليون إنسان. ولعل أبرز ما لمسناه: لم نشهد مشاجرة واحدة.. لم نسمع "زامور" سيارة يزعج الغير.. لفت انتباهنا التقيد الصارم بقوانين السير من السيارات والمشاة.. لا يسيرون كقطيع غنم؛ بل وفق نظام، إذ لا أحد يقطع شارعا إن لم تكن إشارة المشاة خضراء.. يتمتع أهل الفلبين بأدب رفيع؛ يستحيل أن يحييك أحدهم بتحية إلا ويُتبِعها بــ "السيد أو السيدة".. لا يلقون باللوم على الدول العظمى أو الصغرى؛ فلم نسمع منهم من يلقي اللوم على الاستعمار، و لم يعزِ أحدهم أي توتر للفقر والضغوط يقول أحد أن الفقر والضغوط؛ فهناك فقر وازدحام وضغوط حياة لم تستخدم مبررات لممارسة قلة الذوق وانعدام الحياء. وكل ذلك أسباب تدعونا للنظر في المرآة.
وعليه؛ فإننا نتوجه من قلب القدس، عاصمة دولة فلسطين، إلى مانيلا، عاصمة دولة الفلبين بالتحية والتقدير العاليين على مواقفها السياسية ونظرتها الإيجابية، حكومة وشعباً، اتجاه شعبنا وقضاياه وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وعلى حسن الاستضافة التي حظينا بها على أرض الفلبين، وبين شعبها ومؤسساتها.