ليبرمان ليس أسوأهم بل هو أوقحهم

زهير سالم*

[email protected]

يحاول البعض من بني وطننا أن يشخصنوا المعركة مع العدو المحتل للأرض العربية، ليس في الجولان وحدها، وإنما في فلسطين كل فلسطين. يريدون أن يحولوا المعركة إلى معركة شخصية مع رئيس للوزراء، أو وزير الخارجية، وضيع المنبت، فاقد للياقة، عديم الدبلوماسية!! ومعركتنا على الحقيقة ليست مع هذا، ولا هي على هذا.

الحقيقة التي ينبغي أن نظل نعمل عليها مع كل أبناء شعبنا أن نتنياهو أو ليبرمان ليس أسوأ القوم، وأن ظاهر ليبرمان، الذي يتظاهر بالشكوى منه بعض المراوغين من بني قومه، هو أجمل كثيرا من باطنه وباطنهم على السواء. (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ).

وهذا الذي يدعو أبناء أمتنا جميعا أن يعيدوا النظر في كل الجراحات التجميلية، وعمليات المكياج، التي تُجرى لوجه الاغتصاب القبيح. والتي برع بها بعض المثقفين من بني قومنا، وتدسسوا بها  أفكاراً ومصطلحات وألفاظاً إلى ثقافتنا، ورؤوس أبنائنا . ويحاولون اليوم أن يوهمونا أن المعركة هي مع رجل غير دبلوماسي أو قميء اسمه ليبرمان.

والثقافة التي يخاطِب بها ليبرمان عالمنا العربي والإسلامي، هي تعبير مباشر وواقعي عن السياسات التي تعاملت بها معنا هذه الثعالب المراوغِة، منذ احتلت أرضنا، أو أطربناها بإعلان شعار غسل آثار العدوان!!

لا تحتاج تصريحات ليبرمان ولا ثقافته ولا سياسات شركائه كل شركائه، إلى رد بتصريح أو تعليق، أو استنكار، أو استهجان، وإنما تحتاج إلى مشروع مقاوم ومناهض يصادر فضاءاتها، ويحبط مفاعيلها.

صراعنا مع العدو المغتصب يتطلب في أول الأمر مشروع رفض ثقافي يعيد النظر في لغة الخطاب الصريح أو الملحون، الذي بدأ منذ عقود يتسلل إلى لغة بعضنا، بألم نكتبها بعضنا الوطني والقومي!!

نحتاج إلى مشروع ثقافي يعيدنا إلى حقائق البداية: صراع وجود وليس صراع حدود. وما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بها. وفلسطين من النهر إلى البحر هي أساس المشكلة وليست الجولان أو الضفة أو غزة. وعلى أطفالنا أن يعودوا إلى إنشاد ما كنا ننشد في طابور الصباح.

فلسـطين نادت فلبوا النداء     إلى الحرب هيا جيوش الفداء

هلمـوا بعزم  يهيب الردى     أذيقـوا العدو  كؤوس المنون

إلى الأمام ... إلى الأمام ... إلى الأمام

أولا المشكلة هي فلسطين... وعلى الأمة أجمع أن تعود إلى رأس الزاوية هذا، وعلى قوم ليبرمان جميعا قبل أن يُساوموا على لسانه على الجولان، أن يعلموا أن الصراع معهم ليس على الجولان فهيهات هيهات.. الصراع معهم على حيفا ويافا وعكا حيث جثا نابليون من قبل على ركبتيه، بل صراعنا معهم على تل الربيع نفسها، عينها، ذاتها. وعلى بني قومنا أجمع أن يتوقفوا عن ذكر مدينة اسمها تل أبيب...

وعلينا- ثانيا- أن نسقط ، كجواب ساخن مناسب على سياسات قوم ليبرمان وليس على تفوهاته، كلَّ الأحاديث معلولة المتن والسند عن السلام الذليل. كفى ضياعا للوقت. وانشغالا عن واجب الوقت الأول.

إنه في مقدور أبناء أمتنا وشعبنا أن يتفهموا التربص في انتظار متغيرات دولية تعين على التحرير، ولكن ليس في مقدورهم أن يرقبوا حال من ينقض أساس الجدار الذي يقف عليه، بنشر ما يسمى ثقافة السلام المتفشية وتجميله بعبارات العادل أو الشامل أو الدائم.

التربص بتغيير دولي ينبغي أن يشغل الوقت ببناء داخلي حقيقي، يضع في مشروعه صياغة الجواب الأمثل على السياسات العدوانية وليس على التفوهات.

علينا أن نعيد شعبنا إلى ثقافة أن هؤلاء الغاصبين هم أصل بلائنا وفرعه، وترابه وماؤه، وشمسه وهواؤه. وأنّ لنا لهم موعدا نعرفه ويعرفونه.

من موقعنا ومن بين الرحيين، ومن وراء الوراء؛ نُسمعها لكل المحتلين الغاصبين: خسئتم، وشاهت وجوهكم، وخاب فألكم. فهذه الشام، شام المنارة البيضاء التي تعرفون، وأهلها جند الفئة الظاهرة إلى يوم الدين. وإن بيننا وبينكم غدا، وإن غدا لناظره قريب.

              

(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية