نديم الملاح : العلامة المجاهد، والشاعر المعلم
( 1311 - 1393 هـ)
( 1893 - 1973 م)
كانت طرابلس في أواخر العهد العثماني، بوابة جبل لبنان الشمالية، ومفتاح الساحل الممتد جنوباً على شواطىء البحر الابيض المتوسط، وقد شهدت في تلك الفترة حركة وتجارة ناهضة، كما اندغمت بحكم موقعها بالهم العربي، ونالت حظها من القهر والظلم، الذي مارسه الحكام الأتراك، في ظل النهج الجديد لجماعة الاتحاد والترقي، فجاءت هذه الظروف الشائكة لتكون البيئة الاجتماعية والسياسية التي ولد فيها الشيخ نديم الملاح .
برز الشيخ الجليل والعلامة نديم الملاح في تاريخ الدولة الأردنية كأحد الرجالات الذين ساهموا في تشكيل الحركة الفكرية والثقافية فهو علم من أعلام الأدب واللغة ، واسع المعلومات ، غزير العلم طيب القول رقيق الحس متدفق المشاعر عُرف بتواضعه وميله للإصلاح ، نشأ على يديه رجالات الأردن العظام الذين كان لهم دور هام في تطور الدولة الأردنية منهم دولة المرحوم بهجت التلهوني والأستاذ موسى الساكت والمشير حابس المجالي والمرحوم الأديب عبد الحليم عباس ، والمرحوم الأستاذ خليل الساكت والمرحوم السيد محمد الخشمان، وحافظ جاسر ، وعلي سيدو الكردي وعبد المجيد السالم الحياري وغيرهم الكثير، آمن بأن الوطن العربي وحدة واحدة غير قابلة للإنقسام، فارتحل في أرجائه طالباً للعلم متقصياً للحقائق والمعارف مقدماً ما لديه من ثقافة لجميع أبناء الوطن العربي .
مولده ونشأته :
ولد الشاعر المعلم نديم بن محمود بن أحمد بن محمد بن عمر التقي الملاّح في طرابلس/ لبنان سنة 1311 ه / الموافق سنة 1893م .
وأسرة الملاح نسبه إلى تجارة الملح حيث امتهن جد العائلة تجارة الملح في مدينة طرابلس بلبنان ، وهذه المرحلة من عمر الأمة هي بلا شك مرحلة حرجة وفاصلة، وقد ترعرعت طفولته في أزقة طرابلس وحاراتها ، وكانت هذه المدينة الناشطة بوابته للعالم الكبير.
دراسته ومراحل تعليمه :
وتلقّى في مدينته طرابلس تعليمه حتى المرحلة الإعدادية .
ثم قصد القاهرة؛ ليكمل تعليمه في الأزهر، فحصل على شهادة الأزهر الشريف سنة 1913م ، وكان من أهم أساتذته ومعلميه الأزهريين :
-الشيخ عبد الكريم محمد عويضة .
- الشيخ محمد كمال الدين القاوقجي .
- سليمان عبد المعطي .
- عيسى يوسف منون.
- العلامة محمد الحسيني الطرابلسي .
- والإمام محمد عبده الذي تشرب على يديه فكر السلف، وروح الإصلاح .
وبعد مضي ست سنوات ، قضاها في تلقي العلم في الأزهر، عمد فور حصوله على شهادته الأزهرية الى العودة الى وطنه، وشهد عن كثب ما مرّ على البلاد من تحولات انتهت بسيطرة الفرنسيين على لبنان والشام .
تنقل نديم الملاح خلال حياته في عدة بلدان حيث عاش في سورية، ومصر، والأردن ، وفلسطين، وتركيا.
وعمل نديم الملاّح إماماً في الجيش العثماني مدّة الحرب العالميّة الأولى.
وقد كان لهذا المجاهد نشاط سياسي مناهض للوجود الفرنسي ، وعندما شعر الفرنسيون بخطر دعوة نديم الملاح ضدهم، طاردوه، وضيقوا عليه ، الأمر الذي دفع به، فلجأ إلى القدس .
الملاح في دمشق:
بعد أن أمضى عامي ( 1919 - 1920 ) في دمشق حيث شارك في الحياة السياسية، والأدبية، يخطب، ويحاضر، ويناقش في النادي العربي .
اللجوء إلى القدس الشريف :
وصل نديم الملاح إلى القدس الشريف عام 1920م ، وقد عمل خلال هذه الفترة مدرساً بمدرسة روضة المعارف في القدس، وعهد إليه بتدريس الدين واللغة العربية. استمر الشيخ نديم الملاح في عمله في مجال التدريس في القدس ، وعمل الشيخ المجاهد على أكثر من جبهة حيث تابع دراسته في معهد الحقوق المقدسي سنة 1924، وحصل على شهادة الحقوق المقدسيّة من مجلس العلوم الحقوقية في القدس.
لكنه خلال هذه الفترة لم يتخلّ عن فعله النضالي في مواجهة المستعمر أياً كان ، فالأرض عربية الملامح والوطن واحد ، فأسهم في الحركة المناوئة للإنجليز في فلسطين
الهجرة إلى الأردن :
ضاق الإنجليز به ذرعاً ، وأجبروه على اللجوء إلى الأردن ، حيث وصل عمان في عام 1925م ، ولعل المناخ العروبي الذي تأسست عليه إمارة شرق الأردن، شكّل للملاح ملاذاً مشجعاً على الإقامة والعمل في خدمة أمته العربية ، لقد وجد الملاح في الأردن المناخ الملائم والمكان المناسب الذي يلتقي به أحرار العرب .
طابت له الإقامة في الأردن، فعمل مدرساً في مدرسة تجهيز عمان من سنة ( 1925 - 1926 )، ثم التحق بمدرسة تجهيز إربد من سنة ( 1926 - 1927) وفي مدرسة السلط الثانوية من سنة ( 1928 - 1931 ) ، وهناك في مدرسة السلط، لعب دوراً مؤثراً ولمع نجمه، حيث تخرج على يديه عدد من رجالات الأردن العظام الذين تقلدوا مناصب سياسية رفيعة المستوى في تاريخ الدولة الأردنية، وكان من الأساتذة الذين زاملوه في التدريس :
- الأستاذ محمد سعيد البحرة .
-والمرحوم محمد أديب العامري .
- والمرحوم محمد علي الحوماني .
- والمرحوم على روحي.
-الشيخ محمد الصالح .
-الأستاذ عبد اللطيف الحسيني .
وكان له تأثيره الخاص على طلابه ، وله بصماته في مجال التربية والتعليم .
أشهر تلامذته :
وكان من بين التلاميذ الذين تعلموا على يديه :
-فوزي الملقي، موسى الساكت، بهجت التلهوني ، حابس المجالي ، عبد الحليم عباس، ونجيب الرشدان.
حصل على إجازة بالمحاماة في لبنان من نقابة المحامين في طرابلس سنة 1925 وحصل على إجازة لتعاطي المحاماة أمام المحاكم النظامية في عمان في 3 أيلول سنة 1929م.
وقد عمل الملاح بعد ذلك محامياً شرعياً ونظامياً ، ومكنه حصوله على شهادة الحقوق المقدسية من مجلس العلوم الحقوقية في القدس، من العمل في المحاماة في مرحلة لاحقة، حيث بقي يمارس مهنة المحاماة أكثر من ثلاثين عاماً ، وكان من المميزين والمتفوقين فدافع عن حقوق المظلومين والأبرياء ، فعرف الحق، وكان مقصداً للمحتاجين يستغيثون به .
وحول التدرج الوظيفي في حياة المرحوم نديم الملاح تحدث الأستاذ زياد أبو لبن قائلاً:
- كان نديم الملاح عضواً في لجنة فحص طلبات الإجازة في مهنة المحاماة الشرعية من سنة 1948 حتى سنة م1952 .
-وعضواً في مجلس الأوقاف الأعلى سنة 1947 م .
-وعضواً في إدارة الشؤون الإسلامية من سنة 1955 حتى سنة م1958 .
-وعضو الهيئة العلمية الإسلامية من سنة 1959 حتى سنة 1961 حيث استقال منها حين صار عضواً في مجلس الأعيان الأردني .
-وكان نديماً للملك عبد الله بن الحسين في مجالسه الدينية والأدبية .
فكان الملك يرى نديم الملاح مجمعاً علمياً فيه من شتى ضروب العلم والمعرفة فكان عالماً أديباً شاعراً مثقفاً سياسياً ناقداً وكانت مناقشاته للأمور والقضايا التي يطرحها الملك المؤسس تلقى طريقها إلى نفس الملك عبد الله الأول فتحظى بالقبول.
-وبعطف كريم من الملك الحسين بن طلال قام مراراً بعضوية هيئة النيابة عن العرش حين سفره سنة 1956 ، 1957 ، 1958م.
دوره في مجال الصحافة الإسلامية :
عَمًدَ الشيخ نديم الملاح إلى تأسيس أول مجلة تصدر في الأردن "مجلة الحكمة" أوائل سنة م1932 بهدف نشر العلم والثقافة بين جميع أفراد الشعب الأردني، وقد قال العلامة نديم الملاح في مقدمة العدد الأول من المجلة: (( جلوت فيها ظلام الجمود والتقليد بنور التفكير الحر والدليل الواضح وجعلت للدين المنزلة العليا منها.
وقد صدر منها عشرة أعداد في السنة الأولى وعددان في السنة الثانية م1933 .
ومن أشهر الذين كتبوا في مجلة الحكمة : سليمان النابلسي، وحسني فريز، وعبد الحليم عباس ، وعلي سيدو الكردي، وصالح الصمادي، وسعيد الدرة، ونجيب الشريدة ... وغيرهم.
-فلسطين :
وللشيخ نديم الملاح قصيدة مطولة عن القدس تقع في 35 بيتا سماها فتنة فلسطين (1949).
مؤلفاته :
• الشعر:
1. المشاعر، وزارة الأوقاف، عمّان، 1975.
2. ديوان الشيخ نديم الملاّح، تحقيق راسم نديم الملاّح، منشورات دائرة الثقافة والفنون ، وزارة الثقافة، عمّان، 1984م.
• الدراسات:
- له عدد من المؤلفات، منها:
1. نموذج الفضائل الإسلاميّة، 1945.
2. العقائد الإسلاميّة، مطبعة الأيتام الإسلاميّة، القدس، 1952.
3. رسالة الروح، د.ن، عمّان، 1962.
4. حقوق المرأة المسلمة، المطبعة الحديثة، عمّان، 1969.
5. موجز تاريخ الرق، المطبعة الحديثة، عمّان، 1969.
6. في الميزان (استدراك على كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي، منشورات دائرة الثقافة والفنون، عمّان، 1984م.
7. مختارات في اللغة والأدب، وزارة الثقافة، عمّان - د.ن.
8. الفلاسفة السبعة، تحقيق شكري حجّي، دار الجذور، الزرقاء، 1997.
9. الأعمال الكاملة، الجزء 3،2،1 ، جمع وتقديم زياد أبو لبن وسمير اليوسف، وزارة الثقافة، عمّان، 2003.
• مخطوطات:
1. استدراكات على الأستاذ محمد كرد علي في خططه وعلى القرارات اللغويّة التي قرّرها مجمع لغة العرب وما في عنوانه السابق من خطأ لغوي وقد قام بتصحيحه.
2. سرّ البلاغة.
أسرته :
• زوجته من آل عطية من مدينة السلط.
• أبناؤه : سهيل ، راسم ، حازم ، ( اللواء الطبيب إبراهيم الملاح من أشهر الأطباء في الأردن )، وله ابنتان.
. ومن أحفاده المذيع المعروف نديم إبراهيم الملاح في قناة الجزيرة للنشرات الاقتصادية .
نهاية المطاف :
لقد أخلص نديم الملاح لوطنه الأردن ، وبذل ما في وسعه ليسهم في نهضته ، وما توانى عن تقديم الغالي دفاعاً عن هذا الحصن العربي الاشم ، ولم يتوقف الشيخ نديم الملاح عن الكتابة والعمل حتى خرجت روحه الطاهرة إلى باريها في 17/9/1973م ، وبقي ذكره طيباً ونتاجه خالداً نقياً، كالشجرة المباركة، رائحتها زكية وثمرها طيب .
ودفن في المقابر الملكية بأمر من الملك الحسين بن طلال ، وهكذا فإن المتتبع لسيرة حياة الشيخ نديم الملاح يجد أنه قد عاش حياة كان فيها شعاعاً للنهضة الثقافية والفكرية والدينية فكان الأديب البليغ الفصيح اللسان والصحفي البارع والمدرس الملخص والمربي الفاضل والقانوني المرموق عاش ومات وقوراً مهيباً فأجله الناس، وعلا في نظرهم .
رحم الله العلامة والشيخ الجليل نديم الملاح، وأسكنه فسيح جناته .
قالوا عن الشيخ الشاعر نديم الملاح :
وقال دولة السيد أحمد اللوزي في شخصية الشيخ نديم الملاح : كان الأستاذ الشيخ نديم الملاح رحمه الله من أعلام الفكر والأدب والتربية والتعليم والوطنية والمحاماة وقد ضرب في هذه الميادين بسهم وافر وله فيها تأليف وخطابة وتدريس ومواقف ، أكرمُ المآثر ، وإن كان الشعر كما وصفه في ديوانه "صوت شعور" فإنك واجد فيه إلى صدق اللهجة أرفع السجايا وأنبل المشاعر وهو يمثل بحق جيلاً من المناقب والمبادئ يضطلع بأشرف التبعات وينهض بأسمى المهمات وقد لقي الأديب الشاعر بعد ذلك من جلالة الحسين بن طلال ما كان يلقاه من جده الملك عبد الله من رعاية وقد اختصه بالثقة وأكرمه باختياره عضواً في مجلس الأعيان ، حيث كان له أثره المرموق شأنه شأن أنداده من رجال الرعيل الأول. وفي أثناء مقامه في الأردن ، في صدر شبابه حتى استأثرت به رحمة الله في شيخوخته كانت له في جميع المناسبات القومية مواقف يصدح فيها تمجيداً لحركة عربية أو تحية لبطل وطني أو هزاً لروح قومية أو رثاء لراحل عظيم.
وقال د. محمد محمود العناقرة : (( كان العلامة نديم الملاح ناثراً صاحب أسلوب خاص يتصف بالمتانة التركيبية والجزالة اللفظية والتسلسل المنطقي والإيجاز وكان شاعراً مجيداً طرق أبواباً منوعة من الشعر كان يحب الأردن، ويفتخر بأجياله الصاعدة وإذا أردنا ذكر مناقب وصفات الشيخ الملاح فإن المرء يحار من وجود شخص تجتمع فيه هذه المناقب كلها فكان القدوة لطلابه يسيرون على نهجه ويعتبرونه المثل الأعلى لهم )) .
قال الأستاذ عجاج نويهض في شخصية نديم الملاح: الشيخ نديم الملاح قدوة الطبقة المتقدمة من الفضلاء، علامة فقيه فهامة، وعاء من أوعية العلوم الإسلامية ، عليم بها بصير، وقد جمع إلى ذلك الأدب من الطراز العالمي الأصيل، نظماً ونثراً وهو في أسرار اللغة صيرفي حاذق كلامه منقى وعباراته عالية الأسلوب وافرة الرصانة، وبعد تميزه بالعلوم الإسلامية ورسوخ قدمه في الأدب، تميز بفضيلة زادت من فضله وضياء سراجه، أديب دقيق الميزان محيط بدقائق اللغة كثير الحفظ لمتونها ولنوادرها وأمثالها وحكايتها ، طيب القول رشيق المعنى.
وقال الأستاذ ضيف الله الحمود: ظل العلامة نديم الملاح حتى النهاية المحتومة محافظاً على كرامته معتداً بأصالته باراً بتراث أمته وقيمها الحضارية وفياً للغتها وفاء للعروبة والإسلام حيث تمكن هذا الوفاء من نفسه ليجعل حديثه عن هذه اللغة وآدابها جدياً حماسياً ، الشيخ نديم الملاح من رجال الرعيل الأول ومن مدرسة الثورة العربية عاش ومات وقوراً مهيباً محترماً ناظراً بأبصاره نحو المثل العليا مؤمناً برأيه صادقاً في أقواله ولهجته يكد ويتعب غير مرخص نفسه وهو لا يذل كرامته فأستحق التقدير من الله العلي العظيم أحسن الجزاء.
أما الأستاذ عبد الرحيم الواكد فقد وصف الشيخ نديم الملاح قائلاً: لقد كان العلامة نديم الملاح بطلاً مقداماً في قول الحق لايماري، ولا يداهن إذا نطق بلسانه الفصيح سكت الجميع إجلالاً واحتراماً لما يبديه من آراء صائبة وأفكار صادقة على أن مهابة العلم الذي يملأ صدره والتي تجعل السامع يوجس خيفة من الرد على ما يبديه من آراء ليخفف من غلوائها بسمته العذبة وضحكته الصافية وخلقه الرضي مما يجعل السامع مطمئن البال على نقاشه معه ليزداد علماً ومعرفة.
الأديب روكس العزيزي قال في نديم الملاح: الشيخ نديم الملاح عالم ثبت وبحاثه محقق ، شاعر تطيعه اللغة ، وتنقاد له القوافي زانه تواضع العلماء وسعة آفاقهم وحبه للإصلاح ووفائه لأصدقائه وإخلاصه للحقيقة وميله للتجديد النافع وكراهيته للتزمت البغيض. هدوء العلماء واتزانهم سماحة في النفس ، تبعده عن التزمت وتدعو إلى الاطمئنان إليه ..هذه هي الملامح التي تبرهن في أول لقاء للمرحوم الشيخ نديم الملاح.
تكريم وتقدير :
قامت الحكومة الأردنية بتسمية شارع باسم نديم الملاح في الأردن .
وقدم الناقد الأستاذ زياد أبو لبن في رابطة الكتاب الأردنيين فرع إربد محاضرة بعنوان "نديم الملاح في الميزان"، مستعرضاً مسيرة حياته، ومتوقفاً عند مؤلفاته في العقيدة الإسلامية وديوان شعره ومقالاته في اللغة والأدب .
وقال أبو لبن:
يُعد الشيخ نديم الملاح ( 1892 - 1973 ) أحد أعلام الفكر والأدب في القرن العشرين ، وقد أصدر مجلة "الحكمة" سنة 1932 - 1933 ، وتولّى مناصب عديدة ، وكان أوّل كتاب صدر له هو "أنموذج الفضائل الإسلامية" ، حيث جاءت فكرة الكتاب بعد أن ألقى الشيخ الملاح خطبة في نادي جمعية الشبان المسيحية في القدس بناء على طلبهم. فكتب فصول هذا الكتاب يبيّن فيه فضائل الإسلام على العالم بوصفه ديناً اجتماعياً سياسياً إنسانياً ، فتحدّث عن الشورى والحرية والعدل والمرأة وحقوقها وغير ذلك من المواضيع المتعلقة بالعبادات والمعاملات. فيما بعد اتّسعت رؤية الشيخ الملاح وتعمّقت نظرته للإسلام فكرياً ، فكتب كتاباً عن العقائد الإسلامية .
كما توقف أبو لبن عند كتاب: "الفلاسفة السبعة" ، وعلل سبب وقوفه بـ: الأسلوب الجميل ، الذي سار عليه الشيخ ، فهو قد بسط العبارة ، ورقق اللفظ ، وانتقل من حديث لآخر ، نقلاً سهلاً ممتعاً ، يروق للقارئ ، وقد استخدم الشيخ لأنا المتحدثة على ألسنة الفلاسفة ، في سرد وقائعهم ، وأطوار حياتهم ، وجعل منهم شهوداً على عصور جاءت بعد وفاتهم ، بل يحاكون تلك العصور وكأنهم أحياء مرّوا بها.
وختم محاضرته بالقول إن الشيخ نديم الملاح أحب العربية حباً جماً فأجادها وأبدع فيها ، وحرص على انتمائه للعروبة ، واعتزازه بعقيدته ، وكان شديد الحرص على صحة اللغة ، وسلامة أساليبها ، وصاحب دعوة للارتقاء باللغة ، والابتعاد عن الرخيص المبتذل من القول ، والنهل من معين التراث وعيونه. وكان قد أدار المحاضرة الشاعر علي الهصيص ..
ومن المعروف أن الناقد زياد أبو لبن، والقاص سمير اليوسف قد أصدرا الأعمال الكاملة للشيخ نديم الملاح في ثلاثة مجلدات صدرت عام 2003 وعام 2005 عن وزارة الثقافة .
شعر نديم الملاح : دراسة موضوعية وفنية .
شاعريته :
يعتبر نديم الملاح شاعراً مجيداً ، تمتاز أشعاره بالعذوبه والرقة ، وقد كان نديماً للملك عبد الله الأول خاصة في مجالسه الدينية والأدبية ، ويصفه من عاصره في شبابه، بأنه كان متوثباً تملأه الحماسة، واسع المعلومات، ومهجوساً بالقضايا الوطنية والقومية ، ويعد محاوراً من الطراز الرفيع، سريع البديهة ، وقد التزم بالعمامة منذ شبابه الباكر.
ولم يكتف بالشعر، بل كانت له دراسات عديدة في الفقه والعبادات وعلوم الدين، وكذلك في اللغة والتاريخ، فلقد امتاز بالمعرفة الواسعة والثقافة الجامعة ، بالإضافة لدراسته في الأزهر الشريف ومعهد الحقوق في القدس .
نظم في عدد غير قليل من أغراض الشعر: كالمدح، والنقد الاجتماعي، والاهتمام بعظماء الرجال، مدحًا أو رثاء، له قصائد في مدح جهاد غاندي، وفي رثاء سعد زغلول، والمنفلوطي، وجبران، وعز الدين القسام، وله شعر ذاتي عبر فيه عن تجربته النفسية وهمومه الخاصة، وتطلعاته، غلب على قصائده الاتجاه الوطني والتربوي، مستنهضًا الهمم ومعبرًا عن رؤيته القومية، وسرت فيه روح الدعابة والمرح، في عبارته سلاسة ورشاقة، وفي أوزانه موسيقا تتجاوز الوزن والقافية إلى البنية الصوتية للعبارة، كما في «الشرق الساهي» و«سورية والحدث المنتظر» وغيرهما.
رثاء المجاهد الشهيد عز الدين القسام :
جاءت قصيدة الرثاء هذه رداً على بيان حكومة الانتداب الذي أعلن القضاء على عصابة من الأشقياء في أحراش يعبد، فهي للشاعر نديم الملاح (لبنان) بعنوان «سمّوك زوراً..»، نختار منها:
ما كان ذودُك عن بلادك عارا بلْ كانَ مجداً باذخاً وفخارا سمّوك زوراً بالشقيِّ ولم تكن إلا بهم أشــــــــــقى البرية دارا قتلوا الفضيلةَ والإباء بقتلهم لكَ واستذلوا قومك الأحرارا أنكرتَ باطلهم وبغيَ نفوسهم فاسترسلوا في كيدك استكبارا كثروا عليكَ بمأزقٍ لو أنهُ ريعَ الخميسُ به لطارَ فرارا فثبتَّ بين رصاصهم مستبسلاً يَتِرونَ منكَ وتدرك الأوتارا ورأيت كأس الموت أطيب مورداً من عيشة ملئت أذى وصَغارا
ويناجي الشهيد عز الدين القسام، ويقول له إن استشهادك أذكى نفوس المسلمين بالحقد على الأعداء والثورة على الظلم، والطغيان، والاحتلال، فقال:
يا شيخ عز الدين: رزؤك إنه أذكى شعورَ نفوسنا وأثارا علّمتنا كيف الذيادُ عــن الحمى أذكى شعورَ نفوسنا وأثارا
ويصور النعيم العظيم الذي ذهب إليه الشهيد، وما أعده الله للمجاهد العظيم، فربح الجنة، أما الأعداء فربحوا الخزي والخسران:
خلصت إلى الديان روحَك حرةً فحباكَ منه في الجنان جوارا حُمِّلتَ فيهم مثل أجر مجاهدٍ وتحمّلوا في ظلمك الأوزارا
تهنئة :
ومن شعره السياسي ما جاء في قصيدة له تحت عنوان ( تهنئة) موجهة إلى ملك الأردن في ذلك الزمان :
كنتَ للمُـــــــــــــــــــــــلكِ دُرّةً في جُمانِه لبقَ الرّاحتين من صولجانِه
زانه منـــــــــــــــك مَحْتِدٌ هــــــــــــــــــــــــــــــــاشميٌّ بذّ مجدّ العريق في إيوانه
بك «شرقُ الأردنّ» عزّ وأمسى نابهَ الذّكر فاخرًا بكيانه
جذلاً بالذي تأثلت فيه هزجًا بالبديع من ألحانه
سنحت فرصةٌ له بك أحلى من زُلالٍ عذبٍ على ظمآنه
لكَ عبدَ الله التحيةُ والطا عةُ من شِيبهِ ومن شُبّانه
فضعِ التّاجَ زاهيًا بكَ واجلسْ فوقَ عرش القلوبِ من سلطانه
وابنِ في ملْككَ المؤثلِ مجدًا نهدَبَ الحلو من جَنى أغصانه
أشاد في هذه القصيدة بجهود الملك عبد الله الأول مؤسس المملكة الأردنية الحديثة الذي عزّ به شرق الأردن، ويصور سعي الملك للوحدة والعدل والمساواة، فيقول :
رحتَ تسعى لوحدةٍ هي أحرى ببلادٍ كالمشط من أسنانه
وحّدتْ بيننا بها لغةُ الضّا دِ وخلقٌ كالعَرف من رَيحانه
وأشاعَ الإخاءَ والحبّ فيها روح عيسى والوحي من قرآنه
جزأتْها مظاهرُ استقلالٍ ذاب فيها الإصلاحُ من أحزانه
يحملُ الشّعبُ بذخَها وهو ناءٍ عن نعيم الرّخاء في حِرمانه
إن تنلْ بعضَ ما طلبت فما كُلْـــــــ ـلُ مُرادِ المريد طوعَ بنانه
ظفرَ القانصُ المروّضُ يغريـ ـهِ بقنْص الشّرود من غزلانه
وحياةُ الورى جهادٌ ينال النْـ نَصْـر منه الجوال في ميدانه
ويذكر الملك بمسؤولياته تجاه فلسطين العزيزة التي يحيك المستعمرون لها المؤامرات، ولكن هيهات كانت المؤامرة أكبر من وعي الشاعر والملك معاً، ولنستمع إلى الشاعر، وهو يقول :
لفلسطينَ في ذمامك عهدٌ أنت أولى برعْيه وضمانه
باتَ في ريعها المروع شعبٌ عربيٌّ يشكو أذى عبدانه
حرمٌ قد أحلّه طرداء يطردون السّلامَ من أكنانه
يقرأ المطل واعتلال السجايا والمحاباةُ في طروسِ لجانه
لجنةٌ إثر لجنةٍ يتوالى وزنها الحقّ في قَفا ميزانه
باعَ أمجادَه سماسرةُ السُّو ءِ ببخسٍ يزول من أثمانه
وصور كيف باع سماسرة العرب فلسطين بثمن بخس، وندد بجرائم الصهاينة وهجرتهم إلى الربوع الطاهرة :
وأعلّوا عليه هِجرةَ شرٍّ يتلظّى منها على نيرانه
خطّ فيه قومُ صهيونَ وعدًا ساسةٌ أجمعوا على خذلانه
رفقوا بالبهيم من حيوانٍ وعدوا قسوةً على إنسانه
بدّلوه من غابر الأمن خوفًا هتكوا منه حرمة اطمئنانه
حشَروا فيه كلَّ علجٍ عنيفٍ قلقٌ طبعه كرطنِ لسانه
وأباحوا شعوبَهم ليهودٍ فهي منهم كالذئب من حملانه
جرعوا باحتكارها مرَّ عيشٍ استبدتْ بالحُلو من ألوانه
لم يثر كيدُها حماسَ تروما نَ ولم يور منه زَنْدَ حنانه
وطنُ العرب عائذٌ من أذاها بالسَّراة الأخيار من أعوانه
وبشبل الحسين والوارث الوفـ ـرَيْن من عزمه ومن إيمانه
يا بنَ بنت النبيِّ! دام لك العزْ ـزُ بحالَيْ رخائِه وأمانه
يزدهي بانقياده لك شعبٌ عبقريُّ النضال عن أوطانه
وحميٌّ يأبى على الضَّيْم صبرًا ويلذُّ الحِمامُ دون هوانه
وفي ختام القصيدة يعود إلى تبجيل الملك الذي لا يقلّ دوره عن غيره في نسج خيوط المؤامرة ومع ذلك راح الشاعر يمدحه، ونحن نلتمس له عذراً، بأنه لا يعرف ما كان يجري من وراء الكواليس، ولعل له عذراً ونحن نلوم .
تجار الوطنية والدين :
ويشن الشاعر هجوماً كاسحاً على تجار الوطنية والدين، ويفضح خبيئة نفوسهم، فيقول :
خليليَ! هل أبصرتَ ما أنا مُبصرُ؟ وهل أنت ذو حسٍ بما أنا أشعرُ؟
أَعِنِّى على ريب الزَّمان وغدره وكن عدةً لي في الذي منه أحذر
أَعِنّي على أرباب دينٍ لهم به لدى من يعاديه رواجٌ ومتْجَر
فقد قلّ أنصاري عليهم وراش لي سهامَ مَلامٍ من لهم بات ينصر
جرائد قامت تدّعي وطنيَّةً وماضي ذويها أسود الوجه أعور
لها الأصفرُ المرنان دينٌ وكعبةٌ فإن ذكرتْ فالمالَ لا الله تذكر
خليلي قل للعُمْيِ: إن بقاءكم على الضّيمِ أمرٌ في الشريعة منكر
أجلّ مرامي دينكم وبحوثه مساعٍ بها أوطانكم تتحرر
فلا تُشغلونا بالألاعيب خدمةً لسادتكم فالسرُّ منكم مشهَّر
إنهم أناس تحركهم الأطماع ويخدعه الأصفر الرنان، بل هم عملاء المستعمر، وأذناب الطغاة المستبدين :
عرفناكمُ للغاصبين صنائعًا تلهوننا عمّا به الفكر أجدر
شروكم بأموالٍ وعالي مناصبٍ كما ضمّ في الحمّام للجسم مئزر
خليليَ! أسعدْني بدمعك باكيًا لدينٍ به الدّجالُ يهذي ويمكر
فقد جفَّتِ الآماقُ منّيَ حرقةً وأعوزني صبرٌ على ما يدبَّر
إن الشاعر يتفطر فؤاده على ما أصاب الدين والوطن على أيدي هؤلاء التجار الفجار .
وقفة اليرموك :
وفي قصيدته ( وقفة اليرموك ) نرى الشاعر نديم الملاح يمجد الماضي المجيد، ويفتخر بأعمال الأجداد، الذين فتحوا بلاد الشرق والغرب، وشاد المجد الباذخ، واٌقاموا صرح الحضارة، فلله درّ الشاعر عندما يقول :
صُغْ للرجالِ الصِّيدِ عِقدَ مديحِ بلسان صدقٍ في الثَّناء فصيحِ
واقرأ صحائف مجدهم فلعلها بَعثتْ بنفسك نسمة من روح
وانسجْ على منوالهم فيما بنوا من عزّة قعساء ذات صروح
فأرى الحياةَ إذا خلتْ من عزّها ذوبانَ ملح وانتفاض ذبيح
واليأس لا يملكْ فؤادكَ إنّهُ عذرُ الذليل وعلّة المكبوح
عرّجتُ باليرموك أذكر عهدَهُ ذكرى هوىً نقضتْ عليَّ جروحي
ووقفتُ أسأله سؤال متيّمٍ أغنتْ إشارتُه عن التصريح
فأجابني بهديره وكأنّهُ زفراتُ صبّ أو أنين جريح
• من مراجع ترجمته:
1. أبو صوفة (محمد): من أعلام الفكر والأدب في الأردن، جمعية عمال المطابع التعاوينة، عمّان، 1983.
2. قطامي (سمير): الحركة الأدبية في شرقيّ الأردن، وزارة الثقافة والشباب، عمّان، 1981
3. المشايخ (محمد): الأدب والأدباء والكتاّب المعاصرون في الأردن، مطابع الدستور التجارية، عمّان، 1989.
4-الدستور التجارية - عمان 1989
5-نديم الملاح.. الشيخ الجليل والشاعر (المعلم)- هزاع البراري
6- من الرعيل الأول : الشيخ نديم الملاح – د. محمد محمود العناقرة .
وسوم: العدد 786