الأديب الصحفي أحمد عبدالغفور عطار
(1335 - 1411هـ / 1915 - 1991م)
مولده ونشأته
هـو الكـاتـب الكـبير والـصحفي الـقديـر والأديـب اللغـوي الأستـاذ أحمد عبد الغفور عطار، من مواليد مكة المكرمة سنة 1335هـ، بدأ تعليمه في المدارس النظامية، حتى حصل على الشهادة الثانوية من المعهد السعودي في العاصمة المقدسة، ثم أوفدته الحكومة السعودية إلى مصر لاستكمال دراسته في كلية دار العلوم بالقاهرة، فكان يجمع بين الانتظام فيها والاستماع بكلية الآداب في جامعة القاهرة.
ولكن ظروفًا عائلية اضطرته إلى العودة إلى بلده قبل أن يتم دراسته الجامعية، ومع هذا لم ينقطع عن مواصلة التحصيل العلمي ومتابعة الدراسة والقراءة في كتب الأدب والدين واللغة ومختلف المعارف، وقد عمل موظفًا مدة ثلاث سنوات، ثم تحول إلى العمل الصحفي والتأليف، فقد أصدر جريدة (عكاظ) عام (1379هـ - 1959م) اليومية ثم مجلة (كلمة الحق) عام (1387هـ - 1967م) ولم يتوقف عن التأليف والكتابة في الصحف والمجلات داخل المملكة وخارجها، وكان يكتب مقالات كثيرة تحت أسماء مستعارة مثل: عبد الله، عبد الله مكي، عبيد الحازمي".
وكان من المدافعين عن اللغة العربية، باعتبارها لغة القرآن الكريم، ومفتاح فهم الكتاب والسُّنَّة، وقد واجه موجة التغريب التي تجتاح العالم العربي والإسلامي وتصدى لها بكل صلابة وقوة.
وكان كثير القراءة حتى قال عن نفسه: إنه يقرأ في كل يوم أربع عشرة ساعة، وهو موسوعة علمية يرصد كل ما يصدر من المطابع، ويتتبع كل ما يُكتب في الصحف والمجلات والكتب، وبخاصة إذا كان له علاقة بالإسلام أو المسلمين أو اللغة العربية، ونال جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام (1405هـ - 1984م)، وأهدى مكتبته إلى مكتبة الحرم المكي، وكانت تحتوي على خمسة وعشرين ألف مجلد.
وهو يحظى بتقدير كبير لدى الأدباء والباحثين وكانت له صلة وثيقة بالأستاذ سيد قطب الذي أحبه ووقف إلى جانبه في محنته أمام الطغاة والفراعنة، وقد كتب عنه في مجلته (كلمة الحق) بعد استشهاده يقول:
"إن سيد قطب عنيد في الحق، فهو إذا اعتقد شيئًا أصرّ عليه، ولا يعتقد إلا الحق، وهو عنيد في كفاحه وجهاده، لا يثني عزيمته وعناده أمر من هذه الأمور التي تحطم الرجال تحطيمًا..
وأولى خصال سيد قطب هي الإيمان بالله، فهو يعرف أن قوة الحكومة كبيرة، ولكنه يؤمن أن الله أكبر، وهذا الإيمان يجعل تلك القوة الكبيرة الضخمة، صغيرة وضعيفة، فيكبر عليها بإيمانه أن الله أكبر، ولهذا لم يبال بقوة الطغيان وقوى الفساد، وقوى الشر الكبيرة، ودفعه إيمانه بأن الله أكبر، على الوقوف في وجهها والانتصار عليها" انتهى.
إن الأستاذ العطار رجل مواقف وصاحب عقيدة ومبدأ، سخّر قلمه للدفاع عن لغة القرآن الكريم، وشهر سلاحه في وجه أعدائها، وأبان خصائصها ومحاسنها وقدرتها على البقاء وصلاحيتها لكل العصور؛ لأنها ليست لغة جامدة، بل وسعت مطالب الإنسان كلها، كما وسعت كتاب الله وأحاديث رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وفي كتابه القيم (الزحف على لغة القرآن) يحدثنا فيقول: "إن الأدباء الذين سبقوا هذا الجيل الجديد، عاشروا القرآن الكريم طويلاً، وعكفوا على قراءته ليل نهار، وهذه المعاشرة الطويلة أكسبت أساليبهم لونًا رائعًا أصيلاً، وجعلتها أساليب وثيقة التركيب سليمة البنيان، وكيف تتهم اللغة العربية بالضيق والعجز وقد وسعت كتاب الله وأحاديث رسوله ووسعت آداب العرب وعلومهم وفلسفاتهم وفنونهم وحضاراتهم، ووسعت مطالب الإنسان كلها عندما كان الإنسان سيد الأرض.. فاللغة العربية ليست جامدة في حقيقتها، بل الذي جمدها هم أهلوها وحدهم، الذين حبسوها في قالب لا تستطيع الخروج عنه.
إن الدعاة الحاقدين على الإسلام يريدون إلغاء الأدب العربي.. وإلغاء القرآن الكريم.. وإلغاء الشعر العربي.. وإلغاء الحرف العربي.
إن في المأثورات الشعبية.. ما بعث الإسلام لمحاربته والقضاء عليه، كالأساطير والخرافات والوثنيات والشركيات وما إليها.
أنا لا أدعو لإعدام الحرية، بل أجاهد من أجلها، لأنها هبة الله للإنسان.
ولكني أطلب أن تكون الحرية تحت قوامة الإسلام الذي يصونها من الزلل.
والحرية التي تملي لصاحبها أن يعبث بحريات الآخرين هي حرية حيوان، وليست بحرية إنسان.
إن الازدراء بالأدب العربي خطوة إلى إنكار جميع المثل والقيم.. وقضاء على الحرية والكرامة وخنق لصوت الدين" انتهى.
هكذا كانت مواقف أستاذنا الفاضل أحمد عبد الغفور عطار، وهذا هو أسلوبه الصريح مع هؤلاء المتنكرين لدينهم ولغتهم والسائرين في ركب أعداء الإسلام من حيث يشعرون أو لا يشعرون، لأنهم يرددون كالببغاوات ما يقوله المستشرقون من افتراءات على القرآن والسُّنَّة واللغة العربية والأدب العربي والشعر العربي.. وبهذا يكون الأستاذ العطار مؤكدًا وملتزمًا بالمنهج الذي سار عليه أديب العربية بلا منازع الأستاذ مصطفى صادق الرافعي.
كما ينبري العطار متصديًا لأولئك الزاعمين بأن مناهج التربية والتعليم هي مناهج غربيّة ويفند دعاواهم ويبطل مقولاتهم حيث يقول: إن أئمة المسلمين هدتهم تجاربهم وثقافتهم وعلومهم وخبرتهم إلى طرق التربية والتدريس قبل الغرب بمئات السنين، وإن مناهج التربية الحديثة ليست غربيّة - كما يظن من لا علم عنده - بل هي في جملتها وصميمها مناهج عرفتها التربية الإسلامية، التي أجحف بها الظالمون المنتقصون لأقدار العرب والمسلمين.
إن غرض التعليم إعداد الفرد إعدادًا صالحًا للحياة، بحيث يكون قوة من قوى المجتمع وقواعده وأسسه، وبحيث يستطيع أن يواجه الحياة وكل ما فيها من حالات وأحداث ونظم وآراء وثقافات، حتى يوجه السلوك الإنساني توجيهًا صالحًا حسنًا، وتنمو الشخصيات وتزكو المواهب وتقوم موازين الخير والفضيلة والحق والجمال في المجتمع.. فالتربية عند المسلمين هي غيرها عند النصارى واليهود والمجوس، والتربية في المجتمع الفاضل المتدين غيرها في المجتمع الذي لا يعترف بدين.
يقول عنه الأستاذ محمد المجذوب في كتابه القيِّم (علماء ومفكرون عرفتهم):
"وقد شاقتني من بحوثه في الأناجيل المختارة، ذلك الجهد الجبار الذي يبذله الأستاذ العطار في تقصي الدلائل وتفلية النصوص والرجوع إلى العديد من المصادر والوثائق.. وإنه لجهد لا يصبر عليه إلا محقق وهب نفسه للعلم ووقف قلمه على تجلية الحقائق.. والحق أن سمة التحقيق والصبر - وهذه هي الميزة البارزة في نتاج الأستاذ العطار، سواء كان هذا النتاج كلامًا في الأدب أو آراء في اللغة أو بحثًا في التاريخ أو حديثًا في النقد أو حجاجًا بالفقه مستنبطًا من كتاب الله وسُنَّة رسوله (صلى الله عليه وسلم) - سمة تنبئ المتتبع لآثاره، أنه بإزاء طراز لا يكاد يشتبه بسواه من كُتّاب جيله، فالأستاذ العطار من بقايا الرجال الذين رضعوا أفاويق الثقافة الإسلاميـة من ينـابيعها الأصيلـة، إنك لتـقرأ كلامه فتحس نفحات الوحـي تهب عليك في ألفاظه المنتقاة، وتراكيبه المختارة، ومعانيه المتزنة المؤثرة" انتهى.
لقد أحببت أستاذنا العطار منذ عرفته سماعًا على لسان أبي الحسن الندوي، الذي زارنا بالقاهرة عام 1951م أثناء الدراسة الجامعية، حيث أخبرنا أنه يحمل رسالة منه إلى الأستاذ سيد قطب، الذي يحبه العطار حبًا شديدًا، ويذكره دائمًا بالخير، ويؤكد على الشيخ الندوي بضرورة التعرف عليه واللقاء به، وبالفعل التقى أبو الحسن الندوي الأستاذ سيد قطب بناءً على تعريف الأستاذ العطار، فكان ما كان من توثيق الصلات وزيادة المودة وتبادل الآراء، حيث كتب الأستاذ سيد قطب مقدمة كتاب الندوي (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟).
مواقف مع سيد قطب
لقد كانت مواقف العطار مع سيد قطب في محنته وسجنه من قبل الطاغوت عبد الناصر، من أكبر المواقف شجاعة ورجولة، فقد سخَّر مجلته (كلمة الحق) للدفاع عنه وعن إخوانه الدعاة، وكانت بينه وبين الشهيد سيد قطب مراسلات حتى وهو في السجن، بل سعى لدى الملك فيصل بن عبد العزيز، كما سعى غيره من العلماء والصالحين بالمملكة كالشيخ ابن باز وغيره لعدم تنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب، وذهبت برقية الملك فيصل إلى الطاغية، ولكنه أمر بسرعة التنفيذ وإعدام سيد قطب والجواب على البرقية بأنها وصلت بعد التنفيذ!!.
هذا الموقف الكريم من الأستاذ العطار ليس بالغريب، فلقد سمعتُ من أخي المجاهد أحمد الخطيب صاحب مكتبة الأقصى بالأردن، الكثير من المواقف الرائعة للأستاذ العطار حين التقينا نحن الثلاثة بالمكتبة بعمان يقول: "إن الأستاذ العطار من أدباء المملكة العربية السعودية، بل من أدباء العالم العربي الذين لهم دورهم الثقافـي وريـادتـهم الفكريـة ونتاجـهم الأدبي واللـغوي، فقـد أصدر أكـثر من سبعة وأربعين مؤلفًا، منها أحد عشر باللغة والأدب ما بين مؤلف ومحقق".
ومن أهم مؤلفاته
آداب المتعلمين - الأناجيل المختارة - الزحف على لغة القرآن الكريم - كلام في الأدب - آراء في اللغة - تهذيب الصحاح للزنجاني "ثلاثة أجزاء" - الصحاح للجوهري "سبعة أجزاء" - ابن سعود وقضية فلسطين - أحكام الحج والعمرة من حجة النبي (صلى الله عليه وسلم) وعمرته - أريد أن أرى الله بتقديم سيد قطب - الإسلام دين خاص أم عام؟ - الإسلام طريقنا إلى الحياة - الإسلام والشيوعية - أصلح الأديان للإنسانية عقيدة وشريعة - انحسار تطبيق الشريعة في أقطار العروبة والإسلام - إنسانية الإسلام - إننا عرب ومسلمون - بناء الكعبة على قواعد إبراهيم - مكة المكرمة - البيان - بين السجن والمنفى - التربية - توحيد إخناتون وثنية وكفر - جحا يستقبل نفسه - الحجاب والسفور - دفـاع عن الـفصحى - خمس دقائق قبـل الفطور - الديانات والعقائد في مختلف العصور - الشريعة لا القانون - الشيوعية خلاصة كل ضروب الكفر والموبقات والشرور والعاهات - اليهوديـة والصهيونيـة - مع الكتب والمؤلفين - المفتش - مع الملوك والرؤساء - صقر الجزيرة - عائشة أم المؤمنين - عروبة فلسطين والقدس - قطرة من يراع - كتابي - قضايا ومشكلات لغوية - الفصحى والعامية - غزوات الرسول (صلى الله عليه وسلم) - لا أُومن بالاشتراكية - محمد بن عبد الوهاب - محمد رسول الله تحاربه قوى الشر والتخريب - مسلمة في سيبريا - المقالات - المكتبات - من نفحات رمضان - مؤامرة صهيونية على العالم - الهجرة - وراء القضبان - ورود من كلام - وفاء الفقه الإسلامي بحاجات كل عصر.
كما أن له تحقيقات منها:
ليس في كلام العرب لابن خالويه - مقدمة تهذيب اللغة للأزهري - كشف الظنون - شرح مقصورة ابن دريد لابن هشام - الأزمنة لقطرب - ما اتفق لفظه واختلف معناه لأبي العمَيْثل - ومجموعة المعاني - الصحاح ومدارس المعجمات - المسيحية والمسيح... وغيرها كثير مما لا تحيط به الذاكرة.
هذا بالإضافة إلى سيل من المقالات والبحوث والتعليقات والاستدراكات، والمحاضرات والندوات، التي نرجو من تلامذة العطار الحرص عليها، وتقديم الرسالات الجامعية عنها ليعرف الجيل المعاصر وجيل الصحوة الإسلامية قيمتها.
إننا لنفخر بالأستاذ العطار، الذي سخَّر قلمه ولسانه لخدمة الإسلام والدفاع عن القرآن ولغة القرآن، وقدَّم الأدب العربي في ثوبه الإسلامي، ونافح عن الدعاة والأدباء الملتزمين بأدب الإسلام بكل صلابة ورجولة وشهامة ومروءة.
رأي الملك فيصل
لقد قال له الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود:
"إني والله أعزّك، لأنك أديبنا الكبير".
إن الكاتب الإسلامي الكبير أحمد عبد الغفور عطار، صاحب غيرة على حرمات الإسلام، لا يسكت عن منكر، ولا يرضى بالتصرفات الشاذة لبعض الكتاب في الصحف، بل يتعقَّب سقطاتهم، ويحاول جهد طاقته نصحهم وإرشادهم وتحريك غيرتهم على دينهم وواجبهم نحو أمتهم، فقد كتب يقول: "يعلم الله أنني اتصلت بكل جريدة من جـرائدنا ناصحًا وراجـيًا أن تنصر الإسلام، وتعزّه وتعلي كلمة الله وتشغل نفسها بما يعود عليها وعلى وطننا وعلى أمتنا وعلى المسلمين بالخير... فبعضها يتظاهر بالرضا، وبعضها تأخذه العزة بالإثم".
ميدان الصحافة
إن اقتحام الأستاذ العطار لميدان الصحافة، هو لخدمة الإسلام والمسلمين وإعلاء كلمة الله ولهذا كانت "عكاظ" في زمن توليه إياها، جريدة إسلامية، لم تفتح صفحاتها لأي كلمة أو مقال فيه خروج على منهج الإسلام، أو مسيء للأخلاق، أو مناقض لأدب الإسلام، ولهذا فحين ترك الجريدة، جاءت رسالة عتاب من أحد القراء، فكان جواب الأستاذ العطار للقارئ: "إنني لست مالكًا لعكاظ الآن، ولا دخل لي فيها... فلستُ صاحب امتيازها، ولا رئيس تحريرها، ولا علاقة لي بها".
هكذا كان أستاذنا العطار صريحًا في مقالته، صادقًا في لهجته، صلبًا في مواقفه، غيورًا على دينه، وظلّ كذلك حتى لقي ربه.
قال عنه أبو الحسن الندوي بعد وفاته:
"أشهد الله (سبحانه وتعالى) أني وجدته في كل ما قرأت له من كتاباته، متحمسًا في الدفاع عن الدين، وشديد الحب والإعظام لمكانة رسول البشرية والسلام (صلى الله عليه وسلم)، وقد كتب آلاف الصفحات في المواضيع المختلفة، ولم ينحرف عن المبدأ، ولم يتجاوز حدود الأدب الإسلامي، ولم يتطرق بموالاة الملاحدة والمارقين" انتهى.
وفاته
انتقل الأديب الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار إلى رحمة الله في يوم الجمعة السابع عشر من رجب عام 1411هـ، بعد صراع مع المرض عن عمر يناهر 77 عامًا قضاها في طلب العلم النافع، والدفاع عن لغة الضاد؛ فهو أهل لأن يكون أحد فرسانها.
نسأل المولى الكريم أن يتغمده برحمته ورضوانه، وأن يسكنه فسيح جناته ويغفر لنا وله.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 813