مفتي لبنان الشيخ حسن خالد
(1340 - 1409هـ / 1921 - 1989م)
مولده ونشأته
هو الشيخ حسن بن سعد الدين خالد، ولد في بيروت سنة 1340هـ / 1921م بدأ دراسته في مدرسة عمر الفاروق التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ببيروت، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية، التحق بالكلية الشرعية (أزهر لبنان حاليًا) وتخرج سنة 1359هـ / 1940م، وقد كلف من المديرية العامة للأوقاف الإسلامية بوظيفة خطيب في بعض المساجد، ثم أرسله مفتي الجمهورية اللبنانية مع بعض زملائه إلى الجامع الأزهر بمصر حيث التحق بكلية أصول الدين، حتى تخرج سنة 1366هـ / 1946م.
حياته العملية
بعد عودته إلى لبنان، تدرج بالوظائف من كاتب بالمحكمة الشرعية، إلى رئيس قلم، ثم أجريت امتحانات لاختيار قضاة لبعض المحاكم الشرعية، فاشترك بالامتحان، ونجح، فعيّن قاضيًا في محكمة عكّار الشرعية، ثم نُقل إلى محكمة محافظة جبل لبنان، ومع عمله بالقضاء، كان يمارس التدريس في أزهر لبنان، ويلقي خطب الجمعة في بعض مساجد بيروت.
وفي سنة 1966م، تم انتخابه بالإجماع مفتيًا للجمهورية اللبنانية، خلفًا للشيخ محمد علايا، بسبب شيخوخته وتقاعده.
نشاطه الدعوي
لقد كانت للشيخ حسن خالد جولات وزيارات دعوية كثيرة إلى بلدان العالم، حيث شارك في العديد من المؤتمرات، وحضر الكثير من الندوات، وألقى الدروس والمحاضرات في أنحاء كثيرة من العالم العربي، والإسلامي، والأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا.
كما كان عضوًا في الكثير من المؤسسات الدعوية الإسلامية، فقد كان يتمتع بالعضوية الدائمة بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضوية مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف بالقاهرة، وعضوية المجلس الأعلى العالمي للمساجد، وعضوية لجنة إنقاذ القدس، وعضوية الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، وغيرها.
وفي الوقت نفسه، كان رئيس مجلس القضاء الشرعي الأعلى بلبنان، ورئيس اللقاء الإسلامي اللبناني.
وقد حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية سنة 1967م، من جامعة الأزهر بمصر، ووسام النهضة الأردني، ووسام جمهورية تشاد وغيرها.
أهم مؤلفاته
يتمتع الشيخ حسن خالد بثقافة شرعية أهلته لها دراسته في الأزهر بمصر، ونتيجة لذلك، قام بتأليف مجموعة من المؤلفات الإسلامية القيمة، ومنها:
- الإسلام والتكافل المادي في المجتمع.
- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية.
- أحاديث رمضان.
- رسالة التعريف بالإسلام.
- روح البطولة في الإسلام.
- الزواج بغير المسلمين.
- التوراة والإنجيل والقرآن والعلم.
- الشهيد في الإسلام.
- آراء ومواقف.
- مسار الدعوة الإسلامية في لبنان خلال القرن الرابع عشر الهجري.
- مجتمع المدينة قبل الهجرة وبعدها.
- المسلمون في لبنان والحرب الأهلية.
- الإسلام ورؤيته فيما بعد الحياة.
- المواريث في الشريعة الإسلامية "بالاشتراك".
- موقف الإسلام من الوثنية واليهودية والنصرانية.
وغيرهـا من البحوث والـمقـالات الـمنشورة في كثـير مـن الـصحف والمجلات، وبخاصة البيانات الصادرة من دار الإفتاء خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
والمتأمل في مؤلفاته وبحوثه، يلحظ شمولية رؤيته للحالة الإسلامية، ولمسار الدعوة في لبنان، وسعيه لتناول المواضيع التي تلامس مصالح المسلمين، وشؤون الأوقاف، وشؤون العبادات والأحوال الشخصية، بما يؤمن رعاية شؤون المسلمين وتوجيههم في ظل ظروف اجتماعية حرجة، وتجاذبات إقليمية حادة، ألقت بثقلها على الأوضاع العامة في البلاد، وبلورة رؤية عصرية للدين الحنيف، وتجديد النظر والاجتهاد في مختلف القضايا المعاصرة التي استجدت في واقع المسلمين اليوم.
معرفتي به
عرفتُ الشيخ حسن خالد من خلال زياراتي إلى لبنان، وفي لقاءاتي به في اجتماعات المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، واجتماعات المجلس الأعلى العالمي للمساجد، ومجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع البحوث الإسلامية بمصر، والمؤتمرات الإسلامية المتعددة. وكان يتصف بالهدوء، والوداعة، والابتسامة المشرقة، والتواضع الجم، وأدب الخطاب، والمجادلة بالتي هي أحسن، وتلك من صفات الدعاة الصادقين والعاملين المخلصين.
وكان لا يدلي بوجهة نظره في القضايا الخلافية التي تطرح على بسـاط البحث، وبخاصة في مجمع الفقه الإسـلامي بمكـة المكرمة، إلا بعـد أن يستمع إلى وجهات النظر من الآخرين، ويعـرف أدلتهم التي بنوا عليها أحكـامـهم، وكان للشيـخ عبدالعـزيز بن باز، والشيخ مصطفـى الزرقا منزلة كبيرة في نفسه، لمكانتهما العلمية، ورسوخ قدميهما في الاجتهاد.
اهتم الشيخ حسن إلى جانب التأليف والفتيا بقضايـا الجماهير المسلمة، وحلّ المشكلات التي تواجه شرائح المجتمع المسلم في لبنان، وأرسى قواعد العمل المؤسساتي، وتطوير أجهزة دار الفتوى التي رفدها بهيئات ومجالس متخصصة، فأصبحت بجهوده مؤسسة إسـلامية فاعلة، وبـاتت مرجعية حقيقية، تحتضن مؤسسات اجتماعية ناشطة، تتسابق في خدمة الإسلام والمسلمين، وتسعى لتحسين أحوال أبناء مجتمعها، وقد أسهمت هذه الـمنجزات في انتعاش الـدعوة الإسلاميـة بلبنـان، وتطوير الـعمل الإسـلامي العام، وارتفاع موازنات الأوقاف في المناطق، وربط الأطراف بالمركز، كما عمل على تكريم المرأة المسلمة، وتعزيز حضورها، وإسهامها في أكثر من مجال.
ولقد سمعت من إخواني بلبنان، كالشيخ زهير الشاويش، والشيخ فيصل مولوي، والأخ فتحي يكن، وغيرهم الثناء العطر على مواقفه وجهوده التي شملت المسلمين على الساحة اللبنانية كلها، بل وحتى المسلمين اللبنانيين في دول المهجر خارج لبنان.
ولقد أعطى منصب مفتي الجمهورية حقه، وأضاف إليه أبعادًا جديدة، قولاً وعملاً، كلها تصبّ في مصلحة الإسلام والمسلمين، على المستوى اللبناني والإسلامي والعالمي.
قالوا عنه
يقول الأستاذ نادر سراج:
"انصرف المفتي حسن خالد إلى خدمة الإسلام بالتعليم والتأليف، وإرساء قواعد العمل المؤسساتي، وتطوير أجهزة دار الفتوى، التي رفدها بهيئات ومجالس متخصصة، فأصبحت مؤسسة إسلامية فاعلة، وباتت مرجعية حقيقية تحتضن مؤسسات اجتماعية ناشطة تتسابق في خدمة الإسلام والمسلمين، وتسعى لتحسين أحوال أبناء مجتمعها، وقد أسهمت هذه المنجزات في انتعاش الدعوة الإسلامية، وتطوير العمل الإسلامي العام، وارتفاع موازنات الأوقاف في المناطق، وربط الأطراف بالمركز، كما عمل أيضًا على تكريم المرأة، وتعزيز حضورها على أكثر من صعيد.
وقد أعطى هذا المنصب الديني أبعادًا جديدة، فوثّق الوشائج بين الديني والسياسي والوطني، وأطلّ على قضايا الشأن العام، فكان بحق، المرجعية الدينية والوطنية، ورجل الحوار والاعتدال والوحدة الوطنية، الذي وظَّف حكمته ووعيه لتجنيب لبنان آفات الفتنة والانقسام في فترة حرجة من تاريخه".
ويقول الشيخ زهير الشاويش:
"وصلت بيروت سنة 1963م، وكانت اللقاءات معه لا تنقطع، وكان مدرسًا للعلوم الشرعية، ثم قاضيًا.
وكان متأثرًا جدًا بمشايخ دمشق الذين كان لهم ارتباط تعليمي أو اجتماعي في لبنان، كالشيخ محمد بهجة البيطار، والشيخ سعدي ياسين، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ واصف الخطيب، وغيرهم.
ولما عُيِّن مفتيًا كانت الصلة به قد توثقت، فتكرم، واعتبرني أحد مستشاريه، وكذلك في عدد من اللجان التي قامت بها دار الفتوى، وكان من مساعديه الشيخ طه الصابونجي، والدكتور مروان قباني، وسافرنا معه (رحمه الله) إلى السعودية ودول الخليج مرات عدة، وكذلك لإيران.
وكان أن استجاب إلى طلبي فأقام صلاة العيد في المصلى "الملعب البلدي" خارج بيروت، رغم عدم موافقة بعض السياسيين يومها، وألقى سماحته خطبة بليغة، استمع إليها الألوف، والتزم فيها ما كانت عليه خطب سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الأعياد.
والحمد لله ما زالت صلاة العيد خارج المساجد هي السائدة حتى اليوم في العديد من مدن لبنان، ولا تنقطع إلا أيام الثلوج والأمطار الشديدة.
وكان (رحمه الله) لا يتأخر عن الاستعانة في الأمور الكثيرة بمن عرف من أهل العلم، ممن سكن لبنان، أمثال الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ عصام العطار، والشيخ محمد نصيف، والأستاذ مالك بن نبي، والحاج أمين الحسيني، وعبد الله العلي المطوع، والشيخ قاسم الدرويش، وغيرهم".
من أقواله
- "يكفي لبنان ما عاناه بسبب الوضع الطائفي، والترف السياسي.. لقد مارس بعض اللبنانيين اللعبة الطائفية، وشربوا كأسها حتى الثمالة، فكانت النتيجة أن أضاع لبنان توازنه، وكاد أن يفقد رشده. لقد مارس كثيرون اللعبة السياسية من مفهوم الترف السياسي، حتى تحوّل لبنان إلى صالون سياسي، وتحوّلت السياسة إلى هواية لدى كل لبناني، فازداد الجدل، واتسعت هوّة الخلافات".
وقال عن (إسرائيل):
- "إنها ما زالت تحرّك بعض الأدوات التي تشكل رأس حربة لها، لإحداث المزيد من الارتباك داخل الوطن، ولإشعال المزيد من الفتن. أما التهديد بغزو جديد، فهو أمر وارد في كل يوم، وليس ضد لبنان فحسب، بل ضد كل دولة عربية، ودون استثناء، بل وضد مصير الأمة برمتها.. قصفت المفاعل النووي العراقي، ثم بلغت ضرب أهدافها العسكرية في تونس. وتمارس غزوها العسكري ضد الأمة العربية في كل مكان، وهي الآن تعد بالاتفاق مع الدوائر الاستعمارية، لإنتاج الصواريخ البعيدة المدى، لتطال أي عمق في البلاد العربية.. إن المعالجة الجزئية للغزو (الإسرائيلي) الجزئي هي خطأ إستراتيجي، فـ(إسرائيل) دولة عدوانية، وحدود مطامعها لا تتوقف على الحدود الفلسطينية، بل تشمل المنطقة العربية بأكملها، ومواجهة هذا العدوان، وخطر الغزو المستمر، لا يكون إلا بخطة مقابلة تكون على مستوى الخطر، وتقوم على إستراتيجية عربية موحدة، عسكرية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية، هذه الخطة لا تكون ظرفية أو انفعالية، بل دائمة بدوام الخطر والعدوان، وتستهدف صد العدوان، والتحرير الشامل، مع الأخذ بالاعتبار، معالجة أي غزو جزئي".
وفاته
استشهد الشيخ حسن خالد عندما انفجرت سيارة ملغومة بقرب سيارته في بيروت يوم الثلاثاء 11 من شوال سنة 1409هـ الموافق 16/5/1989م، وراح ضحيتها ستة عشر شخصًا، واثنـان من حـراسـه، وسجلت القضية ضد مجهول!!
وقد تم دفنه بمقبرة الأوزاعي في اليوم التالي لوفاته، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
رثاؤه
وقد رثاه الشاعر الإسلامي الكبير عمر بهاء الأميري بقصيدة جاء فيها:
قتــــــلتمـــــــوه فسمـــــــــــــــا خـــــــــــالدًا
فعشتــــم في حومة من الردى
و«خـــــــــــالد» حــــــــــي قريـــــــــــر لدى
مبـــــــــــــــوأ مقعــــــــــده فــــي السماء
هلــــــــــكى وغـــــــرقى فــــــــــي الدماء
خالقه الرحمن في الأصفياء
ولقد بلغني خبر وفاته أثناء وجودي في كندا، حيث كنت في مهمة دعوية مبعوثًا من رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان برفقتي عرفات العشي مدير مكتب الرابطة بكندا، وصلينا على الشيخ حسن خالد صلاة الغائب مع الجالية اللبنانية في كندا.
ولقد سرني أن يقوم محبوه وعارفو فضله في لبنان بتأسيس مؤسسة علمية تحمل اسمه وهي (مؤسسة الشهيد حسن خالد للتربية والتعليم) وقد تم افتتاحها سنة 1993م.
وهذا جانب من الوفاء لهذا الرجل الذي أسهم إسهامًا كبيرًا في رعاية شؤون المسلمين بلبنان وأوقافهم ومؤسساتهم العلمية والدعوية.
وسوم: العدد 817