رسالة الشهيد عبد القادر ملا لزوجته قبل تنفيذ الحكم عليه
رسالة الشهيد عبد القادر ملا
لزوجته قبل تنفيذ الحكم عليه
حبيبتي وشريكة حياتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم، وبعد صدور النص الكامل لحكم الإعدام من المحكمة العليا والذي من المرجح أن يصل النسخة المصدقة منه إلى إدارة مصلحة السجون في غضون الليلة او يوم غد سيرحلوني إلى زنزانة الإعدام وفق ما ينص عليه القوانين، وبما أن مدة الحكومة قد قاربت على الانتهاء فقد بات من شبه المؤكد إقدام الحكومة على تنفيذ هذا الحكم الجائر الظالم التعسفي بسرعة،.ويبدو لي أن المحكمة لن تقبل التماسي على الحكم،وحتى إذا قبلوا التماسي فإن الفرصة معدومة لتعديل او إلغاء ما صدر من احكام، أما إذا أراد الله سبحانه وتعالى لي الحياة فسيقدِّر لي ذلك بقدرته فذاك شيء آخر، ولكن هذا لا نراه كثيرا، فالكثير من الأنبياء والرسل قتلوا ظلما وجورا على يد الكفار،وحتى العديد من الصحابيين والصحابيات قتلوا بوحشية وقسوة شديدة على يد كفار مكة، فكانت تضحياتهم سببا في إعلاء كلمته . إنني لا أدري ما الله فاعل بي .
يوم أمس، جاءت وكيلة وزارة الخارجية الهندية سوجاتا سينغ إلى الدولة، وخلال زيارتها لم تقدم الدعم الكامل للحزب الحاكم فقط ؛ بل مارست ضغوطا على الجنرال والحاكم العسكري السابق حسين محمد إرشاد وحذرته من أنه إذا لم يخوض حزبه غمار الانتخابات البرلمانية المقبلة فإن الجماعة الإسلامية وحزب اتحاد الطلاب الإسلامي سيستولون على الحكم، و هذا التصريح كشف كيف أن دولة كبيرة بحجم الهند تتخوف وترتعد وترتجف لهذه الدرجة من جماعة سياسية إسلامية ومن ذراعها وجناحها الطلابي وكشفت مدى الخوف الذي ينتابهم الخوف الذي يجري في عروقهم مثلما يجري الدم فيها،إنني كنت متأكدا من البداية بأن كل ما اتخذ من إجراءات ضدنا هي كلها كانت تتم حسب المخطط والمرسوم الذي أعده الهند، ووصلت الأمور الآن إلى درجة أن الحزب الحاكم إذا يريد إلغاء المحاكمات وحل المحكمة نفسها فإنها لن تستطيع ذلك لأنهم قدموا تعهدا للهند بهذا الخصوص مقابل إيصالهم إلى سدة الحكم ولهذا عليهم أن يفوا بالوعد الموعود.
الكثيرون منا يتساءلون حول المبادئ والقيم، وطالما أن جميع الوسائل الإعلامية بشقيها المرئي والمسموع تساند وتؤازر الحكومة بشكل عمياء في جميع ما تتخذه من قرارات تعسفية وإجراءات غير قانونية بما في ذلك ما قامت به من توجيه تهم ملفقة ومفبركة مستوحاة من عالم الخيال ضدي وضد زعماء الجماعة الإسلامية الذين يقبعون حاليا خلف القضبان فما الذي دفع الحكومة إلى أن تضرب مثلا في المبادئ والقيم الأخلاقية وتظهر للعالم أنها ملتزمة بها في دولة اصبح القاضي يتفاخر بأدائه دور الجلاد بكل فرح وسرور وسعادة وبهجة وغبطة، كيف اتمنى او اتوقع أن أحصل على العدالة والانصاف من قضاة محكمة يتفاخرون بأدائهم دور الجلاد وعلى الأقل من هؤلاء، إن ما يبعث مشاعر الحزن والألم والأسى هو أنني وقبل استشهادي لم استطع أن اقول للشعب ما تعرضت له انا وزعماء الجماعة الإسلامية من ظلم جائر بقرار الإعدام الذي صدر بحقي وآخرين، ولكن هذا ايضا ليس ممكنا بسبب العداء الشديد الذي يكنه وسائل الإعلام،في حين أن الشعوب التي تقف بجانب قضايا العدل والانصاف وكل من له ضمير انساني سيعلمون ذلك، وسيعلمون ايضا أن استشهادي ستكون سببا في إسقاط هذه الحكومة الظالمة وستحقق الحركة الإسلامية والصحوة الإسلامية نجاحا نوعيا لم تحققه في تاريخ هذا البلد .
يوم أمس وخلال مراجعتي للقرآن الكريم قرأت مرة أخرى آيات سورة التوبة من الآية 17 إلى الآية 24 ، ففي الآية 19 قال الله سبحاونه وتعالى أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَايَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٩﴾
ففي هذه الآية الكريمة بيّن الله سبحانه وتعالى ما للمجاهد في سبيل الله بنفسه وماله من فضل وشرف ومقام عظيم عند الله سبحانه وتعالى، فالذي يدفع حياته ثمنا للوقوف في وجه الباطل ويموت شهيدا في سبيل إعلاء كلمته وإقامة الدين الحنيف في هذه الأرض وعده الله سبحانه وتعالى بدرجة عظيمة ومقام عظيم،فإذا يريد الله سبحانه وتعالى بنفسه أن يرفع من درجاتي ويسكنني فسيح جناته فلا بد لي أن اتقبلها بصدر رحب وأن اكون مستعدا لملاقاة رب العالمين،وبما أنني سأُقتل على يد الظالم ظلما وجورا فتذكرة الجنة لي مضمون.
إنني أذكر أنه في عام 1966 قام الحاكم الظالم لمصر بإعدام السيد قطب وعبد القادر عودة وآخرين،ففي عدة مخيمات تعليمية سمعت عدة محاضرات عن هذا الموضوع،فكان الأستاذ غلام اعظم دائما ما كان يضع يده اليسرى على كتفي ويقول لي بأن ذلك الحبل يمكن أن يعلق في رقبتك ايضا، وعلى ما أذكر ايضا فإن يدي ايضا ذهبت إلى ذلك المكان لعدة مرات، وهذه المرة إذا يريد الله سبحانه وتعالى أن ينفذ حكمه لصالحي ولصالح الإسلام وفي نفس الوقت إذا يعجل ذلك من سقوط الظالم فأين الخسارة ؟ لا خسارة إذا، فحياتي فداء للإسلام ولتطبيق شرع الله في الأرض. والرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يبين للصحابة فضل وشرف ومقام الشهيد عند الله سبحانه وتعالى كان دائما يتمنى أن يموت شهيدا.
حتى الشهداء وبعد أن يدخلون الجنة سيتمنون الحياة ليموتوا شهيدا،فالله حق والرسول حق وإذا يشك أحد في ذلك فإن إيمانه سيذهب،إنهم إذا ينفذون الحكم الجائر التعسفي عليّ فمن المرجح ألا يسمحوا بتشييع جنازتي في داكا،وإذا تستطيعين رتبي جنازتي في مسجد الحي وأمام منزلنا الريفي، وإذا يريد من يعيشون ويسكنون في المحافظات والمدن التي تقع في الضفة الأخرى لنهر "بدما" أن يشاركوا في جنازتي فعليهم أن يأتوا إلى منزلنا الريفي،وعلينا أن نبلغهم بذلك ،وعن مراسم دفني كما قلت سابقا ادفنوني بجوار قبر والدتي،احذركم من اية بدعة تبتدعونها في قبري من تشييدها او بناء مقامات أو أضرحة عليها اوإقامة اي حفل سواء كان صغيرا او كبيرا للميت، تصدقي على الأيتام والمساكين والفقراء قدر المستطاع،وعليك بمساعدة ومساندة العائلات التي ضحت بعزيزها في الحركة الإسلامية،خصوصا اؤلئك العائلات التي ضحت بعزيزها بعد اعتقالي وبعد صدور الحكم الجائر التعسفي بحقي،وإذا كانوا بحاجة إلى أي مساعدة مالية فعليك مساعدتهم قدر المستطاع،عليك بتزويج حسن ومودود في اسرع وقت ممكن بعد الانتهاء من دراستهم، ونفس الشيئ ينطبق على بنتنا "نزنين"
حبيبتي وشريكة عمري :
اطلب منك الصفح والعفو والمسامحة لأنني لم استطع أن اوفيك حقك وحق ابنائي وبناتي،سامحيني لوجه الله سبحانه وتعالى، دعوت الله لك خصيصا،ودعوت الله سبحانه وتعالى أن يلقيني بك في عالم البرزخ بعد أن ينتهي احتياجك لابنائك وبناتك وللحركة الإسلامية، والآن عليك أن تدعو الله سبحانه وتعالى لأن يفيض قلبي بمحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله الكريم، وإن شاء الله سوف نلتقي في الجنة،اوصيكم والجميع بضرورة الكسب والأكل الحلال،وأمري الجميع بأن يحافظوا على الفروض والواجبات خاصة أن يحافظوا على الصلوات الخمس في وقتها،وهذه النصيحة ايضا للأقارب والمعارف،وطالما أن الوالد على قيد الحياة فعليك بمواساته .
إلى اللقاء نلتقيكم في الجنة إن شاء الله.