الطبيب الداعية المجاهد عبد الباسط عباس
(1352-1394ه)/(1934-1974م)
قدمت مدينة الباب العامرة إلى الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة العديد من العلماء الأبرار، والشهداء الأحرار، من أمثال: الشيخ محمد سعيد المسعود، والشيخ حسن عبد الحميد، والشيخ مصطفى البيراوي، والشيخ عبد الجواد شرناق، وولده الشهيد زاهر شرناق، مروراً بالأخ الطبيب الداعية المجاهد عبد الباسط عباس – رحمهم الله جميعاً- ..وحفظ من بقي.
مولده، ونشأته:
ولد الداعية الفقيد عبد الباسط عباس - رحمه الله- في مدينة الباب شرقي حلب عام 1934م، لأب مشهود له بالعلم والورع والتقى.
ونشأ ميالاً بطبيعته إلى التدين منذ نعومة أظفاره.
دراسته، ومراحل تعليمه:
حصل على الثانوية البيطرية، والثانوية العامة، وليسانس في الحقوق، وكان نجاحه بتفوق في كافة مراحل دراسته مما لفت الأنظار إليه لما يتمتع به من الذكاء والنباهة والنشاط الدائب.
أعماله، ومسؤولياته:
عمل طبيباً بيطرياً في بلدة الباب وريفها منذ عام 1957م، فعرف بين الناس بالاستقامة والسمعة الحسنة إلى جانب المهارة في الخبرة في مهنته.
شارك في كافة النشاطات الاجتماعية والخيرية التي قامت في منطقة الباب، وكان يؤخذ رأيه لرجاحة عقله واتزانه في جميع أعماله.
خدم في الجيش ضابطاً، واشترك في عدة دورات تدريبية، وكان فيها الأول لما يتمتع به من روح جهادية ولياقة جسمانية.
أكب -رحمه الله – على العلم والثقافة الإسلامية، وأيقن أن العلم هو الوسيلة القويمة لتربية الأجيال وإعداد الشباب، فتعلم وعلم ونبغ في الفقه، وعلم تجويد القرآن الكريم.
وفاته:
توفي -رحمه الله- في ليلة الاثنين 21 رمضان المبارك 1394ه/ الموافق 7 تشرين الأول 1974م، بعد أدائه صلاة العشاء والتراويح، وكان آخر كلماته قالها لأخيه، وهو يستشيره في قضية: حكم شرع الله في قضيتك، غفر الله له وأدخله فسيح جناته.
متزوج، وابنه أنس هو أستاذ إدارة الأعمال المشارك في جامعة الحديدة في اليمن، من مواليد 1962م.
أصداء الرحيل:
الداعية المجاهد عبد الباسط عباس رحمه الله ( 1934- 1974م): الأستاذ مصطفى البيراوي:
عظم خسارة الدعاة:
فجعت بلدة الباب – التابعة لمدينة حلب – بوفاة الأخ الداعية المجاهد عبد الباسط عباس: ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها، وسنجزي الشاكرين ) آل عمران: 145.
لقد رحل فقيدنا الغالي، وانضم إلى القافلة المؤمنة من الأعلام الذين خسرتهم الأمة، ما أعظم خسارة الدعاة على الأمة في وقت عز فيه الدعاة إلى الله:
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا فرس يموت ولا بعيرُ
ولكن الرزية فقد حُرٍّ يموت لموته خلق كثيرُ
لهف نفسي عليك أيها الحبيب الراحل! ما الذي أعجلك عنا وأنت في ريعان الشباب ونضرة الحياة وبدء العطاء ؟
أهكذا تركتنا يا أبا أنس في أول الطريق الصعب وفي حلكة الظلمة، إن إخوانك في حاجة إلى حكمتك وسداد رأيك، وإلى قلبك الكبير، وإن دعوتك في حاجة إلى تجردك وعملك.
سيذكرني قومي إذا جدّ جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقدُ البدرُ
جنازته المشهودة:
رحمك الله يا أبا أنس لقد كان مأتمك مأتم البلدة كلها، فهذه الجموع المؤمنة التي حملت نعشك على راحات الأيدي في موكب مهيب إلى دار الخلود، لتشهد لك عند الله تعالى أنك أديت الأمانة، وبلغت رسالة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ولسان حالها يردد: اللهم ارض عنه فإننا عنه قد رضينا .
مناقبه، وأخلاقه:
رحمك الله – يا أخا الإسلام – افتقدك ريف الباب ومنبج طبيباً تداوي القلوب قبل أن تداوي الأجسام، مستقيماً في عملك، دؤوباً على أداء واجبك، لا تعرف الكلل ولا الملل كأنك خلقت للعمل وحده.
عرفك الناس عفيف اليد واللسان، طاهر الذيل والسريرة، كبير القلب، مسلماً بخلقك وعقيدتك وسلوكك، متواضعاً مشرق الوجه فكهاً تحب الدعابة.
يا أبا أنس !
افتقدك التقى والورع والهدى، افتقدك المحراب والصف الأول في المسجد.
وافتقدتك حلقات تجويد القرآن، يا من حفظت الذكر ترتيلاً وفهماً وتجويداً .
افتقدك إخوانك الذين كنت تحمل همومهم، وتشاطرهم أفراحهم، وتحفظ حقهم في السفر والحضر.
يا أبا أنس !
يبكيك الفلاحون في ريف الباب ومنبج، حيث فقدوا القلب الكبير، وفقدوا الاستقامة والنزاهة والتواضع والزهد .
رحمك الله يا أبا أنس لقد كنت بعون الله من الذين قال الله تعالى فيهم : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ).
منهجه في الدعوة: سيذكر الجميع حماستك للدعوة، وحرصك على تدريب النفس أن يحب المرء لله ويبغض لله.
يا أبا أنس ! :
ستبقى حجة على أولئك الذين يرهبون حمل الراية، ويميلون إلى السلامة والعافية، وإلى متاع الدنيا الزائلة.
لقد عشت ملتزماً شرع الله، وقافاً على الحق، وكانت وسيلتك في الدعوة إلى الله بالقدوة والأسوة، أحييت سنن رسول الله في نفسك وفي أهلك يا أبا أنس ! .
نم قرير العين في جوار رب كريم، واطمئن بأن لواء دعوة الإسلام سيبقى مرفوعاً بأيدي الفتية والأشبال الذين غذيتهم بالإسلام وتعهدتهم بالري والسقيا حتى اشتدّ ساعدهم وصلب عودهم.
الله اغفر له، وأكرم نزله، وأدخله الجنة، وعوضنا بفقده خير العوض، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لله وإنا إليه راجعون.
في وداع عبد الباسط عباس:
ورثاه الشاعر الداعية محمد منلا غزيل، فقال:
فلتغمر النفس روحاً نفحة القدس ولتمنح الأفق قدحاً لمحة القبسِ
ولتنطلق بالمعاني الغرّ ..ملهمة شرارة البرق بالبشرى لملتمس
إنا على العهد يا أيام شامخةً أعلامنا فوق طودٍ راسخ الأسسِ
تلكم سبيل الهدى تمتد واضحةً بيضاء ما زاغ عنها غير ملتبس
كنا جنوداً لها بالحق نحرسها نعمَ السبيل..ونعمت قوة الحرسِ
يحررون بحد السيف أرضهم ويمحقون ضلال الغاشم الشرس
ما ودعوا فارساً إلا تملكهم شوق الشهادة يحدو وارث الفرس
أنعم أخا الحق بالرضوان مرتقباً من رحمة الله للأبرار واقتبس
قد كنت عنوان أخلاق مهذبة رمز انطلاق بوجه البغي والدنسِ
لإخوة آمنوا بالعدل واحتشدوا يفدون قرآنهم في فتية حمس
يارب لا تفتنن فتيان رايتنا وارحمه وارحمهم ..ارحم أبا أنس .
مصادر الترجمة:
1-مجلة حضارة الإسلام، العدد التاسع، السنة الخامسة عشرة: ( 1394ه- 1974م).
2- صفحة الشيخ حسن عبد الحميد.
وسوم: العدد 856