الأستاذ الداعية الدكتور عدنان سعد الدين
(1929- 2010م)
3- جمعية الإخوان المسلمين في حماة:
كان من أبرز رجال حماة في الثلاثينيات وفي مطلع الأربعينيات من القرن الماضي: مفتى حماة العلامة الشيخ سعيد النعسان الوردي الذي اشتهر بالخلق الرفيع، والعمل الدؤوب في خدمة المجتمع، والتسامح مع الآخرين، ولاسيما مع رجال الدين المسيحي في المدينة، وفي مقدمتهم المطران حريكة الذي كانت تربطه به صداقة وتبادل زيارات في المناسبات، وكذا الشيخ محمود العثمان المدرس في مدرسة العلم والتربية أول مدرسة حديثة نشأت في حماة برعاية الملك فيصل الأول، وخرجت جيلاً من الساسة والقادة من أمثال رئيف الملقي وأكرم الحوراني وكثير غيرهما، وقد عرف عن الشيخ محمود الشدة بالحق، والجرأة في مواجهة الباطل، والحماسة للقضايا الوطنية، والتصدي لسلطات الانتداب الفرنسية، وقد تناهت أخباره ومواقفه إلى الإمام حسن البنا، فكاتبه وأرسل إليه ما يشجعه على المضي في هذا الدرب، ويشد على يده ويشكره على مواقفه، وقد حدثني ولده الأخ الدكتور عبد الكريم العثمان رفيق العمر والذي كان من خيرة الشباب في جماعة الإخوان المسلمين في حماة، التي التحق بها في وقت مبكر في الشهر الذي أعلن فيه عن ولادتها، في سوريا عام 1945 ، قال : عندما كنت أفتش في أوراق والدي بعد وفاته رحمه الله عثرت على رسالة من الإمام حسن البنا رحمه الله مرسلة إلى والدي، وربما كان الشيخ محمد الحامد قدم للإمام تعريفًا بالشيخ محمود العثمان وأعماله الجليلة ومواقفه التي اشتهر بها.
ومن الشخصيات التي ملأت فراغًا كبيرًا في التوجيه والإرشاد في مدينة حماة، وذاع صيتها، والتف المواطنون حولها، الشيخ سعيد الجابي الذي شغلته الدعوة السلفية والمعارضة الشديدة للفرنسيين، فكان مصلحًا دينيًا وقائدًا وطنيًا، وكان له تأثير كبير في أوساط المثقفين وفي العامة جميعًا، لولا اشتداده في الصدام مع الصوفية وعدد من العلماء ذوي الاتجاهات الفقهية والصوفية، رحم الله الجميع رحمة واسعة.
هؤلاء وأمثالهم من الدعاة والمصلحين والمجاهدين كانوا شيوخ الدين وزعماء الوطنية في الوقت ذاته، لقد أدوا دورًا كبيرًا في التوجيه الديني وفي الكفاح الوطني، وفي الإصلاح الاجتماعي، وفي العمل على إسعاف الفقراء ومساعدة الضعفاء، وفي إنشاء المدارس ونشر العلم ومحاربة الجهل وبناء دور العجزة، كالتي سعى في إنشائها المفتي الشيخ سعيد النعسان رحمه الله وطيب ثراه، كما برز علماء فحول ودعاة كبار في هذه الفترة من أمثال الشيخ محمود عبد الرحمن الشقفة الذي أمضى حياته في نشر الدعوة، وبناء المدارس، وتخريج طلاب العلم الذين التحقوا بالمدارس التي أنشأها، ثم أكملوا تحصيلهم في الأزهر وفي معاهد أخرى، كذلك أنجب آل المراد ثلة طيبة من العلماء والدعاة من أمثال الشيخ محمد علي المراد، والشيخ بشير المراد، وكل هؤلاء نجوا منحى صوفيًا استغرقهم الذكر والتزكية وتربية النفوس، ومعظمهم قضى شهيدًا في سبيل الله ودعوته، والتزامهم بالإسلام، منهجًا وفقهًا وتربية وسلوكًا.
في أعقاب هذا التحرك الذي ترك أثره في من حمل الراية بعد ذلك، تنادت ثلة من أهل الفضل والعلم والغيرة الدينية من أمثال الشيوخ : منير لطفي، ومنير الحوراني، وعبد الله الحلاق، والأساتذة عبد الغني الحامد، وعبد الغني الساعاتي وآخرين، فعقدوا أول اجتماعاتهم في أعقاب عام 1938م، وعزموا على تأسيس جمعية إسلامية، تضطلع بالواجبات الشرعية والدعوة الإسلامية والإصلاح الاجتماعي، وباشروا بوضع المبادئ والأهداف واللوائح وشروط العضوية وما إلى ذلك، ثم شرعوا بالبحث عن الاسم المناسب لهذه الجمعية، إذ حضر إبان ذلك من القاهرة الشيخ محمد الحامد لقضاء الإجازة الصيفية من دراسته في الأزهر الشريف، فاستشاره الأعضاء بالتسمية، فأجاب على الفور: الإخوان المسلمون، أسوة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي أسسها، ويقودها الشيخ حسن البنا، فوافق الجميع على ذلك، فبادر الشيخ الحامد إلى إرسال برقية إلى الأستاذ البنا يبشره فيها بافتتاح أول شعبة للإخوان خارج مصر في مدينة حماة، فأجاب الإمام -رحمه الله تعالى- بالتهنئة والتبريك.
باشر المؤسسون بتنفيذ الخطوات، وقاموا بتوزيع المسؤوليات على الأعضاء كما يلي: عبد الغني الحامد رئيسًا، وعبد الغني الساعاتي أمينًا للسر، والشيخ عبد الله الحلاق أمينًا للصندوق، وأما الشيخ الحامد فكان بمثابة الأب الروحي، والمرشد للإخوان المسلمين في مدينة حماة، وعندما سعت إدارة الجمعية للحصول على الترخيص واجهتهم عقبة كأداء، إذ إن الترخيص لا يمنح للموظفين، والكل مرتبط بوظائف حكومية، باستثناء الشيخ عبد الله الحلاق، فتوجه المؤسسون إلى طبيب العيون الدكتور نورس عبد الرزاق، والصيدلي عبد الحميد عدي، وعرضوا الأمر عليهما، فرحبا، ووافقا شريطة أن لا يكلفا بأي أعباء إدارية لانشغالهما، وهكذا حاز المؤسسون على الترخيص، واستأجروا أول مقر للجمعية في جورة حوى - حي في حماة- لتكون أول مركز للإخوان المسلمين في حماة عام 1939م.
أقام المؤسسون حفلاً كبيرًا للافتتاح إيذانًا بميلاد جمعية الإخوان في حماة، دعوا إليه عددًا كبيرًا من وجهاء المدينة وعلمائها، فغص المركز والشوارع المحيطة به بالوافدين، وكان المتحدث رئيس الجمعية الأستاذ عبد الغني الحامد، فرحب بالحاضرين، وشرح لهم مبادئ الجمعية وأهدافها والأسس التي قامت عليها، وحدد طريقة الانتساب إليها، فكانت كلمة عصماء من الأدب الرفيع والبيان الساحر، ثم تزاحم القوم في تقديم طلبات الانتساب من كل شرائح المجتمع ووجوه المدينة.
أعقب ذلك أيام حافلة بالنشاط الثقافي وتوعية المواطنين بحقيقة الإسلام، وأنه السبيل لخلاص الأمة مما أصابها من تخلف وجهل وفرقة انتهت بها إلى الوقوع بين براثن الأعداء والمستعمرين، ثم افتتح المركز ناديًا رياضيًا للشباب، وفوجًا كشفيًا للفتيان، وأقام مخيمات سنوية، وأنشأ مدارس ليلية ونهارية، وكان حديث الجمعية دوريًا وأسبوعيًا يعتلي منبره العلماء من حماة ومن المدن الأخرى السورية كحلب ودمشق، ومن الوطن العربي والعالم الإسلامي من أمثال أبي الأعلى المودودي، وأبي الحسن الندوي، وسعيد رمضان، وعبد الحكيم عابدين، ومحمد المبارك، والشيخ مصطفى السباعي.. وغيرهم.
كان السوريون في تلكم الأيام منشغلين بالصراع مع المستعمر، وكانوا في صدام دائم معه عن طريق المظاهرات والإضرابات وعقد المؤتمرات الحاشدة في الجوامع الكبيرة، وقد تميزت الجماعة بتعبئة المواطنين ضد الوجود الفرنسي، فسقط من الشعب شهداء، وكان منهم معتقلون، وعندما حل العام 1945م انفجرت ثورة شعبية مسلحة في حماة، حشد لها الفرنسيون قوات ضخمة من المصفحات والدبابات والطائرات، غير أن المجاهدين من أبناء مدينة أبي الفداء شكلوا جيشًا زاد على عشرين ألفًا من أبناء المدينة، ومن أهل الريف وسكان البادية، ومن أبناء سلمية، ومن الجنود الذين شكلوا فرارًا من الجيش الفرنسي، مثل الضابط صلاح الشيشكلي الذي تولى قيادة المجاهدين في هذه الملحمة الكبرى بين جيش المجاهدين وجيش المستعمرين المعتدين.
خاض المجاهدون معركة تاريخية استمرت ثلاثة أيام انكشفت عن نصر حاسم للمجاهدين، وعن هزيمة منكرة للمعتدين، فاحتل المقاتلون الموقع الفرنسي داخل المدينة -خان الشعبة-، ثم زحفوا على الثكنة الكبرى التي تتربع على أعلى المرتفعات- غربي المدينة- التي تحيط بحماة التي تقبع في وادي العاصي، وتسمى ثكنة الشرفة، فدخلوها مهللين مبكرين، وكان الشيخ محمد الحامد على رأس الداخلين وفي مقدمتهم، فرفع صوته بالأذان مجلجلاً في أرجاء الثكنة، وسرعان ما امتد لهيب الثورة إلى جميع المحافظات الأخرى، فارتكب الفرنسيون مذابح رهيبة ومجازر وحشية، ولاسيما في دمشق العاصمة، عندما دكوا مبنى البرلمان، وقتلوا حاميته من الدرك السوري، كما قتلوا ثلة من الدرك في حماة كانت قد انضمت إلى المجاهدين في المعركة الكبرى التي مر ذكرها، الأمر الذي استدعى دخول الجيش البريطاني الثامن لإيقاف المجزرة، فقال المؤرخون والسياسيون في مذكراتهم: دخل البريطانيون لتخليص المدن السورية من الفرنسيين، وتخليص الفرنسيين من المجاهدين في محافظة حماة، كما ذكر قائد الجيش البريطاني الجنرال سبيرس.
ومن المفيد والمناسب أن نسجل نبذة عن حياة الشيخ عبد الله الحلاق لتداخلها بنشأة الإخوان في حماة منذ الساعات الأولى لتأسيسها، علمًا بأن جزءًا كبيرًا من هذه المعلومات عن نشأة مركز حماة أخذت من شهادته التي أدلى بها إلى الأخ أحمد جواد.
كان الشيخ عبد الله الحلاق - أبو صالح- عرافة حماة وعالم أنسابها، فقل أن تسأله عن إنسان إلا ويقدم لك نبذة عن حياته، وتعود هذه المعرفة الواسعة إلى كونه من أعضاء الرعيل الأول في تأسيس الجماعة، وإلى نشاطه الاجتماعي، وعمله في تجارة الكتب والقرطاسية، فهو صاحب مكتبة النهضة التي كانت من أشهر مكتبات المدينة، كما كان مديرًا -فترة طويلة- لدار العلوم الشرعية التي خرجت أعدادًا كبيرة أكملوا تحصيلهم بعد ذلك في الكليات الشرعية خارج المدينة، وكان كذلك رحمه الله عضوًا في جمعية علماء المدينة، وكان المحرك الأول فيها ، عضوًا أو أمين سر أو رئيسًا لها في فترات مختلفة، وكان كذلك مسئولاً عن الفوج الكشفي الرابع -فوج اليرموك- الذي كان يضم نخبة من فتيان الجماعة وشبابها الذين شارك بعضهم في حرب فلسطين عام 1948م، ولم يتوقف -رحمه الله- عن خطبة الجمعة في جامع الأشقر بسوق الطويل، وكان يلقيها بجرأة وشجاعة، منددًا بالمفاسد الاجتماعية المتفشية، ومنبهًا على الأخطار التي تحيق بالأمة، وبالمؤامرات التي تحاك ضدها، وترمي إلى تحطيمها، وقد كلفته جرأته الكثير من العنت والضنك والاضطهاد.
لقد كان -رحمه الله- وثيق الصلة بعلماء المدينة ووجهائها وشيوخها، ولاسيما بالعارف بالله الشيخ محمد الحامد الذي ما كان يبرم أمرًا خاصًا أو عامًا إلا بعد استشارة الشيخ عبد الله قائلاً له -كما كنا نسمعه- : «أنت أعرف منا يا شيخ عبد الله بشؤون المجتمع وأحوال الناس» ولما انتقل الشيخ محمد إلى جوار ربه حزن عليه الشيخ عبد الله أشد الحزن، وظل وفيًا له من بعده عبر الاهتمام بعائلته وأبنائه حتى غادر الدنيا راضيًا مرضيًا، وقضى شهيدًا، رحمه الله رحمة واسعة، وغفر له، وعفا عنه، وأعلى مقامه في عليين.
وقب لأن نغادر الحديث عن الشيخ عبد الله الحلاق طيب الله ثراه، نعرج على حدث ذي أهمية بالغة ، ذكره الشيخ ضمن شهادته التي نقلها عنه الأخ الدكتور أحمد جواد عام 1981 فقال: في صيف 1947 توجه وفد كبير من إخوان سوريا إلى مصر، وقد ضم الوفد الشيوخ: مصطفى السباعي، ومحمد الحامد، وعبد الله الحلاق، والأستاذ عمر بهاء الأميري، فكان استقبال الإمام البنا لهم حافلاً في المركز العام، وكانت كلمة الإمام في هذه المناسبة قد أخذت بمجامع القلوب، وألهبت المشاعر، وأججت العواطف، وحلقت بالحاضرين في سماء الأخوة الصادقة وأجواء الحب في الله، ثم أعقبه الشيخ السباعي بكلمة مماثلة زادت الحاضرين تأثرًا وشجونًا، وعندما اعتلى الشيخ الحامد المنبر -وهو الخل الوفي للإمام البنا ولكثير من الرعيل الأول في جماعة الإخوان المسلمين في مصر من أمثال عبد المعز عبد الستار، وعبد البديع صقر -نحا بكلامه منحى آخر، وراح يطلق النكات والفكاهات، فغمر الجميع جو من الأنس والمرح، بمن فيهم الإمام البنا، والشيخ السباعي، وعندما سئل عن ذلك، قال: أشفقت على الإخوة مما كانوا فيه من الأحزان والأشجان، وفي أعقاب هذه الزيارة الميمونة بايع وفد الإخوان المسلمين السوريين المرشد العام الإمام حسن البنا بيعة السمع والطاعة والالتحاق الكامل مع الجماعة الأم، والتأكيد على اختيار الشيخ مصطفى السباعي مراقبًا عامًا للإخوان المسلمين في سوريا في جو مفعم بالعزيمة والتصميم على متابعة الجهاد والكفاح حتى تتحرر الأقطار العربية والإسلامية كافة، وتقوم دولة الإيمان ومجتمع الإسلام.
وبعد الحديث عن أحداث حماة ومقاومة الفرنسيين والانتصار عليهم في مدينة حماة، وجهود علمائها ولاسيما الشيخ محمد الحامد الذي كان أول الداخلين إلى الثكنة العسكرية بعد تطهيرها من الفرنسيين ورفع الأذان في أرجائها، أذكر حديثين عن المدينة أدلى بهما شخصيتان كبيرتان مشهورتان، أولهما الدكتور طه حسين، فعندما مر بحماة في طريقه إلى معرة النعمان للمشاركة في إحياء ذكرى أبي العلاء الألفية، وقف على أعتاب فندق أبي الفداء الكبير الحكومي، وقال وهو يصعد درجات الفندق: إني أشم رائحة العروبة في هذه المدينة كما سمعت ذلك من أحد الحضور الأستاذ جميل الشقفة، وثانيهما دولة الأستاذ فارس الخوري الذي ترأس البرلمان السوري مرات، وشكل الوزارة مرات كذلك، قال معجبًا بصمود أبناء المدينة المجاهدة في مقاومة الفرنسيين، وإجبارهم على الانسحاب من المدينة وتسليمها للمجاهدين من أبنائها قال:
حماة بها عز العروبة والندى لها في مضامير الجهاد مفاخر
بها من أطاع الشعب نال كرامة وفيها على العاصي تدور الدوائر
ويعد عدنان سعد الدين صدراً من صدور هذه الجماعة فعلاً لا قولاً، فعندما شرفه الله بتسلم الراية في قيادة جماعة الإخوان المسلمين سنواتٍ عديدة، كان متميزا حركة وفكراً وإدارة وحنكة سياسية، وعندما أولى الفكر اهتماماً أغنى المكتبة الإخوانية والعلمية بإنتاج شكل إضافة نوعية لا عددية كما تفعل العديد من الأقلام اليوم.
المولد، والنشأة:
ولد عدنان سعد الدين، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية سابقاً، في عام 1929، ونشأ في بيئة فقيرة عادية، في أوساط، يعني في طبقة وسط، كان والده -رحمه الله- يشتغل في تجارة الحبوب والبقول، ونشأ في بيئات يعاني أكثرها ضائع، لأن هذه البيئات الأطفال كانوا منشغلين بشرب السجائر والذهاب إلى السينما، أطفال يعني في أول العمر، وبحمل صور الممثلات في جيوبهم، وما إلى ذلك من هذا الضياع، جاءت حركة الإخوان المسلمين، فانتشلتهم من هذه البيئة.
دراسته، ومراحل تعليمه:
تلقى عدنان سعد الدين العلم في المدرسة المحمدية الشرعية في حماة التي أسسها العارف بالله الشيخ الشهيد محمود عبد الرحمن شقفة، التي كانت تجمع بين المنهج الحكومي الرسمي، وبين المنهاج الشرعي، وأخذ الشهادات الرسمية.
وبعد تخرجه، توجه للدراسة في دار المعلمين في حلب، وكان مسؤول الطلبة فيها، ثم سافر عدنان سعد الدين لإكمال دراسته في مصر عام 1951م حيث درس الأدب العربي في جامعة (فؤاد الأول) في القاهرة، وتخرج منها عام 1955م، وكانت فترة إقامته في مصر فرصة لترسيخ علاقته بجماعة الإخوان المسلمين وقادتها.
وكان دائم التردد على المركز العام لجماعة الإخوان، وعلى الشخصيات الإخوانية الكبيرة، من أمثال: الشيخ عبد المعز عبد الستار، وكذلك اتصل بالشخصيات الكبيرة الأخرى، التي تشكل المدارس الإخوانية مثل مدرسة عبد العزيز كامل، رحمه الله، وكان من ألمع الشخصيات الإخوانية في القاهرة، وكان قد شكل لجنة اسمها (لجنة الشباب المسلم)، وكان لعدنان سعد الدين حظ في حضور الجلسات.
وعندما قدم الشيخ حسن البنا في زيارة عام 1947م، كان عدنان سعد الدين معلماً في مدرسة في قرى حماة، وحينما نزل إلى مدينته قالوا له: إن وفداً تشكل برئاسة الشيخ محمد الحامد، واستأجروا باصاً، وذهبوا لاستقبال حسن البنا والسلام عليه، لم يكن لديه الوعي الكافي ليلتحق بهم بسيارة صغيرة، واستسلم للواقع، ولكن الذين ذهبوا إليه التقوه فعلاً في دمشق، وجاء على رأس كتيبة من مجاهدي الإخوان المسلمين ليشاركوا في حرب فلسطين.
ثم عاد عدنان سعد الدين إلى مدينة دمشق، ودرس القانون في جامعتها، وتخرج منها عام 1960م.
التحاقه بالدعوة:
انتسب (عدنان سعد الدين) إلى جماعة الإخوان المسلمين في العام الذي تأسست فيه 1945م، وتحديداً في شهر يوليو تموز، في 5/7/1945م. وكان عمره 16 سنة ؟
وكان كما ذكر في مذكراته في ساحة يجتمع فيها الناس بين المغرب والعشاء، ويتداول فيه أبناء الحي في مدينة حماة بعض أمرهم، وقال أحد الناس، ما رأيكم هناك احتفال يقيمه الإخوان المسلمون، ولأول مرة يطرق ذهنه كلمة ( الإخوان المسلمون)، وكأنه كان الحفل في (المولد النبوي الشريف)، فهل تذهبون؟ فذهب إلى جامع السلطان، وهو أشهر مساجد المدينة، الذي هدم في القصف فيما بعد، في أيام تلت بعد ذلك، وانبهر فيما رأى من خطباء يتكلمون دون أن ينظروا في ورقة، وكان من أبرز المتكلمين الأستاذ شوقي الكيلاني
لكن المنظر الذي رأيته في جماعة الإخوان المسلمين في شهر تموز، في شهر يوليو، كما قلت بهرني وجذبني، ولم يترك في ذهني أي فراغ، إنما كنت، تعلقت من اللحظات الأولى في هذه الجماعة، وفي نشاطها، وفي تحركاتها..
وبدأ الداعية عدنان سعد الدين حياته الدعوية مع الرعيل الأول للإخوان المسلمين في سوريا مع المؤسس مصطفي السباعي رحمه الله، حيث تعرف عليه بوقت مبكر بعد انتسابه للإخوان المسلمين مباشرة، وكانت دعوة الإخوان قد امتدت في سوريا، وكان السباعي يميل إلى أن يذهب إلى المراكز، ويزورها، فكان مركز حماة من المراكز الرئيسية التي كان يزورها، فرآه عدنان سعد الدين، وتأثر به تأثراً كبيراً في خطبه وأفكاره، ومواقفه السياسية.
وكان عمره حينما أقام تلك العلاقة في أوائل العشرينيات من حياته، وأهم الأشياء التي أخذها عنه هي أنه تشرّب منه الروح السياسية وبعد النظر، وصار لدى عدنان قناعة راسخة أنه سبق عصره بخمسة وعشرين سنة على الأقل، كما أن الأستاذ البنا في رأيه سبق عصره في خمسين سنة.
وكانت نشأة الإخوان خليطاً من جماعات متعددة (دار الأرقم، والشبان المسلمين، ودار الأنصار، ....)، وكانت هذه الجماعات رؤيتها أيضاً متعددة، ومفاهيمها متعددة بالنسبة للإسلام، ولوضع الإسلام، وكانت قائمة على وجهاء الناس، والعلماء بالدرجة الأولى، ولم تكن تجمع نفس التنظيم الذي كان لحسن البنا في مصر.
ولازم عدنان سعد الدين الشيخ العلامة محمد الحامد ملازمة خاصة في مساجد حماة والشيخ محمد الحامد كان على رأس وفد ذهب، وبايع الإمام حسن البنا عام 1947م، ولكنه لم يختر مراقباً عاماً للإخوان، لأن محمد الحامد كان أكبر من مراقب، أو أكبر من رئيس للإخوان من ناحية تنظيمية، كان مثل الأب الروحي للمدينة كلها، وكان يحب الإخوان حباً لا مزيد عليه، وكأنهم أبناؤه الحقيقيون، يعني كان يحرص عليهم، وخاصة حين كان يجد اندفاعة الشباب التي ينقصها الوعي، كما حصل لأخينا الشهيد مروان حديد، وغيره، فكان يعطف عليهم، وكان يحدب عليهم، وكان يوجههم، وكان يسدد خطاهم، فالأستاذ لم يكن مراقباً أو رئيساً للإخوان.
وتبدلت حياة عدنان سعد الدين بعد انتسابه للإخوان حيث عكف على مطالعة الكتب الثقافية والإسلامية لكبار الكتاب والدعاة من سورية، ولبنان، ومصر، وباكستان، والهند.. وغيرها، وكان يحضر بشكل دائم حديث الجمعة الأسبوعي، ثم كلف بالإشراف على بالإشراف على توجيه الأسر الإخوانية، وكان يصغي باهتمام إلى دروس ومواعظ الإخوان الذين يزورون المراكز من أمثال: حسن الهضيبي، والندوي، والمودودي، وسعيد رمضان، ومصطفى مؤمن، وعبد الحكيم عابدين، ومحمد المبارك، والشيخ مصطفى السباعي، والشيخ محمد الحامد، رحمهم الله جميعاً.
وشارك عدنان سعد الدين في لجان المراكز، ولا سيما لجنة الطلاب، وكتابة الكلمات، وإلقاء المقالات، ودخول المسابقات. ولم يمض على التحاقه بالجماعة أربع سنوات حتى ألقى محاضرة الجمعة ارتجالاً في الاجتماع الأسبوعي الذي يحضره أعضاء الجماعة وغيرهم وكانت تحت عنوان: مشكلة الرق، وكيف عالجها الإسلام؟، وكان ذلك في عام 1949م.
وكان عدنان سعد الدين يكره العمل الإداري، بسبب صدمة تعرض لها بعد انتسابه للإخوان، وعندما فازت قائمة مركز حماة بالتزكية، وكان الإخوة المسؤولون قد وضعوا اسمه ضمن المرشحين، فلم يلبث في اليوم الثاني أن تقدم باستقالته مصراً على قبولها، وظل على ذلك ثلاثين سنة من عام 1945م حتى عام 1975م حيث تقلد منصب المراقب العام.
حضر عدنان سعد الدين اجتماعاً خاصاً بالحزب القومي السوري الاجتماعي الذي أسسه أنطوان سعادة، وكان أتباعه يتباهون بشخصية الزعيم وعبقريته، وبعد الحضور جاء سعادة بمجسم للكرة الأرضية وراح يشرح جغرافية سورية الكبرى وركز الحديث على لواء اسكندرون، فوقف عدنان سعد الدين، وكان شاباً، فقال: حينما كانت وسيلة الاتصال بين الأمم هي الخيل والبغال كانت مصر في قلب الدولة العربية الإسلامية، بل كانت أقرب أقاليم الدولة إلى عاصمتها، وعندما صارت الطائرة التي تحملنا إلى القاهرة بساعتين وسيلة للنقل، صار من الصعب أن نشكل نحن أبناء الشام معها دولة واحدة ؟؟ ..
فقال أنطوان سعادة: أنت تذكرني بشاب في بلادنا عزم على أن يخطب فتاة تقيم في أمريكا، فتحدث معها بالهاتف، واتفق معها على الزواج، ولكنه بقي هنا، وبقيت هناك، وشكلا عائلة وهمية. فشعر الحضور بأن الإجابة غير مقنعة، وكانت تمييعاً للحوار، وكأن سعادة شعر بذلك، فقال: طالما أنت متحمس للوحدة مع مصر، فسوف نعينك سفيراً في القاهرة بعد نشوء الهلال الخصيب، وبناء دولته!!! .
وفي عام 1947م رشح العلماء والإخوان الشيخ محمود شقفة لعضوية مجلس النواب، وكان عدنان سعد الدين طالباً في مدرسة المحمدية الشرعية التي أسسها الشيخ محمود شقفة رحمه الله، ضمن برنامج سياسي في سورية كان نصيب عدنان سعد الدين أن يكون مندوباً للشيخ شقفة في مركز الاقتراع بالحي المسيحي في مدينة حماة، وكانت الكنيسة مقراً للانتخابات، وتعرف على مندوب الحوراني في المركز، وكان (أكرم الحوراني) يشجع ترشيح الشيخ محمود شقفة لكي يحجب مرشح الذوات عبد الرحمن العظم في منطقته.
ثم صار عدنان سعد الدين عضواً في المجموعة الكشفية التي قدمها فوج سعيد العاص في مدينة حماة لتشارك في الإحصاء العام للسكان الذي عزمت الحكومة الوطنية في سوريا أن تقيمه بعد نيل الاستقلال في عام 1947م، فكان مع زملائه يرقم المنازل في سبع قرى مثل : مورك، وطيبة الإمام وصوران ومعردس وغيرها تمهيداً لإحصاء عدد سكانها من قبل فريق آخر مختص بالعملية الإحصائية، وعاد إلى بيته بعد أسبوع وانتظر مع غيره أسبوعاً وشهراً وسنة فلم يسمع نتيجة الإحصاء لأن حكومة جميل مردم فوجئت أن عدد الأقليات كان نصف ما هو مثبت في القوائم الرسمية، فخشيت أن تتهم بالتضييق على الأقليات من قبل الغرب.
ثم انتقل كأستاذ متعاقد معه في دول الخليج العربي كقطر، وصار مسؤول المناهج في الإمارات العربية المتحدة، وهو الذي مهد لوزارة سعيد سلمان التي حولت التعليم بالإمارات إلى خلايا دينية ودعوية انتشرت في كافة المدارس حدث ذلك قبل أن يغادر عدنان سعد الدين الإمارات تحت ضغط النظام السوري إلى المانيا، ثم الأردن مع فترة قصيرة في اليمن وغيرها.
انتخابه مراقباً عاماً للإخوان المسلمين في سورية:
كتب الأستاذ الداعية مصطفى الطحان يقول: ( لم يستطع الشيخ عبد الفتاح أبو غدة لظروف خاصة به أن يستمر في تحمل مسؤولياته كمراقب عام، وفضل أن يتنحى ..ولقد حاول مجلس الشورى أن ينتخب بعض المقربين من الشيخ ولكنهم رفضوا جميعاً ..الأمر الذي دفعهم للتفكير برجل من خارج الإطار الحلبي فاختاروا عدنان سعد الدين الذي كان خارج التنظيم. وهو من إخوان حماة السابقين، وكان يعمل في أبو ظبي في وزارة التربية ..فلما عرضوا عليه الأمر رغب فيه ..واختير مراقباً عاماً جديداً ..وتعهد أن يتردد على سورية لإعادة ترتيب أوضاع الجماعة فيها .. كان ذلك في تموز 1975م.
وبتاريخ 28 سبتمبر 1978م تمّ وضع خطة من ثلاثة أقسام .. يبحث القسم الثالث عن التعبئة العامة ليدرك النظام أنه منفصل عن الشعب، ولا يستطيع حكمه أو السيطرة عليه.
والقوة في درجتها الأخيرة لا تستخدم إلا عندما لا يجدي سواها، ولا بد قبل استعمالها من استعمال عدة الإيمان والوحدة، والإنذار ثم الانتظار، وبعد ذلك يتم الإقدام واحتمال النتائج، وينبغي التحذير من أن تنقلب الحركة الجهادية ضد الوجود المرتد والجاهلية الباغية إلى فتنة عمياء لا تفرق بين عدو وصديق.
وفي 1 كانون الثاني 1978م عقد اجتماع في بيروت بين المراقب العام عدنان سعد الدين وعبد الستار الزعيم مسؤول الطليعة واتفق الطرفان على تنسيق المواقف، ووعده بتأمين كل ما يلزم من المال والرجال والسلاح عن طريق رياض جعمور ( وإن كان عدنان سعد الدين ينفي مثل هذا الاتفاق ويحصره في مساعدة المساجين والمطاردين فقط).
حادثة مدرسة المدفعية:
قررت الطليعة المقاتلة أن تواجه النظام علناً، ودون خطة محددة، فقامت في 16 حزيران 1979م بعملية في مدرسة المدفعية في حلب راح ضحيتها /83/ من طلاب مدرسة المدفعية ( وذكرت السلطة أن القتلى في حدود /60 / ضابطاً)، وقبل أن يغادر منفذو العملية بقيادة إبراهيم اليوسف كتبوا على الجدران بيانهم الأول، ووقعوه باسم الطليعة المقاتلة الجناح المسلح للإخوان المسلمين – كتيبة الشهيد مروان حديد.. والهدف واضح هو استقطاب عناصر الإخوان الذين أصبحوا بلا راعٍ، فقد خرجت القيادات الإخوانية إلى تركيا والأردن، والسعودية، والعراق.
وفي 27 حزيران 1979م وبعد حادثة المدفعية بعدة أيام، تمّ إعدام 15 إخوانياً متهمين بأعمال قتل، وصفتهم محكمة أمن الدولة العليا بعملاء الامبريالية والصهيونية والسادات، واتهمتهم ببذر بذور الفتنة تحت ستار الدين، وتسديد ضربة للوحدة الوطنية الداخلية، وأعلن حافظ الأسد في خطاب له يوم 30 حزيران 1979م: أن الذين يثيرون الطائفية لا بد من معاقبتهم وتصفيتهم.
قيادة الإخوان تستنكر المذبحة:
كانت سياسية الإخوان في سوريا تقوم على تجنب المواجهة مع النظام، كما حاولت القيادة الشرعية للإخوان تطويق الأفكار المتشددة، ففصلت الشيخ مروان حديد من الجماعة، كما فصلت عدداً من المرتبطين به مثل: عدنان عقلة، وحسني عابو، وزهير زقلوطة، ..وغيرهم، وهددت بفصل كل من تثبت صلته بهذا التيار .
بعد حادثة المدفعية اتهمت السلطة الطليعة، والإخوان المسلمين معاً بارتكاب المجزرة، وأصدرت قيادة التنظيم السوري بتاريخ 24 حزيران 1979م بياناً جاء فيه: ( فوجيء الإخوان كما فوجيء غيرهم بالحملة التي شنها عليهم عدنان الدباغ وزير الداخلية السوري متهماً إياهم بالمسؤولية عن مجزرة مدرسة المدفعية، ويحب الإخوان أن يؤكدوا :
1- أن النقيب إبراهيم اليوسف الذي نفذ العملية هو عضو عامل في حزب البعث، وليس له أية صلة بالإخوان المسلمين.
2- ثم إن السلطة تعرف أن هناك أوراقاً خلفها من نفذ العملية تبين هويتهم، وأن لا صلة له أية صلة بالإخوان المسلمين.
كما عقد الأستاذ عصام العطار في 6/ 7 / 1979م مؤتمراً صحفياً في المركز الإسلامي في آخن بألمانيا، هاجم فيه حادث الاعتداء على مدرسة المدفعية، واعتبره مجزرة وحشية وعملاً بشعاً، وأكد عدم علاقة جماعته بهذا الحادث.
عدنان سعد الدين يعلن التعبئة والمواجهة:
مع خروج الشيخ سعيد حوى من السجن وانتقاله إلى عمان، وتصاعد حركة الاغتيالات التي أربكت السلطة، ومحاولات النظام توسيط بعض العلماء لوضع حدّ لهذه المجازر.. وانضمام أعداد كبيرة من شباب الإخوان بدون إذن قيادتهم إلى الطليعة.. اتخذ الأستاذ عدنان سعد الدين قرار المواجهة.
وجاء قرار التعبئة والمواجهة الذي اتخذه فريق (عدنان سعد الدين)، والذي يقوم على مواجهة النظام، والعمل على إسقاطه بالقوة المسلحة، هو ليس من وسائل الإخوان في التصدي للحكام، وإسقاط الأنظمة، فدعوة الإخوان تقوم على الحكمة والموعظة الحسنة والتغيير التربوي والسلمي، ولكنها اضطرت للمواجهة دفاعاً عن النفس..
ولقد بررت قيادة التنظيم لجوءها إلى طريق التعبئة والمواجهة بالرد على الاعتقالات التي قامت بها السلطة خلال الفترة شباط نيسان 1979م والتي شملت العديد من القيادات الإخوانية.
بيان الثورة الإسلامية:
في 9 تشرين الثاني 1980م وقع ثلاثة من قياديي التنظيم العام للإخوان في سوريا هم الأساتذة: عدنان سعد الدين، وسعيد حوى، وعلي صدر الدين البيانوني إعلاناً أسموه بيان الثورة الإسلامية في سوريا ومنهاجها.
حمّل البيان النظام مسؤولية دفع المأساة إلى نهايتها، وأعلن الوصول إلى نقطة اللاعودة معه، وعدم المهادنة أو إلقاء السلاح حتى ينهار..ويذهب إلى غير رجعة.
كما نص البيان على التعددية الحزبية والسياسية، والفصل بين السلطات، وضمان الحريات والحقوق الأساسية، وتناول البيان قضية الوحدة العربية، والموقف من القضية الفلسطينية، والتفاعل مع قضايا العالم الإسلامي.
الجبهة الإسلامية:
وفي هذا السياق شكل التنظيم العام ما سمي بالجبهة الإسلامية التي ضمت بشكل أساسي العلماء، وأهدافها كما جاء في بيانها الأول الذي صدر في 10/10/ 1980م:
-إنهاء الأوضاع الشاذة، وإقامة الحكومة الإسلامية التي تحقق الأمن والحرية والسعادة لجميع فئات الشعب وسائر المواطنين.
وقد اختير الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رئيساً شرفياً لها في حين سمي الشيخ أبو النصر البيانوني أميناً عاماً.
قيادة الوفاق:
دفعت الظروف الصعبة أطراف العمل الإسلامي إلى الوفاق، وقد أقرت جميع الفصائل في اجتماع قيادي تمّ في النصف الثاني من كانون الأول 1980م تشكيل قيادة موحدة من اثنى عشر عضواً بمعدل أربعة ممثلين لكل فصيل. وانتخب الدكتور حسن هويدي مراقباً عاماً، وعدنان سعد الدين نائباً للمراقب العام، وعدنان عقلة مسؤولاً عسكرياً.
ولقد أصدرت قيادة الإخوان المسلمين بياناً يزفون فيه نبأ إعادة اللحمة المتينة للصف الإخواني الميمون، باندماج فصائله الثلاثة تحت قيادة مركزية واحدة.
كان لكل فصيل من الفصائل الثلاث أهدافه ..، والأمر الوحيد الذي اتفقت عليه إسقاط النظام.
التحالف الوطني لتحرير سوريا:
تمّ الإعلان عن تأسيس التحالف الوطني لتحرير سوريا في 11 آذار 1982م، والذي ضمّ كلاً من البعث العراقي، والإخوان المسلمين، والناصريين (محمد الجراح)، وبعض الشخصيات السياسية السورية المستقلة اللاجئة في بغداد.
وأهم النقاط التي اتفقت عليها الأطراف في إطار التحالف:
1-إسقاط النظام بكافة الوسائل بما فيها الكفاح المسلح.
2-تشكيل حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات مجلس تأسيسي وإعداد دستور للبلاد.
3-ضمان الحريات العامة.
4-إقامة الوحدة العربية وإقامة أوثق الروابط مع العالم الإسلامي.
5-إعادة بناء الجيش السوري.
وفي مقابلة للأستاذ عدنان سعد الدين مع مجلة الوطن العربي ( العدد 27/ 5/ 1988)، أثنى فيها على حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق.. وقال: ( لم نجد بيننا وبينهم أي تناقض. بل وجدنا أن قاعدته تقوم على الشعب المؤمن المتدين، ولذلك وجدنا كثيراً من الخلافات بيننا وبينه موهومة، ولا أساس لها).
أحداث حماة:
كانت الاستراتيجية التي اعتمدتها القيادة العسكرية جناح عدنان سعد الدين لإسقاط النظام تتمثل بانقلاب عسكري يقوم به المجلس العسكري الإخواني بقيادة أحد ضباط الإخوان ( العميد تيسير لطفي) على أن يدعم الانقلاب بخمسمئة مقاتل من الخارج فضلاً عن القوة المقاتلة في مركزي حماة ودمشق.
واتفق على أن يكون شهر نيسان أو أيار 1982م موعداً للحسم، ولقد تعهد النظام العراقي بتقديم المساعدة بالمال والسلاح والتدريب من أجل إنجاح الانقلاب المنتظر، وقد تولى خالد الشامي وظيفة المراسل بين قياديي الداخل والخارج، إلا أن اعتقاله أدى إلى اكتشاف الخطة الانقلابية واعتقال الضباط الإخوان وتطويق مركز حماة.
ولقد حذر بيان رسمي باسم الإخوان صدر بتاريخ 17 / 12/ 1981م، حذر من مجزرة في حماة بعد أن أنزلت السلطات بتاريخ 8/ 12 / 1981م لواء من سرايا الدفاع إلى المدينة بالإضافة إلى الوحدات الخاصة المعسكرة فيها.
وطلبت قيادة الإخوان من السوريين في أنحاء العالم أن يسارعوا للانضمام إلى إخوانهم في العراق ليكون لهم شرف المساهمة في تحرير سوريا..
تجمع حوالي / 1500 / عنصراً توزعوا على عدة حملات، وسمي أبو عمر الطيار، وهو رائد طيار فار من الجيش السوري، التحق بالإخوان مسؤولاً عسكرياً عاماً عن الحملات.
وكان الحماس في أقصى درجاته، فالبيانات من جانب، وأحاديث عدنان سعد الدين، والشيخ سعيد حوى من إذاعة بغداد من جانب، وزيارات القادة وأحاديثهم الحماسية بالحملات التي تستعد لدخول الفاتحين من جانب آخر كل ذلك جعل الحماس في أقصاه.
وأما قيادة الإخوان فقد أصدرت تقويماً ( 31 / 3 / 1982م): أعلنت فيه أنها لم توعز بالتفجير، وأنه تمّ دون علمها، وأنها لم تتمكن من إنجازه عسكرياً بسبب توقف المقاومة، وحملت عدنان عقلة مسؤولية التفجير
اكتشفت المخابرات بيان عدنان عقلة بالنفير لنجدة حماة، فهاجمت المدينة، وطوقتها وقتلت 40 ألفاً، ودمرت العديد من المنازل، وشردت الآلاف.
يقول الأستاذ أشرف المقداد:
(وكان الأستاذ أبو عامر عدنان سعد الدين انتُخب مراقباً عاماً للجماعة في السبعينات، وهو المراقب العام الرابع في تاريخ الجماعة، إذ سبقه كل من الدكتور مصطفى السباعي (المؤسس، توفي عام 1964 في دمشق عن 49 عاماً)، وعصام العطار (83 عاماً)، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة (توفي عام 1997 في السعودية عن 80 عاماً).
وتلا سعد الدين في تولي منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية كل من الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والدكتور حسن هويدي (توفي عام 2009 في الأردن عن 84 عاماً، وكان نائباً للمرشد العام للإخوان المسلمين في حينها)، والمحامي علي صدر الدين البيانوني (72 عاماً).
كما تولى موقع المراقب العام للجماعة بعد سعد الدين خلال فترات انتقالية متباعدة كل من الدكتور منير الغضبان (68 عاماً)، وأديب الجاجة، ومحمد نعسان عرواني.
يُذكر أن آخر أنشطة سعد الدين كان حضور اجتماع مجلس شورى الجماعة الذي انعقد مؤخراً، وذلك بصفته عضواً في المجلس الذي يضم، بالإضافة إلى الأعضاء المنتخبين، المراقبين العامين السابقين للجماعة كأعضاء حكميين.
تعرفت شخصياً على أبو عامر منذ أربع سنوات وتحدثت بالهاتف معه عشرات المرات. أبو عامر شخصية عظيمة ورجل كلمة الحق وعدم المراوغة. هو سوري سنّي أصيل حارب عمره كله لما كان يعتبره ظلماً وجوراً على الغالبية العظمى للشعب السوري.
وفي وصيته لي التي عارض وبشكل عنيف تعليق الإخوان لمعارضتهم ضد النظام الطائفي في سوريا، وعند سؤالي له -رحمه الله- عن نشري لهذا الكلام قال وبالحرف الواحد "انشر يا أخي"!
ويقول الدكتور عبد الله الطنطاوي: الأستاذ عدنان سعد الدين منذ اختياره مراقباً عاماً للجماعة:
فتح عدنان سعد الدين عينيه وقلبه وعقله بعيد سقوط الخلافة، وسقوط أجزائها وأطرافها أشلاء تحت نير المستعمر الغاشم الذي احتل بلاد الشام، ومزقها إلى كيانات خاضعة له، شاهد علماء الأمة وهم يستنهضون الشعب، لطرد الحرامي الذي دخل الدار ، وانتسب في يفاعته إلى جماعة الإخوان الفتية، وأكب على قراءة الكتب والصحف قراءة الدارس الذي يريد أن يحيط بكل ما يجري علماً، ليعينه على التحليل والتركيب، واتخاذ الموقف السليم تجاه ما يضطرب على الساحة السورية، بل وعلى الساحة العربية، خاصة بعد أن انتقل إلى مدينة الأزهر، واحتك بالحركة الأم، وبإخوان الأستاذ البنا وتلاميذه.
يتميز الأستاذ عدنان سعد الدين بسجايا وصفات ندر وجودها مجتمعة في سواه، وهي التي أهلته للتصدي لهذا العمل الكبير دون سواه من كتاب الجماعة، برغم كثرتهم، وقدرتهم على الكتابة، ولكن في غير هذه البابة.
منها تكوينه الثقافي، وسعة أفقه، وحركته الدائبة، واتصاله بالناس عامة، والمثقفين والسياسيين خاصة، بحيوية وإخلاص واتزان، ووعي ملاكه عقل قادر على فهم الأمور على حقيقتها، وقلب سكنته ونمته صوفية سليمة وكلته إلى الله تخطيطاً وتسليماً وتوهجاً في الأخذ والوعي والعطاء.
ومنها أن الأستاذ عدنان سعد الدين نشأ في طاعة الله، واتخذ لنفسه إخواناً بررة، كصديقه الحميم، الدكتور عبد الكريم عثمان – رحمه الله تعالى –، وهو من هو دعوة، وعلماً، وثقافة ورجولة وثاني صديقيه الحميمين الأستاذ الشيخ مصطفى الصيرفي حفظه الله تعالى وكان الثلاثة يكمل بعضهم بعضاً في سائر المجالات.
ومنها الظروف العصيبة التي مرت بسورية، والتآمر عليها من الداخل والخارج، وتناحر الأحزاب، وارتباط بعضها بالشرق وبعضها بالغرب، وتحالفها في وجه المدّ الإسلامي الذي أرعب عملاء اليسار واليمين معاً.
ومنها أن الأستاذ المؤلف قاد حركة الإخوان المسلمين في سورية، في مرحلتين دقيقتين، بل هما من أخطر المراحل التي مرت بها الجماعة عبر تاريخها الطويل..
الأولى: مرحلة ما بعد الانشقاق عام 1975م:
فقد تسلم الأستاذ عدنان الجماعة، وهي ممزقة، منهكة، مفلسة مالياً، فقادها بجدارة، وحقق بمبادراته الجريئة، ونظراته الصائبة مع إخوانه في القيادة، في مدة قصيرة، ما فاق ما كنا نأمله، وعلى الصعد كافة، حتى وصف بعضهم هذه المرحلة بالمرحلة الذهبية فقد صار للجماعة نظامها وخطتها العامة، وخططها المرحلية، وميزانيتها، ومفرغوها، وزار – وهو المطلوب من السلطة القمعية – أكثر المراكز في القطر، على مدى ثلاث سنين حافلة بالنشاط في سائر الميادين، وزار بعض الأقطار العربية، من أجل تنسيق العمل معها.
والمرحلة الثانية: هي التي بدأت بالصراع الدامي مع نظام أسد، وما نشأ عنه من اعتقال، ومطاردة، وتعذيب، وقتل، وتشريد:
كان الأستاذ عدنان يعمل في دولة الإمارات، فاستقال من عمله، وانتقل إلى بلد مجاور، ليكون قريباً من الأحداث، يوجهها، ويشارك في صنعها، أعاد تشكيل القيادة، ووضع خطة التحرك، وكتب بيان الثورة الإسلامية ومنهاجها، واستقبل الإخوة الفارين من النظام الأسدي بدينهم وأرواحهم وأعراضهم، وأمن لهم السكن، والعيش الكريم، وكل ما يحتاجون إليه، فحفظ – بذلك – لهم كراماتهم وصان أعراضهم، ودماءهم، ووجه أبناءهم وبناتهم إلى المدارس، والجامعات، بل والدراسات العليا، فكان للجماعة منهم مئات الخريجين الجامعيين، وعشرات من حملة الدكتوراه، وسعى في تأمين العمل الكريم لكثير منهم.
ثم إن الأستاذ عدنان يتمتع بذاكرة قوية حية، أرهقته، وأرهقت العاملين معه، فهو يتذكر الصغيرة والكبيرة، بناسها، وزمانها، ومكانها، كان يحمل بين جنبيه مسجلاً يحفظ له ما يريد وما لا يريد.
لم تقعده الشيخوخة، ولم تشغله شواغل الحياة، ولم يصرفه المرض عن التأليف في موضوعات دقيقة ذات مركب خشن، كموضوع هذا الكتاب ( الإخوان المسلمون) الذي جمع فأوعى، وكان لسورية وحركاتها الإسلامية، ككتاب الشيخ الجليل محمود عبد الحليم لمصر ولإخوان مصر.
لقد سدّ الأستاذ عدنان بهذا الكتاب ثغرة كبيرة وملأ حيزاً ما زال شاغراً منذ تأسيس الجماعة، وسيكون هذا الكتاب محرضاً للكتاب والدارسين المعنيين بالشأن السوري عامة، والشأن الإسلامي خاصة، يحرضهم على الكتابة والدرس والتحقيق والتمحيص، كما سيكون محرضاً للدعاة والعلماء، ليشرعوا أقلامهم، ويكتبوا ذكرياتهم، ويدونوا ما عندهم من وثائق ومذكرات هي ملك للجماعة، بل هي ملك للأمة قاطبة، وهم الشهود الذين يأثمون إذا ما كتموا شهادتهم..
إن هذا الكتاب تأريخ صادق أمين للإخوان وأنصارهم وحلفائهم في التجمعات الإسلامية السورية، وهو تتويج لعمر أمضاه صاحبه في ميادين الدعوة والتربية والسياسة والثقافة والفكر، وهو جزء من عدة مجلدات ستكون آلاف الصفحات بإذن الله، ...)
إذا كان الأستاذ الكبير عمر بهاء الدين الأميري تغمده الله بفيض رحمته ورضوان دبلوماسي الإخوان السوريين، فإن الأستاذ الكبير عدنان سعد الدين هو سياسيهم الأول بلا منازع؛ فقد أمضى عمره في العمل السياسي..
وانطلق يثقف نفسه ثقافة سياسية منذ نعومة أظفاره، فقرأ الكثير من الكتب السياسية، والنشرات السياسية التي كانت تصدر عن الأحزاب السورية كافة، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وما بينهما فقد شغفه حب السياسة وكتبها، بعد أن أدرك أهميتها في حياة الفرد والجماعة والمجتمع والدولة في وقت مبكر، فلا مستقبل للجماعة ما لم تشغل السياسة حيزا مهما من وقتها، ومن برامجها، ومن حركتها، فتكون على وعي من حاضرها ومستقبلها ، لتكون عصية على انتهازيين والوصوليين من الحيتان الذين لا يرقبون في الله والدعوة والوطن شعبا وأرضا إلا ولا ذمة ، وما أكثرهم وما أخطرهم..
وقد أدركنا هذا من الأيام الأولى لتسلمه منصب المراقب العام، من أحاديثه المستفيضة عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي المأساوي إلى انتهت إليه الأمور في سوريا، ومن تحليله للأسباب التي جاءت بهؤلاء الطائفيين وأذنابهم إلى السلطة، وضرورة التخطيط العميق، والتنفيذ الدقيق للخطة المزمع وضعها وإقرارها من مجلس الشورى. حتى تكون الجماعة على المستوى الذي يؤلها للتصدي لهؤلاء ولمخططاتهم المدمرة.
ولو أن الأمور سارت حسب الخطة لكان والله أعلم وضع الجماعة غير وضعها الآن، ولكان وضع سوريا الوطن غير ما هو عليه الآن، ولكن شاءت إرادة الله أن يتعجل المتعجلون، وأن يشذ عن الخطة من يشذ، وأن تقع الجماعة والوطن فريسة مخطط طائفي، مدعوما بمخطط صهيوني لئيم، خدع الشعب بشعارات براقة يحبها المواطن، وفرض بالأرض كتفريطه بالإنسان، وهو يزعم أنه ما جاء إلى الحكم إلا ليحرر فلسطين.
زعموا أنهم سوف يغيرون التاريخ، فغيروا الجغرافيا، وزيفوا التاريخ، وسلموا الجولان لحلفائهم وحمايتهم الصهاينة، وعاشت سوريا وما تزال في ظلام دامس، على أيدي من جئ بهم ليكونوا الأسوأ في تاريخ سوريا الحبيبة عبر الدهور.
العودة إلى الوحدة الإسلامية، ولمّ الشمل:
حدثت بعض الخلافات بينه، وبين أفراد الجماعة مما أدى إلى فصله حوالي 17 عاماً، ثم بادر إلى العودة إلى وحدة الصف، لأن قوة الجماعة في وحدتها، وأن الخلاف كله شرّ.. وكتب كتاباً عن تاريخ الإخوان المسلمين سيبقى هو المرجع الأهم في تاريخ الجماعة إلى حين، ولا يخلو جهد البشر من القصور، فلكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة، ولكل سيف نبوة، ولقد ذكرنا الإمام البنا بحقوق الأخوة فقال: ( أعلاها الإيثار، وأدناه سلامة الصدر)، فنرجو الله أن يوحد كلمة المسلمين على طاعته، وأن ينصر عباده على طواغيت الأرض.
مؤلفاته:
من مؤلفات الدكتور" رحمه الله":
1-الإخوان المسلمون في سوريا ما قبل التأسيس وحتى عام 1954.
2-من رحيل الشيشكلي إلى الانفصال 1954 – 1963.
3-الحكم البعثي (العلوي) من عام 1963 – حتى عام 1944.
4-العلاقات السياسية لجماعة الإخوان في ثمانينيات القرن العشرين وما بعده.
5-سنوات المجازر المرعبة من عام 1944 – حتى 1983.
6- حوار مع رجاء جارودي.
وفاته:
انتقل (عدنان سعد الدين) إلى رحاب ربه يوم الأحد الأول من أغسطس 2010، وتم تشييع الجنازة عصر اليوم الأحد في مسجد السيدة عائشة - رضي الله عنها- بحي عبدون (عمان)، وكان الدفن في مقبرة سحاب الإسلامية..
أصداء الرحيل:
المرشد العام يقدِّم العزاء في الداعية الدكتور عدنان سعد الدين:
1 أغسطس 2010م
أناب فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين سماحة الدكتور همام سعيد المراقب العام للإخوان المسلمين بالأردن؛ لتقديم واجب العزاء في الداعية، والمفكر الكبير الأستاذ عدنان سعد الدين المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين بسوريا، الذي وافته المنية أمس السبت في عمّان عن عمر ناهز الحادي والثمانين عامًا.
كما يعزي المرشد العام الأمة الإسلامية ورجال الدعوة والشعب السوري الشقيق، والإخوان المسلمين في سوريا في الفقيد، داعيًا الله عزَّ وجلَّ أن يتقبله في الصالحين، وأن يلهم أهله وإخوانه ومحبيه الصبر والسلوان.
وفاة المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا عدنان سعد الدين:
أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في سورية وفاة مراقبها العام السابق عدنان سعد الدين فجر اليوم الأحد 1 آب، في العاصمة الأردنية عمّان، عن عمر ناهز 81 عاماً.
وذكر المركز الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين السوريين أن المرقب العام السابق عدنان سعد الدين سيدفن في مقبرة سحاب الإسلامية في الأردن، وأن العزاء سيبدأ اعتبارا من اليوم الأحد بعد صلاة المغرب قرب منزله في عبدون.
وذكرت مصادر إعلامية سورية أن مقدم برنامج "شاهد على العصر" الإعلامي في قناة "الجزيرة" أحمد منصور كان قد سجل في قطر عدة حلقات عن تاريخ سورية وتاريخ الإخوان المسلمين في سورية مع سعد الدين "أبو عامر"، وذلك لدواع أمنية وخشية من انزعاج الدول التي يقيم فيها الراحل عدنان سعد الدين، ويتوقع أن تبثها الجزيرة قريباً، حيث كان الاتفاق أن يتم بثها بعد رحيله.
وحسب المصدر الإعلامي السوري ذاته، فقد خلف المراقب السابق للإخوان المسلمين في سورية إرثا تاريخياً مكوناً من عدة مجلدات عن تاريخ سورية وتاريخ الإخوان المسلمين، وكذلك كتب في الرقائق، وكان له الدور الأكبر في جمع شتات الإخوان المسلمين العام الماضي، حيث عاد إلى مجلس الشورى بعد غياب أكثر من سبعة عشر عاما بسبب تجميد عضويته من قبل مكتب الإرشاد، على حد تعبيره.(قدس برس)
وفاة الداعية الأستاذ عدنان سعد الدين:
الأحد 24 جمادى الآخرة 1434 - 5 مايو 2013م
تتابع موت العلماء والدعاة في النصف الأخير من شهر شعبان. فما كدنا نودع يوم الأربعاء الماضي الشيخ حسن عيسى عبد الظاهر حتى فجعنا بوفاة الشيخ أحمد مهدي الحداد الحلبي في يوم الجمعة الفائت. وما كدنا نرثيه حتى بلغنا ليلة الأحد العشرين من شعبان 1431 الموافق للأول من آب 2010، نبأ وفاة الداعية الأستاذ عدنان سعد الدين الحموي، في عمان في الأردن، عن عمر يناهز الواحدة والثمانين، قضاها في خدمة الإسلام والدعوة إلى الله، والتربية والتزكية والتعليم . وكان - رحمه الله - مثالاً في الصبر والثبات وقوة العزيمة، والتضحية في سبيل المبادئ التي يدعو إليها حتى آخر يومٍ من حياته.
ورابطة العلماء السوريين تعزّي أسرة الفقيد وإخوانه وأحبابه، وتسأل الله عز وجل أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وأسرته وإخوانه ومحبّيه الصبر وحسن العزاء.
اللهمّ إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيّئاته، ولقّه الأمن والبشرى، والسعادة والزلفى.
اللهمّ إنه وفد عليك – وأنت أكرم الأكرمين - اللهمّ فاجعل قِراه منك الجنة. اللهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، واغفر لنا وله يا أرحم الراحمين
إنا لله وإنا إليه راجعون.. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم
20 من شعبان 1431، الموافق للأول من آب 2010
هيئة العلماء تنعى عدنان سعد الدين المراقب السابق لإخوان سوريا:
21 شعبان 1431ه
المسلم- خاص- الجزيرة
نعت (هيئة علماء المسلمين في العراق) الأستاذ عدنان سعد الدين المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا الذي توفي فجر اليوم الأحد في العاصمة الأردنية عمان، عن عمر ناهز الـ(81) عاما إثر مرض عضال.
واستعرضت الهيئة في نعيها الذي وصل موقع المسلم "نشاطات الفقيد الدعوية الواسعة ومؤلفاته الفكرية والتربوية، مشيرة إلى "اهتمامه الكبير بالقضية العراقية ومساندته للمشروع المناهض والمقاوم للاحتلال الأمريكي الغاشم".
وتضرعت الهيئة إلى "الباري جل في علاه أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله ومحبيه الصبر الجميل". ومن المقرر أن يشيع جثمانه من مسجد عائشة في عبدون غرب عمان عصر اليوم الأحد.
وسعد الدين هو المراقب العام الرابع للإخوان المسلمين في سوريا، حيث اختير لهذا المنصب عام 1976، وقاد الجماعة أثناء الصدام بين الجماعة والحكومة السورية نهاية عقد السبعينيات، وظل مراقبا عاما حتى العام 1981.
وأعيد انتخاب القيادي الإخواني الراحل مراقبا عاما للإخوان عام 1986 وظل في منصبه حتى العام 1996، حيث شهدت فترة مطلع الثمانينيات خلافات وانشقاقات قادها سعد الدين قبل أن تعود الجماعة لوحدتها منتصف عقد الثمانينيات.
ويعد سعد الدين أحد أبرز قيادات الإخوان السوريين التي لا زالت محكومة عليهم بالإعدام في سوريا، ويعيش مع غيره من الإخوان السوريين في الأردن منذ مطلع الثمانينيات.
وانتسب سعد الدين لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا منذ العام 1945 وظل أحد أبنائها حتى وفاته مساء السبت.
ولد سعد الدين في مدينة حماة وسط سوريا عام 1929 ودرس في مدارسها الابتدائية قبل أن ينتقل ليكمل دراسته في دار المعلمين في حلب شمال البلاد.
وأرسل في بعثة لدار العلوم في العاصمة المصرية القاهرة حيث حصل منها على ليسانس اللغة العربية، وبعد عودته عمل مدرسا للغة العربية في مدرسة حماة الثانوية، قبل أن ينتقل للعمل في دولة قطر بنفس المهنة في مطلع الستينيات.
وانتقل الراحل لأبو ظبي وعمل فيها موجها تربويا حتى العام 1979 الذي شهد صداما بين الإخوان المسلمين والحكومة السورية.
ولسعد الدين العديد من المؤلفات أبرزها "الإخوان المسلمون في سوريا.. مذكرات وذكريات" ويقع في خمسة مجلدات، و"حوار مع جارودي حول القضية الفلسطينية" ..وغيرها.
وفي شبابه كتب سعد الدين مقالات في صحف الشهاب الأسبوعية، والمنار، واللواء اليوميتين، وجميعها كانت تصدر في دمشق في عقدي الخمسينيات والستينيات.
الشيخ عدنان سعد الدين، رحلت كنخيل الشام واقفاً:
كما كتب الأستاذ (عبد العزيز مشوح) يقول: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل..
كثيرون هم الذين يموتون كل يوم، قد يموتون قاعدين أو نائمين أما الذين يموتون واقفين فهم قلة قليلة، لأنهم لا يعرفون معنى للنوم أو القعود فحياتهم كلها حركة، ونشاط، وإنتاج، وبركة.
وكثيرون هم الذين يمرون في هذه الدنيا عابري سبيل.. لا يعرفهم أحد، ولا يذكرهم بشر.. ولكن الذين يموتون تاركين بصماتهم في كل موقع مروا به.. هم قلةٌ أيضاً.. لأن عوامل التميز.. وطابع الالتزام.. وآثار الكد والجد.. لا توجد إلا عند من وهبهم الله ذلك.. فأفنوا أعمارهم، لتحيا أمتهم، وترتفع راية عقيدتهم..
لقد كان أبو عامر رحمه الله أحد أولئك الذين ماتوا واقفين.. لأنه لا يعرف للنوم طعماً ولا للقعود معنى..!
أمضى حياته شاباً في طاعة الله، في ظلال هذه الدعوة المباركة، طالباً في حماة ومصر ومدرساً في سورية والإمارات، ومشاركاً في معسكرات الإخوان ولقاءاتهم ومؤتمراتهم، ثم قائداً لهذه الجماعة في أقسى ظروفها، وأصعب مراحلها، متنقلاً في المهاجر بين الأردن والعراق.. وبلاد الله الواسعة..!
ما سمع هيعة إلا طار إليها، ولا مشكلة إلا انبرى لحلها، ولا خلافاً إلا دخل وسيطاً فيه.. الحكمة ضالته والعقل حليفه، والإيمان نصيره وهاديه، واللينُ والرفق والحوار مبدؤه، فإذا جد الجد فهو الليث عادياً، كان يغضب إذا رأى أو سمع محارم الله تُنتهك..
يحترق لمآسي المسلمين وما حلّ بهم من ظلم، ويغلي كما يغلي القدر، عندما يسمع أفعال الطغاة والظالمين.
كرّس حياته لخدمة هذه الدعوة، فعلاً المنابر خطيباً وشارك في المؤتمرات محاوراً، واقتحم المجتمعات مدافعاً ومنافحاً..
فإذا تكلم صمت الجميع، وإذا أدلى بحجته أذعن الجميع موافقين ومؤيدين. رافقته في السفر والحضر، فما وجدتُ أعلى منه همة ولا أفصح لساناً وأثبت جناناً.. ثاقب الرأي، مُسدد القول، ذكي الفؤاد، قوي الحافظة، ولا يترك شاردة ولا واردة إلى أحصاها وردها إلى مظانّها وأرجعها إلى مصادرها..
كان مع الجماعة قلباً وقالباً، ومع الوحدة فرداً وجماعة، وحينما طاشت الموازين واختلطت المفاهيم وكاد الجميع أن يتفرق لم يقبل أن يكون خارج الصف وبقي يجالد ويصاول حتى عاد جندياً يجمل الراية ويقول: لا أريد أن أموت وأنا خارج الجماعة وبعيداً عن الصف.
كتب عن مدينة حماة مدينة أبي الفداء بتاريخها، وبينّ مكانتها وعراقتها، وكتب مختصراً لصفة الصفوة ليبين معادن الرجال، وأثرهم في القدوة الحسنة، والأسوة الطيبة، وكتب عن هذا الإسلام العظيم وإنسانيته، ليظهر مزايا هذا الدين وتسامحه وخيريته للبشرية جمعاء.. وكتب عن تزكية النفس وأصالتها لتكون بذرة صالحة تقوم بها الأمم وتصلح بها الجماعات وكان خاتمة المطاف كتابه الموسوعي والذي صدر منه خمسة مجلدات كل مجلد لا يقل عن خمسمائة صفحة وسماه "الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات"، لأن فيه ما هو متصل بالذاكرة، وما هو مسجل في الألواح، فكان تاريخاً زكي العرف طيب الرائحة، دقيق الوصف، لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فبنى لهذه الجماعة دعامة قوية تستند فيها على تاريخها، وتذكر فيها أمجادها ووقفاتها، وما تريده لهذه الأمة من خير ورفعة، جعله الله في موازين أعماله، وأثابه الله به الفردوس الأعلى من الجنان.
عن أي شيء أكتب يا أبا عامر؟! وأنا بعيد عنك حيث يواريك إخوانك الثرى فأتذكرك طوداً شامخاً لم تفُتَّ من عضده الأحداث، ولم يوقفه المرض العُضال الذي لازمه سنوات فلا يأبه ولا يوليه اهتماماً.. فلا يرد دعوة خير، ولا يتأخر عن مكرمة، ولا يتوانى عن مهمة اتجاه إخوانه:
ما كنتُ أحسبُ قبل دفنك في الثرى ... أنّ الثرى يعلو على الأطواد !
أتذكرك ونحن مقبلون على شهر رمضان شهر الخير والبركة حيث كنت توافينا كل عام للعمرة في مكة المكرمة فتملأ نفوسنا حباً، وحيوية، ونشاطاً، وعزة وإباء.
إن كنت لست معي فالذكر منك معي... يراك قلبي وإن غُيبتَ عن نظري
فالعين تبصر من تهوى وتفقده... وناظر القلب لا يخلو عن النظر
رحمك الله يا أبا عامر، فلقد كنت قمة سامية، تتطامن دونها الأعناق، وتتراجع أمامها الأحداق، رحمك الله في الأولين، ورحمك الله في الآخرين ورحمك الله يوم الدين وحشرنا وإياك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)رابطة أدباء الشام – موقع يشرف عليه الأستاذ عبد الله الطنطاوي.
2- شاهد على العصر - عدنان سعد الدين ج1- 9/9/2012 م على يوتيوب- قناة الجزيرة.
3- مقدمات كتبه – بقلم عبد الله الطنطاوي.
4- الإخوان المسلمون في سوريا ولبنان – مصطفى محمد الطحان – ج2، صدر عام 2006م.
5- رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 850
[2] - رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 848 .
وسوم: العدد 866