علي بن أبي طالب
ح1 .. تقديم
أكثر شخصية اسلامية أثارت الجدل حولها بين محب ومحب مغال ومغال الى درجة العبادة ومبغض وحاقد وحاسد كانت شخصية الإمام علي بن أبي طالب ، إجتمعت له ما لم يجتمع لغيره ، تفرد وحيداً بمهمة ربانية ، تحملها رغم ثقلها ، وكان أهلها وأهلا لها ، حملها بقوة وعزم لا يلين ، بلا محاباة ولا مواربة ولا حتى وهن ، رغم الثمن الذي سيدفعه من أجل ذلك .
جمعت له خصال لا ولن تجتمع في غيره ، العلم ، الشجاعة ، البأس ، العدالة ، الفطنة ، الذكاء ، الفصاحة ، البلاغة ، الإقدام الى غير ذلك ، كان حقاً أنموذجاً للإنسان الكامل ، فيه تكاملت الإنسانية بأبهى صورها .
ما كان علي بن أبي طالب للمسلمين وحدهم ، بل للإنسانية كافة ، عاشها ومارسها بحذافيرها طوال عمره ، مصداقاً لمقالته الشهيرة في تعامله مع عامة الناس ( إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق) ، فهو أول من وضع هذه القاعدة ، وأفضل من طبقها.
شجاعته برزت في أول معركة في الاسلام ، حيث كان احد المبارزين الثلاثة ، فهزم المبارز له شر هزيمه بسيفه الفريد والذي تميز به (ذو لفقار) ، أما في معركة أحد ، فبرز علي بن ابي طالب بأسلوب قتالي منقطع النظير ، وأمتاز بمزية خاصة ، وذلك حين أنكسر جيش المسلمين ولاذوا بالفرار ، تاركين الرسول (ص واله) لوحده في الميدان ، فجرى له ما جرى ، دعا الله تعالى طالبا المدد ( المــدد يا الله منك المــدد ) ، فلم يمض وقت طويل حتى برز علي بن ابي طالب ، قيل فتبسم الرسول (ص واله) وقال لعلي "طلبت المدد من الله .. فكان بك يا علي" ، وفي رواية أخرى أنه (ص واله) قال له ( أنت المدد يا علي ، يا علي مدد ) , دون ان ننسى البطلين ابو دجانة وام عمارة نسيبة بنت كعب ودورهما الفاعل في الذب عن الرسول (ص واله) ، لكنهما أثخنا بالجراح ، أما علي ورغم الجراح التي جاوزت الستين بقي يقاتل حتى النهاية ، من هذه الحادثة ومن هذا المنطلق بالذات ظهر المصطلح الشائع والمعروف "يا علي مدد" وإن أقتصر الان على الصوفية ، أما الشيعة فأكتفوا بالقول ( يا علي ).
أما علمه وفصاحته ، فتواترت في بطون الكتب ، وتناقلها القاصي والداني ، بل تلقفها العدو قبل الصديق ، وكتب نهج البلاغة (ابن ابي الحديد ، الشريف الرضي ، محمد عبده) لهي خير مثال وشاهد .
تمهيد
لماذا علي بن ابي طالب "عليه السلام"؟
دون الصحابة , دانت له القلوب , وتفتحت له الالباب , وحطم اسوار العقول , وبنيت حوله المباني , وتعددت حوله الطرق , وتغيرت نحوه الاحوال , واختلفت فيه الاقوال , وشرّعت فيه المذاهب , حتى تعددت وتفرقت , ونمت واختلفت , فكانت على سبيل المثال : الاثني عشرية , الزيدية , الثلاث عشرية , السميطية , الفطحية , الناووسية , النفيسية , الواقفية , البترية , الحروفية , الخطابية , الذمية , الغلاة , القرامطة , الجنينيون , السبعية , الجارودية , السبئية , الهاشمية , المختارية , الاسماعيلية , الكيسانية , الاحسائية (الاوحديون) , الغرابية , العلوية (النصيرية) , العلوية (العلاهية) , اليزدانية , اليارسانية , الصوفية (بجميع طرقها) , الدروز (الموحدون) , وفرعا من الزرادشتية وأخيراً وليس أخراً البهرة (الهند).
الجدير بالملاحظة ايضاً , ان علي بن ابي طالب "عليه السلام" هو الوحيد من دون الصحابة يلعن جهاراً ومن على المنابر على طول خط الامارة الاموية ولمدة ربت على الثمانون عاماً , حتى حكم عمر بن عبدالعزيز فرفع اللعن عنه "عليه السلام".
ليس الطوائف الدينية فقط , بل حتى التيارات السياسية والفكرية توقفت لدى اعتابه "عليه السلام" بالحيرة والذهول , وربما اختاره الشيوعيون بوصفهم اياه "عليه السلام" بـ (الشيوعي الاول) ، والاشتراكيون بأنه "ع" (اشتراكي) .
لم علي بن ابي طالب "عليه السلام" ولم يكن شخصاً اخر من الصحابة؟! , يقال له "عليه السلام" و "كرم الله وجهه" و "رضي الله عنه" , بينما يقال لجميع الصحابة "رضي الله عنه " فقط .
ولماذا علي "عليه السلام" وليس غيره بلغ درجة التأليه ؟ , فغالت بعض الفرق ونصبته إلهاً (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا , وحاشاه "عليه السلام") .
ولماذا علي "عليه السلام" وليس غيره احداً من الصحابة نصبت له العداوة والاحقاد والبغض والكراهية ؟! , في الكفة الاخرى المقابلة لكفة المحبين والمغالين .
علي بن ابي طالب "عليه السلام" يعلن عن نفسه بنفسه , ولا يعرف عنه سواه ، ولا يعرفه سوى الله تعالى والرسول الاعظم محمد "ص واله" وذلك جاء في ما روي عنه "ص واله" : (يا علي لا يعرف الله الا أنا وأنت ، ولا يعرفني الا الله وأنت ، ولا يعرفك الا الله وأنا).
***************************
علي بن ابي طالب "ع" ح2 .. الولادة .. المعلم
لكل مولود لابد له من مكان وزمان يرى فيهما النور ، ولابد له من والدين ، من كل ذاك يعرف شأن المولود ، فإن كان الوالد أبي طالب سيد من سادات العرب والأم فاطمة بنت أسد ومكان الولادة الكعبة المشرفة ، بذي وذا يحقق علي "ع" أولوية وأسبقية لم يسبقه اليها أحد ، فهو أول مولود في الكعبة المشرفة بلا منافس في الثالث عشر من شهر رجب الأصب .
العدد ( 13 ) عدد طبيعي جداً للمسلمين الذين يمقتون الطيرة والتطير ، بينما في العالم الغربي يتطيرون ويتشاءمون منه ، الى درجة ان بعض العمارات يحذفون الطابق رقم (13) ، وكذلك المنازل يتجنبون كتابة الرقم (13) عليها اعتقاداً منهم ان في هذا الرقم الشؤم الكثير.
لم يأت هذا التشاؤم من فراغ ، فهناك مدلول تاريخي يعتقد أنه السبب الرئيسي ، وذلك عندما أمر الملك فيليب الرابع ملك فرنسا باعتقال فرسان الهيكل بعد مشاكل بينهما ، فكان الأمر الملكي قد صدر بتاريخ 13 اكتوبر/تشرين الأول/ عام 1307 ، هنا نلاحظ تكرار الرقم (13) مرتين في اليوم وفي السنة ، منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة يتشاءم أكثر الغربيين من هذا العدد البريء!.
هكذا كان يوم ميلاد علي ابن أبي طالب "ع" يوماً سعيداً لدى محبيه ، ويوم شؤم لدى مبغضيه ، تماماً كما كان مولد الرسول الأعظم محمد (ص واله) يوماً سعيداً لمحبيه وأنصاره ويوم نحسٍ على أعدائه ومبغضيه .
المعلم
منذ ولادته "ع" تلقفته أيادي النبوة ، نما وترعرع بين أحضانها ، بل كان "ع" رفيق الظل للنبي محمد "ص واله" لم يفارقه إلا سويعات معدودة حتى عرف "ع" بأنه " ربيب النبوة" ، هكذا كانا "ع" ملازمين لبعضهما البعض لم يفترقا حتى حال بينهما مفرق الجماعات وهادم اللذات ، وهذه السمة لم يسبقه اليها أحد قط ، تفرد بها علي ابن ابي طالب "ع" .
وجد النبي محمد "ص واله" في علي "ع" ذلك التلميذ الذي يعي ما يلقى عليه والمطيع لمعلمه ، طالما وإن معلمه لا يأمره إلا في خير ، وجد فيه خزانة الإسرار فأمل به أن يكون ذو شأن يوما ما ، لذا لم يبخل عليه بمعلومة ولم يستر عنه حاجة ، زق له العلم زقا ، وكان "ع" أهلاً ونَعِم ، حتى جاء عنه "ع" أنه قال : " علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف باب من العلم وتشعب لي من كل باب ألف باب ".
علي "ع" لم يخالف معلمه (ص واله) قط ، وخير مثال على ذلك حين أعطاه النبي "ص واله" الراية يوم خيبر ، حملها وأنصرف لكن فجأة توقف ، فقال له النبي "ص واله" (امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك) ، لم يلتفت لكنه رجع الى الخلف دون أن يلتفت وفي روايات أخرى انه "ع" صاح (على ماذا اقاتلهم على الفتح أم الجزية؟) ، فجاءته التعليمات على الفتح ، نرى هنا إن علياً "ع" لم يخالف النبي "ص واله" قط في أمر كبيراً كان أم صغيرا ، هنا نكتشف إن علياً "ع" الوحيد من الصحابة ممن لم يخالفوا النبي "ص واله" قط لا في حياته ولا بعد وفاته .
.... يتبع ان شاء الله
وسوم: العدد 876