كان حسن البنا قليل المثال نادر النظير
(1)
الإمام الشهيد حسن البنا
اللواء محمد صالح حرب (*)
إنما المرء حديث بعده.
ما أصدق هذه الكلمة وما أحق تلك الكلمة بالخلود.
يعيش الإنسان في هذه الحياة ما قدر له أن يعيش، ويأتي من الأعمال ما يأتي ثم يصل إلى خاتمة المطاف، وهي الرحلة من دار الفناء إلى دار البقاء، فلا يترك خلفه من زينة الحياة الدنيا إذا أحسن – إلا الذكرى الطيبة والثناء الحميد – ولقد كان فضيلة المرشد المرحوم الشيخ حسن البنا رجلاً داعية، مجاهداً في دعوته بذل ما بذل في دنياه ورحل كريماً إلى الدار الآخرة مخلفاً وراءه ذكراً حميداً وأثراً طيباً وحديثاً مروياً عن شخصه وجهاده.
وعندي أن البيئة كان لها أحسن الأثر في تكوين المرشد الشهيد، فقد نشأ في أسرة كريمة فاضلة متدينة تعمل لترضي ربها في دينها وأخلاقها فكان لهذه الأسرة آثارها العميقة في نفس المرشد عليه رحمة الله، ثم درس المرشد دراسة إسلامية أخلاقية صوفية من أول الطريق وأخذ نفسه منذ فجر حياته بآداب الإسلام وتعاليمه التهذيبية، وكان لهذا التعيين المبكر أثره الفعال في أن يحيا المرشد – رحمه الله – داخل دائرة تحيط بها العفة والصيانة وتشملها رعاية الله وهدايته.
ولقد كان - رحمه الله- قليل المثال، نادر النظير في دراسته للإسلام وحفظه للقرآن وتذوقه له وتعمقه في فهم أسراره وإحاطته بالسنة وبراعته في الفقه، وكانت هذه الثروة العلمية عنده أشبه بالينبوع الذي لا يجف ولا ينقطع عن الجريان معينه.
وأعتقد أن هذه الذخائر الثمينة التي حصلها المرشد الشهيد في حياته وبخاصة أيام شبابه من الكتب والسنة والسيرة والفقه والتاريخ الإسلامي، كان أكبر معين له على الدعوة والإرشاد، فكان في حديثه وخطابته وكتابته يغرف من بحر واسع لا يخشى أن يجف أو ينفذ ماؤه.
وإذا ذكرت الخطابة الدينية المثالية ذكر الشهيد حسن البنا، فقد وهبه الله قدرة فذة على الخطابة وطول نفس عجيب في الارتجال سواء أكان في المسجد أو النادي أو المؤتمر، وسواء أكان بين العامة أم بين الخاصة، وهو أحياناً يعلو في خطابته حتى يكون أسلوبه بليغاً رائعاً، ويتوسط حتى يفهم عنه الجميع، وينزل في تعبيره إلى مستوى العامة إذا اقتضى الموقف ذلك، وكان رحمه الله يدرس نفسيات الجماهير قبل مخاطبتها، ولذلك كان ينجح في خطابها والتأثير عليها.
وهناك ناحية أخرى لا تنسى في حياة المرشد - عليه الرضوان - فقد كان حركة دائبة لا يعرف الكلل أو الملل فهو يرتحل ويسافر، ويخطب ويحاضر، ويتحدث ويحاور، وينظم ويؤسس، ويصل الليل بالنهار ولا يعرف الراحة أو الاستجمام، وذلك شأن الداعية الحريص على أن يصل بدعوته إلى ما يريد، فلابد له أن يبذل في سبيلها كل ما يستطيع، وقد فعل رحمه الله وأرضاه بقدر ما جاهد وعمل من أجل الإسلام والمسلمين.
(*) كان من كبار الوطنيين، تولى وزارة الحربية في وزارة علي ماهر باشا، كما أصبح الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين، وكانت له صداقة عميقة بالإمام البنا، توسط في رأب الصدع بين الإخوان وحكومة النقراشي وحكومة إبراهيم عبد الهادي من بعده، لكن لم يكتب لوساطته النجاح.
(1) الدعوة – السنة الخامسة - العدد (207) – 22 من جمادى الآخرة 1374هـ / 15 فبراير 1955م.