أُمَّ علاء: كيف أنساكِ... وأنتِ أنتِ؟!
ومرضُها العُضال الذي أُصيبَتْ به واجَهَتْه بصبر وتسليم بقضاء الله، وظهرت عليها أحوال عجيبة في الإيمان والزهد والرضا، وحصلت لها كرامات وظهرت عليها علامات، وكلها تدُلّ على حُسن خاتمتها إن شاء الله تعالى. رحمكِ الله وتقبّلكِ في عباده الصالحين، ورفع درجتكِ في المهديين، وأخلَفَ لكِ في عقبكِ في الغابرين، وجعلكِ من ورثة جنة النعيم؛ وإنا لله وإنا إليه راجعون. هذه الزوجة الوفيّة الصابرة، الداعية الصالحة، قضَتْ صِباها وشبابها إلى أن اشتدّ مرضُها وانقطعتْ عن التواصل مع محيطها الخارجي... قضَتْهما في الدعوة إلى الله وحَمْل عبء القسم النسائي في دعوتنا ـ جمعية الاتحاد الإسلامي ـ مع ثلّة من الأخوات المتميّزات في الوعي والتديُّن والعزيمة كانت تجتمع معهن كل يوم خميس منذ أكثر من (17) عاماً، مع اهتمامها بقضايا المسلمين وهموم الأمة ولله الحمد. واهتدَتْ على يديها مئات من الشابّات والنساء وأثّرت فيمن حولها حتى في ممرِّضاتها وممرِّضيها ومنهم غير متديّنين وقد بكَوْها بعد موتها وعبّروا عن تأثّرهم بها ـ بهدوئها وكثرة ذكرها ونظافتها وحرصها على هدايتهم ودلالتهم على أيّ خير ـ وهي على فراش المرض الشديد عوّضها الله الكريم حسنات وفيرة وأجوراً عظيمة كثيرة. هذه الزوجة نشأت في بيت تديُّن وعلم فأثمر فيها حبّاً للدّين وحرصاً على العلم وهِمّة، وزُهداً وغَيْرةً شديدة وعِزّة:
فوالدُها: العلاّمة الصالح الصابر الفقيه الثَّبْت الصُّلب الشيخ أحمد أكبازلي زاده رحمه الله وأمُّه أمينة زَيْن العابدين حسيبة من بيت النبوّة. وهو ابن عَمّة العالِمَيْن الجليلَيْن: العلاّمةِ الأصولي اللغوي، الأريب الألمعي، الشيخ عبد الرحمن زَيْن العابدين رحمه الله، وقد أُوتي علماً واسعاً وذكاءً نادراً، ومهاراتٍ خارقة في إصابة الأهداف الدقيقة جداً وكذلك في تصليح الساعات مهما كانت معقّدة بإمكانات متواضعة، وشقيقِهِ الأكبر العلاّمة الصالح الشيخ أبي الخير زين العابدين رحمه الله. ووالدتها: السيدة خديجة هي المرأة الصالحة القوّامة لليل بنت الفقيه الشافعي الكُردي العلاّمة المَهيب الشيخ محمد جَزّو رحمه الله، وهو أحد شيوخ زوجها عمِّي الشيخ أحمد. وإخوتها الشباب: شهاب الدين وعلاء الدين ومحمد سعيد: هم ثلاثتهم شهداء في سبيل الله قضَوْا في سبيل الدعوة الإسلامية. وزوجُ أخت أبيها: هو الوليّ الصالح الفقيه الزاهد مُلاّ رمضان البوطي رحمه الله.
رضا عنها وبُشرى لها: وأنا أشهد أنها مطيعة لله عزّ وجلّ مُحبّة له غيورة على دينه ومطيعة لي ـ فاسمها يطابق حالها ـ فأنا راضٍ عنها تمام الرضا، لذا لها بشارة نبوية إن شاء اللهَ نَقَلَتْها زوجُه أمُّ سَلَمة رضي الله عنها: ((أيُّما امرأةٍ ماتت وزوجُها عنها راضٍ دخلتْ الجنة)) رواه الترمذي وحسّنه وصححه الحاكم والصحيح أنه حسن لغيره أو صحيح لغيره بشواهده الكثيرة التي منها ما رواه الصحابي عبد الرحمن بن عَوْف عن النبي r: ((إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامتْ شهرها، وحَفِظتْ فرجها، وأطاعتْ زوجها: قيل لها: ادخلي من أيّ أبواب الجنّة شئتِ)) رواه الإمام الأحمد في المسند (1661) عنه، ورواه ابن حِبّان في صحيحه (4163) عن أبي هريرة وعَنْون له: ذِكْر إيجاب الجنة للمرأة إذا أطاعتْ زوجَها مع إقامة الفرائض لله عز وجل. ولطالما استبشرتُ لها أيضاً ببشارة حبيبِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ الذي كانت تُحبُّه أعظمَ الحبّ بعد الله عزّ وجلّ وتفتديه بروحِها وحياتها ـ للصحابيّةِ أمِّ العلاء وقد عادها صلى الله عليه وسلم وهي مريضة ـ وفي رواية: تَضَوَّرُ من شدّة الوَجَع ـ: ((أبشري يا أمّ العلاء؛ فإنّ مرض المسلم يُذهبُ اللهُ به خطاياه، كما تُذهب النار خَبَث الذهب والفضّة)) رواه أبو داود في سننه (3085) وهو حديث حسن.
فهل أُلامُ على التفجُّع لفِراقها مع كامل التسليم بقضاء الله عزّ وجلّ والثقة بحِكْمته ورحمتِه، وعلى بكائها بالدموع بقلب مفجوع... وهي هي بكل ما تقدّم وأكثر بكثير... مع وفاءٍ شديد لي وتعلّق عظيم بي؟ فما أعظمَك يا حبيبي وسيدي وإمامي يا رسول الله! وما أروع إنسانيّتك في قولك عندما بلغكَ وفاةُ طفلك ـ إبراهيم ـ: ((إن العين لتدمَعُ وإن القلب ليَحْزَنْ وإن لفراقِك يا إبراهيمُ لمحزونون ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا))! متفق عليه عن أنس رضي الله عنه.
اللهم أسكنها من الجنة فِردَوْسها، ومن منازلها قصورَها وأعلاها، وأسبِغْ عليها رحماتِك، وأكرِمْها يا ربَّنا برضوانك. أَشهد أنها أَمَتُك كانت تدعو إليك، وتعتزّ بدينك، وتجاهد لإعلاء كلمة شريعتك، وتشوِّقُ نفسها للجهاد في سبيلك، وموئلَ الضعفاء من خلقك، وتُحَبِّب الناس بك وبحبيبك ـ r ـ.
رحمكِ الله زوجتي الغالية ونوّر قبركِ، وجَمَعنا مع بعضنا في جِنان الخُلْد عند الله تعالى
بقلم زوجها الوفي لها حسن قاطرجي