الأخ المجاهد محفوظ نحناح
(1362 - 1424ه / 1942 - 2003م)
مولده ونشأته
ولد الشيخ محفوظ بن محمد نحناح يوم 12/1/1942م، وكان مولده في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت التحولات السياسية والفكرية في الجزائر تتحدث عن مرحلة ما بعد الاستعمار ببداية اندحار فرنسا المستعمرة أمام دول المحور وانكشاف عورة الاستعمار الفرنسي وبداية العد التنازلي لفكرة الاستعمار الاستيطاني. وكان مولده بمدينة (البليدة) في الجزائر، وسط عائلة محافظة، ونشأ في أحضان القرآن الكريم، واللغة العربية، ودرس في المدرسة الإصلاحية، التي أنشأتها الحركة الوطنية، وأكمل مراحل التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي في الجزائر، وحصل على ليسانس لغة عربية، ثم سجَّل في جامعة القاهرة (قسم الدراسات العليا)، وفي فترة دراسته الجامعية بالجزائر، ساهم مع إخوانه في فتح مسجد الطلبة، وكان أول من خطب الجمعة بالمسجد المذكور. وساهم مع إخوانه محمد بوسليماني ومحمد بومهدي سنة 1962م في ثورة التحرير الجزائرية وهو في ريعان الشباب، كان عمره 20 عامًا.
نشاطه العملي والدعوي
اشتغل الأخ نحناح في حقل الدعوة الإسلامية لأكثر من ثلاثين عامًا بدءًا من سنة 1964م بالتعاون مع رفيقه الشيخ محمد بوسليماني، وهما وضعا اللبنة الأولى للجماعة الإسلامية في الجزائر.
وقاوم المد الثوري الاشتراكي والثقافة الاستعمارية الفرنسية. وكان من أشد معارضي التوجه الماركسي والفرنكفوني والعقائد الضالة والأخلاق المنحرفة، مما أدى إلى اعتقاله سنة 1975م، وحكم عليه بالسجن خمس عشرة سنة، كانت فرصة للتزود بالعلم والتفرغ للعبادة، كما كانت سببًا في هداية الكثيرين من نزلاء السجن إلى طريق الحق والاستقامة على منهج الإسلام.
وبعد وفاة الرئيس «هواري بومدين» يوم 27/12/1979م بعد زلزال الأصنام في 10/10/1980م، حيث كان سجينًا هناك أطلق سراحه بعد أن قضى خمس سنوات فقط.
وقد ساهم في تأسيس (رابطة الدعوة الإسلامية) مع صفوة من علماء الجزائر ودعاتها منهم الشيخ أحمد سحنون رئيس الرابطة، والشيخ عبدالله جاب الله، والشيخ علي بلحاج والشيخ محمد بوسليماني، والدكتور عباسي مدني، وغيرهم، كما ساهم في تأسيس (جمعية الإرشاد والإصلاح) سنة 1988م مع زميله الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتالته جماعة مسلحة سنة 1994م.
ويمتاز الشيخ نحناح بقدرة هائلة على الاتصال والتنقل، فقد زار القارات الخمس داعية وحاملاً رسالة الوسطية والاعتدال، كما طاف كل محافظات الجزائر وأسس فيها أنشطة دعوية وتربوية وخيرية متنوعة.
كما أنشأ الشيخ النحناح (حركة المجتمع الإسلامي) سنة 1991م وانتخب رئيسًا لها، ثم تغير اسمها إلى (حركة مجتمع السلم) بعد صدور قانون جزائري يحظر استعمال وصف (إسلامي) على الأحزاب.
كانت مواقف الشيخ نحناح تتسم بالاعتدال والتوازن، فقد عارض موقف الحكومة من الانتخابات، كما اعترض على دعاة العنف وحمل السلاح.
وهو الذي صاغ بيان التجمع الإسلامي الكبير سنة 1980م، كما نظم أول مهرجان إسلامي سنة 1988م، ونادى بإنشاء رابطة تجمع كل الدعاة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية سنة 1989م، كما أنه انضم إلى علماء العالم الإسلامي في توقيع وثيقة ترفض التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين واعتبرها وقفًا إسلاميًا لا يجوز التفريط فيه أو التنازل عنه.
ويعتبر محفوظ نحناح أول زعيم حركة إسلامية في العالم العربي يتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية.
والحق يقال: إن الشيخ محفوظ نحناح فيه من مواصفات الزعامة والقيادة ورباطة الجأش وقوة التحمل والصبر على المكاره ما يرشحه للأمور العظيمة والأحداث الجسام؛ فهو كفؤ لذلك، وأهل لتحمل التبعات والتكاليف؛ لأنه من فرسان هذا الميدان وصاحب القدح المعلى في المكرمات.
أفكاره وطروحاته
من أهم الطروحات التي يدافع عنها الشيخ محفوظ نحناح هي: الشورى، والديمقراطية، والتطور، والتسامح، والتعايش، والاحترام المتبادل، واحترام حقوق الإنسان، ومشاركة المرأة في مجالات الحياة، وحوار الحضارات، واحترام حقوق الأقليات، وتوسيع قاعدة الحكم، والتداول السلمي للسلطة، واحترام الحريات الشخصية والأساسية، والوسطية والاعتدال، وتجسير العلاقة بين الحاكم والمحكوم على ضوء هدي الإسلام وتعاليمه.
وكان يرى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والشخصية، ويدعو إلى التمييز بين ضرورة وجود الدولة وتقويتها، وبين منافستها ومعارضتها والمطالبة بخلعها وذهابها عند إساءتها، ويرى أن المشاركة في قاعدة الحكم أولى من الروح الانسحابية أو المعارضة الراديكالية.
وكان موقفه واضحًا من وقف المسار الانتخابي بالجزائر ويعتبره خطأ كبيرًا من الحكومة، ولكنه لا يرى معالجة خطأ الحكومة بحمل السلاح وجزّ الرقاب والحقد والتدمير وإهلاك الحرث والنسل.
وفيما يتعلق بالغزو الأمريكي للعراق، كان واضحًا غاية الوضوح، فقد دعا إلى بلورة موقف متقدم لقوى الأمة العربية لضمان حركة المعارضة للاحتلال الأمريكي للعراق ومواجهة استراتيجيات الهيمنة على الأمة العربية والإسلامية.
وفي الجزائر طالبت حركته (مجتمع السلم) بفتح قنوات الحوار أمام الجميع وإيقاف حملات العنف والعنف المضاد، والتكفل بالعائلات المتضررة من جراء المأساة الوطنية ورفع العقوبات التعسفية التي طالت بعض المواطنين من جراء انتماءاتهم السياسية، وتعويض المتضررين منهم، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي، بالتوازي مع إقامة محاكمات عادلة للمتورطين في الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وكرامة المواطنين. والعمل الجاد من أجل العودة بالبلاد إلى الوضع المستقر الآمن الذي يعيش فيه المواطن وهو آمن على نفسه وأهله من تغوّل السلطة أو استهداف المخرِّبين. وضرورة انصراف الحكومة إلى تأمين احتياجات المواطنين الجزائريين ورفع العنت والظلم عنهم وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم، ولكل طبقات الشعب دون استئثار أو تفضيل لطبقة على طبقة أخرى، أو الاهتمام بشريحة من المواطنين دون أخرى، فالحكومة مسؤولة عن جميع المواطنين دون استثناء أو تمييز.
شيوخه
تأثر الشيخ محفوظ نحناح ب (مدرسة الإرشاد) التي هي مدرسة الحركة الوطنية، وشعارها: «الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا» كما تأثر النحناح ب (جمعية العلماء المسلمين) التي هي جزء من الحركة الوطنية، إلا أنها تتميز بالإسلامية التي جعلتها نموذجًا آخر غير النموذج العادي في الحركة الوطنية، ومن زعماء هذه المدرسة الشيخ عبد الحميد بن باديس الزعيم الروحي للجزائر، والمفسر للقرآن العظيم، والمصلح والداعية الذي كان سلفي المنهج، صوفي السلوك، مجاهدًا ضد الاستعمار، ومن زعماء هذه المدرسة الشيخ البشير الإبراهيمي العالم الفذ في الأدب واللغة والإصلاح والفكر، وصاحب الصولات والجولات الذي نقل حقيقة الثورة الجزائرية، وهموم الجزائر إلى كل أنحاء العالم الإسلامي، ومن زعماء هذه المدرسة أيضًا الشيخ الفضيل الورتلاني الذي تجاوز حدود الوطن ليصبح مصلحًا عالميًا وهو قرين الشيخ الإبراهيمي وأحد السياسيين المحنكين والعلماء الفطاحل والمصلحين المجددين، ترك آثارًا وبصمات في مصر واليمن وسورية وتركيا والجزائر.
وهؤلاء العلماء الثلاثة من جمعية العلماء المسلمين كان لهم التأثير الكبير في شخصية الشيخ محفوظ نحناح، بالإضافة إلى الأستاذ مالك بن نبي والإمام الشهيد حسن البنا، والشيخ محفوظي الجزائري والشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي، فضلاً عن المؤلفات القيمة للإمام ابن تيمية التي نهل منها الأستاذ النحناح ودأب على دراستها.
هذه الشخصيات والمدارس الفكرية كان لها أبرز الأثر في تكوين شخصية الشيخ محفوظ نحناح وتحديد مسارها وانطلاقها في حقل الدعوة الإسلامية المعاصرة.
فالإمام الشهيد حسن البنا مجدد القرن الرابع عشر الهجري، الذي نقل فكر الإسلام من النظرية إلى التطبيق، وعمل على وحدة الأمة الإسلامية وتخليصها من الاستعمار بكل أشكاله، كان له تأثير كبير جدًا على الشيخ محفوظ نحناح فقد سلك طريقته ومنهجه وأسلوبه في الدعوة إلى الله، لأن الإمام حسن البنا ليس رجلاً محدود العمل في دولة أو قطر، بل كان يملك نظرة عالمية، تجمع بين المعاصرة والأصالة وهذا ما سار عليه الشيخ محفوظ نحناح وبخاصة بعد ارتباطه العضوي بحركة الإخوان المسلمين العالمية.
وكان يفقه مقولة الإمام الشهيد حسن البنا في توجيه الشباب حق الفقه ويضعها نصب عينيه إذ يقول الإمام البنا:
«ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون، فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد».
مواقفه
كان للشيخ محفوظ نحناح مواقف كثيرة تدل على أصالته وصدق لهجته وعمق فهمه للأحداث وطرح المفاهيم المستقاة من الإسلام كتابًا وسنة، والمأخوذة من مواقف السلف في معالجة ما يستجد من أحداث وقضايا ومشكلات في حياة الناس والمجتمعات وطرح الحلول الناجعة لعلاجها والتصدي للآراء المنحرفة والأفكار البعيدة عن المنهج الإسلامي الصحيح.
ومن هنا نجد أنه بعد التشاور مع إخوانه وعرض وجهات النظر للقضايا والاستهداء بالكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة، يكون اتخاذ القرار الحاسم في المواقف دون تردد لأنه يرى وإخوانه أن في ذلك مصلحة للأمن والوطن، ومن ذلك دخول الانتخابات التشريعية، بل إنه رشح نفسه لانتخابات الرئاسة سنة 1995م وحصل على المرتبة الثانية بأكثر من ثلاثة ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة.
كما شارك الأستاذ نحناح في العديد من المؤتمرات والملتقيات الدولية في الدول العربية والإسلامية والآسيوية والإفريقية والأوروبية والأمريكية.
وكان مسار حركته «حركة مجتمع السلم» نبذ العنف والحفاظ على قيم المجتمع الجزائري وتبني الإسلام وثوابت الأمة الجزائرية والسعي لإقامة السلم والوئام الوطني في الجزائر وحماية حقوق الإنسان وكرامة المواطن. والحركة تعتمد الحوار على الحل السياسي وضرورة فتح قنوات الحوار أمام الجميع.
وقد أدان الشيخ محفوظ العنف بكل صوره وأشكاله سواء من الدولة أو من الجماهير، واعتبر أن هذا غريب عن منهج الإسلام والمسلمين، وكرس جهوده للدفاع عن العقيدة الصحيحة وقيم الوسطية والاعتدال.
وقد دفعت حركته ضريبة غالية من دماء أبنائها، إذ ذهب أكثر من خمس مئة شهيد من إخوانه ومحبيه ومناصريه وعلى رأسهم رفيق دربه الشهيد الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتيل عام 1994م على يد مسلحين تكفيريين.
وأذكر أن الشيخ بوسليماني زارني في مكة المكرمة وشرفني في بيتي في نفس العام، وقد وجدت فيه الخلق الإسلامي والتواضع الجم، وإنكار الذات، والفهم العميق لدينه، والوعي الرشيد لمرحلة الدعوة، وأكبرت فيه فقهه لطبيعة المرحلة ومتطلباتها، ولا غرو في ذلك فهو من إخوان النحناح وأعوانه الخلص. ولقد دخلت حركة (مجتمع السلم) الانتخابات النيابية وحصلت على 70 نائبًا، كما شاركت في الحكومة بسبعة من الوزراء.
ورغم التدخلات وخلط الأوراق فيما بعد، بقيت الحركة «مجتمع السلم» لها ممثلوها في البرلمان الجزائري وفي الحكومة، وإن كانوا بعدد أقل من السابق.
رحلاته ومحاضراته
كانت للأخ محفوظ على مدار العام رحلات طويلة وقصيرة طوف فيها أرجاء العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي وإفريقيا وآسيا، فقد زار الولايات المتحدة الأمريكية وسعدت بحضور محاضراته بواشنطن كما زار إسبانيا وفرنسا والسويد وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وألقى فيها جميعًا محاضرات وعقد ندوات وكنت في معظمها حاضرًا ومشاركًا.
كما تعددت وتكررت زياراته ومحاضراته وندواته في المملكة العربية السعودية والكويت وقطر وسورية والأردن والسودان والمغرب وليبيا وغيرها.
وكان في معظم محاضراته يركز على ضرورة الالتزام بالمنهج الوسط والتدرج في الخطوات وعدم الانسياق وراء الدهماء والعوام لأن أهواء العوام وأهواء الحكام لا تهادن كما يقول شيخه وشيخنا الأستاذ محمد الغزالي غفر الله له.
ويرى النحناح أن التطرف والغلو يعطي المسوغات للأنظمة الجائرة وأزلامها من العلمانيين فرصة الانقضاض على الحصون الإسلامية. ومن محاضراته التي ألقاها أثناء رحلاته محاضرة «الصحوة الإسلامية.. واقع وآفاق» ألقاها في المغرب سنة 1990م وكانت تتصف بالاتزان وتبشر بخيار المصالحة بين الأنظمة والحركات الإسلامية المعتدلة، فضلاً عن موقفه المؤيد لتسوية إيجابية لقضية الصحراء. وكان طيلة فترة توتر العلاقات المغربية الجزائرية صوتًا للحكمة والتعقل داخل الجزائر، داعيًا إلى تسويتها بمنطق الحوار والتفاهم المتبادل للمصالح المشتركة. وكان حريصًا على التواصل مع القوى السياسية والوطنية بالمغرب.
وقد سعدت بحضور محاضرة له في عمَّان بالأردن كان فيها واضحًا غاية الوضوح، وصريحًا غاية الصراحة، لم يهادن أحدًا وهو يعرض الحقائق على الأرض بتفاصيلها ويشخص الوضع الجزائري بكل أبعاده ويصف الحرب المستعرة بين الحكومة وحملة السلاح في الجبال، وكيف أن الأفعال وردود الأفعال هي المسيطرة على دوام الاقتتال وذهاب الأرواح وتخريب البلاد. وهذا الأسلوب يأباه الإسلام وترفضه تشريعاته وأحكامه، فإن الدم المسلم غال ومحترم، والنفس البشرية مصونة ومعصومة. وتلك ولا شك فتنة وبلاء، ومحنة ومصيبة، أحرقت الحرث والنسل، وولّدت الشحناء والبغضاء، والخاسر فيها هو الشعب الجزائري والدولة الجزائرية على حد سواء، وحين سؤاله عقب المحاضرة عن الذي يجري في الجزائر أجاب: هناك تيار يريد ربط الجزائر بباريس وتيار آخر يريد ربط الجزائر بابن باديس.
فأدرك السامعون القصد وفهموا سر الصراع بين الإسلاميين والفرانكفونيين بالجزائر.
معرفتي به
أول من حدثني عنه وذكر لي صفاته وأخلاقه، هو الأخ مصطفى الطحان الذي التقاه بالرياض سنة 1972م، ثم التقيت به في الكويت والمملكة العربية السعودية، والجزائر، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وتركيا، مرات عدة، وعلى سنوات متتابعة، حيث اللقاءات مع قادة الحركات الإسلامية في العالم كل عام تقريبًا.
من أجمل تلك اللقاءات لقاء كان في ألمانيا وآخر في فرنسا، حيث اجتماعات مجلس الشورى العالمي للإخوان المسلمين. وكنا في فترات الراحة نتجاذب أطراف الحديث ونتبادل المداعبات والطرف التي كان يتحفنا بها أستاذنا الحاج عباس السيسي الذي يعطر المجالس بطرفه ولطائفه ويدخل السرور على إخوانه، ويشاركه الأخ الدكتور الحبر نور الدايم من السودان والأخ محفوظ نحناح.
ولقد تكررت اللقاءات في مكة المكرمة في مواسم الحج والعمرة في رمضان، كان يزورني في البيت والرابطة وفي بيوت الإخوان ومساكن الطلبة الجزائريين.
وكذا الحال أثناء زياراته للكويت بجمعية الإصلاح الاجتماعي والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ومنزل الأخ عبدالله المطوع وبقية إخواننا الكويتيين.
وكنت معجبًا غاية الإعجاب بعصاميته وقوة شخصيته وفقهه الدعوي والسياسي وفصاحة منطقه وبلاغة عباراته ونبرات صوته وصدق تحليلاته وجرأته وشجاعته وصبره ومصابرته وقدرته على الحوار، وإقناع الآخر بوجهة نظره، وعمق إيمانه بدينه.
قالوا عنه
يقول عنه رفيق دربه الأخ المهندس مصطفى محمد الطحان - الأمين العام للاتحاد العالمي للمنظمات الطلابية:
«التقيته أول مرة سنة 1972م في إطار لقاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض.. وفي عام 1973م كنت في زيارة للمغرب، ثم الجزائر.. وعندما أنهيت معاملة الوصول وخرجت، وجدت الأخ محفوظ نحناح يستقبلني فاتحًا ذراعيه ولا أنسى حرارة ذلك اللقاء وأهميته وفائدته، ذهبنا في سيارته الصغيرة «الفولكس واجن» إلى بلدته (البليدة) وأقمت عنده في بيت العائلة الواسع الكبير.. وفي أحد مساجد العاصمة جلست أستمع لدرس الشيخ محفوظ الذي كان كالنهر المتدفق.. كلمات واعية.. وإيماءات واضحة.. وتوجيه سليم.. وإخوة شباب يلتفون حوله يسألون الشيخ عن درسه.. وعما بعد الدرس..
واستغربت أن يكون مثل هذا الطرح الجريء.. والأيام الحاكم فيها «هواري بومدين» والتوجه للدولة اشتراكي علماني.. ويظهر أن شيخنا قرر أن يقول كلمة الحق واضحة ويعتصم بالصبر مهما تكن النتائج.
وذهبنا إلى مسجد الطلبة بالجامعة المركزية الذي ساهم في فتحه الأخ محفوظ وخطب فيه خطبة الجمعة، وكانت الأوضاع وقتها في الجامعة بعيدة كل البعد عن المظهر الإسلامي. وحين سألته: الأوضاع صعبة يا شيخنا.. أجابني: «ولتعلمن نبأه بعد حين». وبعد هذا كنت أزور الجزائر مرة في السنة. وفي مرة زرنا معًا القاهرة، وكنا على موعد مع رجالات الدعوة الذين خرجوا لتوهم من غياهب سجون عبدالناصر التي قضوا فيها ما يزيد على العشرين عامًا. وكان لقاءً موفقًا سعد به الجميع أعقبه عهد وموثق. وفي سنة 1975م تم اعتقال الشيخ محفوظ نحناح والحكم عليه خمسة عشر عامًا بعد نشره بيانًا بعنوان (إلى أين يا بومدين)؟
وفي عام 1990م لقيت الشيخ محفوظ في طرابلس الغرب في الاجتماع المخصص لمناقشة قضية الاحتلال العراقي لدولة الكويت كان البعض يؤيد العراق والآخر مع حق الكويت وحرية أبنائه.. ورأيت الشيخ محفوظ نحناح يزأر كالأسد ويقول: كلكم مهتم بحفظ ماء وجه صدام حسين.. ولا أرى أحدًا يهتم بدماء أهل الكويت..
وكان آخر لقاء في إسطنبول بشهر يوليو تموز سنة 2002م، عندما جاء مع أسرته لقضاء فترة نقاهة بعد آلام مبرحة ومعالجات طالت لم أعرف يومها ذلك، فقد كانت صلابة المجاهد تغلب عليه، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصه». انتهى.
هذا، وقد أُلفت عنه الكثير من الكتب من أهمها: (رجل الحوار محفوظ النحناح)، و(خطوة نحو الرئاسة). كما أن له الكثير من المحاضرات المطبوعة وأهم كتبه هو: الجزائر المنشودة (المعادلة المفقودة: الإسلام.. الوطنية.. الديمقراطية).
وله أكثر من ألف شريط مسجل يضم الكثير من المحاضرات والدروس وخطب الجمعة والندوات والمؤتمرات والأحاديث الصحفية وغيرها.
وفاته
جاء نعيه على لسان الناطق الرسمي باسم الحركة الأستاذ سليمان شنين الذي قال: «ننعى إلى العالمين الإسلامي والعربي وفاة الشيخ محفوظ نحناح رجل الوسطية والاعتدال والتسامح الذي سيترك رحيله فراغًا كبيرًا على المستويين الوطني والدولي».
والشيخ محفوظ رئيس حركة (مجتمع السلم) يتولى منصب المراقب العام للإخوان المسلمين في الجزائر منذ سنة 1981م لحين وفاته.
وكان (رحمه الله) قد قاسى المرض الخطير أكثر من سنة، حيث استقر في دمه وعظامه، ولكنه كان صابرًا لا يشكو، وقد ذهب إلى فرنسا للعلاج، وبعد ثلاثة أشهر عاد إلى وطنه لتقرير الأطباء استحالة العلاج، فكانت وفاته بين أهله وإخوانه الذين يحبهم ويحبونه يوم 19/6/2003م، وبعد وفاته خلفه الأخ أبو جرة سلطاني.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. والحمد لله رب العالمين.