عرفت المرشدين الأربعة
(1)
مصطفى أمين (*)
"الرجال مواقف، تعرف حقيقتهم في لحظات المحن والابتلاء"، الكاتب الكبير مصطفى أمين عاش مع الإخوان في ليمان طرة عدة سنوات، يقول عنهم،: كانوا بحق رجالاً: أعجبت بصفات جليلة فيهم.
حسن البنا زعيم المعارضة!!
مصطفى أمين كتب عن إمامنا الشهيد حسن البنا حتى قبل أن يراه، توقع له أن يكون زعيم المعارضة في البرلمان سنة 1942م إذ خاض الانتخابات التي أجريت ونجح فيها، كان قد زار مدينة الإسماعيلية التي نشأت فيها جماعة الإخوان، فرأى الجميع هناك يتحدثون عن خصائصه المميزة ومواهبه.
يقول كاتبنا الكبير في ذلك: أنا أول من رشح حسن البنا زعيماً للمعارضة، كان ذلك في مارس سنة 1942م، كان الوفد قد جاء إلى الحكم قبل ذلك بشهر، وبدأت الاستعدادات لإجراء انتخابات جديدة، كتبت فى "مجلة الاثنين" - وكنت رئيس تحريرها، وكانت أوسع المجلات انتشاراً فى ذلك الوقت - مقالاً يوم 2مارس سنة 1942م بالصفحة الخامسة تحت عنوان "من يكون زعيم المعارضة"؟ قلت فيه بالحرف الواحد: متأكدون أن زعيم المعارضة في مجلس النواب سيكون واحداً من اثنين، عبد الرحمن عزام باشا، أو الأستاذ حسن البنا رئيس جمعية الإخوان المسلمين، وهو شخصية سياسية جديدة، ويقدر المراقبون أنه سيكتسح مدينة الإسماعيلية، فله فيها أنصار كثيرون، وأهالي المدينة يعتقدون أن ترشيحه مسألة كرامة لهم، وهم الذين دفعوا له مبلغ التأمين، واستضافوه، وقدموا سياراتهم وبيوتهم لتكون مركز الدعاية له، وهو خطيب مُفوّه يتزعم دعوة دينية إصلاحية، ونتنبأ له بأنه سيشق طريقه بسرعة إلى الصفوف الأولى.
وبعد ذلك بأسابيع ثلاثة عاد مصطفى أمين يكتب في الموضوع نفسه، فنشر يوم 23 من مارس سنة 1942م مقالاً تحت عنوان "الإسماعيلية" قال فيه: أبرز مرشحي هذه الدائرة الأستاذ حسن البنا - المرشد العام للإخوان المسلمين- وهذه الجمعية تتألف من فئات الشعب في مختلف أنحاء القطر وأغلبية المنتمين إليها من المثقفين من المحامين والأطباء والموظفين والطلاب ومن إليهم، ويمتاز حسن البنا بأنه خطيب مفوه ساحر، يستطيع أن يخطب عدة ساعات دون أن يتعب مع أنه نحيف وضعيف البنية، وقد يحسب البعض أنه شيخ أزهري، ولكنه شاب تخرج من دار العلوم وعمل في المدارس الحكومية، ثم ألّف جمعيته مع بعض إخوانه، وأصبحت بسرعة من أكبر الجمعيات في مصر والشرق.
وقد أحدثت هذه المقالات ضجة - كما يقول مصطفى أمين- وتعجب الناس لهذه التنبؤات، ودهش لها حسن البنا نفسه، فلم أكن قد التقيت به قبل ذلك، ومع ذلك توقعت له أن يكون زعيم المعارضة دون أن أعرفه .
وطلب حسن البنا مقابلتي، وفعلاً تم ذلك في مركز الجماعة بالحلمية، كتبت بعدها مقالاً في مجلة الاثنين نشر في 27 أبريل سنة 1942م قلت فيه: نشأت جماعة الإخوان المسلمين دون ضجة، ونمت رويداً رويداً حتى ملأت جوانب المدن وتغلغلت في القرى، وهي دعوة للدين السمح الكريم.
وأمل الجماعة الأعظم ينطوي في كفاحها الدائم، وتكاد تلمسه في أحاديث رئيسها الذي يقول: "منذ اليوم الأول الذي أنشأنا فيه جماعتنا نؤمن بأن الغد سوف يخصنا بتبعاته".
ورئيس الإخوان المسلمين لا يسمى رئيساً بل مرشداً، وقد قصد بذلك ألا يكون هناك رئيس ومرؤوس بل إخوة متحابون، وأشد ما تحرص عليه الجماعة هو الصلة الروحية بين أعضائها وتقويتها بشتى السبل، والمرشد العام هو شعلة متقدة من النشاط والهمة، وهو يوصي دائماً بأن تكون الأخوة الإسلامية ممثلة في كل حركة للجماعة، وجماعة الإخوان تخلص الإخلاص كله لفضيلة المرشد العام، وأعتقد أن مستقبل هذه الجماعة يفوق حساب كل متفائل.
وقد تنبه الاستعمار البريطاني إلى خطورة حسن البنا على مصالحه، فأرسل إنذاراً إلى الحكومة المصرية بألا يرشح مرشد الإخوان نفسه في البرلمان، هذا ما أكده حسن البنا لكاتبنا الكبير في أول لقاء معه.
سألت مصطفى أمين: بعد أن تعرفت على إمامنا الشهيد حسن البنا واختلطت به، ما الذي أعجبك فيه؟.
أجابني: إيمانه بفكرته، كان يؤمن بها بطريقة عجيبة، ويرى أن المستقبل لها، وقد انعكس ذلك على سلوكه، فكان له قدرة فائقة على إقناع الغير بذلك، كان خطيباً مفوهاً قادراً على التأثير في آلاف الناس، كما كان شديد التأثير على كل من يجلس معه أيّاً كان تفكيره، كان يقنع العامل ويحدثه بأسلوبه، وكذلك يفعل مع الطالب، والكبير والصغير، والغني والفقير، وساكن الريف والمدينة وكل طبقات الشعب.
أعجبني كذلك في حسن البنا أن إيمانه بفكرته لم يكن عاطفياً فقط، بل كان محسوب الخطوات مدروساً.
(*) من أعلام الصحفيين في مصر، ورائد الصحافة المصرية الحديثة، من مواليد السيدة زينب بالقاهرة 21 فبراير 1914م، حصل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة جورج تاون الأمريكية عام 1938م، بدأ صحفياً وهو طالب بالمدرسة ثم عمل بمجلة "روز اليوسف" وعمره 17 عاماً، أنشأ مع شقيقه علي أمين دار "أخبار اليوم" عام 1944م، وأصدر مجلة "آخر لحظة" و"كتاب اليوم" ومجلة "الجيل الجديد" ومجلة "هي" وجريدة "الأخبار" اليومية عام 1952م، وكان رئيس مجلس إدارة "دار الهلال" ورئيس تحرير "المصور" عام 1960م، ثم عاد رئيساً لمجلس إدارة "أخبار اليوم" عام 1962م بعد تأميمها، قبض عليه 21 مرة عام 1951م، حكم عليه بالسجن المؤبد عام 1965م بتهمة التجسس لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، وأفرج عنه عام 1973م، وعاد إلى الكتابة في صحيفة "الأخبار" يكتب عمود "فكرة" التي كان يكتبها شقيقه علي أمين، له العديد من الكتب والروايات، توفي فى 13أبريل 1997م.
(1) لواء الإسلام – السنة الثانية والأربعون – العدد 5 – محرم 1408هــــ/ أغسطس 1987م، وهذا المقال عبارة عن تحقيق أجراه معه الأستاذ محمد عبد القدوس.