رجال مصر يتحدثون عن الإمام الشهيد
(1)
علي ماهر باشا (*)
ما أنفع الذكرى، وما أضيق برزخ الحياة!
حين طلبت صحيفة "الدعوة" الغرَّاء أن أشترك فى إحياء ذكرى المغفور له الشيخ حسن البنا، عادت بي الذاكرة إلى عام 1935م، حين زارني الفقيد الكريم مع بعض أصدقائه بمناسبة انتقاله بجماعته من الإسماعيلية إلى القاهرة متحدثاً في بعض الشؤون العامة، وكان حديثه يشرح صدري وأسلوبه يشهد بموفور الثقافة الإسلامية والبصر بشؤون الأمم العربية، وبراعة المنطق وقوة الحجة، وكان إلى ذلك شديد الإيمان بأنه يؤدي رسالة إنسانية سامية، دعائمها الإخاء والمحبة والسلام بين سكان البلاد جميعاً.
وفي مارس سنة 1939م بارحت لندن بالطائرة، إثر مؤتمر فلسطين، ووصلت إلى القاهرة في مستهل الهزيع الأخير من ليلة لا أنساها، رأيت فيها جموع الإخوان تملأ فضاء محطة العاصمة، وتموج بهم أرصفتها، وسمعت نداءهم: "الله أكبر ولله الحمد "يدوّي عالياً فيأخذ طريقه إلى القلوب، ويملأ النفوس إيماناً بالله، وتجرداً للمثل العليا.
وتتابعت الأيام والسنون، وتوالت أحداثها، وأخذت الدعوة تنتقل من وسط إلى وسط، في هدوء حيناً، وفي كفاح حيناً آخر، حتى ذاعت في هذه البلاد وفي كثير من البلاد العربية.
وكان مما أعجبني في دعوة الإخوان أنها اتجهت في حدود إمكانياتها إلى بعض الشؤون الاجتماعية والاقتصادية.
والواقع أن ما لقيته هذه الدعوة كان مرجعه أنها قامت على أساس روحي، حين طغى سلطان المادة واستشرت آفاتها، واستغرق الناس في الحياة الدنيا، ومست الحاجة إلى المعاني الروحية والمبادئ.
وهذه المعاني والمبادئ يفتقدها الناس في الشرائع ويتلمسون فيها ما يملأ قلوبهم ثقة واطمئناناً وأملاً وإيماناً، ويهديهم في شؤون دينهم ودنياهم.
رحم الله المغفور له الشيخ حسن البنا، وأجزل مثوبته، وهدانا سبل التوفيق والرشاد، وهيأ لوطننا الخالد أسياج القوة والعزة والمجد.
(*) رئيس مجلس الوزراء الأسبق عام 1936م وعام 1939م إلى عام 1940م وعام 1952م، ولد في 1882م، وتخرج من مدرسة الحقوق عام 1905م، عمل بالمحاماة وأصبح قاضياً بمحكمة مصر، ووكيل وزارة المعارف ثم المالية ثم العدل، وعين رئيساً للديوان الملكي، عندما قامت ثورة 23 يوليو كان هو الذي قام بتسليم تنازل الملك عن العرش، واختير رئيساً للوزراء بعد قيام الثورة عام 1952م، وتولى رئاسة لجنة مشروع الدستور عام 1953م، وتوفي في عام 1960م.
(1) الدعوة – السنة الثالثة – العدد (104) – 25 من جمادى الأولى 1372هــــــ / 10 من فبراير 1953م.