الشيخ العلامة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
(1340- 1442هـ)
انتقل عن دار الفناء بعدَ حياةٍ عامرةٍ في خدمة العلوم الشَّرعيَّة وميادين التَّعليم والقضاء والدَّعوة والإفتاء، علَّامةُ اليمنِ الميمون، ملواحُ كلِّ فلاح، ومصباحُ كلِّ صلاح، مُربِّي الأجيال شيخنا العلَّامة القاضي الجليل الشَّيخ محمَّد بن إسماعيل العمراني، تغمَّده الله برحمته ورضوانه، وأورده موارد مغفرته وإحسانه، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون..
وهو أحدُ أعلام الدِّيار اليمنيَّة وعلمائها، ومُفتيها وقاضيها، ومحدِّثُها وفقيهُها، وشيخُ أهل السُّنة فيها، وخزانةُ معارفها وآدابها، وبهجةُ نبهائها، ومهجةُ ألبَّائها، درَّسَ وأفاد وأفتى، وتميَّز بمكارم وفنون شتَّى، حازَ من الرُّتب المُنيفة أعلاها، ومن الأوصاف الشَّريفة أغلاها وأسناها، نالَ من الفضائلِ والعرفان، ما قدَّمه على الأمثالِ والأقران، وهو من أهل بيتٍ قد عمَّرَ بالعلم ربوعَه، وزيَّنَ بالفضل أصولَه وفروعَه.
لا تذكُرَنَّ لَهُ المكارمَ وَالعُلى *** فَتهيجَ صَبًّا أَو تشُوقَ مُشَوَّقا
اشتغلَ منذ نشأته بالعلمِ والتَّحصيل، وأدركَ كبارَ علماء اليمن ذوي القدر الجليل، فخاضَ بحارَ المنقول، وقطعَ مفاوزَ المعقول، وكان مشمِّرًا عن ساعد الجدِّ والاجتهاد، متوقِّدًا ذكاءً مع ارتياض وارتياد، سالكًا طريقة الإمام الشَّوكاني والإمام ابن الأمير الصَّنعاني، ومجدِّدًا لمدرستهما في العلم والتَّعليم والفُتيا والقضاء، عالمًا بمناهجِ العلماء واختلافِ المذاهب، مُطِّلعًا على المِلَل والنِّحل والغرائب، مُتمسِّكًا بالدَّليل والسُّنَّة، ذا نفسٍ رويَّةٍ مُطمئنَّة، مواظبًا على الطَّاعة، حافظًا أوقاته عن الإضاعة، صدَّاعًا في قوله، معتمدًا على الله تعالى في قوَّتهِ وحولِه، لا يميلُ مع نفسِه إلى مُلائم، ولا تأخذُه في الله لومة لائم، لطيفَ المعشرِ والكلام، حسنَ السِّيرةِ بين الأنام.
طَودٌ تنوَّرَ من هُدى الرَّحمنِ وسَرى بقلبٍ عامرِ الإيمانِ
وكساهُ من حُلل الوَقارِ إلهَهُ حتَّى تميَّز بالسَّنا الرَّبَّاني
وممَّا تميَّزَ به: دعوته إلى توحيد الصَّفِّ بين المسلمين وجمع كلمتهم ونبذ الفرقة والاختلاف، وإحياؤه للسُّننِ الَّتي أُميتت، وإزالته للبدعِ الَّتي أُذيعت، وتواضعه وتوقيره لأهل العلم والفضل من مُعاصريه، فاشتهر علمه وفَاق، وسما قدره في الآفاق، وانتفع بعلومه الكثير، وأخذَ عنه الجمُّ الغفير، وممَّن تشرَّفتُ بحمد الله بلقائه والقراءة عليه وحضور دروسه ومجالسه، فكان بدرًا مُنيرًا للطَّالبين، وبحرًا زاخرًا للسَّائلين، فاﻓﺘﺨﺮَ ﺑﻪ ﻋﺼﺮُﻩ، ﻭﺍﺷﺘﻬﺮَ ﺑﻪ ﻣِﺼﺮُﻩ، ولم يزل على حالته المرضيَّة، وإفادته السَّنيَّة، إلى أن اخترمته المنيَّة، وكانت جنازته مشهودة في ازدحام المُشيِّعين، وكثرة الحاضرين المُحبِّين، فقد شيَّعه أهل البلد، ولم يتخلَّف عنها كبير ولا ولد، وغصَّت الطُّرقات من الازدحام، وعلَت الأصوات بالدُّعاء الَّذي لا يُرام، أحسن الله قراه، وجعل الجنَّة مأواه ومثواه، وبلَّغه ما يرجوه، وضوَّاه بالمغفرة يوم تبيضُّ وجوه، وعوَّضَ الأمَّةَ بفقد علمائها وصُلحائها العاملين، وأحسنَ عزاء أهله وطلَّابه ومُحبِّيه، وأخلف على المسلمين خيرًا، ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].
إن عُدَّت العلماء فهو إمامُهم شهدت له بفضائل ومآثرِ
قد حازَ أنواع المعالي جملةً بوراثةٍ من كابرٍ عن كابرِ
سعدت بسيرة فضله أوقاته مسرى النَّسائم في رياضٍ أزاهرِ
ولَم تزل هذه الشَّريعة الغرَّاء ذي المحجَّة البيضاء، واضحة البُرهان، مشيَّدة الأركان، بوراثة العلماء، وجهابذة العظماء، على خدمتها قوَّامون، ورعايتها قائمون، للأحكام يستخرجون، وللدَّقائق الجِسام يَستنبطون، وكلَّما مَضى سَلف، أعقبه خَلف، وهكذا حتى تقوم السَّاعة، وتنقضي الدُّنيا الَّتي هي كساعة، فلله من خصيصةٍ بهذه الأمَّة اختصَّت، وامتازت بها عن غيرها وجلَّت.
وما الإنسانُ في الدُّنيا خلودٌ ولكن ربما صنعَ الخلودا
وأعني في كلامي أهلَ علمٍ إذا تركوا لنا علمًا فريدا
يخلَّد ذكرَهم عِلمٌ قويمٌ وجيلٌ يخدمُ العلمَ التَّليدا
الإثنين: الثَّاني من ذي الحجَّة 1442هـ.
وفاته- رحمه الله -:
توفي الشيخ العلامة محمد إسماعيل العمراني ليلة الإثنين في الثاني من ذي الحجة 1442هـ / الموافق الثاني عشر من يوليو 2021م، عن عمر ناهز 99 عامًا.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
أصداء الرحيل:
النبوغ والنجومية في حياة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
وكتب الشيخ عامر الخميسي من اليمن متحدثاً عن مراحل نبوغ الشيخ العمراني فقال:
المحور الأول: الأم التي صنعت النجم:
سنتحدث في هذا المحور عن تأثير أمِّه عليه، كيف أثَّرت فيه أمه؟ وكيف حرصت أشدَّ الحرص على أن يستفيد، وأن يكون عالمًا من علماء المسلمين، وأن يصبح نجمًا ونابغة؟
في السنة الرابعة بالتحديد من عمره أخذته أمُّه إلى الشيخ المقرئ الذي كان يقرئ في المسجد الذي بجوار بيتهم، وأرادت من هذا الشيخ أن يبدأ في تعليمه، ولكن هذا الشيخ اعتذر، وردَّه إلى أمِّه، وقال لها: أولًا علِّميه النطق.
قال لها المدرس هذه العبارة لما رآه لا يستطيع النطق، أو يعاني صعوبة في النطق، كثير من الأولاد في عمر الثلاث سنوات يبدأ يتهجى الحروف، ويبدأ ينطق، في عمر أربع سنوات ينطق كثيرًا من الحروف نطقًا صحيحًا، بل جلها، ولكن هذا الولد ما كان يستطيع النطق! يا سبحان الله!!
هذا الذي سيصبح إمامًا من أئمة المسلمين يردُّه أول أستاذ يجلس بين يديه، وفي القدر أن هذا الأستاذ لن يعرفه أحد بعد ذلك إلا من هم حوله، وهذا الصغير سيعرفه العالم وتتحدث عنه الدنيا ويبكي لفقده المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا الأستاذ المقرئ رحمه الله ربما من درسهم في كل عمره عشرات، بينما هذا الطالب الذي صعب عليه النطق سيأخذ عنه العلم آلاف بل عشرات الآلاف من المسلمين، وسيجدد علم الشوكاني ويبعثه من جديد، وسيبقى اسمه خالدًا إلى أن يشاء الله.
ما الذي حدث مع هذه الأم؟
رجعت به أمُّه مكسورة إلى البيت بعد أن أخبرها هذا الشيخ المقرئ أنه لا يمكن أن يقرئه؛ لصعوبة النطق لديه وأن الحروف لا تخرج من لسانه، ولا تتبين من مخارجها، رجعت به إلى البيت، واعتكفت على تعليمه إلى أن بلغ السابعة، وهنا لا يسعنا إلا أن نقول: رحم الله هذه الأم، هذه الأمُّ كأمِّ الشافعي، وكأم أحمد بن حنبل، وكأمِّ الإمام مالك، هذه أمٌّ عظيمة، الفضل -بعد الله تعالى- يعود لها في أنها حرصت أشدَّ الحرص على تنشئته هذه التنشئة الصالحة، مباشرة بعد السبع السنوات، فقد قضى في حضنها هذه الفترة إلى أن وصل إلى سن سبع سنوات وهي تعلمه كيف ينطق: ألف، وكيف ينطق: باء، وكيف ينطق: تاء، كيف ينطق الحروف كلها نطقًا صحيحًا؛ حتى تدخله المدرسة.
المحور الثاني: تحفيز المجتمع:
كان القاضي العمراني يلعب بجانب بيتهم مع الأطفال كما هو معلوم في حياة الطفولة، فكان إذا مرَّ به أحد من الناس أو تعرف عليه أحد قال له: ابن من أنت؟ يقول: أنا ابن إسماعيل. فيقول: أنت ابن القاضي إسماعيل؟
طبعًا كان أبوه والي أوقاف عَصِر، وكان فقيهًا، ورعًا، زاهدًا، وكان من الصالحين.
أنت ابن القاضي إسماعيل، حفيد القاضي محمد - يعني: جده كان أيضًا عالمًا كبيرًا مجتهدًا من العلماء الكبار الذين قرؤوا الأمهات الست، وتبحروا في العلوم - حفيد القاضي محمد تلميذ الشوكاني؟
فالقاضي اسمه: محمد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي العمراني، فجده الذي هو أبو جده كان عالمًا مجتهدًا -سنأتي إلى ذكره بعد قليل - فيقول: كان كلما مرَّ عليه أحدٌ كان يقول له: أنت ابن القاضي إسماعيل؟ فيتشجع، فيقولون له: لا بد أن تمضي على نهج أبيك وجدك، فهم كانوا علماء كبارًا، وكانوا مجتهدين، وكانوا أصحاب شأن.
فهنا من كثرة سماع مجد آبائه بدأ يرسم لنفسه خطًّا، خط الاجتهاد، وبدأ يرسم لنفسه خط النبوغ، وخط العبقرية، لكأني به يحدث نفسه ويقول: إنَّ أبي كان عالمًا، وجدي كان عالمًا، وقد كان أبو جدي أيضًا عالمًا كبيرًا[2]، فلماذا لا أمشي على آثارهم؟!
إن هذا يعد سببًا من أسباب علو همته، وهو سماع الكلمات الطيبة من الناس.
يا أخي، رُبَّ كلمة تسمعها من إنسان تفعل فيك مفعولًا عجيبًا جدًّا، كثير من العلماء، مثل الذهبي، ومثل الإمام النووي، ومثل الإمام الشافعي، ومثل الإمام البخاري، هؤلاء العلماء أثَّرت فيهم كلمات، هذه الكلمات اليسيرات فعلت فيهم مفعولًا عجيبًا، فهو عندما كان يسمع هذه الكلمات الجميلة يطرب لها، وكان يتحمَّس، وكان يتشجَّع، ويرسم لنفسه طريقًا من خلال هذا التحفيز بهذه الكلمات، فلا تبخل على غيرك، إن رأيت إنسانًا مجتهدًا، أو شابًّا عليه علامات النبوغ، لا تبخل بكلمات التشجيع عليه، فتشجعه، وتحفزه، وتدفع به إلى الأمام.
المحور الثالث: مدرسة الفليحي وصناعة النبوغ:
حياة القاضي العمراني مليئة بالدروس والعبر، وهي حية مفعمة بالجد والاجتهاد، ولكم أن تقرؤوا في كتاب الحياة العلمية والدعوية للقاضي العمراني[3]، والوجيز في سيرة القاضي العمراني[4]، بعد أن قضى بصحبة أمه سبع سنوات تدرسه، وبالتحديد في السنة السابعة من العمر مباشرة بدأ الدخول في مدرسة الفليحي، وهذه المدرسة في صنعاء القديمة كانت مدرسة مشهورة، ومدرسة لها ذكر حسنٌ بين الناس، وكان الطلبة يهرعون إليها من كافة أحياء صنعاء، كانت مدرسة مرموقة معروفة، مدرسة نظامية يدخلها الأطفال لتلقي العلوم والمعارف في الهندسة، والحساب، والإنشاء، والخط، والصحة، هذه العلوم بدائية، ونحن عندما نتحدث عن علوم ما قبل مائة سنة لكم أن تتصوروا تلك العلوم التي كانت قبل مائة سنة، فمن الممكن أنت الآن في خلال أسبوع طفلك وعبر التقنية الحديثة تجعله يتقن كل تلك العلوم التي درسوها في سنوات عديدة.
في هذه السن أدخلته أمه إلى هذه المدرسة، مدرسة الفليحي، ومن هنا بدأت تتفتح عقليته على الحياة، ويعرف ما حوله من الناس، بدأ يعرف قيمة العلم، وبدأ مرحلة جديدة من مرحلة التعليم، بعد أن كانت أمه هي الأستاذ وهي المربي وهي المدرسة، وكيف أنَّ أمَّه أنشأته التنشئة الصالحة، وحرصت أشدَّ الحرص على أن تنشئه التنشئة الربانية؛ ليكون عالمًا، ويكون له شأن في المستقبل.
الآن المرحلة التي ولجها هي مرحلة مدرسة الفليحي؛ ومنها صنع من نفسه نجمًا للمستقبل، دخل مدرسة الفليحي ومكث فيها خمس سنوات، وفي هذه الخمس السنوات أيضًا كان يتردد على مدرسة تسمى مدرسة بير العزب، ومدرسة أخرى تسمى: مدرسة بير شمس، وكان يتردد أيضًا على مدرسة الروضة، هذه ثلاث مدارس، والمدرسة الرابعة هي مدرسة الفليحي، يطلب فيها جميعًا العلم وفي أوقات مختلفة عبر جدول مرتب محدد، محافظًا على كل ساعة وكل يوم يمر، لكم أن تتخيلوا: أربع مدارس في وقت واحد، سبحان الله! نوع من الاجتهاد عجيب، هذا الطفل الذي هو الآن بدأ يدرج إلى الثامنة، فالتاسعة، فالعاشرة، فالحادية عشرة، فالثانية عشرة، والثالثة عشرة؛ عنده همَّةٌ كأنه دائمًا يحفِّز نفسه بقوله تعالى: ﴿ يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، فبدأ يدرس دراسة جادَّة مرتبة تدف به أمه وشقيقه الأكبر، خمس سنوات من الدراسة الجادَّة، ومن المواظبة على هذه المدارس، كان يتنقل من مدرسة إلى مدرسة، وكان يتنقل من شيخٍ إلى شيخ، يستفيد منهم، ويتعلم منهم، ويرسم لنفسه طريقًا إلى النبوغ.
بعد هذه المدارس الأربع، وبالتحديد: بعد خمس سنوات، يعني في عمر الثانية عشرة أكمل هذه الأربع المدارس، ثم دخل مدرسة الإصلاح، هذه المدرسة كانت أنشئت تلك السنة، عندما ضُغط حينها على الأئمة ليفتتحوا مدرسة جديدة، فافتتحوا مدرسة الإصلاح، وكانت أرقى المدارس النظامية الموجودة في صنعاء، هذه مدرسة الإصلاح دخل القاضي العمراني فيها، ومكث سنة كاملة أتقن فيها جميع العلوم التي كان قد أخذها من قبل، وأخذ فيها علومًا جديدة، يعاد قليلًا إلى الوراء للمراجعة، ثم انطلق، كالسهم إذا أطلقته لا بد أن ترجعه قليلًا إلى الوراء لينطلق، ويأخذ انطلاقة أكبر، كذلك الذي يريد أن يقتحم خندقًا لا بد أن يتراجع عدَّة خطوات؛ ثم يقتحم! في هذه السنة راجع العلوم التي كانت عنده، والمعارف، والثقافة التي كان أخذها من قبل، واستطاع أن يجوِّد القرآن، وحفظ أكبر قدرٍ ممكن من القرآن، ثم بعد ذلك خرج بشهادة راقية من هذه المدرسة، مدرسة الإصلاح، وللعلم فهذه المدرسة في التحرير حاليًّا، أصبحت بعد ذلك مكتبًا لوزارة التربية والتعليم، والآن حاليًّا حولت إلى مقرٍّ للهيئة العليا لمكافحة الفساد، فمقر هذه الهيئة كان مدرسة الإصلاح التي درس فيها القاضي العمراني، وتخرَّج منها بشهادة ممتازة؛ هذه مرحلة من المراحل التعليمية للدراسة النظامية للقاضي العمراني، وكان يجتهد اجتهادًا بالغًا في دراسته هذه، وكان يجتهد اجتهادًا بالغًا في الأخذ عن المدرسين، في التلقي عنهم، سواء كانت العلوم الشرعية، مثل: علوم القرآن، والتجويد، والتربية الإسلامية، والخط، والإنشاء، أو العلوم التطبيقية التي هي: كالهندسة، والجغرافيا، والصحة، والعلوم الأخرى، كان يحرص على أن يستفيد أكثر ويتميز على أقرانه، وهو في كل هذه المراحل يخطو خطوات الواثق من نفسه إلى صناعة مجد عظيم في الحياة، وكان عنده نهمٌ للمطالعة، وتولَّد لديه حبٌّ وشغفٌ عجيب للقراءة، فإذا عثر على كتاب لا بد أن يقرأه كاملًا، ولا بد أيضًا أن يلخصه، ويشرحه للآخرين، هذه الملَكة العجيبة عنده أهَّلته أن يكون نابغة، وأن يكون مجتهدًا، وأن يزاحم المجتهدين النوابغ بإصرار وعزم منقطع النظير.
بعد أن انتهى من مدرسة الإصلاح، وأخذ منها شهادة راقية، دخل إلى الجامع الكبير وكان في سن الرابعة عشرة، وهنا كان الجامع الكبير موئلًا لطلبة العلم، ومدرسة الجامع الكبير كانت تعتبر المدرسة الأم لتعليم المذهب الزيدي الهادوي، وكانت تعتبر الأساس في تصدير العلماء الذين يحفظون أمهات المذهب الزيدي ويتقنونه، فمنه تخرَّجت أجيال من العلماء، والمتعلمين الحاملين للفكر الزيدي، والمنهج الزيدي الهادوي الحازم في الالتزام بمبادئه، وأصوله[5]، فكان إلى هذا المسجد يتجه طلاب العلم لا سيما الطلبة المبتدئون، فإنهم كانوا عندما ينتهون من مدرسة الإصلاح، وغيرها من المدارس النظامية، مباشرة يتجهون إلى هذا المسجد؛ حتى يتعلموا أصول المذهب الزيدي، وينشؤون نشأة زيدية، الأمر الذي أنتج جمودًا، وتعصبًا عند غالب المنتمين لهذا المذهب، والمتبنين لهذا الفكر -حسب رؤية ونظر مخالفيهم وخصومهم- فمدرسة الجامع الكبير كانت تعتبر مدرسة كبيرة في صنعاء، بل كانت تعتبر المدرسة الأولى على مستوى صنعاء، بل ربما على مستوى المناطق الزيدية بالكامل، وفي المقابل كانت هناك مدارس للشافعية في اليمن كزبيد، والزيدية، والجند، وهناك مدارس في حضرموت، وأخرى متفرقة لبقية المذاهب الأربعة، ولكن هذه المدرسة كانت لا تنتج إلا علماء جامدين، متعصبين، الكثير منهم لا يمكن أن يقبلك متحررًا، ومنفتحًا على المذاهب؛ ولذلك ارتأى أنه لا بد أن يخرج من مدرسة الجامع الكبير، بعد أن درس فيها فترة زمنية قصيرة، وجوَّد القرآن على شيخ اسمه محمد بن إسحاق، والفقيه علي المراصبي، وعلامة ضرير اسمه يحيى الكبسي؛ هؤلاء القراء الثلاثة جوَّد عليهم القرآن وأتقنه، وألمَّ بعلم التجويد وبرع فيه، واستفاد بعض العلوم من الجامع الكبير أيضًا إضافة إلى إتقان القرآن، فقد ذكر من المؤرخين لسيرته أنه حفظ أثناء دراسته في الجامع الكبير متن الأزهار، وكان من قبل قد حفظ الكثير منه، وحفظ ملحة الإعراب، وحفظ ألفية ابن مالك، ثم خرج منه وفارقه.
يقول عن نفسه: "ولم يعجبني الدراسة فيه؛ للجمود، والتعصب عن غالب من يدرِّس فيه".
هذه من مقولاته وهي شهادة للتاريخ على حبه للاجتهاد وطموحه ونبوغه.
لم يستطع أن يبقى في الجامع الكبير؛ رغم أن فيه مدرسة علمية ثقافية متمكنة متميزة عالية، يأتي إليها الطلاب من جميع أنحاء المناطق الزيدية، وهي موئل للعلماء الكبار من علماء المذهب الزيدي، ولكن رغم هذا فإنها لم تعجبه وضاق ذرعًا بها للتعصب الذي ينفح منها، فخرج إلى مدرسة أخرى، فيا ترى ما هذه المدرسة التي خرج إليها بعد ذلك؟
المدرسة التي خرج إليها بعد أن درس في الجامع الكبير فترة زمنية قصيرة، هي مسجد الفليحي، وهناك فرق كبير بين مدرسة الفليحي، ومسجد الفليحي، كثير من الذين كتبوا عن القاضي العمراني، سواء مقالات، أو شيئًا من السيرة الذاتية للقاضي العمراني، يخلطون خلطًا عجيبًا بين مدرسة الفليحي ومسجد الفليحي؛ فمدرسة الفليحي هي مدرسة نظامية تعلَّم فيها القاضي خمس سنوات، بدأ من سن السابعة، ثم بعد ذلك انتقل إلى مدرسة الإصلاح، ثم انتقل بعد ذلك إلى المسجد الكبير، ثم بعد ذلك إلى مسجد الفليحي، ومسجد الفليحي في مؤخرته مدرسة الفليحي، فهناك فرق بينه وبين المدرسة، فالمدرسة نظامية يأتي إليها الطلاب صباحًا وفيها مدرسون نظاميون، وعندهم وقت محدد، وعندهم مواد محددة، فيدرس الهندسة، ويدرس الإنشاء، والخط، والجغرافيا، والتاريخ، وعلومًا أخرى، مع قسط قليل محدود من العلوم الشرعية كثقافة مصاحبة لهذا الطالب مما لا يسع المسلمَ جهلُه، بينما في المسجد يدرس الطالب العلوم شرعية فقط؛ في المسجد يثني ركبتيه بين يدي العلماء، يتعلم منهم، ويستفيد منهم، ويتأدب بآدابهم، ويأخذ من هذا، ويأخذ من هذا، وينتقل إلى هذا، هذا يقرأ عليه القرآن، وهذا الحديث، وهذا اللغة، وهذا الفقه، وهكذا حتى يمضي أغلب يومه دون كلل أو ملل... إلخ.
ومدرسة الفليحي تبعد عن الجامع الكبير أمتارًا، فهي ليست بعيدة عنه، فيمكنك أن تخطو بينهما مائة خطوة لقربهما، لكن هذه المدرسة تعد أنموذجًا منفتحًا على المدارس الفقهية الأخرى، ففي هذا المسجد كان يدرس إلى جانب المذهب الزيدي كتب الحديث، وكتب السنة النبوية، وكتب الأمهات الست، وسائر المسانيد، والمجامع الحديثية، بل يدرس في هذا المسجد كتب أئمة اليمن المجتهدين الذين تبنت مؤلفاتهم الردَّ على جملة واسعة من المسائل، والآراء المعتمدة في المذهب الزيدي الهادوي، كالإمام محمد بن إسماعيل الأمير، والإمام الشوكاني، والإمام محمد بن إبراهيم الوزير، والمقبلي، والجلال.
فمن نعمة الله تعالى على القاضي محمد بن إسماعيل العمراني أن شرح الله صدره للدراسة في هذه المدرسة المعتدلة، والانصراف عن مواصلة الدراسة في المدرسة الأصولية المحافظة، التي هي مدرسة الجامع الكبير، بعد أن كان يمم وجهه نحوها في ريعان شبابه، ومقتبل عمره، وبداية حياته، وطراوة أفكاره، الأمر الذي كان سينتج لنا نسخة أخرى إضافية جديدة من أولئك المتقوقعين المحصورين داخل المذهب الزيدي، المنحصرين على كتبه وعلمائه، المتقيدين بفروعه ومسالكه، المتشبثين بقضاياه ومسائله، فلدراسته في مسجد الفليحي أثرٌ بارز لا يخفى في ميله لعلوم الاجتهاد، واهتمامه بدراسة وتدريس كتب الحديث، فمدرسة الفليحي أنتجت لنا القاضي العمراني، سبح في بحرها فأوصلته إلى شاطئ الإمام الشوكاني، فاستفاد منه العلماء، فقد كان علماء مسجد الفليحي عندهم نوع من الانفتاح، ونوع من التحرر، ونوع من عدم الانصياع والجمود لأقوال المذهب الزيدي، فاستفاد منهم، وتتلمذ على أيديهم، وتفتحت عقليته أكثر. أستطيع أن أقول: من هنا بدأت انطلاقة مرحلة الاجتهاد للقاضي العمراني، وقد كان يفخر أنه درس في جامع لا جامعة، يذكر هذا على سبيل المزاح مع طلابه، ولله در الشاعر حين قال:
أثِّث لنفسك بيتَ علم وارعه
لا تتركنَّ البيتَ غير مؤثث
وإذا أتاك الوارثون فأَعطِهم
إرثَ النبوة يا أجلَّ مورّثِ
جاؤوا بجامعةٍ وجئتَ بجامعٍ
شتَّان بين مُذكَّر ومؤنَّثِ
المحور الرابع: عبد الكريم الأمير وصناعة النجومية:
كان القاضي العمراني حريصًا على وقته، محافظًا على أيام زمانه، ملازمًا لأفاضل العلماء محبًّا لهم، فمن أسباب نبوغه أنْ هيأ الله له ابن خالته العلامة عبدالكريم الأمير[6]؛ فقد كان من العلماء والأدباء الكبار، فمن نعم الله تعالى على القاضي العمراني أنْ هيَّأ له هذا العالم الشيخ عبدالكريم الأمير، العلامة الشهير، والأديب الشاعر المفلق، والصحفي البارع؛ فقد لازَمَه عشر سنوات كاملات نهل فيها من علمه، وتربَّى فيها على يديه، واستفاد منه في غالب العلوم، وكان مهتمًّا به، حفظ عنده غالب المتون وقرأها عليه، والمختصرات: مثل متن الأزهار، والكافل في الأصول، والكافية، وألفية ابن مالك، وملحة الإعراب في النحو، وقرأ عليه شرح قواعد الإعراب للأزهري، وشرح الفاكهي على ملحة الإعراب، وشرح قطر الندى، وبعض المتون في الصرف، وشرح الكافل لابن لقمان، ومغني اللبيب، والجوهر المكنون؛ هذه كلها درسها القاضي العمراني على شيخه الأمير.
وقد قفز به قفزة عجيبة، وارتقى به رقيًّا مذهلًا، وطور من مداركه، وفتح عينه على العالم، وفتح له بيته ومكتبته العامرة التي كانت فيها حدائق ذات بهجة، ويكفيك أن تعلم أن مكتبة العلامة عبدالكريم الأمير كانت من ضمن أرقى المكتبات التي يمتلكها عالم في صنعاء، وقد قيل عن عبدالكريم مقولة مشهورة وهو "أنه أفنى أمواله وأموال أبيه وجده لجمع كتب هذه المكتبة"، فكان يفتح له المكتبة ويجعله يسيح فيها قاطفًا من ثمراتها الشهية الدانية، وأثناء تحضيره للدروس كان يعود إليها لاجئًا طالبًا المدد والعون، فيجد فيها بغيته فتطمئن نفسه وينشرح صدره وينفتح قلبه.
وإذا أشكلت عليه مسألة ناقشها معه ووضع له النقاط على الحروف، وحل له المعضلات وأوقفه على الجواب، وأخذ بيده وأوقفه في المكتبة ومد يده إلى أحد أدراجها وأخرج له الكتاب الذي فيه عين الجواب وتفصيل حل المشكل، فيأخذ الكتاب متلهفًا لقراءته ويعتكف على مطالعته وتلخيصه.
صراحةً هذا الشيخ الأمير يعتبر هدية من الله للقاضي العمراني؛ استغربت كثيرًا وأنا أقرأ رسالته، ولا أكتمكم سرًّا أني وقفت عند كل عبارة من عباراتها مدققًا محللًا متأملًا، وقلت: سبحان الله! أحيانًا يهيئ الله لك شخصًا، ويأخذ بيدك، ويرتقي بك في سلم المعالي، وهذا من عناية الله وكرمه إن رأى منك صدقًا وإقبالًا على طلب العلم.
طبعًا للعلامة عبد الكريم الأمير رسالة بحثت عنها حتى وجدتها، وهي رسالة أرسلها إلى المؤرخ محمد محمد زبارة، رسالة شخصية تحدَّث فيها عن القاضي العمراني، وطلبه للعلم، وقد وجدتها في قمة الروعة، وفيها من حسن الوصف وجماله ما تطرب له، تخيَّل معي عندما يكتب في هذه الرسالة الطويلة:
وإني أشكركم بلسان القاضي العزي محمد بن إسماعيل العمراني على حسن التفاتكم إليه... إلى أن يقول في هذه الرسالة الجميلة الماتعة واصفًا تلميذه القاضي العمراني:
لا يرى لذة ولا هناء إلا إذا حقق مسألة أو دقق مشكلة، ولا يعتد بيوم لا يظفر فيه بفائدة، أو يقيد شاردة، وقد صادفَت منه هذه الصفاتُ همةً سامية تنفر من الراحة والسكون، وتستسهل كل صعب وتطمح إلى فوق كل غاية وعزيمة، وثابة لا تقر ولا تفتر ولا تقف عند حد، ورغبة زائدة في المطالعة والاستفادة مما يقرأ ويسمع، ومن كان كذلك لا بد من أن يتسع نطاق معارفه وتنمو مواهبه حتى يصير مضرب الأمثال، معدوم الأمثال، كل هذه الصفات الفائقة التي يندر أن تجتمع في شاب مثله هي التي جعلتني لا أملك إلا أن أحبه وأعطف عليه وأغمره بودي، وأحيطه بعنايتي ورعايتي، وأحْنو عليه حنوَّ الأم على ولدها الوحيد، وأحله في قلبي منزلة لا يحتلها غيره.
ولا غرو:
إذا ما أصولُ المرء طابت أرومة *** فلا عجبٌ إن أشبَهتْها فروعُها
ثم وصفه قائلًا:
ناصح حبيب القلب، رقيق حواس الطبع، شريف الأخلاق، مأمون البوائق، نبيل العاطفة، نقي الصفحة من الأوزار، بريء الساحة من المآثم، سليم اللسان والقلم، بعيد القدم عن مسالك التهم، وقَّاد الذكاء مرهف الإحساس، فياض الشعور، نير البصيرة، حلو المعاشرة، مليح المحاضرة، عصامي النفس، خفيف الظل، يجري في أقواله على الصدق، وفي معاملته على الإخلاص، وفي علاقته على الشرف، وله فوق ذلك طهارة الملائكة وعفة الأنبياء... إلخ.
هذا الأستاذ الأمير يتحدث عن تلميذه القاضي العمراني، يصف هذا الشاب الذي أصبح مفتي الديار اليمنية.
الحقيقة أني ما قرأت في حياتي وصفًا من شيخ لتلميذه مثل وصف الشيخ عبد الكريم الأمير تلميذه القاضي العمراني، فقد وصفه بأوصاف عجيبة فريدة فخمة، وصف أخلاقه، وأظهر مكانته وعلمه وسمته واجتهاده وحرصه على وقته في هذه الرسالة التي أرسلها إلى العلامة المؤرخ محمد محمد زبارة، والخلاصة من هذه الرسالة أنه أظهر فيها نجوميته ونبوغه، فكيف يمكن أن يصف شيخٌ تلميذه ويذكر أنه أصبح مضرب الأمثال، معدوم الأمثال، وهو ما زال في التاسعة عشرة من عمره إلا وهو قد رأى منه نبوغًا واجتهادًا منقطع النظير.
إن العلامة عبد الكريم الأمير وصف القاضي العمراني بدقة، وأخبر أنه مهتم به غاية الاهتمام، وأنه يحنو عليه حنو الأم على وحيدها، مبديًا رعايته له واهتمامه بشخصيته الفريدة.
المحور الخامس: الاجتهاد الشخصي ونسخ الكتب والتحضير للدروس:
هناك سر من أسرار نبوغ القاضي العمراني هو أنه نسخ الكتب بيديه، فنسخ شرح الملحة بيديه، وبعض الطلبة في هذا العصر يريد أن يكون عالمًا وما نسخ كتابًا، وما لخَّص كتابًا، فنقول له: يا أخي هل لخَّصت مثلًا شرح ملحة الإعراب؟ أو شرح قطر الندى؟ هل لخَّصت شيئًا من مغني اللبيب؟
القاضي العمراني تخيَّلوا معي:
هذه الكتب كلها لخَّصها، أصلًا ما كان هناك كتب تباع إلا في النادر! الآن أنت بضغطة زر تنزل أي كتاب من النت، عشرات الشروح على ألفية ابن مالك، كان في عصر القاضي لا يوجد عندهم شروح! كان يندر أن تجد عند أحدهم شرحًا وقد دفع فيه ثمنًا عاليًا باهظًا، فكان القاضي العمراني ينسخ هذه الشروح، فنسخ ألفية ابن مالك، ونسخ ملحة الإعراب، وشرح الفاكهي على ملحة الإعراب، وشرح قطر الندى، وشرح الكافل لابن لقمان، ومغني اللبيب، والجوهر المكنون في البلاغة، وحتى كان لا يشرع في دراسة كتاب حتى يتم نسخه، فأول ما ينتهي من نسخه يبدأ الشيخ عبدالكريم الأمير في شرحه له، فكان هناك صعوبة في تحصيل الكتب، وصعوبة في تحصيل المراجع؛ الأمر الذي يكلف طالب العلم في ذلك الوقت الرحلةَ إلى خارج بلاده؛ لأجل تحصيل الكتاب الذي يدرسه أو يتعلمه، وقد ذكر القاضي العمراني ذات مرة قصة لأحد زملائه نزل إلى إب ماشيًا على قدميه وعاد ماشيًا في عدة أيام لشراء كتاب، وعندما جاء وقت الدرس فتح الطالب الكتاب، وكان لا يوجد كتاب في الحلقة إلا مع ذلك الطالب، فحدق الطلاب فيه أنظارهم، وكثرت عليه الأسئلة من أين عثر على الكتاب، وعندما عرفوا أنه مكث أيامًا ماشيًا وراجعًا - ربما أكثر من عشرة أيام - ازدادوا دهشة وإعجابًا من صبره وجَلَدِه على المشي، فكان القاضي العمراني يذكر هذه القصة واسم صاحبها يبين فيه ندرة الكتاب، وكان إن دخل مكتبة الجامع الكبير يخبر أنه لا يجد إلا تلك الكتب التي قد امتلأت بالحشرات والكتن، فيَلقى من لسعها ولدغها الشيء الكثير، فكان القاضي العمراني ينسخ بيده، ينسخ الكتاب أولًا، ثم بعد ذلك يأتي إلى الشيخ ليدرسه على يديه[7].
وهذه الكتب التي نسخها هي أمهات الكتب، منها في النحو شرح ابن عقيل، وشرح الفاكهي على ملحة الإعراب، وشرح وقواعد الإعراب للأزهري، وشرح قطر الندى لابن هشام، ومغني اللبيب، والكافل في الأصول، والكافية لابن الحاجب، وألفية ابن مالك؛ هذه أمهات كتب النحو، هذه الكتب استوعبها القاضي العمراني، نسخها، واستوعبها، ثم درسها على الشيخ، ثم درَّسها؛ ولذلك استطاع أن يكون بعد ذلك نجمًا، واستطاع أن يكون نابغة.
ومن أسباب نبوغه تحضيره للدروس، فقد بدأ القاضي العمراني يدرِّس وهو في العشرين من عمره، يزيد سنة أو ينقص سنة، فكانت تمر عليه بعض المسائل فيجد فيها إلغازًا فيسهر الليل كله يحضر لدرسِ غدٍ؛ خوفًا من أن يسأله الطلاب فيتردد أو يتلكأ أو يجهل الإجابة، وكان أيضا يحضِّر من أجل التشبع بالعلم والاستفادة والإحاطة بالمسألة من جميع جوانبها؛ نهمة في العلم وحبًّا له ورغبة في الازدياد منه، وقد صرح ذات مرة بسببين من أسباب نبوغه، وذلك عندما سئل: ما أكثر شيء استفاد منه في حياته؟
فأجاب: المطالعة، وتحضير الدروس.
فمن أراد أن يكون نابغة عليه بالتدريس؛ لأن ما سيدرسه سيثبت في ذاكرته.
وفي شأن المطالعة فقد كان نهمًا للقراءة يقرأ كل ما وقعت يده عليه[8]، وقد تقدم سابقًا كيف فتح له العلامة الأديب عبدالكريم الأمير مكتبته فكانت روضة غناء بالنسبة له ورحابًا واسعة يهيم فيها مع كتب أهل العلم، وهي بمثابة نزهة له كان يدخلها كلما شعر بالجوع نحو الكتب.
المحور السادس: النجومية مع النجوم الخمسة:
ما إن فتح عينه على الحياة وبدأ يستوعب ما حوله، حفزته همته ليعرف شيئًا عن أجداده الذين كان يفخر بهم ويسمع تنويه الناس بهم، فعرف أن جده الشهيد كان أنبل تلاميذ القاضي الشوكاني، فكان هذا هو المدخل لقراءة كتب الإمام الشوكاني وتأثره بها، وقد ذكر أنه تأثر بكتب الشوكاني كون جده كان تلميذًا عنده، والسبب الثاني تسلسل كتب الشوكاني وتنوعها وثراؤها، فهي في فنون متعددة، وفيها منهجية مثلى لطالب العلم، فبدأ بأول كتاب وهو "وبل الغمام"، ومع أن هذا الكتاب في أصله حاشية لكن أبدع الإمام الشوكاني في التعليق عليه والترتيب للأدلة، فأصبح الكتاب من مراجع كتب الزيدية حينها، ثم بعد الانتهاء من هذا الكتاب أخذ كتاب البدر الطالع فقرأه كاملًا، فأعجب بالسرد التاريخي عند الإمام الشوكاني وحسن أدبه وجمال بلاغته، ولست أدري كيف فرحته وإعجابه وهو يقرأ ترجمة جده في البدر الطالع، ثم كان الكتاب الثالث الذي قرأه للشوكاني هو كتاب "نيل الأوطار"، وهو عمدة كتب الشوكاني وخلاصة عمره وزبدة فقهه وفيه خلاصة اجتهاداته، فأعجب به وكرره مرات حتى أتقنه[9]، ثم بعد ذلك انفتح على بقية كتبه فقرأها وأحاط بها، ثم وجد أن الإمام الشوكاني أثنى على بعض العلماء ووصفهم بأوصاف عجيبة مما تبين له أنهم نجوم متميزون، ونوابغ في ساحة الاجتهاد متفردون، فبدأ يقرأ لهم واحدًا واحدًا حتى أتى على كل كتبهم التي وقعت عليها يده، وتعرف على بعض أحفادهم وذراريهم وسمع الكثير من أخبارهم وزارهم في بيوتهم، ورأى مشاهد هؤلاء النجوم وآثارهم وأحبَّهم حبًّا بلغ مداه، وهؤلاء الأربعة هم الجلال والمقبلي وابن الوزير وابن الأمير، وخامسهم الإمام الشوكاني، اندمج معهم وكأني بهم وهو يعيش مع كتبهم يسامرهم ويحادثهم وقد نزل إلى قبور بعضهم، ونخل كتبهم وأبحاثهم واجتهاداتهم نخلًا، وأصبح يتحدث باجتهاداتهم في مجالسه ودروسه، وكان بعضهم مغمورًا حتى أتى القاضي العمراني فجعلهم حديث أهل اليمن؛ لمِا كان يكثر من ذكرهم وذكر اجتهاداتهم ومؤلفاتهم في الدروس والمحاضرات والجامعات.
بعد هذه الحياة العامرة معهم شاء الله أن يصطف معهم كنجم سادس من نجوم أهل اليمن، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وصدق فيه قول الشاعر:
رسى فوق هامِ النجم سامى مقامه
فأضحى له بالفضلِ مرسى ومرسخُ
له الكلم اللاتي بها السمعُ يزدهي
وتعنو له شمُّ العلى وهي شُمَّخُ
شمائلُ ما للمسك في الشم طيبُها
بأنفاسها بردُ الشمال مضمَّخُ
المحور السابع: محمد رشيد رضا وصناعة النبوغ:
ليس بخافٍ على طلبة العلم أن العلامة الإمام محمد رشيد رضا كان من أعلام الأمة المجددين العباقرة، وقد لخص ما كان يفسره شيخه الإمام محمد عبده في الجامع الأزهر حتى بلغ سورة النساء، فلما توفي الإمام واصل رشيد رضا في تفسيره التجديدي حتى بلغ سورة يوسف وتوفي، كان لهذا التفسير الذي سمي "بالمنار" صدى واسعٌ حينها في أوساط العلماء وطلبة العلم، وكان لا يصدر عدد من أعداد مجلة المنار إلا تهافت عليه طلبة العلم من الأصقاع وطار في الآفاق، وكان القاضي محمد بن إسماعيل العمراني من رواد مكتبة الجامع الكبير، وكانت المكتبة حينها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم للمخطوطات، وقسم للكتب المنهجية، وقسم للكتب العصرية، وكانت تحتوي على ثلاث حجرات: حجرة للقراءة الفاحصة، وحجرة للمطالعة، وحجرة للنسخ، ويُمنع استعارة أي كتاب منها إلا إن دفع الطالب أضعاف قيمته، فكان القاضي العمراني يدخلها فإن دخلها أول ما يفتح تفسير المنار ويعجب من تأصيله وطريقة تفريعه وحسن تبويبه، وكان يلخص ويكتب إن وجد فائدة فقهية أو أصولية أو استنباطًا مدهشًا، بل ويعيد قراءة بعض المواضع مرات ومرات، فما يترك الكتاب من أعداد المنار حتى ينهيه، ولأن تفسير المنار صدر في اثني عشر جزءًا فقد تابع القاضي تلك الإصدارات بشغف، وأحاط بها إحاطة كاملة واستوعبها، وكان يناقش كثيرًا من مسائل رشيد رضا مع العلامة عبدالكريم الأمير ومع رفقاء دربه ويخبرهم بإعجابه بهذا الإمام المجتهد الذي يبقر العلم بقرًا، وكان رشيد رضا يذكر في كتابه بعض الأعلام ويشيد بهم وباجتهاداتهم، فيحفظ القاضي تلك الأسماء ويقوم بتتبع بحوثهم وكتبهم ويعود إليها فينتفع بها انتفاعًا كبيرًا ويعود راجعًا إلى المنار.
ولعلك تعجب عندما أخبرك أن السيد رشيد رضا ليس متبعًا لمذهب من المذاهب الأربعة المتبوعة، بل هو مجتهد من المجتهدين وأمة وحده، فمن هنا نشأ القاضي العمراني معجبًا بالسيد رشيد رضا، مستوعبًا لكتبه، عارفًا بمنهجيته، غير مقلِّد لأحد، وكانت لكتب السيد رشيد رضا واجتهاداته موقع بالغٌ منه، فقد أتقنها وتأثر في باكورة شبابه ومنها نهل ومن معينها استقى، حتى أصبح نجما يشار إليه بالبنان، نابغة من نوابغ زمنه، ولله در الشاعر حين قال:
إمام قد سما هام الثريا
ونال من العلا أعلى القداحِ
إلى قصب المكارمِ حازَ سبقًا
وجارى الغيث في بذل السماحِ
وبحرٌ نهر مورده فراتٌ
جرَتْ بعبابه سفنُ النجاحِ
ورحم الله القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني ورفع درجته في عليين.
[1] أصل هذه المادة كلمة ألقيت في أمسية "القاضي العمراني سيرة ومسيرة"، بتاريخ 7 ذي الحجة 1442 هـ الموافق 17 يوليو 2021 م، وقد ألقاها فضيلة الدكتور العلامة فضل مراد، وفضيلة الدكتور العلامة عبدالسلام المجيدي، والدكتور يوسف الرحمي، والشيخ عامر الخميسي.
[2] كان العلامة الشهيد القاضي محمد بن علي بن العمراني الجد الأعلى للقاضي العمراني - والد جده - من أنبل تلاميذ القاضي الشوكاني، ولم يأتِ محدث في الديار اليمنية بعد عبدالرزاق الصنعاني مثله، وقد فاق أقرانه وعلماء زمانه في الحديث، وقل نظيره في من تقدمه بقرون، وقد قرأ الأمهات الست على الشيخ الشوكاني، ثم تبحر فيها حتى كان يعتمد عليه الإمام الشوكاني في تخريج الأحاديث ونسبتها، وكان لا يُقدم أحدًا عليه من محدثي زمانه، بل كان القاضي الشوكاني يعتبره من أقرانه لا من طلابه ويثني عليه ثناء بالغًا، وذكر القاضي الشوكاني في البدر الطالع أن هذا الإمام شرح سنن ابن ماجه في كتاب سماه" عجالة ذوي الحاجة بشرح سنن ابن ماجه"، جعله أولًا كالتخريج ثمَّ جاوز ذلك إلى شرح الكتاب، وكان من أمره أنه أفتى بفتاوى أغضبت أئمة صنعاء -وهذا بعد وفاة القاضي الشوكاني- فامتُحن بسبب هذه الفتاوى، وسُجن، ثم خرج من السجن، ثم طلبوه ليقتلوه، فرحل إلى زبيد متخفيًا هاربًا من القتل، فاستقبله علماؤها بالترحيب وعقدوا له مجالس للتدريس، ثم رحل إلى "أبو عريش" واشتهرت عنه عبارة: "إني لأعد رجال الأمهات الست كما أعد أصابع يدي"، فاستفادوا منه في شروح أمهات كتب الحديث، وكان لا يبارى ولا يجارى، بل عده بعضهم في منزلة ابن حجر، ثم عاد إلى زبيد، وكان استشهاده فيها، ولا زال قبره إلى الآن خارجها، وكثيرًا ما يسأل القاضي القادمين من زبيد عن اسم تلك المقبرة خارج زبيد ويقول لهم: "جدي مدفون هناك" - رفع الله منزلته في عليين، وكتبه من الشهداء وألحقه بالصالحين- وقد كان استشهاده بعد وفاة القاضي الشوكاني بخمس عشرة سنة تقريبًا، وانظر ترجمته في "البدر الطالع" (2/210).
[3] هذا الكتاب هو عبارة عن رسالة ماجستير بعنوان: "القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حياته العلمية والدعوية"، إعداد عبدالرحمن الأغبري، إشراف أ.د. محجوب الكردي، طبعت في مكتبة الإرشاد - صنعاء 1423ه- 2002م.
[4] كتاب الوجيز من سيرة فقيد أهل اليمن العزيز، للشيخ محمد الكريمي، هو أجمع سيرة كتبت للقاضي العمراني، يربو على ألف صفحة، لا زال يتداوله طلبة العلم إلكترونيًّا - لم يطبع بعدُ حسب علمي.
[5] كان المسجد الكبير حينها بمثابة كرسي الزيدية في اليمن - ولا يزال- رغم أن منبره اعتلاه وتولى الخطابة فيه من أمثال ابن الأمير الصنعاني العالم الكبير المجتهد، والقاضي الأديب أبي الأحرار محمد محمود الزبيري، والقاضي أحمد سلامة، والشيخ المجاهد عمر أحمد سيف، وكثير من المجتهدين العباقرة.
[6] هو العلامة والأديب البليغ الشاعر عبدالكريم بن إبراهيم الأمير يعود نسبه إلى العلامة المجتهد ابن إسماعيل الأمير الصنعاني صاحب سلم السلام، وأحد أعلام اليمن الكبار، ولد بصنعاء سنة 1330 ه، وأخذ العلم عن عمه عبدالخالق الأمير والقاضي يحيى الإرياني، وكان من أبرز رجال الفكر والأدب وأطولهم باعًا، كتب في جريدة الإيمان وترأس تحريرها نهاية فترة الإمام يحيى حميد الدين، وفي فترة حكم الإمام أحمد، وكان بيته بمثابة منتدى أو ملتقى ثقافي يحضره العديد من أدباء اليمن الكبار؛ أمثال الأديب أحمد الشامي، والأستاذ عبدالكريم الخميسي، والشاعر عبدالعزيز المقالح وغيرهم.. وبعد قيام الثورة اليمنية سنة 1962م بفترة عين مستشارًا لوزارة الإعلام ثم انتقل للإقامة في مدينة جدة بالسعودية، وتوفي رحمه الله سنة 1420 ه 2000م -انظر ترجمته في سفينة العمراني- ص 733.
[7] من العجائب أنه كان عندي طالب في صنعاء - أصبح مهندسًا كبيرًا الآن- لا يستطيع أن يحفظ الصفحة من القرآن إلا إذا كتبها، وقد وجدتُ هذا في السودان عندما يبدأ يكتب الطالب في اللوح ثم يحفظ ثم يقرؤه غيبًا على شيخه، وهذه الطريقة موجودة أيضًا في بلاد المغرب العربي، وهي تثبت المحفوظ تثبيتًا عجيبًا.
[8] شاء الله أن ألتقي بعد هذه الأمسية بعدة ليالٍ بالشيخ العلامة إسماعيل عبدالباري واستمر اللقاء ساعتين، تحدث فيها بأشياء عجيبة عن القاضي العمراني، وكنت سألته عن سر تفوق القاضي العمراني فتحدث كثيرًا بتفاصيل مذهلة وعن علاقة معه استمرت ربع قرن، وكان مما ذكره ولا أنساه أنه قال: "لقد أتيح له من الاطلاع والقراءة في سن العشرين ما جعله يستحي أن يفتي بالمذاهب وهو لا زال في العشرين"، يعني هذا أنه أحاط وفي العشرينيات من العمر وقبل الوصول إلى سن الثلاثين بالمذاهب الأربعة، إضافة إلى مذهبه الأول الذي درسه وهو المذهب الزيدي.
[9] مما ذكره لي ذات مرة د. فضل مراد حفظه الله أن الإمام الذهبي لو رأى كتاب نيل الأوطار، لعدَّه خامس تلك الأربعة الكتب التي لم يؤلف مثلها في الإسلام، ومن أدمن النظر فيها صار العالم حقًّا: "المحلى، والمغني، والسنن الكبير للبيهقي، والتمهيد".
قصيدة في رثاء القاضي محمد بن إسماعيل العمراني
د. عبد الواسع اليهاري
خَطبٌ أَصابَ فَهَدَّ كُلَّ جَنانِ أَعيا اللِّسانَ وَشَلَّ كُلَّ بَنانِ
حارَتْ دُموعٌ وَالمَسامِعُ لَوعةٌ وَالقَلبُ شَلّالٌ مِنَ الأَحزانِ
إِنَّ المَصائبَ قَدْ تُهونُ وَلَمْ يَهُنْ فَقدُ الإمامِ العالِمِ الرَّبّاني
اَلأَرضُ تُنقَصُ عِندَ مَوتِ كِرامِها فَحَياتُهُم أَمنٌ مِنَ النُّقصانِ
وَالحَقُّ أَسمَى ما يُعاشُ لَهُ فَإنْ سَادَ الهَوى فَالمَوتُ عَيشٌ ثانِ
وَالعِلمُ أَشرَفُ ما يَقودُ إلى الهُدى وَالمَجدِ وَالإحسانِ وَالرِّضوانِ
وَالمَوتُ لَيسَ بِتارِكٍ أَحدًا وَلَوْ كانَ الكَريمَ ابْنَ الكَريمِ الدّاني
إنَّ الخَرابَ بِأَنْ يَموتَ أَفاضِلٌ مِثْلُ الفَقيهِ الحافِظِ العَمراني
مَنْ عاشَ قَرنًا لِلهِدايَةِ ناشِرًا ما فاقَهُ أَحدٌ مِنَ الأَقرانِ
نالَ العُلا شَرخَ الشَّبابِ وَلَمْ يَزَلْ بِمَشيبِهِ في هِمَّةِ الشُّبّانِ
وَيَسيلُ فِقهًا لا تَكَلُّفَ عِندَهُ يُفتي فَيَشفي سائلًا بِثَوانِ
وَتَراهُ فِي التّاريخِ بَحرًا زاخِرًا أَمّا الحَديثُ فَفارِسُ المَيدانِ
يَستَحضِرُ الأَقوالَ وَالأَحداثَ فِيْ بَدَهِيَّةٍ فَيَحارُ أَهلُ الشّانِ
تَبِعَ الدَّليلَ هُدىً بِلا عَصَبِيَّةٍ إلّا لصافِي الحَقِّ وَالبُرهانِ
وَيَزينُهُ حِلْمٌ وَبِشْرٌ حاضِرٌ وَتَواضُعٌ يُدني مِنَ الإخوانِ
فَمَعَ الوَقارِ مَهابَةٌ وَفُكاهَةٌ وَالعِلمُ شَهدٌ مِنْ رَحيقِ مَعانِ
ما إِنْ يَمَلُّ النّاسُ طِيبَ مَجالِسٍ شُفِعَتْ بِحُسنِ دُعابَةٍ وَبَيانِ
شَهِدَتْ لَهُ تِلكَ الْجَوامِعُ كُلُّها وَالجامِعاتُ بِعلْمِهِ الهَتّانِ
يا أَيُّها القاضي الَّذي قَضَتِ النُّهى بِعُلُوِّه فِي الْفَضلِ وَالْعِرفانِ
رَغِبَ الْوَرى فِيْ عِلْمِهِ مِنْ زُهدِهِ وَتُنالُ باقِيَةٌ بِتَركِ الْفانِي
أَغنى الْبَرِيَّةِ مَنْ يَحوزُ قُلوبَها بِالْعِلمِ وَالْأَخلاقِ وَالْإيمانِ
قَد ماتَ فِي الْعَشرِ الْفَواضِلِ فَاضِلٌ تَبقى فَضائلُهُ مَدى الْأَزمانِ
يا رَبَّنا اسْقِ ثَرى الْإمامِ وَقَبرَهُ بِسَحائبِ الرَّحماتِ وَالرِّضوانِ
خَطبٌ أَصابَ فَهَدَّ كُلَّ يَمانِ وَالْمُسلِمينَ بِسائرِ البُلدانِ
الأَربعاء الرابع من ذي الحجة لعام أَلف وأَربعمائة واثنين وأَربعين من الهجرة.
مصادر الترجمة:
- شبكة الألوكة- عمير الجنياز.
- الموسوعة التاريخية الحرة.
وسوم: العدد 1040