الشيخ الأديب الداعية الدكتور حسن عبد اللطيف الشافعي
عالم لغوي، وأول أزهري يرأس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، له عشرات البحوث العلمية والفكرية، وهو عضو في عدد من الهيئات والمؤسسات العلمية الإسلامية.
المولد، والنشأة:
ولد حسن محمود عبد اللطيف الشافعي عام 1930 في قرية "بني ماضي" التابعة لمركز "ببا" بمحافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، لأسرة تعمل في الزراعة.
الدراسة، والتكوين:
حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ثم التحق بمعهد القاهرة الديني الأزهري، وحصل على الابتدائية عام 1948، وعلى الثانوية الأزهرية عام 1953.
وفي سنة 1953 التحق بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وكلية أصول الدين جامعة الأزهر في نفس الوقت، وتخصص في الفلسفة الإسلامية، ولم يتخرج من الكليتين إلا بعد عشر سنوات (1963)، فقد اعتقل سنة 1954، وبقي في السجن ست سنوات بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وحين تخرج بمرتبة الشرف الأولى عين معيدا بكلية دار العلوم، ولكنه اعتقل مرة أخرى ومكث في السجن أربع سنين، وقد حصل على الماجستير سنة 1969. وفي سنة 1973 مُنح إلى كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، وحصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية سنة 1977.
الوظائف، والمسؤوليات:
عمل أستاذا للعقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم انتقل للعمل بعدة جامعات أخرى مثل: أم درمان بالسودان، والجامعة الإسلامية العالمية بباكستان، ثم عاد إلى مصر واختير عضوا بمجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1994، وفي فبراير/شباط 2012 تولى رئاسة المجمع.
وهو عضو في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، ومركز الدراسات الإسلامية بجامعة القاهرة، والمجلس العلمي لكلية الدراسات العليا بمانشستر في بريطانيا، ومجلس أمناء الجامعة الإسلامية في إسلام أباد، ثم هو مستشار شيخ الأزهر، وممثل الأزهر في لجنة كتابة الدستور المصري 2012.
المسار:
برز الشافعي بين أقرانه بذكائه. وكان وهو طالب بالمعهد الديني الابتدائي والثانوي يتردد على المركز العام للإخوان المسلمين في الحلمية، لحضور درس الثلاثاء للشيخ حسن البنا، وهو ما أدى لملاحقته وسجنه وتعذيبه بعد ذلك، وقد بقيت آثار التعذيب على جسده بعد أكثر من نصف قرن.
وقد انفصل عن تنظيم الإخوان، وإن بقي محسوبا عليهم في الفكر والمواقف السياسية.
وقد كان من أوائل الرافضين للانقلاب العسكري (3 يوليو/تموز 2013) وأصدر بيانا قويا يستنكر فيه اما وقع، كما أدان مذبحة المنصة، ثم مجزرتي رابعة العدوية والنهضة.
وفي سنة 2015 فصل من عمله أستاذا بجامعة القاهرة بسبب معارضته للانقلاب وتبعاته.
المؤلفات:
أصدر الشافعي نحو عشرة كتب في الفلسفة الإسلامية، والتوحيد، وعلم الكلام والتصوف، وأكثر من 30 بحثا علميا نشرت في العديد من المجلات والدوريات العلمية في مصر وخارجها، وحقق خمسة نصوص تراثية، وترجم أربعة كتب إلى الإنجليزية، إضافة إلى الإشراف والحكم على عشرات من الرسائل الجامعية في مصر والعالم العربي وباكستان وماليزيا.
ومن مؤلفاته وأبحاثه:
الآمدي وآراؤه الكلامية، وعلم الكلام بين ماضيه وحاضره، وأبو حامد الغزالي: دراسات في فكره وعصره وتأثيره، والإمام محمد عبده وتجديد علم الكلام، وتجديد الفكر الإسلامي: المفهوم والدواعي والخطوات.
لماذا تجاهلوا فوز الدكتور حسن الشافعي بجائزة الملك فيصل؟!
جاء إعلان فوز الدكتور حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، بجائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام، دون اهتمام إعلامي مصري، ولم يتم الاحتفاء به في الإعلام كما يفعلون مع الممثلين والممثلات، ولم يحظ حتى بالاهتمام مثلما يحظى حمو بيكا، وحسن شاكوش، وغيرهما من مطربي المهرجانات.
وقد تبرع الدكتور حسن الشافعي بقيمة الجائزة التي تبلغ 750 ألف ريال سعودي، وهو ما يعادل 200.000 دولار أمريكي، حوالي 3 ملايين و140 ألف جنيهًا مصريًّا، لوقف البحوث والدراسات الإسلامية الذي أنشأه منذ خمسة عشر عاما، وأنشأ أيضا مكتبة لهذا الوقف في مدخل الجامع الأزهر الشريف تضم المراجع والكتب التي جمعها في حياته عن الدراسات العقلية والفكرية والفلسفية، ولم يبق معه من مبلغ الجائزة إلا ما يُعينه على استكمال أبحاثه ودراساته.
التربص بالرجل:
ولكن لم ينس القوم للدكتور حسن الشافعي لأنه شارك في ثورة يناير بالزي الأزهري في مليونيات ميدان التحرير مفوضا من شيخ الأزهر، وكان هو الشخص الوحيد المنوط به التعبير عن الأزهر، والتحدث باسمه، بعدما طلب من شيخ الأزهر الاستقالة من منصبه؛ حتى لا يسبب إحراجا لشيخ الأزهر وللمؤسسة؛ لأنه كان مستشارا لشيخ الأزهر، إلا أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أوصاه بألا يذهب إلى ميدان التحرير إلا مرتديا الزي الأزهري، وأن يقول على لسانه وباسمه ما شاء، فكان التفويض عاما، كما ذكر الشافعي في أحد حواراته.
كما لم ينسوا له بيانه القوي يوم 9 /7/ 2013 -الذي عرضته الجزيرة- اعتراضًا على بيان 3 يوليو وعزل الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي، وبداية إراقة الدماء في الحرس الجمهوري، وكأن الرجل يتوقع الأحداث والمجازر القادمة مثل أحداث رابعة والنهضة، وقال في بيانه إن الضغط على الإسلاميين لن يدخلهم تحت الأرض.
بعدها زاد الضغط على شيخ الأزهر لأن ينظف بيته من الإخوان حسبما زعموا -رغم أنه من أئمة الصوفية- فأصدر قرارا بإعادة تشكيل المكتب الفني، حيث تم إسناد رئاسة المكتب للدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، خلفا له، واستقال الشافعي من منصبه كمستشار لشيخ الأزهر.
الرجل لم يسلم من اتهامات انضمامه للإخوان المسلمين رغم أن ذلك حدث في مطلع شبابه، وابتعد بعد ذلك.
الفصل من الجامعة:
بعد أن هاجموه كثيرا وتفننوا في إهانته، قامت جامعة القاهرة في عام 2015 بفصله من الجامعة، وذلك بحجة الجمع بين وظيفتين.
وكأن بقاء الدكتور حسن الشافعي أكبر عالم لغة في مصر والشرق الأوسط كله، ورئيس المجمع اللغوي، أستاذا متفرغا بالجامعة في وظيفة يتكسب منها الإنسان، أصبح شيئا خطأ يجب إصلاحه، كما قالت الجامعة، وتم فصله بطريقة تنقصها اللباقة.
وقد نسيت جامعة القاهرة من هو الشافعي الذي درس في وقت واحد في كليتي دار العلوم وأصول الدين، والغريب هو حصوله على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف وأنه جاء الأول على الكليتين معًا في سابقة لم تحدث من قبل ولا من بعد، ولكنه فضّل دار العلوم وجامعة القاهرة على الأزهر، ثم ردت الجامعة إليه المعروف بهذه الطريقة غير اللائقة!
حدث ذلك رغم أن دولة الإمارات طلبت التعاقد معه من قَبل بمرتب كبير جدا، مع منحه جواز سفر دبلوماسيا وكل الإمكانات والصلاحيات؛ لإقامة صروح علمية متفردة في اللغة العربية هناك، ولكنه اعتذر وفضّل أن يخدم بلده، عن السفر والعمل بالخارج.
مع العلم أن الدكتور حسن الشافعي كان لا يتقاضى راتبا من مشيخة الأزهر، وكان يعمل متطوعا، كما تبرع بجميع مستحقاته المالية لدى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة لصالح “صندوق تحيا مصر”، وبلغت قيمة المستحقات المالية التي تبرع بها٥٦٠ ألف جنيه، وذلك عن فترة عمله أستاذا متفرغا للفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة خلال الفترة من 7 يونيو 2015، إلى 31 مارس 2020.
كل ذلك لم يشفع للرجل، ففي واقعة غريبة تمت إزاحته من رئاسة المجمع اللغوي بعد فوزه بالانتخابات، وتعيين الدكتور صلاح فضل بقرار من وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور خالد عبد الغفار، وتمت الإطاحة به رغم إعادة الانتخابات مرتين وفوزه بها.
تكريم عالمي:
ولكن يأبى الله إلا أن يرد له حقه في صورة أفضل بعد بلوغه 92 عاما، ففي عام 2013، وخلال توليه رئاسة مجمع اللغة العربية تسلم جائزة الملك فيصل العالمية للغة العربية وآدابها من الملك سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي آنذاك، وجاءت الجائزة وقتها تقديرا لجهود المجمع على مدى أكثر من 80 عاما في خدمة اللغة العربية، وما أصدره من معاجم أسهمت في خدمة لغة القرآن.
وفى يناير/ كانون الثاني عام 2022 يتسلم الدكتور حسن الشافعي جائزة الملك فيصل العالمية من الملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين، أيضا، ولكن هذه المرة بصفته الشخصية، وتكريما له، ولدوره في خدمة الإسلام.
يتمتع الدكتور حسن الشافعي بسمعة عالمية رائدة في أمريكا وفرنسا وألمانيا وإندونيسيا وباكستان، وكل دول الخليج، وكان رئيسا للجامعة الإسلامية بباكستان، ويجيد ثلاث لغات أجنبية؛ الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ويعدّه علماء العربية “الهرم الأكبر للعربية في العالم كله”.
وقد كان له موقف شهير في أثناء مناقشة مواد دستور عام 2012، عندما كان رئيسا لممثلي الأزهر في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، حيث رفض بعض المواد التي تمس شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وحدثت مشادة ومناقشة حامية شاهدها الجميع على الهواء أثناء التصويت على تلك المواد، وهدد بالانسحاب، إلا أن الجميع تسابق لتهدئته، والموافقة على ما يريد.
والجميع يقدره، وذلك لعفة يده ولسانه وطريقه، وهو من النوادر الذين احترمتهم كافة الأطياف، ومن الجوامع الفذّة لعلمي الظاهر والباطن، اللغة والفقه، والتصوف العلمي السني.
وكان لا يبيع كتبه حتى يوزع النسخ المجانية على الطلبة الفقراء، وكان يدفع مصاريف الكلية والمدينة الجامعية لأي طالب فقير، أو يتيم يعرفه، أو يبلغ عنه أحد.
لله در الشيخ حسن الشافعي!
المصادر :
١_ موقع الجزيرة مباشر.
٢_ الموسوعة التاريخية الحرة.
٣_ جائزة الملك فيصل .
٤_مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1050