فضيلة الشيخ محمد شكور امرير
(١٩٣٨ _ ٢٠١٥م )
هو فضيلة الشيخ محمد شكور امرير المياديني الذي يعد أحد أبرز الدعاة في الميادين.
من مواليد مدينة (الميادين) في شرقي سورية سنة 1938م.
وفيها درس المرحلة الابتدائية، ثم انتقل إلى (دير الزور)
وأنهى الدراسة المتوسطة، ودَرَّس عام 55-56م في (الميادين) في (أهلية ثانوية ابن رشد) مادة الرياضيات والعلوم .
وانتسب إلى دار المعلمين بحلب، وتخرجت عام 1959م، وتعينت في (الجزيرة السورية) معلما في منطقة (الحسكة) في قرية اسمها (مريكيز)، ثم في (رأس العين)، ثم في (قرية السفح) .
ثم عاد إلى بلده معلما في مدارسها.
وحصل على الثانوية العامة عام 62 م على شكل منازل ـ يعنى دراسة حرة ـ.
ثم سجل في جامعة دمشق كلية الشريعة، وتخرج فيها عام 67 م.
وحاول إتمام دراسته، فأعاقه من أعاقه عن ذلك حتى سهل الله بعدها إكمال دراسته الماجستير في الباكستان .
وحصل على الدكتوراة بعد ثلاثين عام من تخرجه من جامعة دمشق، وحصل على الدكتوراة من جامعة (القرآن الكريم) في السودان.
وخلال هذه المدة نشر بعضا من الكتب المحققة منها:
" الروض الداني على المعجم الصغير للطبراني " والآن أعيد طباعته من جديد.
كما أخرج كتاب " ذكر من تُكلم فيه، وهو موثق " للذهبي.
وعدد من الرسائل للسيوطي رحمه الله منها " اللمعة في خصائص الجمعة ".
واشتغل خلالها أيضا بكتاب " تسديد القوص في تخريج مسند الفردوس" للإمام ابن حجر رحمه الله، اتفقنا على طباعته مع بعض المكتبات.
وله مقالات في الأخلاق والآداب في الجرائد الأردنية
ومنها موضوع هام هو " الأمن بمفهوم إسلامي " نشرته جريدة الرأي الأردنية وأفكر الآن في نشره موسعا على شكل كتاب إن شاء الله.
وكان أيضا خلال هذه المدة يقوم بالتدريس في المساجد في التفسير والآداب والحديث ودرس في الحرم المكي ست سنوات من عام 1977م إلى عام 1982م، وكان لي كرسي هناك في منطقة الشامية من الحرم المكي مقابل ميزاب الرحمة وكنت أدرس الآداب الشرعية والتفسير.
كما درس في ثانوية تحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة حوالي ثلاث سنوات ونصف، وكان يدرس مادة الحديث خصوصا .
شيوخه، وأساتذته:
قد قرأ البخاري كاملا من أوله إلى آخره على شيخه حسين أحمد عسيران رحمة الله تعالى عليه وقرأ عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم من طريق الطيبة ومن طريق الشاطبية وأجازه في ذلك وأجازه برواية البخاري عنه وقد قرأه على مشايخه كاملا.
كما قرأ على الشيخ محمد ياسين الفاداني رحمة الله تعالى عليه موطأ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن تلميذ الإمام أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليهم جميعا .
وعطاء الله حنيف _رحمة الله عليه_ قرأ عليه جملة من الأحاديث، وأجازه.
ومحمد مالك الكندهلوي رئيس جامعة الأشرفية في لاهور .
والشيخ محمد جندلوي ( بالجيم الفارسية ) رحمة الله عليه .
وقرأ على أبي تراب الظاهري رحمة الله عليه ابن عبد الحق الهاشمي .
وعلى أبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري رحمة الله عليه .
وعبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي أظنه الآن مدير مدرسة الحديث في مكة.
وبديع الزمان السندي رحمة الله عليه، وهذا ليس فقط شيخه بل هو صديقه وزميله كانا يدرسان قريبا من بعضهما في الحرم المكي، ثم التقى به في السند في حيدر أباد وقرأ عليه ولديه منه مدا مقايسا على مد محمد عبد الحق، وهو المسلسل بالإسناد إلى زيد بن ثابت، وهو المد التي كانت تقاس به زكاة الفطر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو موجود عندي من مادة النحاس والشيخ بديع هو الذي أشرف على صنعه وأهداني إياه ومع كل المعرفة السابقة شعرت أمامه بأني تلميذ من المرحلة الابتدائية من لطفه وأدبه وأخلاقه وعلمه.
يعدل أن يملى ماء، ثم يسكب في الإناء الثاني فإذا وسعه كما وسع هذا المد فيصبح معادلا.
وقام بتدريس وقراءة وتحديث هذين الكتابين لعدد من طلاب الجامعة ومن الطالبات والآن لديه مجموعة من النساء قريبا من العشرين كلهن يحضرن درس البخاري، وقد أشرفنا على الانتهاء من أربع مجلدات من فتح الباري .
ومن الذين قرأوا البخاري قراءة كاملة من تلاميذه د.حسين العبيدلي من الشارقة كما قرأ الموطأ بالرواية المذكورة .
وقرأ عليه الموطأ كاملا محمد إبراهيم الفارسي من دبي .
وقرأه أيضا حسين الهاجري من دبي .
ولا يزال عدد من الطلبة يقرأون عليه البخاري، وقد أوشكوا على الانتهاء من ثلاث مجلدات من فتح الباري.}
أداء الواجب بذكر المناقب (وفاة شيخنا د. محمد شكور أمرير المياديني الحسيني):
فشرف العلم يضوع نشره، ويطول ذكره؛ فهو نور البصائر من عماها، وقوت القلوب وهداها، وهو المطلب الأسنى، والمقصد الأعلى، ومحصله في علو المنازل والغرفات، ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].
وإن فقد أهله وأربابه لخطبٌ جللٌ، تقرع به المسامع، وتذرف له المدامع، فبموتهم تطوى صفحات عطرة، وسجلات نضرة، ورحيلهم ثلمة لا تسد، ومصيبة لا تحد، كيف لا؟ وهم زينة المجالس، وأنس المجالس، ولقياهم شحذ الذاهن والهاجس.
وإن من العلماء عالمًا اشتغل بالحديث - الذي هو درة تاج العلوم - اجتهد في ذلك، وسلك المسالك المرضية، والسبل السوية، ولَكَمْ بحث وأجاد، وأفاد واستفاد، إنـه شيخنا المحدث المسند، الفاضل الدكتور، أبو محمود محمد شكور بن محمود الحاجي أمرير المياديني الحسيني، الذي فجعنا خبره، وآلمنا فقده.
لقد تلقيت نبأ وفاته - بعد ساعاتٍ من قبضه - ليلة الجمعة (29 صفر 1437هـ)، فأصاب النبأ جرحًا في القلب غائرًا، وتحسرًا في النفس وافرًا، على انفراط عِقد العلماء، وذهاب العلم بذهابهم، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبِض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا))؛ متفقٌ عليه.
آهًا على الأعلامِ كيف تغيَّبوا. وأتى الذين حياتُهم لا تنفَعُ
ما قيل ما قد قيل إلا أنَّه. خلَتِ الديارُ فليس إلا بَلْقَعُ
نعم، لقد غيبت مقبرة أبي نصير سبعة عقودٍ أو يزيد من العطاء المثمر، والسيرة العبقة، وجليل المآثر والفضائل في سماع وتعليم الحديث النبوي، والدعوة إلى الله تبارك وتعالى.
أما سيرته وأخباره العلمية، فأقتطف منها نبذًا[1]:
وُلِد الشيخ- رحمه الله - في مدينة (الميادين) سنة (1938م)، وهو ينحدر من أسرة شريفة، ينتهي نسبها إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما، وبهذا النسب الشريف اتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم نسبًا، وبتحمله الحديث اتصل علمًا.
الدراسة، والتكوين:
درس الابتدائية في مسقط رأسه (الميادين)، ثم في (دير الزور) المرحلة المتوسطة، وبعدها دار المعلمين بـ: (حلب) التي تخرج فيها سنة (1959م)، ثم تحصل على الثانوية العامة سنة (1962م)، وفي هذه الفترة عين معلمًا في مدارس بلده، ولم يقف طموحه عند هذا الحد؛ فالتحق بجامعة دمشق، كلية الشريعة، وتخرج فيها سنة (1967م)، وبعد معوقات كثيرة ارتحل إلى (باكستان)، ليكمل دراسة الماجستير في همة عليـةٍ، ورغبةٍ في العلم والتحصيل.
وفي سنة (1977م) انتقل إلى (مكة المكرمـة)، وأكرمه الله بالتدريس في الحرم المكي ست سنوات حتى عام (1982م)، وكان كرسيه في منطقة الشامية من الحرم، مقابل ميزاب الرحمة، الذي درس عليه الآداب الشرعية، والتفسير، كما درس - في نفس الفترة - الحديث في ثانوية تحفيظ القرآن الكريم بـ: (مكة المكرمة) ثلاث سنوات ونيف.
وفي أوائل الثمانينيات انتقل إلى (بغداد)، ومكث فيها بضع سنين، ينهل من علم علمائها والواردين عليها، ثم ارتحل إلى السودان بغية مواصلة دراسته العليا، وبعد ثلاثة عقود من تخرجه من جامعة دمشق، تحصل على الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم بالسودان، وهذا يدلنا على عظم الهمة التي اتصف به شيخنا، ورباطة الجأش، وحب العلم الذي ارتحل لتحصيله رحلات متعددة، يلتقي الشيوخ، ويأخذ عن الكبراء، وكان من سنَّته أنه يكتب ويحقق في كل بلدٍ حل به، وارتحل إليه، ولا أدل على ذلك من تحقيقاته التي خرج جزءٌ منها أثناء إقامته في باكستان، وبغداد، والأردن، وغيرها.
ولعل رحلته إلى لاهور أميزها، وأنفعها، وأكثرها تحصيلًا؛ حيث التقى أكابر العلماء والمحدثين، وتصفح خزانة مخطوطات شيخه العلامة بديع الدين الراشدي السندي، وأخرج من نفائسها جملةً صالحة، لتخرج من ظلمة الرفوف إلى نور الطباعة، ولا تقل عنها رحلته إلى بغداد السلام التي جال فيها جولةً عظيمةً، وأخرج - كذلك - بعض تحقيقاته النافعة هناك، وتميز - رحمه الله - بتفرده وسبقه في تحقيقاته، وكذا بمقالاته الدعوية في الجرائد - خاصة الأردنية منها - والمجلات، ولا سيما في الأخلاق والآداب.
ولم يهمل - رحمه الله - درس التفسير، والحديث، والآداب، في المساجد والمجامع.
مشيخته:
تميَّز الشيخ - لحرصه على لُقْيَا العلماء، وتعدد رحلاته - بكثرة مشيخته، وتنوع أقطارهم، وتباين أجناسهم، منهم[2]:
1- الشيخ الأديب محمود بن عمر بن محمد شريف مشوح (ت1420هـ) رحمه الله، مفتي دير الزور في وقته، درس عليه الفقه الحنفي كعادة أهل بلده.
2- الشيخ الحافظ الإمام أبو عبد الله محمد أعظم بن فضل الدين الجوندلوي (ت 1405هـ) رحمه الله، وهو من أجلِّ من لقيه، أجازه برواية الحديث، وذلك في رحلته إلى باكستان، وشيخنا آخر تلاميذ الجوندلوي أخذًا عنه.
3- العلامة المحدث أبو الطيب محمد عطاء الله حنيف الفوجياني (ت 1409هـ) رحمه الله، قرأ عليه كتاب "فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء" للحافظ السيوطي، وجملة من الأحاديث، وقرأ عليه كذلك جزءًا من كتابه: "التعليقات السلفية على سنن النسائي"، وأجازه.
4- الشيخ المحدث محمد مالك الكاندهلوي، شيخ الحديث بدار الحديث الأشرفية بلاهور، قرأ عليه، واستجازه، فأجازه في رواية الحديث.
5- العلامة المحدث أبو محمد بديع الدين شاه الراشدي السندي (ت1416هـ)، يقول الشيخ رحمه الله: "هذا ليس فقط شيخي، بل هو صديقي وزميلي، كنا ندرس قريبًا من بعضنا في الحرم المكي، ثم التقيت به في السند في (حيدر آباد)، وقرأت عليه، ولدي منه مدا مقاسًا على مد محمد عبدالحق، وهو المسلسل بالإسناد إلى زيد بن ثابت، وهو المد التي كانت تقاس به زكاة الفطر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والشيخ بديع هو الذي أشرف على صنعه، وأهداني إياه، ومع كل المعرفة السابقة شعرت أمامه بأني تلميذ من المرحلة الابتدائية من لطفه وأدبه وأخلاقه وعلمه"؛ اهـ.
6- كما أجازه الشيخ محمد تقي وأخوه محمد رفيع ابنا محمد شفيع - مفتي باكستان.
7- المحدث المسند أبو الفيض محمد ياسين الفاداني (ت 1410هـ): قرأ عليه بمكة "الموطأ" للإمام مالك بن أنس، برواية محمد بن الحسن كاملًا.
8- العلامة الأديب أبو تراب الظاهري - ابن الإمام عبدالحق الهاشمي -: قرأ عليه، واستفاد منه.
9- وكما أجازه شيخنا المحدث عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي، والشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري حفظهما الله.
10- الشيخ المسند المقرئ المعمر حسين بن أحمد عسيران، الصيداوي (ت1426هـ) رحمه الله، الذي نزل (بغداد) في أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، ومكث فيها عقدًا من الزمن، يدرس القرآن الكريم، و"صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"، وبعض كتب الحديث في تكية الشيخ عثمان في (حي الحمراء) بـ: (بغداد)، وكان بيت شيخنا محمد شكور قريبًا منه، فكان يأتيه ماشيًا، فقرأ عليه: القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم من طريق الطيبة، ومن طريق الشاطبية وأجازه بما قرأ، وقرأ عليه كذلك "صحيح البخاري" كاملًا، وهو قرأه على مشايخه كاملًا.
ولسان حاله - رحمه الله - وهو يتنقل بين (لاهور)، إلى (مكة المعظمة)، فـ (الخرطوم)، فـ (صنعاء)، وأخيرًا (عمان البلقاء):
يومًا بحُزوْى ويومًا بالعقيق ويَوْ
مًا بالعُذَيْبِ ويومًا بالخليصاء
وتارةً ينتحي نجدًا وآونةً
شِعْبَ العقيق وطورًا قصرَ تيماء
تلاميذه:
رزق شيخنا السعد في تلاميذه، فتتلمذ عليه ثلة من كبار المشايخ والمحققين، كما نفع الله به عامة طلاب العلم؛ بكثرة دروسه وإتقانه، وعم عطر إسماعه للحديث (مكة)، و(بغداد)، و(عمان)، فقد أقرأ "صحيح البخاري" أكثر من عشرين مرة، وكذا "الموطأ"، ودروسه الماتعة في التفسير، وهو آية في صبره على إلقاء الدروس وتتابعها، فهنيئًا لمن تتلمذ على يديه، ونهل من مورده.
وفي الكتابِ وفي آياته ظهرَتْ
آياته حين يتلوها ويعتبر
وفي الحديث أياديه قد انتشرت
آثارُها وشذا فياحها العطر
ومنهم:
- الشيخ علي بن ياسين المحيمد، كان يلتقي به مع والده العلامة د.ياسين المحيمد في مجلس الشيخ حسين عسيران في (بغداد) في أوائل الثمانينيات، وهو طفل، ثم التقى به سنة (1418هـ) في اليمن، وسمع منه عددًا من المسلسلات الحديثية، وكتب له بخطه على بعض أثبات شيخه الفاداني، والتقى بها ثالثةً في (عمان) سنة (1423هـ)، وناوله الشيخ شكور "السند العالي" لشيخه الجوندلوي، و"منجد المستجيز لرواية السنة والكتاب العزيز" لشيخه الراشدي السندي، وعددًا من الأثبات والمشيخات.
- الشيخ المحقق د.علي بن محمد العمران، والشيخ المسند د.نظام محمد صالح يعقوبي، والشيخ المسند د.عبدالله بن أحمد التوم، والشيخ د.عبدالرحمن الموجان، الشيخ عبدالله بن يحيى العوبل، خمستهم سمعوا عليه بـ: (مكة) كامل "موطأ مالك"، رواية محمد بن الحسن، سنة (1432هـ).
- فضيلة الشيخ أكرم بن محمد زيادة، قرأ عليه، واستفاد منه، وكان الشيخ يخصه ببعض حديثه.
- الشيخ المحقق د.رياض بن حسين الطائي، صحب الشيخ ثلاث سنوات، وقرأ وسمع عليه الكثير، واستفاد منه، ومن عيون مسموعاته عليه: "صحيح البخاري"، و"الموطأ" كاملين، حضر بعض هذه المجالس مجموعة من طلاب العلم العراقيين.
- الشيخ أبو الحجاج يوسف العلاوي، والشيخ إسحاق بن يحيى لبزو، لازماه في (عمان)، وأكثرا القراءة عليه، ومن عيون مقروءاتهم: "موطأ مالك"، رواية الشيباني، قراءة درس ورواية، وكذا نصف "صحيح البخاري" قراءة درس ورواية، والكثير من الأجزاء الحديثية، والمتون العلمية،وصنع له تلميذه العلاوي "ثبت مروياته وأسانيده".
- الشيخ د.حسين العبيدلي من الشارقة: قرأ عليه كامل "صحيح البخاري"، و"الموطأ" برواية محمد بن الحسن.
- الشيخ محمد إبراهيم الفارسي، والشيح حسين الهاجري من دبي، سمعا عليه "الموطأ" كاملًا بالرواية المذكورة.
- ومن (غزة) كاتب السطور - عفا الله عنه - سمعت منه "المسلسل بالأولية" في زيارتي له بمدينة (عمان)، وقرأت عليه: "ثلاثيات البخاري"، وكتاب الحافظ السيوطي "فض الوعاء".
صفاته، وأخلاقه:
مَن خَبَرَ حال الشيخ علم أنه رقيق القلب، قريب الدمعة، وهو مع ذا خفيف الظل، دَيِّنٌ، عابد، يحب بذل العلم، وإشاعة السنة، ومن جميل ما ذكره لي الشيخ يوسف العلاوي عن شيخه: كان - رحمه الله - يركز على المنحى التربوي في مجالسه، ويعلمنا سعة الصدر، وتوسيع المدارك، وكثرة الاطلاع، وكنت لما أخطئ في لفظة يقول لي: أعدها، فلعلي سمعتها خطأً.
ويصفه شيخنا د.رياض الطائي فيما كتب لي: مما رأيته في الشيخ: أنه كان غزير الدمعة، شديد الوجد، سريع التأثر، يبكي لذكر شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، ومآثر الصحابة والسلف، وتأخذه شهقة البكاء إذا ذكر الكرم والشجاعة، وكان لا يملك دمع عينه إذا ذكر موطنه الأول دير الزور، أو بغداد.
قلت له: نسأل الله أن يجمعنا في مجلس حديثٍ في بغداد، لنقرأ عليكم "صحيح البخاري"، فبكى بكاء شديدًا، حتى قلت في نفسي: ليتني لم أتكلم!
ويخبرني الشيخ إسحاق لبزو - وقلبه يكاد ينفطر -: كنت بين يديه من أيام، انتهينا من المجلد الثالث في البخاري وبدأنا في الرابع قراءةً عليه، وأكرمني بتدوين اسمي وتأريخ قراءتي عليه على نسخته الخاصة، والشيخ من صفاته أنه قريب الدمعة، رقيق القلب، دمعت عيناه وتغير صوته أمامنا مرارًا، وكان - رحمه الله - محبًّا للشباب وطلبة العلم، راغبًا في إفادتهم، بل تميز بإفادته طالبات العلم، وانتفع به ثلة من الداعيات.
وكتب إليَّ الشيخ علي المحيمد: زارنا شيخنا في اليمن سنة (1418هـ)، وأسمعني عددًا من المسلسلات، وأجاز الحضور عامة، ثم سهرنا سهرة ودية فانفتح الشيخ بالطرائف المضحكة، فبدأ يأتي بنوادر، ونحن نكاد نستلقي على ظهورنا من شدة الضحك، ومع هذه الروح المرحة كان سريع الدمعة، وكان كريمًا في بيته، جوادًا بماله منذ عرفناه بأوائل الثمانينيات، وكانت زوجته الكبرى أم محمود من خيرة النساء، امرأة صالحة كريمة، كم خدمت من النساء في ولادتهن ونحن في الغربة، فقامت لهن مقام الأخت والأم خير قيام، وباتت بجانبهن الليالي ذوات العدد حتى يبرأن.
صبره وجَلَدُه في التدريس وإسماع الحديث:
يقول الشيخ عن نفسه - وهو في أواخر حياته، وكبر سنه -: (لدي مجموعة من النساء قريبًا من العشرين، كلهن يحضرن درس البخاري)، وقد ختمن عليه - بعدُ - "صحيح البخاري"، وكذا "الموطأ".
ومما يدل على جلده في إسماع الحديث: أن أحد طلاب العلم المدنيين ركب معه الباص من (المدينة) إلى (مكة) ليقرأ عليه، والشيخ يسمع له دون تأففٍ أو تضجر.
ومن طريف ما حدث معه: أن بعض طلاب العلم في (مكة) كانوا يطوفون الشيخ، ويقرؤون عليه أثناء ذلك "الموطأ".
ولمن تعذر عليه الرحلة يفسح له في وقته ليأخذ حظه من السماع، يقول أخي الشيخ د.نادر وادي - من غزة -: كان الشيخ يقرئنا "صحيح البخاري" - عبر الشابكة - وهو ابن ثمانين سنة، يبادر للإقراء بنفسه، نقرأ فنخطئ نقول: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.." فيقول: لا، في نسختي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.." نقول: يكفي اليوم يا شيخنا لعلنا أتعبناك؟ فيقول: "إذا أنتم تعبتم يكفي، أنا ما عندي مشكلة!" رحمه الله، وكتب أجره.
كتبه، وتحقيقاته:
لم يَشْغَلْه التدريس، وإسماع الحديث، وإمامة المساجد عن التحقيق وإخراج التراث في علوم ومعارف مختلفة؛ فعُرِف بتحقيقاته العلمية النافعة التي استفاد منها الباحثون، وطلاب العلم، ومما وقفت عليه من تواليفه، وتحقيقاته:
1- جمع الأحاديث الأربعين في الصلاة والسلام على النبي الأمين،كتبه في بغداد، أواخر سنة 1405هـ.
2- فيض المعين على جمع الأربعين في فضائل القرآن المبين، للعلامة ملا علي بن سلطان القاري (ت 1014هـ)، تحقيق وتخريج، في بغداد سنة 1405هـ.
3- ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق، للإمام الذهبي، قبل 1406هـ،فيه ذكر من أجازه في المقدمـة.
4- ترغيب أهل الإسلام في سكنى بلاد الشام، للعلامة العز بن عبدالسلام، تحقيق وتخريج، قبل 1407هـ.
5- فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء، للحافظ السيوطي، تحقيقٌ وتخريجٌ، في باكستان أوائل سنة 1405هـ،وألحقه بطباق سماعه للجزء على مشايخه.
6- الروض الداني على المعجم الصغير للطبراني في مجلدين، وله طبعتان: الأولى في المكتب الإسلامي، والثانية بعد سنوات في الدار العثمانية مزيدة ومنقحة ومقابلة على نسختين.
7- اللمعة في خصائص الجمعة، للسيوطي، وغيرها من رسائل الحافظ.
ومن الكتب التي توفي قبل أن يتمها: تسديد القوس في تخريج مسند الفردوس، للإمام ابن حجر العسقلاني، وصل فيه إلى قريب الثلث، وهو آخر مشروعاته العلمية.
ثناء الشيخ محمود حمدان عليه:
لما شددت عزم الارتحال إلى (عمان البلقاء) لحضور الدورة العلمية لمركز الإمام الألباني الخامسة عشرة، شعبان، من أشهر سنة (1433هـ)، عزمت على اغتنام كل أوقات الرحلة - حتى أوقات الراحة والدعة - في لقاء علماء الأردن المحروس، والأخذ عنهم، وكان على رأسهم شيخنا الفقيد - عمه الله برحمته - فما كان من الخل الأصفى الشيخ إسحاق لبزو إلا أن ضرب لي موعدًا في دارته المباركة، الدار الأثرية للقراءة على الشيخ.
وما أن وصلنا العبدلي وسط (عمان) حتى طالعنا الشيخ بهيبةٍ ووقار، وهدوءٍ وسكينة قل نظيرها، ترأمه وتألفه من أول وهلةٍ.
وبعد السلام جلس - يرحمه الله - والتففنا حوله، وبعد حديث ماتع له، كان لي شرف القراءة عليه، فقرأت "ثلاثيات الإمام البخاري في صحيحـه"، ثم أخرجت من جعبتي كتاب الحافظ الجلال السيوطي: "فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء" الذي حققه الشيخ وأخرجه إلى حيز الطباعة قبل ما يقرب من ثلاثة عقود، وصار - بعد - في حكم المفقود!
وهذا الجزء خاصةً تميز عن غيره بقراءة شيخنا له على شيخه العلامة عطاء الله حنيف، وشيخه محمد مالك كاندهلوي في (لاهور)، فاتصل السماع في الطبقتين الأوليين، وشرعت - بفضل الله - أعرض أحاديث الكتاب على الشيخ، والشيخ يعلق وينكت بوجيز عبارة، ولطيف إشارة.
ودام المجلس لساعتين، وكأنها - لجمالها - دقيقتان، وبعد هذا المجلس الحافل استأذن الشيخ تاركًا في نفوسنا أثرًا جليلًا، فلله در العلماء، ينطق سَمْتُهم قبل حديثهم!
كان في العلم والشجاعة فذًّا
وهْو في الزهد والعفاف يسودُ
كان بالعُرْف آمرًا لا للحظٍ
وعن النُّكر للعباد يذودُ
كان لله ذاكرًا كل وقتٍ
وعن اللهو والضلال بعيدُ
توقيره العلماء:
كان يَعرف للعلماء قدرهم، ومنزلتهم، وكان يجل شيخ الإسلام، ويقول: رحم الله ابن تيمية الذي صارع الكفر والإلحاد، والبدع والفساد بقلمه، ولسانه، وسيفه، وأنا فعلًا أحبه.
ومن الكتب التي عمل على تخريج أحاديثها "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام، غير أن المنية اخترمته قبل تمامه، ومن العجب أن أثار أحدهم عن الشيخ في حياته تشكيكه في نسبة كتب شيخ الإسلام له، فما كان من شيخنا المياديني إلا أن رد عليه قائلاً: أنا أعتقد أن شيخ الإسلام ابن تيمية له كتب - تأليفًا وإملاءً - ثابتة عنه وفق منهجية التوثيق التي ذكرها العلماء، ونقلوها عنه وأثبتوها له؛ ا.هـ.
وكان يعتد بالإمام الألباني، وينقل أحكامه الحديثية وتخريجاته في مطاوي تحقيقاته قبل أن يعرفه الكثيرون، قبل أزيد من ثلاثة عقود، واستفاد كثيرًا من مكتبة العلامة بديع الدين السندي.
يحدثني الشيخ إسحاق لبزو: كان شيخنا - رحمه الله - محبًّا معظمًا للشيخ الألباني، بل سألته مرة: هل التقيت بالشيخ الألباني، وهل أنت تلميذه؟ فدمعت عيناه، وقال بتواضعه المعهود: الألباني أكبر من أن أكون تلميذًا له.
ومن مواقف الشيخ الألباني معه: أنه في فترة تدريسه في الحرم المكي، غادر الحرم في أحد الأيام سيرًا على الأقدام، فشاهده الشيخ الألباني - وهو بسيارته - فنزل الألباني والسيارات خلفه، وقال له: أحببت السلام عليك ومضى.
فكان الشيخ المياديني يقول: هذه لا أنساها للشيخ ناصر.
ومما يذكر أنهما سُجنا معًا في سجن القلعة بـ: (دمشق) في الستينيات، ومن مواقفه مع الشيخ الألباني في السجن: أنه رأى الألباني ينحني ليصعد على ظهره أحد النزلاء يستعمله كالدرجة ليرقى فوق الحائط! تواضعًا منه في خدمة إخوانه، فما كان من الشيخ المياديني ومن معه إلا أن بادروا بشتى الوسائل إلى جلب الشيخ إلى عنبرهم، والعناية به ورعايته، فكان لتلك الصحبة - وما فيها من المذاكرة والاستفادة من علم الشيخ الألباني - أثرٌ على الشيخ المياديني،رحمها الله، وغفر لهما.
راويًا للحديث، لم يحوج المع
روفَ مِن صدقه إلى الإسنادِ
أنفق العمر ناسكًا، يطلب العِلْ
مَ بكشفٍ عن أصله، وانتقادِ
إن من حسن العزاء أن توفي شيخنا ليلة الجمعة، وكان آخر عهده في هذه الدنيا مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مجلسٍ لإسماع "صحيح البخاري"، قبل وفاته بيوم واحدٍ، ليلة الأربعاء (28/2/1437هـ)، وبلغت القراءة عليه الحديث (٣٠٩٤)، فأهل الصلاح اليوم هم أهل الفلاح غدًا - إن شاء الله، ورحم الله الإمام ابن كثير إذ يقول: "إن الله الكريم أجرى بكرمه أن من عاش على شيءٍ مات عليه! وأن من مات على شيءٍ بعث يوم القيامة عليه!"؛ رحم الله شيخنا، وأعلى ذكره، وأبقى أثره.
ربِّ أسكنه نعيمًا خالدًا
واجعَلِ الغفران فيه ممطرا
وعلى الهادي صلاةٌ ها هنا
وسلامٌ منكَ فاحَا عنبرا
إجازة الشيخ العلامة محمد عطاء الله حنيف الفيوجاني للشيخ د. محمد شكور.
إجازة الشيخ العلامة محمد عطاء الله حنيف الفيوجاني للشيخ د. محمد شكور.
أصداء الرحيل:
جماعة الإخوان المسلمين في سورية تنعى الشيخ محمد شكور إمرير
بسم الله الرحمن الرحيم
قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ".
بنفوس راضية بقضاء الله وقدره؛ تنعى جماعة الإخوان المسلمين في سورية أحد رجالاتها وهو الشيخ الدكتور محمد شكور امرير، أبو محمود، والذي وافته منيته في العاصمة الأردنية عمان، ليلة الجمعة، الحادي عشر من كانون الأول 2015م. الموافق الأخير من شهر صفر 1437هـ.
وقد قضى الشيخ أبو محمود عمره الذي ناهز الثمانين عاما بالدعوة إلى الله تعالى، منافحا عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، حريصا على أمته، مهموما بهمها، مؤرقا لما أصابها؛ حتى أتاه اليقين.
وللشيخ تحقيقات نافعات في علم الحديث النبوي، وتعليقات وحواش على متونه وكتبه الطوال، كما تتلمذ على الشيخ المئات من التلاميذ في أنحاء متفرقة من العالم العربي والإسلامي، أفادوا من علمه، ونشروه بين المهتمين.
رحم الله الشيخ، وأسكنه فسيح جناته، وأنعم عليه بعفوه ورضوانه، وألهم أبناءه وأهله وذويه الصبر والسلوان وحسن العزاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
جماعة الإخوان المسلمين في سورية
غرة ربيع الأول ١٤٣٧
١٢ ديسمبر ٢٠١٥م.
مصادر الترجمة:
١_ ترجمة فضيلة الشيخ محمد شكور امرير: الهادي الهادي .
٢_ ترجمة كتبها الشيخ محمود بن محمد حمدان.
٣_ موقع إخوان سورية.
٤_ علماء من وطني بقلم محمد أديب امرير. ٥_مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1076