منى أحمد جلال الدين حدّاد
منى أحمد جلال الدين حدّاد
محمد علي شاهين
المرأة التي أعطت العلم أهميّة كبيرة في صياغة الفكر الإنساني
(1362/1943 ـ 1434/2013)
رئيسة مجلس العالمات المسلمات، نائبة رئيس مجلس الأمناء في الاتحاد النسائي الإسلامي العالمي، مؤسّسة ورئيسة جامعة الجنان بطرابلس.
ولدت في مدينة طرابلس بشمال لبنان، ونشأت في أسرة متديّنة تؤمن بالعمل العام، وخدمة قضايا الأمّة.
نالت درجة ليسانس في اللغة العربيّة وآدابها في عام 1970، ودرجة الماجستير من جامعة القديس يوسف في بيروت في اللغة العربيّة وآدابها، وشهادة الدراسات المعمّقة في الدراسات الإسلاميّة الحديثة من جامعة السوربون بباريس في عام 1987، والدكتوراه من جامعة السوربون في تاريخ الفلسفة الإسلاميّة عام 1992.
كانت شديدة الاعتزاز بحجابها السابغ وهي طالبة في الجامعة، في فترة ساد فيها الفكر العلماني وانتشر السفور، وأذكر أنّها كانت الفتاة المحجّبة الوحيدة في جامعة بيروت العربيّة في عام 1970.
بدأت تراسل "مجلة المجتمع" لسان حال "الجماعة الإسلاميّة في لبنان" باسم مستعار، وتشارك في نشاط الأخوات التابع للجماعة الإسلاميّة بشكل لافت للنظر، وامتازت عن بنات جنسها بشخصيتها الرياديّة القياديّة في ميادين العمل التربوي، ولم تخلط بين العمل الخيري والدعوي.
تزوّجت من المفكّر الإسلامي الأستاذ فتحي يكن، مؤسّس "جبهة العمل الإسلامي"، فكانت رفيقة دربه وجهاده، وملهمته في أبحاثه ودراساته الواسعة، وكانت وفيّة له بعد وفاته إذ عقدت مؤتمراً لدراسة فكر الداعية المرحوم فتحي يكن بمشاركة كبار المفكرين من أرجاء العالم العربي والإسلامي.
واهتمّت بشؤون المرأة المسلمة فأنشأت "الرابطة النسائيّة الإسلاميّة" عام 1972، وكانت مثالاً يحتذى للمرأة المسلمة في عصر الصحوة.
واتجهت نحو تأسيس المشاريع الخيريّة فكانت "مبرّة الرابطة النسائيّة الإسلاميّة لرعاية الأيتام والمعوّقين وأصحاب الحاجات الخاصّة" 1981، إحدى إنجازاتها.
وسدّت النقص في المؤسّسات الصحيّة فأسّست "جمعيّة الطفل المصاب بالكلى".
بدأت حياتها معلمة في مدارس عكّار الرسميّة، ثم اتجهت لتأسيس مدرستها الخاصّة (جنّة الطفل) في حي أبي سمرة، ثم وجّهت عنايتها لتربية الأجيال وتأسيس المدارس في شمال لبنان، فأسّست "ثانويّة الجنان" 1964، وفتحت آفاق التعليم الجامعي للطلاب العرب عندما افتتحت "جامعة الجنان"، واستقبلت في صرحها الجامعي طلاب البلاد الإسلاميّة فجاؤوها من الآفاق البعيدة لدراسة العلوم الشرعيّة، وهيّأت لهم المجال لتعليم اللغة العربيّة وحفظ القرآن الكريم.
وكانت تحمّل الخريجين المسؤوليّة وتعقد الآمال عليهم، فقالت في إحدى حفلات تخريجهم: "وأنتم يا أبنائي الطلبة، يعلّق ذووكم عليكم كل آمالهم وهم يرونكم في ثوب طالما حلموا أن يروكم به، هو ثوب زفافكم إلى العلياء والمكرمات، وقد نلتموها بفضل سهرهم ومحبتهم لكم أولاً، ثم بفضل جدّكم واجتهادكم وإحساسكم بالمسؤولية، فلا تخيبوا آمالنا وآمالهم فيما ترومون إنجازه وتحقيقه، فمعكم من الحضور المجتمعي والخبرة العملية ما تبزون به أقرانكم، لا لشيء إلا لأنكم اخترتم الصواب بانتمائكم إلى هذا الصرح العلمي."
أعطت العلم أهميّة كبيرة في صياغة الفكر الإنساني فقالت: "يساهم العلم بتشكيل العقل بدرجة كبيرة، وعن طريقه تُزرع الأفكارُ والعلوم الأساسية في عقل الإنسان "طالب العلم"، وبواسطته يربى الفرد على السلام أو الحرب، على الرذيلة أو الفضيلة، كما يتم من خلاله اكتسابُ المعرفة، وتتكون الميول والاتجاهات تجاه كثير من قضايا الحياة وشؤونها، أضف إلى ذلك ما للتعليم من دور هام في بناء القيم، وترسيخ المعتقدات، وصقل المهارات المختلفة، والتعاطي العام مع كل أمور الإنسان الذاتية والمجتمعية.
لذلك فإن التعليم، ونظراً لأهميته وتأثيره الكبيرين، يحتاج إلى أخلاقية عالية، واحتراف أكيد، ونشاط دؤوب، وإيمان بهذه الرسالة التي سار عليها الأنبياء من قبل فكانوا الهداة المهديين، يعلمون الناس الخير ويدعونهم إليه".
وحذّرت من دعوى المطالبة بتعديل المناهج التعليمية، الآتية من الخارج، ووصفتها بأنّها "كلمة حق أريد بها باطل، ذلك أنه ليس المقصودُ منها رفعتنا ورقينا ثقافياً واجتماعياً، وتقدمِنا صناعياً وتجارياً، فهذه الأمور غدت حكراً على الدول المتقدمة، كما أن القوة النووية هي حكر على النظام الصهيوني، فهل يحق لنا مثلاً أن تُوَرّدَ لنا هذه الدولُ المتقدمة خفايا وأسرارَ الصناعات الحديثة، بل مكوّناتِها في الحد الأدنى؟ أبداً وكلا، وإنما المراد جزءٌ محددٌ بذاته يودّون استئصاله بدعوى أنه تحريضٌ على الإرهاب واغتيالٌ للآخر أياً كان، إن هذه الحالة الطارئة تستوجب رصّ الصفوف وتوحيدَ الرؤى وتحديدَ المنطلقات لمواجهتها، فنحن بحاجة ليس إلى تعديل المناهج فقط، بل إلى إصلاحها ولكن من الداخل، وشحنِها بكل ما هو علمي وحديث، وأن نخلي بين طلابنا وإبداعاتهم، فطفلنا لا ينقصه إدراكُ الطفل الياباني ولا ذكاءُ الطفل الألماني، ولا عبقريةُ الطفل الأمريكي، بل إن هناك إحصاءاتٍ تبين مدى سوءِ المناهج الأمريكية التعليمية وحاجتِها إلى الإصلاح.
أما إذا كان المراد بترَ ما في مناهجنا، من قيمٍ وأخلاقٍ وعزةٍ وأخوةٍ وحواراتٍ وخشوعٍ وخضوعٍ وعبادة، إلى آخر هذه المنظومة من المعاني الشريفة التي ترتكز على الدين، من أجل أن نزرع في جسمنا جسماً غريباً عنه، ذا سجل سيئ، فهذا ما نرفضه إن لجهة حقوق الإنسان أو لجهة حقوق الشرائع السماوية جميعاً".
وكانت تعتبر اللغة العربيّة لغة مقدّسة، فوجّهت عنايتها نحو لغة القرآن، وقد بدا هذا الاهتمام واضحاً في مناهج تعليم اللغة العربيّة التي تدرّس في مؤسّساتها التعليميّة، والارتقاء بالفنون الأدبيّة، وأنشأت "مركز تعليم اللغة العربيّة لغير الناطقين بها 1990، و"دار الجنان لتحفيظ القرآن الكريم" 1989، وافتتحت بالجامعة قسم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والحديث الشريف، وكلّفت به الدكتور زغلول النجار، ورعت فعاليات مسابقات "جماليّة الخط العربي"، وتحدثت عن أهمية الخط العربي وخطر الحاسوب فقالت: "إنّ من يدعي أن فن الخط العربي يواجه خطر الحاسوب مخطئ، فالحاسوب عاجز حتى الآن عن محاكاة أسلوب الخط الديواني كما يخطه الخطاطون، ولا ندّعي أنّ الحاسوب غير مهم، لكنه ليس بديلاً عن أنامل الإبداع البشري، وسيظل الخط هو تاريخ الأمة وتراثها وناقل معرفتها وحضارتها".
وألقت المحاضرات العلميّة على مدرج جامعة الجنان وغيرها من الجامعات، وقامت بزيارات وجولات لمراكز البحث والثقافة في البلاد العربيّة، وكان لها حوارات ومشاركات فعّالة في المنتديات الفكريّة.
ألّفت كتاب: (أبناؤنا بين وسائل الاعلام وأخلاق الإسلام) 1982، وشاركت في تحقيق مخطوطات حكمت شريف، صدر منها (تاريخ طرابلس منذ أقدم أزمانها وحتى عام 1323هـ.)، وشاركت في تأليف كتاب (البيريسترويكا من منظور إسلامي) ولها تحت الطبع كتاب موجه للمرأة بعنوان (أنت مشروع الأمة الحضاري)، ولو جمعت محاضراتها ومقالاتها لبلغت عدّة مجلّدات.
وبعد حياة حافلة بالعطاء وجلائل الأعمال ودّعت عالمنا الحزين الأخت الفاضلة منى حداد يكن يوم 11/4/2013 في مدينة طرابلس الشام، وصلّي على جثمانها الطاهر في الجامع المنصوري الكبير، وكانت جنازتها يوماً مشهوداً من أيّام طرابلس الفيحاء.
________________________________________________________
(1) جامعة الجنان، السيرة الذاتيّة للأستاذة الدكتورة منى أحمد جلال الدين حداد. (2) مؤتمر كلمة سواء، الجلسة الأولى، "الإصلاح من خلال مناهج التعليم"- الدكتورة منى حداد يكن.(3) شبكة الدعوة، الدكتورة منى حداد : "أردنا من خلال مسابقة جماليات الخط العربي أن نكرّس إضاءتنا المتكررة على هذا الفن". (4) صيداويات 25/9/2012 حفل تخريج "الدفعة الحادية والعشرين" من طلاب جامعة الجنان.