شارل مارسيال لافيجري
العنصري المتطرف
محمد فاروق الإمام
الكاردينال شارل مارسيال ألمان لافيجري، هو كاردينال فرنسي ولد في ببايون بالبيرني الأطلنطية في 31 تشرين الأول عام 1825م ، عمل أستاذ تاريخ بجامعة السربون بباريس فيما بين 1854 و1856م. ثم اتجه إلى سورية لمساندة الحركة التبشيرية عن طريق التعليم. ثم احتل خطة أسقف بمدينة نانسي الفرنسية سنة 1863م.
انتقل إلى الجزائر سنة 1867م حيث أصبح كبير أساقفتها واهتم بالتبشير فأسس سنة 1868م جمعية المبشرين بالجزائر التي تعرف باسم الآباء البيض، وأسس في السنة الموالية جمعية الأخوات البيضاوات، وكان يهدف بعمله تحويل مسلمي الجزائر إلى الديانة المسيحية، معتبراً الجزائر باباً نحو القارة الإفريقية التي أرسل إليها بالفعل عدداً من البعثات التبشيرية. وهو ما جعله يسمى جاثليق إفريقيا.
التفت إلى تونس منذ سنة 1875م، جاعلاً من التعليم مقدمة لعمله في محاولة لتمهيد البلاد لما سيقوم به الجنود والدبلوماسيون الفرنسيون فيما بعد، فأسس قبيل انتصاب الحماية معهد القديس لويس الذي سيتحول بعد الاحتلال الفرنسي للبلاد إلى معهد القديس شارل ثم ليسي كارنو. كما قام بإحياء كنيسة قرطاج القديمة ومنحها اسم كنيسة القديس لويس. وفي سنة 1882م سمي كاردينالا. وتوفي بمدينة الجزائر في 17 تشرين الثاني عام 1892م. ونقل جثمانه إلى تونس على باخرة لوكوسماو, وفي قرطاج دفن في كاتدرائية سان لويس التي بناها بنفسه.
في تقرير وجهه إلى الخارجية الفرنسية قبيل احتلال تونس (24 نيسان عام 1881م) كتب متحدثاً عن التجربة الفرنسية بالجزائر منتقدا التخلي عن الإداريين العسكريين: "لقد تعجلنا كثيراً، طاعة لساسة الشارع، في إحلال متصرفين مدنيين محل المتصرفين العسكريين. صحيح أن 'المكاتب العربية' لم تكن على خير ما يرام. لكنها كانت تملك، في نظر الأهالي الذين يؤمنون بأن القوة هي كل شيء، هيبة سيوفها وهيبة القوات الموضوعة تحت تصرفها، لقد عوضنا أولئك الضباط بمتصرفين مدنيين، أغلبهم غير أكفاء وليس لهم أي شيء مما يهابه العرب... وعن كل هذا نتج أن أهالي الجزائر، الذين أغضبهم النهب الذي يسلط عليهم من جهة، والذين لم يعودوا يحسون بيد قوية تحكمهم من جهة ثانية، أصبحوا على استعداد للأعمال الأشد تطرفا".
أما عن تونس، فقد كتب في نفس التقرير داعياً إلى عدم إلحاقها المباشر إلى فرنسا تفادياً لخسائر مماثلة لتلك التي حدثت في الجزائر، وإنما الاكتفاء بنظام حماية عليها: "ولذا فأنا لا أتردد في القول بأننا إذا ما تركنا أنفسنا ننجر في هذه اللحظة نحو إلحاق كلي للإيالة، مهما كان الدافع لذلك، فإننا سنكون ارتكبنا غلطة سياسية فادحة. وفرنسا لا يمكنها أن ترتكب هذه الغلطة، ويجب عليها ألا ترتكبها. يجب عليها أن تقتصر على الحماية الحقيقية التي تعطيها النفوذ الضروري لإعداد المستقبل، والتي بحفاظها الظاهري على حاكم مسلم على رأس البلاد، تسمح لها بفرض إرادتها مع إخفاء يدها، ودون أن تهيج العصبية العربية".
تخليدا لذكراه قامت السلطات الاستعمارية في الجزائر بتسمية مدينة باسمه، لكن بعد الاستقلال سميت باسم جندل وهي تابعة إدارياً لولاية عين الدفلى.
أما في تونس العاصمة فقد أقيم له بمناسبة مئوية ولادته سنة 1925م تمثال في مدخل المدينة العربية وهو يحمل بيسراه الإنجيل وبيمناه يركز الصليب وهو ما أثار احتجاجات واسعة ومظاهرات شارك فيها مئات الطلبة الزيتونيين. فألقي القبض على عدد منهم ونفي البعض الآخر إلى مواطنهم. ومباشرة بعد الاستقلال سنة 1956م تمت إزاحة هذا التمثال من موقعه.