جمال البنا
جمال البنا
محمد فاروق الإمام
شيع في مصر الأربعاء 30/1/2013م جثمان الباحث في الفكر الإسلامي، جمال البنا، الشقيق الأصغر للإمام الراحل حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، عن عمر 93 عاما، كان خلالها من بين المفكرين الأكثر إثارة للجدل بأفكاره التي وصفت بأنها "متحررة وليبرالية" وتخالف بشكل واضح تعاليم الجماعة التي أسسها شقيقه.
وأفكار جمال هذه ورفضه الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين ببداية تأسيسها دفعت الإمام حسن البنا إلى أن يقول له: "أنت تكدح في أرض صخرية صلدة، ونحن لدينا حدائق تثمر أشجارها فواكه تتساقط وتحتاج لمن يلتقطها".
ومنذ ذلك الحين، والبنا الصغير، يواجه رفاقه بآرائه الجريئة والمعارضة، التي أثارت عليه جدلا كبيرا، كان يرى أن جماعة الإخوان مهادنة "أكثر من اللازم" مع الحكام، ورغم خلافه مع حسن البنا، إلا إنه لم ينكر عليه "معجزته" التي مكنته من تأسيس جماعة إسلامية تمتد جذورها لربوع العالم.
ويختلف الأكاديميون حول تصنيف البنا، إذ يرى الإسلاميون أنه مفكر ليبرالي، في حين يصنفه الليبراليون من بين المفكرين الإسلاميين، فقد عرف بكتابه الأول "ثلاث عقبات في الطريق إلى المجد" الصادر عام 1945، غير أن مؤلفاته تجاوزت 150 كتابا في مواضيع سياسية ودينية مختلفة، إلى جانب مقالات صحفية عديدة.
ويعتبر كتاب البنا الأخير ""نحو فقه جديد"، من بين أبرز أعماله، إذ خرج فيه بـ"اجتهادات" جديدة.
وعرف البنا بالكثير من الآراء المثيرة للجدل، بينها رفضه صدور الطلاق عن الزوج منفردا، إذ اشترط موافقة الزوجة على ذلك باعتبار أن عقد الزواج نفسه نشأ بموافقتها، وذلك في مقال كتبه بصحيفة "المصري اليوم" عام 2008.
وكان للبنا في العام نفسه رأي آخر مثير للجدل، إذ أباح القبل بين الجنسين، معتبرا - في مقابلة تلفزيونية - أن القبل من الذنوب الصغيرة التي تعتبر من "اللمم" ويمكن التجاوز عنها بحسنات تمحوها.
كما كان للبنا رأي شكل مفاجئة كبيرة للعديد من المتابعين للأفكار الدينية، إذ ذهب إلى جواز إمامة المرأة على الرجال، إذا كانت أعلم منه بالقرآن.
ولد جمال فى المحمودية من أعمال محافظة البحيرة (تبتعد عن الإسكندرية 50 كيلو) فى 15/12/1920 من أسرة نابهة عرفت بعلو الهمة، فوالده هو مصنف أعظم موسوعة فى الحديث (مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى) فى 24 جزءًا، وشقيقه الأكبر هو الإمام الشهيد حسن البنا المرشد المؤسس للإخوان المسلمين .
عكف منذ طفولته على الاطلاع بحيث تزود بحصيلة ثقافيـة غزيرة، وبعد أن أتم دراسة الابتدائية ودخل المدرسة الخديوية الثانوية. حدث شجار بينه وبين أستاذه فى اللغة الإنجليزية وهو إنجليزى، فترك الدراسة غير آسف، واستكمل دراسته بوسائله الخاصة.
واصل جمال البنا مطالعاته، وأصدر كتابه الأول سنة 1945 وهو عن الإصلاح الاجتماعى، وفى العام التالى (1946) أصدر كتابه "ديمقراطية جديدة" الذى تضمن فصلاً بعنوان "فهم جديد للقرآن" استعرض فيه فكرة المصلحة كما قدمها الإمام الطوفى، وانتقد الموجة الحماسية لدى بعض الدوائر بفعل نجاح دعوة الإخوان المسلمين وقال: "لا تؤمنوا بالإيمان .. ولكن بالإنسان" وهذه الملاحظة لا تزال أحد معالم دعوة الأستاذ جمال البنا فى الإحياء الإسلامى.
فى عام 1952 أصدر "مسئولية الانحلال بين الشعوب والقادة كما يوضحها القرآن الكريم" كما أسس (1953 ــ 1955) الجمعية المصرية لرعاية المسجونين، وحققت الجمعية ثورة فى إصلاح السجون، وأدت إلى مجابهة بينه وبين السلطات.
عندما قامت حركة الجيش فى مصر بقيادة عبد الناصر فى 23 يوليو سنة 1952 بدأ الأستاذ جمال البنا فى كتابة كتاب باسم "ترشيد النهضة" ارتأى في الفصل الأول أن هذه الحركة هي انقلاب عسكرى وليس ثورة، وما أن اطلع الرقيب على ذلك حتى أصدر أمرًا بمصادرة الكتاب، وأخذ كل الملازم المطبوعة، وبهذا التصرف تأكد جمال البنا من أن الحركة ذات طابع ديكتاتورى، وأن لا فائدة من محاولة تقدم الرأى والمشورة.
عني الأستاذ جمال البنا خلال الحقبة الناصرية المعادية للاتجاهات الإسلامية بالحركة النقابية، فأصدر وترجم الكثير من الكتب والمراجع التى نشرتها منظمة العمل الدولية بجنيف والجامعة العمالية بمدينة نصر والدار القومية.. كما حاضر بصفة منتظمة فى معهد الدراسات النقابية منذ أن تأسس سنة 1963 حتى سنة 1993 عندما انتقد التنظيم النقابى القائم.
وقد كان آخر كتبه النقابية عن (المعارضة العمالية فى عهد لينين) الذى كتبته مدام كولونتاى، فقام بترجمته والتعليق عليه.
فى سنة 1981 أسس جمال البنا الاتحاد الإسلامى الدولى للعمل ، وكانت منظمة العمـل الدولية قد استعانت به فى عـدد من الترجمات ، كما استعانت منظمة العمل العربية كخبير استشارى.
وبحكم هذه الصفات نظم شبكة من العلاقات بقيادات اتحادات ونقابات فى كثير من الدول الإسلامية. وفى 1981 دعا معظمها للاجتماع فى جنيف خلال انعقاد مؤتمر العمل الدولى بها، وفى هذا الاجتماع تأسس الاتحاد الإسلامى الدولى للعمل من مندوبى اتحادات عمالية فى الأردن والمغرب وباكستان والسودان وبنجلاديش.
وللاتحاد مكتب فى كوالامبور وآخر فى الرباط.
مع السبعينات وملاءمة المناخ للعمـل الإسـلامى بدأ الأستاذ جمال البنا كتاباته التى كان أولها "روح الإســـلام" و "الأصــلان العظيمان: الكتاب والسُنة"، وعددًا آخر من الكتب لا يتسع المجال لها.
ابتداء من 1990 شغل بإصدار كتابه الجامع "نحو فقه جديد" فى ثلاثة أجزاء الذى دعا فيه إلى إبداع فقه جديد يختلف عن الفقه القديم، ولا يلتزم ضرورة بالتفسيرات، أو علوم الحديث.. الخ، أو أصول الفقه، وصدر الجزء الثالث عام 1999.
أثار الكتاب ضجة كبيرة ودعا بعضهم لمصادرته، ولكن المسئولين تنبهوا إلى هذا سـيذيع دعوته فمارسوا مؤامرة صمت إزاءه، رد عليها جمال البنا عام 2000 بإعلان تأسيس "دعـوة الإحياء الإسلامى" التى ضمنها خلاصة فكره الإسلامى والسياسى والثقافى.
فى سنة 1997 أسس بالمشاركة مع شقيقته السيدة فوزية "مؤسسة فوزية وجمال البنا للثقافة والإعلام الإسلامى"، وتبرعت السيدة فوزية بقرابة نصف مليون جنيه للمؤسسة مكنها أن تؤدى دورها فى غنى عن السؤال.
ولما كانت زوجة الأستاذ جمال البنا قد توفيت سنة 1987 ولم يتزوج بعدها، فإنه حول شقته إلى مكتبة تحمل اسم المؤسسة. وتضم المكتبة قرابة خمس عشر ألف كتاب عربى، وثلاثة آلاف باللغة الإنجليزية، كما تضم مكتبة والد الأستاذ جمال وشقيقه الأستاذ عبد الرحمن، والكثير من تراث آل البنا، والأصول الخطية لكتب الشيخ البنا، وقد زودت المكتبة بقاعة إطلاع وآلة تصوير ووحدة كمبيوتر.
بالمكتبة 15 ألف كتاب عربي وثلاثة آلاف كتاب إنجليزي وبها قسم للدوريات يضم 150 مجلة، وبعض الموسوعات والمجموعات القديمة لصحف الإخوان المسلمين من سنة 1936، وأوراق خطية للإمام الشهيد حسن البنا، والكثير من وثائق الإخوان المسلمين، فضلاً عن جذاذات من الصحف، ومسودات وأصول كتب للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا ولجمال البنا.
استطاع الأستاذ جمال البنا بفضل تفرغه للكتابة أن يصدر أكثر من مائة كتاب (منها قرابة عشرة مترجمة) وهو يكتب بتمكن وأسلوب سهل، وإن كان له طبيعة فنية، وقد أصدر كتابًا من ثلاثمائة صفحة عن "ظهور وسقوط جمهورية فايمار" كما تعد كتبه عن "الدعوات الإسلامية" من المراجع الرئيسية لما توفر له من صلات ومراجع.
أن دعوة الإحياء الإسلامى رغم أنها قوبلت بتعتيم إخبارى أريد به عدم التعريف بها، فإنها شقت طريقها ليس فحسب فى مصر والدول العربية، ولكن أيضًا فى الخارج حيث أصبحت محل اهتمام الهيئات الدولية والجامعات، وهي لا تهدف لتكوين حزب أو جماعة، ولكنها تريد أن تقدم رؤية حرة للإسلام يُعد كل من يؤمن بها مالكا لها أو شريكاً فيها.
السطور التالية تحمل أسرارا كتبها جمال البنا بنفسه .. عن حياته .. عن أسرته وعلاقته بوالده وشقيقه الأكبر.. وعن مشوار "عقله" في كل محطات الحياة.
كانت علاقة جمال البنا بشقيقه الأكبر حميمة بما فيها من "جدلية" نشأت من اختلاف الطبائع بينهما، ويقارن جمال بين حياته وحياة أخوه الذى كان الأكبر وحظى بحب أبويه وتربى فى الهواء النقى بالقرية كما تمتع بصحة جيدة، بينما على العكس عانى "جمال" من غياب كل ذلك وقد شهد صباه في حواري القاهرة.
ورغم شهرة جماعة الإخوان المسلمين لم يتحمس الشقيق الأصغر للإنضمام إليها، وكون حزبه الخاص، الذي ما برح أن فشل بعد عامين من التأسيس. مع ذلك ظل حسن البنا مهتما بأمر شقيقه، ويوكل إليه مهمة متابعة مطبعة الجماعة ليكتسب منها خبرة، وهو ما وافق عليه البنا الصغير لرغبته في أن يصير كاتبا.. وقد تحدث بعض رفاق جمال في المطبعة مع أخيه الأكبر عن أنه يترك الصلاة وينشغل بالعمل، فكان رده: "اتركوه وشأنه".
تأثر جمال بوالده الراحل أحمد حسن البنا الساعاتي، عالم الحديث، والذي خصص 35 عاما من حياته يكتب سيرة بن حنبل، وأعجب البنا أيما إعجاب بفكر والده الذي يميل لفقه السنة وليس "فقه المذاهب" الذي يؤسس للتفرقة بين المسلمين، وكذلك صفاته العصامية، وسيعهد البنا فيما بعد بكتاب لتخليد ذكرى والده وشقيقه الأكبر باسم " خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه" جمع فيه قرابة عشرة خطابات أرسلها حسن البنا إلى والده يبدأ أولاها سنة 1926 ــ أي قبل التخرج ــ وآخرها سنة 1945، وهي خطابات شخصية جدًا، ولكن جمال البنا وجد فيها شيئـًا يستحق أن ينشر ويعلن.
عن رؤية الدين لدى والد البنا وشقيقه قال: " كان الإسلام لدي الشيخ أحمد البنا و حسن البنا شيئاً غير الإسلام الشائع " إسلام المذاهب " الذى يدعو له الأزهر"، الذى حد قوله يفرق المسلمين، وأن الإسلام كان بعيدا عن الحياة العامة، وعلى حد قوله أضفى كل منهما من فهمه للإسلام صفة الموضوعية، والأصالة، وإغفال الاختلافات المذهبية الصغيرة، وإعمال العقل والفكر.
كما أصدر جمال البنا كتابًا بعنوان "ما بعد الإخوان المسلمين" عرض فيه لعمل حسن البنا، ودوره التاريخي ومواقفه وسياساته التي لا يمكن أن تفهم على حقيقتها إلا في ضوء ما بينه من ملابسات، ودافع عنه وبرأه مما يرميه به البعض ممن لا يلم بما ألم به جمال البنا.
الغريبة أن جمال البنا كان ينظر لحياة الجامعة والعمل وتكوين الأسرة كما لو كانت حياة برجوازية، وفضل أن يسير بطريق مغاير..
انتهت علاقة جمال البنا بشقيقه الأكبر عندما اعتقل يوم 8 ديسمبر سنة 1948، وظل بالمعتقل حتى سنة 1950، فلم يحضر الأيام المأساوية الأخيرة لشقيقه، ولا كيف استشهد، ولا كيف خرجت جنازته لا يسير معها إلا الوالد وسيدات الأسرة ، فقد كان بعيدًا جدًا عن القاهرة.
كان الدرس الذي استفاده جمال البنا في الأيام الأخيرة له في صحبة الإمام البنا أن الداعية إما أن يكون منظمًا، وإما أن يكون منظرًا، وأن الجمع بينهما ينتهي بالفشل، وأن حسن رغم قدرته التنظيمية لم يستطع ان يكون نظرية محكمة، ورأى أن النظرية تتطلب تركيزًا تامًا قدر ما تتطلب "عمرًا" تنضج فيه "النظرية".
فقال جمال: انعكس هذا النقص على فعالية التنظيم الإخواني باستثناء بعض الجوانب التربوية، مع إن فكرة حسن البنا عن الإسلام كمنهج حياة كان يمكن أن تكون قاعدة لنظرية شاملة تتناول مواقف الإسلام من كل ما يعتور المجتمع أو يؤثر فيه أو عليه.
وكان جمال البنا بطبيعته نقيض الإمام البنا وانتهى إلى ضرورة الاكتفاء بالتنظير، دون أن يعني بالتنظيم، وتعمقت هذه الفكرة في ذهنــه إلى درجة جعلته يرفض تكوين مؤسسة من أي نوع تضم شمل المؤمنين بدعوة الإحياء.
والد جمال البنا أسماه بجمال تيمنا بجمال الأفغانى وعندما ولد كان ضعيفـًا فلم يتمكن من اللعب كباقى الأطفال ، فانطوى على نفسه، وكان المتنفس الوحيد له هو القراءة ، فكان والده يأخذه معه وهو طفل صغير إلى مكتبته، حافلة بالمجلات والصحف فكان يقلب فيها ويقرأها، وفى بداية عمره قرأ بتلك المجلات عن منيرة ثابت كانت أول من دعا إلى منح المرأة حق الترشيح لمجلس النواب، وقرأ فيها رواية عن "قمر بني إسرائيل" تصور مصر في عهــد ظهور موسى و روايات أخرى مترجمة، بالإضافة للكتابات السياسية.
وقال البنا أن والده صاحب مجلد بن حنبل كان يجلد تلك الروايات ويحتفظ بها قائلا: هذا هو أحد أسرار هذه الشخصية الفريدة ، وهي سر تأسيس ثقافي مدني وأسلوب حر سبق مرحلة المسند ، فضلاً عن سعة الأفق وانفتاح الرؤية.
وقضى جمال طفولته في مكتبة والده حتى وفاته، فعندما مرض والده فى نهاية حياته كلف جمال البنا بإتمام المسند، وهو من اعتنى بمكتبته بعد وفاته، وواصل طباعة أجزاء والده ال 22عن ابن حنبل كتاب " الفتح الربانى " وأوصلهم إلى 24 جزء.
وظل جمال حتى آخر حياته محتفظا بما تبقى من مجموعة والده من الكتب والمجلات التى لم تتلف من الرطوبة وكان منها مجموعة من أعداد جريدة "الإخوان المسلمين" اليومية.
قرأ جمال البنا فى الادب الغربى؛ قرأ لـ تولستوي وديستوفسكي وأندريه جيد وغيرهم، وبعدها انتقل إلى الأدب الشعبي مثل ألف ليلة وليلة وذات الهمة وسيف بن ذي يزن التي أعجب.
بالنسبة للشعر فإنه قرأ المعلقات وقرأ "المنتخب في أدب العرب"، ديوان المتنبي والشوقيات بأجزائه الثلاثة.
وقرأ في الأدب العربي لطه حسين والعقاد وهيكل وتوفيق الحكيم ولكنه لم يعجب بأسلوب طه حسين ولا بأسلوب العقاد، وكان في طبع جمال البنا ككاتب عرق فني جمالي، فأعجب بأسلوب هيكل وتوفيق الحكيم لأنه عني بالقضية الدينية.
وألم بالأدب والتاريخ الإغريقي، وقد تجاوب مع سقراط وأفلاطون ولكنه شعر بالعزوف عن أرسطو.
ففي الخمسينات والستينات كان يقرأ كتابًا عربيًا كل يوم وكتابًا إنجليزيًا كل يومين أو ثلاثة.
وخلال هذا الطواف الثقافي وقف جمال البنا أمام فئتين هما النساء والعمال وكانتا أكبر فئات المستضعفين والمستذلين، فدرس حركة الفيمنزم في بريطانيا واهتم بقضية المراة والعمال كثيرا وخصص لهم قدر كبير من كتباته.
من هنا توق جمال أن يكون كاتبًا، وأن يجعل من الكلمة المكتوبة أداة كفاحه ودعوته وشجعته، وتحدث جمال على ان قدرته فى الكتابة فاقت قدرته كمحاور و خطيب لأنه ليس لديه قبول ولا سرعة بديهة .
وكان يقول إن أزمته هي: " أنه كاتب في شعب لا يقرأ "، و لكنه ظل يعتقد أن الكتاب يخلد للأجيال القادمة.
قال جمال انه فى دعوته يرفض المهادنة، وأن يتخلى قيد أنملة عما يؤمن به فانتقد فقهاء التقليد، كما انتقد أدعياء التنوير، فخسر الفريقين، وكان هذا الموقف سببًا لأن تتجاهله كل المعسكرات سواء في كتاباتها أو في نشاطاتها لأنه سبق وهاجمها، تيار اليسار والأكاديميين، والمؤسسة الدينية، والحكومة والنظام القائم، فلا يشيرون إليه في كتاباتهم، ولا يدعونه في اجتماعاتهم.
ولم يأس جمال البنا لهذا التجاهل، رأى إنه لم يكن يعمل لهذا الجيل الذي رأى أنه لا يمكن أن يحمل رسالته ، وإنما لجيل آخر ، وقد لا يحدث هذا قبل خمسين سنة أو أكثر عندما "يستكشف" جمال البنا، ويتهيأ المناخ لتقبل آراءه التي رفضتها الأجيال السابقة، وعزاؤه أنه وفر عليها البحث عن نظرية ما كان يمكن لغيره أن يصل إليها بحكم الصفات الخاصة التي توفرت له، من أجل هذا كان ثمـرة عمل جمال البنــا مؤجلة ، أما ثمـرة عمل حسن البنا فكانت ماثلة.
ولجمال البنا العديد من الآراء الفقهية التي يعتبرها بعض العلماء مخالفة لما يرونه "اجماع في الكتاب والسنة".
يرى في أن المرأة لها حق الإمامة من الرجال إذا كانت أعلم بالقرآن كما يرى أن الحجاب ليس فرضا على المرأة وأن القرآن الكريم خص به نساء الرسول محمد، وأن الارتداد من الإسلام إلى اليهودية أو المسيحية لا يلزم عليه حد القتل. وأن التدخين أثناء الصيام لا يبطل الصوم خصوصا لغير القادرين عن الإقلاع عنه.
كما يذكر جمال البنا بأنه لا يجوز للرجل أن يطلق زوجته منفردا، وذلك كونه تزوج منها بصفة رضائية وبالتالي يتوجب الطلاق رضا الطرفين واتفاقهما لكي يتم الانفصال،ويقول بجواز تبادل القبلات بين الجنسين.