مؤيد العتيلي، مبدع آخر يودع الحياة ويرحل
مؤيد العتيلي، مبدع آخر يودع الحياة ويرحل ..!
شاكر فريد حسن
مرة اخرى يفقد المشهد الابداعي العربي مبدعاً جديداً آخر هو مؤيد العتيلي، الشاعر والروائي والناقد والكاتب التقدمي الفلسطيني المقيم في الاردن ، ونائب رئيس اتحاد الكتاب الاردنيين ، الذي عاجله الموت وغيبه ،اثر حادث طرق مؤسف تعرض له على طريق العقبة عمان.
يعتبر العتيلي احد اعلام الشعر والرواية والادب والنضال والالتزام الطبقي على الساحة الثقافية والوطنية والفكرية والكفاحية والحزبية في الاردن . حمل هموم الفقراء ،وكرس حياته وجنّد يراعه في خدمة معارك الدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية . كان مناضلاً ضد كل اشكال وصنوف القهر والظلم والاستبداد والطغيان والتخلف الثقافي ، قابضاً على الجمر ومتمسكاً بالقيم والمثل الانسانية التقدمية ، ووفياً للمبادئ الاممية والشيوعية من خلال عضويته في الحزب الشيوعي الاردني.
والى جانب انشغالاته السياسية ونشاطاته الثقافية وتفرغه للكتابة والابداع ، فقد نشط العتيلي في العديد من المؤسسات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الانسان والحريات العامة ، وشارك في المهرجانات الدولية المناهضة للفقر، والخاصة بحقوق الانسان . كما واشغل منسق البرامج الثقافية في مهرجان جرش السنوي للثقافة والفنون.
الراحل مؤيد العتيلي من مواليد عتيل بمحافظة طولكرم بالضفة الغربية المحتلة ، خرج من رحم امه يوم 13/3/1951،انهى دراسته الابتدائية والتحق بمدرسة عتيل الثانوية ،ثم نزح الى العاصمة الاردنية عمان بعد احتلال الاراضي الفلسطينية في حزيران العام 1967، وهناك اكمل دراسته الثانوية في كلية الحسين ، ثم سافر مع افراد اسرته الى الكويت ، ومن هناك غادر الى الجزائر بعد حصوله على منحة دراسية ، حيث تعلم بكلية الطب لمدة عامين ، ونشط في صفوف الحركة الطلابية الفلسطينية وسافر الى فرنسا والمانيا ، وعاد الى الاردن دون ان يكمل دراسته في موضوع الطب . وفي سنة 1970التحق بالجامعة الاردنية بكلية الاقتصاد والتجارة ، بعدها انخرط في صفوف الحزب الشيوعي الاردني وشارك في نضالاته ونشاطاته السياسية وبرامجه التعبوية والتثقيفية ، كذلك انضم لعضوية الكتاب الاردنيين ، واصبح امين سره ونائب رئيسه حتى وفاته . وفي العام 1976عمل موظفاً في البنك العقاري بعمان ، وخرج الى التقاعد المبكر سنة 2003 ، حيث تفرغ للكتابة والابداع والعمل الثقافي والنشاط الادبي والسياسي والحزبي.
كتب العتيلي الشعر والرواية والمقالة النقدية والمقال السياسي ، ونشر بواكيره الشعرية في صحيفة "الشعب" الجزائرية ، ثم في صحيفة "الرأي " الاردنية وغير ذلك من الصحف والمجلات الاردنية والعربية والمواقع الالكترونية . واثرى خزانة الثقافة الاردنية الوطنية والادب الفلسطيني والعربي الملتزم بمنجزاته ودواوينه الشعرية واعماله الروائية ، ومن مؤلفاته في حقل الشعر :" اينّا عقد المقصلة ، بيان خاص ، نشيد الذئب" . اما في الرواية فله :"ثم وحدك تموت، خيط الرمل ، الكمبرادور ، دوائر الحمر".
مؤيد العتيلي شاعر ملتزم انحاز للفقراء والمظلومين والمقهورين والمسحوقين والمعذبين ، احترق بنار الغضب والرفض ، وتمرد على القهر والظلم والانسحاق ، وغنى للحرية والانسان والشموس والأقمار والأوطان ، وانشد لقضايا امته الوطنية والقومية والمصيرية ، حاملاً الهموم الطبقية والمجتمعية ، مالكاً الرؤية والرؤيا ، وواثقاً من ان الغد سيكون اجمل .
وغني عن القول، ان العتيلي هو احد الاصوات الشعرية النقية في حركة شعر الالتزام السياسي الاردني والفلسطيني ، ارتقى بابداعه وكتاباته ونضاله على الدرب ، الذي مهده المبدعون الملتزمون بقضايا وهموم وعذابات الشعب والوطن ، الذين رفعوا على امتداد الساحة العربية رايات الحق والجمال والنضال والمقاومة ضد كل جور وعسف وظلم وغبن واضطهاد طبقي واستغلال واحتلال ، ومن اجل التقدم ، فغنّوا للانسان حراً حرية شاملة ، وكرسوا نتاجهم الفني والفكري والنقدي بوعي رفيع لللاسهام في معارك التحرير والاستقلال الوطني.
ومن جميل شعر العتيلي هذه القصيدة التي يخاطب فيها شاعر المقاومة والثورة الفلسطينية الراحل محمود درويش ، حيث يقول:
لست نبياً ..
وما كنت يوماً رسولاً ..
ولست ولياً ..
وما كنت حتى صفياً ..
فماذا تكون ..؟!
وكيف اختصرت المسافة ...
بين الولادة والموت..
في قبضة من لهب..؟
وكيف تمدد ظلك مشرقياً ..
من اقاصي الجليل
وحتى النقب..؟؟
وكيف اقمت نشيدك ..
فوق رماد الغضب..؟؟
اخيراً ، موجع هذا الموت والبعاد ايها العتيلي ، ومؤلم هذا الصمت الباكي والفراغ الذي تركته ، فرحيلك وغيابك خسارة للابداع الراقي المغمس بدم الكادحين والفقراء ، صناع الثورة الطبقية الحمراء . فقد كنت شلالاً من العطاء ، وجذعاً اصيلاً من جذوع السنديانة الفكرية ، التي ننتمي اليها ونعتز بها ونفاخر الدنيا بالمواقف الجذرية .
اننا نحني رؤوسنا اجلالاً وتقديراً لك ، وستسجل ذكراك في صفحات التاريخ الادبي الاردني والفلسطيني ، وستظل ذكراك خالدة طيبة في نفوس شعبك وامتك والاجيال الطالعة. والوداع يا شاعر الفقراء والارصفة والشوارع.