القائد البطل الشيخ صالح العلي (5)

يا شباب الثورة السورية الأبطال

هؤلاء هم آباؤكم وأجدادكم الكرام

فاقتدوا بهم ، وسيروا على نهجهم

القائد البطل الشيخ صالح العلي (5)

د. أبو بكر الشامي

ولد القائدالبطل الشيخ صالح العلي عام 1883ميلادية  في قرية المريقب ، إحدى قرى منطقة الشيخ بدر ، في محافظة طرطوس  في جبال الساحل السوري ، والده الشيخ علي سلمان ، وهو شيخ ورجل دين وشاعر وهو من مشايخ الجبل المعروفين.

بدأ الشيخ صالح العلي جهاده ضد الفرنسيين في عام 1918 ميلادي ، مع قيام القوات الفرنسية  في ذلك التاريخ باحتلال الساحل السوري ، حيث دعا إلى مؤتمر لمواجهة الوضع الجديد ، فلبى رسائل الدعوة عدد من فعاليات الجبل والساحل المتنوعة ، وانعقد مؤتمر الشيخ بدر الشهير ، في مدينة الشيخ بدر ، مسقط رأس الشيخ صالح العلي وذلك بتاريخ 15/12/1918 ، وانتهى المؤتمر بانتخاب الشيخ صالح العلي قائداً عاماً للثورة ، والمطالبة بضم الساحل السوري إلى سوريا الداخلية...

ودامت الثورة بقيادته لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة  ، وهي أول وأطول الثورات ضد الانتداب الفرنسي .

تركزت الثورة في الفترة الأولى في جنوب الجبال الساحلية ومركزها مدينة الشيخ بدر، حيث خاض مع الفرنسيين معارك ضارية  ، أشهرها كانت معركة وادي ورور القريبة من الشيخ بدر ، والتي كبّد فيها الفرنسيين خسائر فادحة ...

ثم لم يلبث الفرنسيون أن دخلوا مدينة الشيخ بدر وهي مقر الثورة ، فانتقلت الثورة إلى شمال الجبل العلوي ،  إلى قرية بشراغي(قرية والدته وأخواله من آل علي عيد). وهناك خاض مع الفرنسيين معارض ضارية كذلك ، كان من أشهرها ، معركة عين فتوح - قرية بشراغي ، ومعركة خرايب سالم ، ولهذه القرية تاريخ من الجهاد مع الشيخ المجاهد وقد كان الشيخ يقطنها في كثير من الأحيان ...

ولقد كان الشيخ صالح مقاتلاً عنيداً ، دوّخ الفرنسيين ، وأربك خططهم ، فأصدروا  بحقّه حكم الإعدام الغيابي ، ولكنه ظل متخفيا في الجبل ويناجزهم ،  مما اضطرهم للعفو عنه ، ومحاولة كسب ودّه ، وعرضوا عليه المشاركة في ادراة الجبل ، فرفض قائلاً بإباء وشموخ : (( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار )).

فانتفض الجنرال الذي عرض عليه الأمر غاضبا ، ثم عاد إلى هدوئه وسأله عن سرّ عناده في مقاتلة الفرنسيين ، فأجابه بعبارته الشهيرة الخالدة : ( والله لو بقي معي عشرة رجال مجهزين بالسلاح والعتاد الكافيين لمتابعة الثورة ، لقاتلتكم بهم حتى آخر نفس في حياتي ) ...!!!

وفي محاولة أخيرة لإغرائه عرض عليه الفرنسيون إقامة دولة علوية ، يكون هو رئيسها ، فرفض ذلك أيضاً ، فقرروا وضعه تحت الإقامة الجبرية ، وقامت فرنسا بعد استشارات مع مجموعة من المتحالفين معها في الجبل بترغيب أخيه الأصغر سنا الشيخ محمود العلي ، لتجعل منه بديلاً سياسياً عن الشيخ صالح ، إلا أن الأخ محمود رفض ذلك أيضاً ، فعرّضوه للأذى والتعذيب الجسمي ، الذي سبب له عاهة لازمته حتى وفاته ، وهذا أمر مشهور لدى أهالي مدينة الشيخ بدر حتى الآن .

بعد انتهاء الثورة السورية الكبرى 1925 - 1927 بدأ الفرنسيون  يعدون المواطنين السوريين بالاستقلال ، وبدأت مرحلة صراع جديدة ، ارتكز فيها السوريون على الإضرابات والعصيان المدني ، مما حدا بالشيخ صالح العلي إلى معاودة نشاطه السياسي في بداية الثلاثينات لمقاومة حالة التبشير السياسي-الديني الذي كانت تقوم به البعثات التبشيرية الفرنسية خاصة ، والغربية عموما ، في أوساط المسلمين عامة والعلويين خاصة ، وكذلك في أوساط المسيحيين الأرثوذكس والموارنة ...

ثم توج ذلك النشاط السياسي برفضه القاطع مرّة أخرى لإقامة دولة جبل العلويين، حيث رفض ذلك ووقع مع شخصيات كثيرة من الجبل الوثيقة الداعية إلى ضم الجبل العلوي إلى سوريا الداخلية.

وفي الاستقلال في بداية الأربعينات (1943)عرض عليه في أول حكومة اختيار الوزارة التي تروقه لاستلامها فرفض لعدم قناعته بذلك ، مفضلا النشاط السياسي من خارج الحكومة ، وبعد جلاء آخر جندي من الحامية الفرنسية من اللاذقية ألقى خطاب الجلاء في دمشق ، حيث نزل برفقة صهره الشيخ محمد عيسى إبراهيم في فندق الشرق جانب محطقة الحجاز في دمشق .

ثم لم يلبث أن مرض وتوفي في 13 /4/1950ميلادي .

ومما يؤثر عن هذا الشيخ المجاهد أنه كان ينشد في خلوته بعض الأبيات فيقول :

بني الغربِ لا أبغي من الحرب ثروةً ... ولا أترجّى نيل جاهٍ ومنصبِ

كفاكم خداعاً وافتراءً وخسّةً ... وكيداً وعدواناً لأبناء يعربِ

تودّون باسم الدين تفريق أمةٍ ...  تسامى بنوها فوق لونٍ ومذهبِ

ولكنني أسعى لعزةِ موطنٍ ...  وما الوطن الغالي سوى الأمِ والأبِ

رحم الله الشيخ المجاهد صالح العلي قاهر الفرنسيين ...

وألهم شباب ثورتنا  الأبطال في عيد جلاء المحتل الفرنسي الغاصب ، الاقتداء به ، والسير على نهجه ، حتى تحرير سورية الحبيبة مرّة أخرى من عملاء الفرنسيين .!

وإنها لثورة ترخص دونها الأموال والأرواح حتى تحقيق الأهداف الناجزة ، في الحريّة والكرامة والعزّة ... والله أكبر ، والعزّة للثوار الأحرار ...