إبراهيم ناهل عثمان
البراء كحيل
أمسكَ سلاحهُ المرعبَ ورفعهُ في وجهِ الظالمين والقتلةِ فأرعبَ القلوبَ وجعلَ الفرائصَ ترتعدُ من شدّة فتك هذا السلاح .. إنّه مبضعُ الجرّاح !!!
رغمَ الجراحِ والألمْ .. رغمَ الحزنِ والقهرِ .. رغمَ الخوفِ والرعبِ .. ورغمَ الخطرِ الذي يتهددهُ ..قررَ أنْ يجعلَ حياتهُ نذْراً لإنقاذِ الأرواحِ وعلاجِ الجرحى والمرضى منْ ثوّارِ الحريةِ ..
إنّه إبراهيم ناهل عثمان شابٌ ليس كباقي الشبابِ في زهرةِ العمر وربيعِ الحياةِ وقوّة الشباب وزمنِ الشهوة تركَ كلّ ذلك وراءِ ظهرهِ غيرَ آبهٍ بهِ وقرّر أنْ تكونَ عيناهُ كعينيْ يعقوبَ الرحيم ومبضعهُ كعصا موسى الكليمِ ويدهُ مثلَ كفّ المسيحِ وقلبهُ كقلبِ النبي الكريم .. فنظر بعينيْ يعقوب على الجرحى وفتحَ لهم الأبوابَ المغلقة بعصا موسى ومسحَ على جراحهم بكفّ المسيحِ ورحمهم بعدَ ذلك بقلبِ الحبيب الشفيع ..
إنّه اسطورةٌ بل معجزة انتقل بأجنحةِ جبرائيلَ من حمصَ إلى حماة فدرعا فريفِ دمشقَ رغمَ الحواجز الأمنية ِ والصعوبات , لكنّه تمثّل قولَ ربّه :
"وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ"
علمَ أنّ الله ما علمّه إلاّ لكي يُساعدَ خلقه وما أعطاه إلاّ لكي ينصرَ عباده فسبحانَ منْ يهبُ الحياة على أيدي البشر وينزعها بأيادٍ أخرى ..
شتّان بين تلك الأيدي الطاهرة وبين تلك الخبيثةِ النجسةِ الآثمة , شتّان بين منْ يهبُ الحياةَ للعباد بقدرِ الله وبين منْ يكون سبباً في انتزاعِ هذه الحياة من قلوب البشر بقدر الله كذلك ..
شتّان بين طبيبٍ للبشر وهبَ نفسه وحياته لأجلِ الآخرين وفي سبيل علاج ثوّار الحريةِ حتى ولو قدّم في سبيل ذلك الروح والراحة والأمان , وبين طبيبٍ للعيونِ لا يبصرُ إلاّ القتلَ والإجرام والفتك بالخلق والعباد ..
شتّان بين من سعى لكي تكونَ حياته استمراراً لحياة الآخرين وبين من جعل حياة الآخرين في سبيل بقائهِ على كرسيّ ملوّث بالدماء ..
شتّان بينَ منْ قدّم دمه الطاهرَ لكي يختلط َمع دماءِ أهله وإخوانه ليكونَ هذا الدمُ سبباً في حياتهم وبقائهم , وبين آخر قدّم دماءَ شعبه قرباناً للشيطان كي يبقى عبداً له ورئيساً لشعبٍ ليس له من قلوبهم إلاّ الكره والبغض ..
شتّان بين من عاش في الغابات والجبال وهو آمنٌ مطمئنٌ , وبين ذلك القابع في قصره المنيف لكنّه خائفٌ ذليلٌ خانعٌ يسيطر الرعبُ على قلبه .. إذ حُقّ لمنْ يُرضي الخالقَ والخلقَ ويذر حياته في سبيل خدمة العباد حُقّ له أنْ يعيش آمناً مرتاحَ البال , وكذلك هذا الذي قتلَ وسفكَ ونهبَ واغتصبَ كيف له أن يعيش مطمئناً قرير البال وجثثُ الشهداءِ ودموعُ الثكالى والأيامى واليتامى تلاحقهُ ليلَ نهار ..
شتّان بين من درس الطبّ وهو يعلم أنّه ما درسهُ إلا لكي يستعمله في خدمة خلق الله ورعايتهم وبين ذلك الذي درس الطبّ وهدفهُ من وراء ذلك اقتلاعُ القلوب وتشويه العيونِ والتنكيل بالجثث ..
وكما هي حياتهم في الدنيا شتّان فهيَ في الدار الثانية كذلك شتّان فكيف إذا جُمع الطبيبان يوم القيامة وقال لهما ربّ العزّة والكرامة : ...
"مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"
فيا تُرى ماذا سيكون جوابُ البطلِ إبراهيمَ وجوابُ المجرمِ القاتلِ بشّار ؟؟
أمّا الأولُ فمصيرهُ كما وعدَ الله مع صاحب العينين وصاحب العصا وصاحب الكفّ الرحيم ومع صاحب القلب العطوفِ الحنون ..
والثاني كما وعدَ اللهُ مع صاحبِ المالِ وصاحب الكرسيّ ومع المشهور بالكذب , بل إنّ مصيره مع معبوده الذي تكبّر فما سجدَ حين أمرهُ ربّه فهما في الكفر والإجرام سواءً بسواء ..
أمّا إبراهيم فنقول له : " والله يا إبراهيم إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليحزن وإنّا على فراقك يا إبراهيم ُ لمحزونونَ ولا نقول إلاّ ما يُرضي ربنا (إنّا لله وإنّا إليه لراجعون) "
فيجيب ابراهيمُ علينا بقوله :
"قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ "
فرحمة الله عليك يا إبراهيمُ كلمّا طارَ طيرٌ في السماء وارتفع وكلّما هبطَ إلى الأرض ووقعْ ..