الساعات العصيبة في حياة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها)
الساعات العصيبة في حياة فاطمة الزهراء
(رضي الله عنها)
حازم ناظم فاضل
فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، القرشية الهاشمية. صُغرى بنات النبي (صلى الله عليه وسلم) ، أمها خديجة بنت خويلد(رضي الله عنها). وفاطمة من نابهات قريش وإحدى الفصيحات العاقلات. ولدت سنة ( 18 ق.هـ )، تزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وسنّها ثماني عشرة سنة، وولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب (رضي الله عنهم جميعاً). ولم يكن لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) نسلٌ إلاّ من نسل فاطمة.
قرة عين النبي(صلى الله عليه وسلم) وأحب الناس اليه ، سماها (فاطمة) بإلهام من الله تعالى؛ لأن الله فطمها عن النار . ولقبت بالزهراء لأنها زهرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم). وبالبتول؛ لانقطاعها عن الدنيا ولأن الله تعالى قطعها عن النساء، فضلاً وديناً وحسباً. ومع هذا الفضل الذي تمتاز به سيدتنا فاطمة، كان النبي(صلى الله عليه وسلم) يقول لها: ( يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً).
وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يوصي بعدم ايذائها ، فقد قال عنها(صلى الله عليه وسلم):(فاطمة بضعة مني، فمن اغضبها فقد اغضبني).
وكانت أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (صلى الله عليه وسلم) . تقول عائشة (رضي الله عنها): (ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله من فاطمة). وتقول ايضاً: (ما رأيت قط أحدًا أفضل من فاطمة غير أبيها).
وصفها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بانها خير نساء العالمين، وانها احدى سيدات النساء اهل الجنة الاربع: مريم بنت عمران وفاطمة بنت رسول الله وخديجة بنت خويلد وآسية امراة فرعون. وعاشت على قدرها وشرف نسبها عيشة شظف. ولما علم زوجها عليّ (رضي الله عنه) أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قد جاءه خدم، قال لفاطمة: لو أتيت أباك فسألته خادماً، فأتته... ثم كان من أمرها أنها استحيت ورجعت ولم تكلمه، فلحقها النبي (صلى الله عليه وسلم) وسألها عن حاجتها، فسكتت أيضاً حياءً، فأخبره علي (رضي الله عنه) بحقيقة الأمر، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (والله لا أعطيكما وأدَعُ أهل الصُّفَّة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم) . ثم قال لهما: (ألا أدلكما على ما هو خير من خادم) ، فقالا: بلى، فقال: (كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان في دبر كل صلاة عشراً وإذا أوَيْتُما إلى فراشكما فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين).
وكانت إذا دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته واجلسته في مجلسها .
عن عمران بن حصين(رضي الله عنه) قال: كنت عند النبي (صلّى الله عليه وسلّم) إذ أقبلت فاطمة (رضي الله عنها) حتى وقفت بين يديه فنظر إليها رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) فقال: ادني يا فاطمة فدنت فقامت بين يديه فوضع يده على صدرها في موضع القلادة وفرج بين أصابعه ثم قال: اللهم مشبع الجماعة ورافع الوضعة (أي: لا تجع فاطمة بنت محمد)، قال عمران: فنظرت إليها وقد غلب الدم على وجهها وذهبت الصفرة كما كانت الصفرة قد غلبت على الدم، قال عمران: فلقيتها بعد فسألتها فقالت: ما جعت بعد يا عمران.
ومرت سيدتنا فاطمة(رضي الله عنها) بساعات عصيبة في حياتها عند مرض النبي (صلى الله عليه وسلم) ووفاته ..
عن عائشة (رضي الله عنها) قالت : لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيتها اجتمع عنده جميع نسائه لم تتخلف واحدة منهن وبينما كن مجتمعات جاءت ابنته فاطمة (رضي الله عنها) تمشي لا تُخطئ مشيتها مشية أبيها . فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (مرحباً يا بنتي) فأقعدها عن يمينه ثم سارها بشيء فبكت ! ثم سارها بشيء فضحكت فلما قامت فاطمة (رضي الله عنها) من عند أبيها سألتها عائشة (رضي الله عنها) عن ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) لها فأبكاها ثم أضحكها . فأجابتها قائلة :ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم). فلما توفى الرسول(صلى الله عليه وسلم) قالت عائشة لفاطمة (رضي الله عنهما) : (أسألك لما لي عليك من الحق لما اخبرتيني عن ما سارك به رسول الله (صلى الله عليه وسلم). قالت فاطمة(رضي الله عنهما) : أما الآن فنعم.. سارني أولاً فقال لي : ان جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة ، وقد عارضني في هذا العام مرتين ، ولا أرى ذلك إلاَّ لإقتراب أجلي ، فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك فبكيت .ثم سارني ثانياً فقال لي : أما ترضين ان تكوني سيدة نساء العالمين وستكونين أول الناس لحوقاً بي من أهل بيتي ! فضحكت . وقد توفيت فاطمة (رضي الله عنها) بعد حوالي ستة اشهر من وفاة أبيها ، وكانت فعلاً أول أهل بيته لحوقاً به . وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ورأت فاطمة ما برسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الكرب الشديد الذي يتغشاه ، فقالت : واكرباه ، فقال لها (صلى الله عليه وسلم) : (ليس على أبيك كرب بعد اليوم ، انه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحداً).
ولما بكت فاطمة قال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): (لا تبكي يا بنية ! قولي إذا ما مت إنا لله وإنا اليه راجعون ، فان لكل إنسان بها من كل مصيبة معوضة) قالت : ومنك يا رسول الله ؟ قال (صلى الله عليه وسلم) : (ومني).
وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يا فاطمة اخبرني جبريل انه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم مصاباً منك بي بعدي . فلا تكوني أدنى امرأة منهم صبراً فاصبري يا ابنتي واحتسبي عند الله أجرك تكونين أول الناس لحوقاً بي) . فقامت فاطمة وقالت : ( احتسبتك عند الله) .
وقالت فاطمة (رضي الله عنها ): (يا أبتاه أجاب رباً دعاه ..يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه ..يا أبتاه إلى جبريل ننعاه) .
ودخلت فاطمة (رضي الله عنها) البيت ورأت القبر فتوجهت إلى الصحابة فقالت: (يا أنس ! أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟!).ثم مالت على تربة أبيها وأخذت قبضة من تراب القبر فأدنتها من عينها، ثم راحت تشمها ، وهي تقول :
ماذا على من شَمَّ تُربة احمد = ألا يشم مدى الزمان غواليا ؟
صُبت عليَّ مصائب لو أنها = صُبت على الأيام عُدن لياليا
توفيت ليلة الثلاثاء ثالث أيام رمضان سنة 11هـ وصلى عليها زوجها سيدنا علي(رضي الله عنها)، ودفنت بمكة في زاوية في دار عقيل بن أبي طالب (رضي الله عنهم).