قاهر الفرنسيين سلطان باشا الأطرش (3)
يا شباب الثورة السورية الأبطال
هؤلاء هم آباؤكم وأجدادكم الكرام
فاقتدوا بهم ، وسيروا على نهجهم
د. أبو بكر الشامي
ولد سلطان باشا الأطرش في قرية القريّا في محافظة السويداء منطقة صلخد في الجمهورية العربية السورية في العام 1891 من عائلة الأطرش الدرزية الشهيرة.
أدى سلطان الأطرش الخدمة العسكرية في البلقان، ولما عاد طرح عليه الفرنسيون الاستقلال في حكم الجبل وتاسيس بلدة مستقلة في محافظة السويداء ، فرفض رفضا قاطعا لسعيه الدؤوب نحو دولة عربية مستقلة ، بعيدا عن التجزئة والاستعمار.
في تموز 1920، جهز سلطان الأطرش قوات كبيرة لنجدة يوسف العظمة في ميسلون ووصل مع فرسانه إلى براق جنوب دمشق ، إلا أنه سمع هناك نبأ حسم المعركة وانكسار الجيش العربي ، واستشهاد القائد يوسف العظمة وزير الدفاع.
عارض سلطان إنشاء الدولة الدرزية عام 1921 وقبل ذلك وبعده عارض بشدة الانتداب الفرنسي على سورية ، وفي تموز 1922جهز سلطان قوة من رجاله واشتبك مع الفرنسيين في معركة تل الحديد والتي دمّر فيها فرقة الضابط بوكسان
وأسر أربع جنود فرنسيين ...
الثوار الدروز يتحضرون للذهاب مع سلطان الأطرش ف عام 1925
وفي عام 1925 انطلقت الثورة من جبل الدروز، الذي سمي جبل العرب بعد انطلاقتها لأن هدف الثورة الأول كان إقامة الدولة العربية الحرة ، وتوحيد سورية ساحلاً وداخلاً والاستقلال ورفض الانتداب الفرنسي ، لتشمل سورية كلها وجزءاً من لبنان ، وقد تولى سلطان باشا الأطرش قيادتها بالإجماع ، بعد أن شهد العالم معركة المزرعة ، التي قضى فيها الثوار على حملة ميشة والتي كان قوامها 13000 جندي ، أما الثوار فكان عددهم 400 ثائر.
وبعد هذه المعركة المظفرة ، التحق الوطنيون الدمشقيون والسوريون والعرب بركبها. وتعد من أهم الثورات ضد الاحتلال الفرنسي بسبب شمولها سورية كلها ، وامتازت بمعارك ضارية بين الثوار والقوات الفرنسية ، وكان لها العديد من النتائج الملموسة.
بدأ سلطان بالتنقل بين قرى الجبل يحرض الأهالي على الثورة ضد الفرنسيين ويستثير النخوات ، وكانت أول عمليات الثورة العسكرية إسقاط الثوار طائرتين فرنسيتين إحداهما وقعت قرب قرية امتان وأسر طيارها، تجمع الثوار بقيادة سلطان ثم هاجموا صلخد في 20 تموز 1925 وأحرقوا بمساعدة أهلها دار البعثة الفرنسية فانطلقت في اليوم نفسه حمله فرنسية بقيادة نورمان الذي استخف بقدرات الثوار اتجه إلى الكفر وأمر جنوده بالتمركز حول نبعها.
بدأت المعركة ظهراً ولم تدم طويلاً. وحالت سرعة الهجوم ، وهول المفاجأة ، بين الفرنسيين وأسلحتهم. وبدأ القتال بالسلاح الأبيض ودخل الثوار بين الفرنسيين فقتلوا نورمان قائد الحملة ، وقضوا على الحملة كلها تقريباً (يذكر الجنرال أندريا أنه لم ينجو من معركة الكفر من الجنود الفرنسيين إلا خمسة ) !!!
ثم قاد الأطرش العديد من المعارك الظافرة ضد الفرنسيين كان من أبرزها: معركة الكفر ، ومعركة المزرعة في ، ومعارك الإقليم الكبرى، ومعركة صلخد ، والمسيفرة، والسويداء ومعارك أخرى كبد فيها الجيش الفرنسي خسائر هائلة.
بعد هذه المعارك المظفّرة ، عرض الفرنسيون على سلطان باشا الأطرش الاستقلال بالجبل وتشكيل دولة مستقلة يكون هو زعيمها ، مقابل وقف الثورة ، لكنه رفض بشدة مصراً على الوحدة الوطنية السورية.
ولكن بعد انتهاء ثورة عبد الكريم الخطابي في المغرب العربي ، ازداد الضغط على الثوار في سورية ، فلجأوا إلى الأزرق في جنوب الأردن ، حيث بدؤوا بشن الهجوم على القوات الفرنسية انطلاقاً من هناك.
إلا أن قوات الانتدابين الفرنسي والبريطاني حاصروا الثوار وقطعوا عنهم الماء والغذاء والسلاح نهائياً ، فبدأ زخم العمليات الحربية يخبو بسبب قلة السلاح لدى الثوار، فعرضت فرنسا عليهم الاستسلام وحكمت بالإعدام على سلطان الأطرش، فرفض الاستسلام ، ورفض تسليم السلاح ، وقرر الرحيل بمن معه من رجال إلى وادي السرحان في الجوف ، حيث طلب الإذن من الملك عبد العزيز بن سعود بالنزول في دياره فسمح له.
وبقي هناك (1927-1932) مع رفاقه (حوالى 300) إضافة للنساء والأطفال، فعاشوا شظف العيش في الصحراء.
ومع ذلك بقي سلطان الأطرش على اتصال بالوطنيين وبكل التحركات السياسية في القضية السورية، ودعا في 29/10/1929 إلى مؤتمر عام لبحث القضية السورية وقد حضر هذا المؤتمر، الذي سمي بمؤتمر الصحراء ، كل الوطنيين والسياسيين العرب المهتمين بالقضية السورية.
وصدر في نهايته مقررات هامة رسمت المسير السياسي للقضية في ما تلى من أحداث. واستمر في المقاومة ورفض الاستسلام .
ثم في العام 1932 سمح لسلطان ورفاقه بالدخول للعيش في الكرك وعمان في الأردن، وكان هو تحت الإقامة الجبرية في الكرك ، إلى أن عاد إلى الوطن في 18/5/1937 بعد إلغاء الحكم بالإعدام وبعد اتفاقية 1936 حيث استقبل استقبالاً شعبياً هائلاً.
لم يتوقف نضال سلطان الأطرش بعد الثورة ، بل شارك أيضاً بفعالية في الانتفاضة السورية عام 1945 وكان جبل العرب بتوجيه منه أسبق المحافظات السورية في طرد الفرنسيين إذ طوق أبناؤه مراكزهم وأخرجوهم ، وذلك كان بقيادة الأمير حسن الأطرش محافظ الجبل آنذاك ، وانتقمت فرنسا لنفسها من انقلاب الجبل هذا وتحرير السويداء بقصف دمشق والسويداء وأنحاء من سورية في 29/5/1945.
فكان ذلك بداية خروجهم من سورية، كما دعا في العام 1948 إلى تأسيس جيش عربي موحد لتحرير فلسطين، وبالفعل تطوع المئات من الشباب واتجهوا للمشاركة الفعلية في حرب 1948، واستشهد هناك حوالى 80 شاباً من الجبل.
وأثناء حكم الشيشكلي، تعرض سلطان باشا الأطرش لمضايقات كثيرة نتيجة اعتراضه على سياسة الحكم الديكتاتوري، فغادر الجبل إلى الأردن في كانون ثاني 1954، وعاد الأطرش إلى بلده بعد سقوط الشيشكلي.
تفرغ سلطان في أواخر حياته للنشاطات الاجتماعية والتنمية في الجبل وقد رفض الأطرش أي مناصب سياسية عرضت عليه بعد الاستقلال. ال.
توفي سلطان باشا الأطرش في 26 آذار / مارس / من عام 1982 / وحضر جنازته في 28/3/1982 أكثر من نصف مليون شخص .
سلام على سلطان باشا الأطرش قاهر الفرنسيين ، وألهم شباب ثورتنا السورية المباركة الاقتداء ببطولاته ، والسير على نهجه ، حتى دحر المحتلين الجدد من آل أسد وأعوانهم الظالمين ، وتحرير سورية الحبيبة من أرجاسهم إلى الأبد ...