وزير خارجية مصر السابق أحمد ماهر

محمد فاروق الإمام

وزير خارجية مصر السابق أحمد ماهر

محمد فاروق الإمام

[email protected]

في السابع والعشرون من أيلول عام 2010م توفى وزير الخارجية المصري السابق أحمد ماهر حفيد الدكتور أحمد ماهر باشا الزعيم الوطني الكبير في ثلاثينات القرن الماضي وشقيق على ماهر باشا السياسي الأشهر في عهد الملك فاروق ملك المملكة المصرية حتى تموز عام 1952م.

تم تعيينه في منصب وزير خارجية مصر في 15 أيار عام 2001م وأصبح بذلك وزير خارجية مصر رقم 74 والرابع في عهد الرئيس المصري حسني مبارك الذي تولى حكم البلاد في تشرين الأول عام 1981م ولا يزال. جاء أحمد ماهر بعد كل من كمال حسن على والدكتور عصمت عبد المجيد وعمرو موسى. وهو من مواليد 14 أيلول عام 1935م، وهو قصير القامة ويميل إلى الامتلاء وكذلك الهدوء، وهو حفيد الدكتور أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر الأسبق الذي اغتيل عام 1945م (جده من ناحية والدته). يذكر التاريخ أن أحمد ماهر(الجد) كان أحد رفاق الزعيم سعد زغلول الذين شاركوا في ثورة 1919م ، وكان له نشاط في مقاومة الاستعمار الإنجليزي الذي كان يحتل مصر في ذلك الوقت، وقد اتهم الجد في قضايا اغتيال بعض القادة الإنجليز. أما وزير الخارجية الحفيد فقد كان له اهتمامات أدبية واسعة وقد ساهم ذلك في تشكيل عقل ووجدان أحمد ماهر الذي يجيد اللغة العربية وقواعد النحو والصرف على الرغم من أنه درس في أحد المدارس الأجنبية بالقاهرة ثم حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1956م.  

في نيسان عام 1957م بدأ أحمد ماهر مشواره الدبلوماسي بدخوله وزارة الخارجية المصرية، لكن تم تجميده لمدة 3 سنوات في عمل إداري بوزارة الخارجية نظراً لأن بعض دوائر صنع القرار في ذلك الوقت صنفته باعتباره منتمياً لأسرة من عهد ما قبل ثورة تموز 1952م، وقد استمر الحال كذلك حتى عام 1959م عندما استطاع السفير محمد شكري أن يحصل على موافقة السلطات العليا على سفر أحمد ماهر معه إلى سويسرا في أول مهمة خارجية له في عام 1959م. ومنذ ذلك  الحين شارك أحمد ماهر في بعثات لدى زيورخ وكينشاسا وباريس وغيرها.

في عام 1971م عمل ماهر بمكتب الوزير محمد فائق أثناء توليه إدارة الشؤون الأفريقية، ثم انتقل للعمل بمكتب السفير حافظ إسماعيل مستشاراً للرئيس السادات للأمن القومي، وتم انتدابه حتى عام 1974م للعمل مستشاراً خاصا للرئيس المصري أنور السادات لشؤون الأمن القومى برئاسة الجمهورية وهو منصب أمني رفيع المستوى. ويرجع اختياره لهذا المنصب إلى حرصه على التكتم والهدوء والتعقل والقرب من صانعي القرار، إضافة إلى الهدوء والرزانة والبعد عن الإعلام.

في عام 1978م اختير أحمد ماهر بعناية شديدة ليعمل مديراً لمكتب وزير الخارجية إبراهيم كامل خاصة وأنه كان يجيد الفرنسية، والإنجليزية، وعلى علم جيد بالألمانية، والبرتغالية، وظل كذلك حتى عام 1980م، وهي المرحلة الحساسة التي شهدت مفاوضات كامب ديفيد وتوقيع اتفاقية السلام فى آذار عام 1979م. ونظراً لأن أحمد ماهر قد تدرب جيداً خلال الفترة  من 1971 وحتى 1974م على قضايا الأمن القومي عندما كان مستشاراً للرئيس السادات حيث لعب ماهر دوراً مؤثرا خلال تلك المفاوضات، وإن كان دوره يتم من خلف الكواليس وبتركبز شديد، فقد كان ماهر مسؤولاً رئيساً عن إعداد المذكرات اللازمة لمفاوضات كامب ديفيد.. فكان يستعرض ويراجع الموقف أولا بأول مع وفد الأمن القومي المرافق ووزير خارجيته إبراهيم كامل  خاصة وأن ماهر يتميز بالدقة الشديدة والحرص الزائد في العمل بينما إبراهيم كامل كان يتسم بالقلق أثناء سير المفاوضات، وهو ما يعني أن ماهر كان بمثابة صمام الأمان لوزير خارجيته.. (يذكر في هذا الصدد أنه عندما أراد إبراهيم كامل تقديم استقالته للرئيس السادات لاحتجاجه على بنود اتفاقية كامب ديفيد لأنها على حد قول إبراهيم كامل ليست فى صالح مصر والعرب).. هنا طلب أحمد ماهر من وزير الخارجية إبراهيم كامل عدم تقديم استقالة مكتوبة وإنما قال له أن عليه القيام بشرح المخاطر التي ستنجم عن توقيع اتفاقية كامب ديفيد وربما يكون هناك احتمال ضئيل في أن يتدارك السادات الأمر، وإن لم يفعل السادات ذلك فيكتفي بإخباره شفهيا باستقالته. (نشير هنا أن وزير الخارجية إبراهيم كامل طلب من الرئيس السادات عدم الاعتماد الكلي على واشنطن.. جاء ذلك في وقت وجه العديد من المسؤولين التهم إلى الرئيس السادات بالاعتماد الكامل على واشنطن).

من المؤكد أن مفاوضات كامب ديفيد أكسبت أحمد ماهر خبرة هامة خاصة أنها كانت أول احتكاك مباشر بين الجانبين المصري والإسرائيلي على مائدة المفاوضات، وكانت شاقة جداً من الناحيتين النفسية والسياسية.

يذكر أيضاً أن نجم أحمد ماهر بدأ يظهر عاليا في سماء الخارجية نظرً لاهتمام الرئيس السادات به وتحديداً فى مباحثات جزيرة الفرسان بمحافظة الإسماعيلية في أيلول عام 1978م حيث تبين للسادات مدى توافق أحمد ماهر مع أعضاء الأمن القومي المصري حول المباحثات وذلك على العكس من وزير الخارجية إبراهيم كامل الذي أعلن احتجاجه على بنود الاتفاقية التي كان يرى أنها غير متكافئة مما أدى في النهاية إلى استقالة إبراهيم كامل واستمرار أحمد ماهر حتى نهاية المباحثات. على أثر ذلك استمر أحمد ماهر فى الخارجية ليعمل مديراً للدكتور بطرس غالى (الذي أصبح بعد ذلك الأمين العام للأمم المتحدة)، ثم عمل مع الدكتور مصطفى خليل الذي جمع بين رئاسة الوزراء ووزير الخارجية في آن واحد واستمر أحمد ماهر  يعمل معه إلى أن تم تعيينه سفيراً لمصر في البرتغال عام 1980م.

الجدير بالملاحظة أن أحمد ماهر أقام علاقات قوية مع الفلسطينيين أثناء تمثيله لمصر في تونس في بداية عقد الثمانينات عندما انتقلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، ثم جاءت مباحثات مصر مع إسرائيل عام 1987م وعام 1988م لتأكيد سيادة مصر على مثلث طابا الشهير حيث اختير أحمد ماهر مرة ثانية ليلعب دوراً  حيوياً في تفنيد الذرائع الواهية لإسرائيل في هذا الشأن حيث شغل ماهر فيها منصب مدير الإدارة القانونية بوزارة الخارجية وأشرف على الجانب القانوني في قضية التحكيم الشهيرة التي انتهت باسترداد مصر للسيادة الكاملة على طابا.

بعد ذلك انتقل أحمد ماهر للعمل سفيراً بين دول أوربا وأسيا وأمريكا، ويذكر أنه عمل سفيراً لدى موسكو في الفترة من 1988 وحتى عام 1992م (في ذلك الوقت كان الاتحاد السوفيتي بصفة عامة وروسيا بصفة خاصة تمر بمرحلة دقيقة للغاية وهى مرحلة التحول التي صاحبها تداعى الإتحاد السوفيتي ، لذلك كان اختيار أحمد ماهر هام للغاية لهذه المنطقة  من العالم).  

ثم عمل بعد ذلك على تنشيط دور واشنطن في عملية السلام عندما كان سفيراً بواشنطن في الفترة من 1992 وحتى عام 1999م (وهي المرحلة التي شهدت تدهوراً فى العلاقات العربية-الإسرائيلية وانحيازاً أمريكياً كاملاً لصالح اسرائيل).

وعقب انتهاء عمله بواشنطن وعودته إلى القاهرة عمل مستشاراً لوكالة أنباء الشرق الأوسط لأنه فى ذلك الوقت تم إحالته للتقاعد في نهاية عام 1999م.. وبالرغم من أن عمره كان يناهز الـ 64 عاماً، ومع ذلك لم يستمر طويلاً في عمله بالوكالة.

في تلك الفترة أيضاً اختير للعمل رئيساً لمركز دراسات العلاقات المصرية-الأمريكية، ثم أضيفت له عضوية المجلس الاستشاري للسياسة الخارجية لمدة تقل عن العام، ثم انتدبه الدكتور عصمت عبد المجيد ليشغل منصب مدير الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الأفريقية التابع لجامعة الدول العربية.

حصل أحمد ماهر على 6 أوسمة منهم 4 من مصر، أما الخامس فهو فرنسي نظراً لعمله سفيراً لمصر بفرنسا، والسادس من البرتغال لعمله سفيراً هناك.

لم يمارس أحمد ماهر أية هوايات رياضية طوال حياته. ربما لأنه كان يميل إلى قصر القامة والامتلاء والهدوء والرزانة والذكاء، وبدلاً من ممارسة الرياضة كان يحب الموسيقى وذلك على الرغم من أنه لم يمارس العزف على أية آلة موسيقية ما عدا الكمان حتى أن عزفه على آلة الكمان كان يوصف بأنه رديء، إلا أنه عاشق لأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، كما كان محباً للمسرح خاصة مسرحيات محمد صبحي وعادل أمام، أما نجمه السينمائي المفضل  فهو أحمد زكى، وقد حزن كثيراً على وفاته.