شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
(1-2)
موسى بن سليمان السويداء / السعودية
[email protected]
هذه
ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي وما قاله عنه كبار العلماء
والمفكرين الإسلاميين ذكرتها من باب تبيين حقيقة دعوة الشيخ على سبيل الاختصار
والإيجاز علماً أن مصادر ترجمته كثيرة جداً ككتاب "
مشاهير علماء نجد وغيرهم
" لعبد الرحمن آل الشيخ - ومنه استفدت - وكتاب " عنوان المجد " لابن بشر وكتاب "
تاريخ نجد " لحسين ابن غنام وغيرهم ..
اسمه ونسبه :
هو
الإمام العلامة الشهير والداعية الإسلامي الكبير، الداعي إلى مذهب السلف الصالح
والأئمة السابقين وما كانوا عليه في باب معرفة الله وصفاته من الإثبات ونفي التشبيه
و التكييف والتعطيل والتمثيل المصلح الديني الذي طال ما كتب عنه المؤرخون وأشاد
بفضله ودعوته المنصفون شيخ الإسلام وعلم الهداة الأعلام صاحب النهضة الدينية
والدعوة السلفية موقظ البلاد الإسلامية من سبات الأوهام ومحررها من عقل البدع
وعبادة الأوثان والأصنام الشيخ / محمد ابن الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ سليمان بن
علي بن محمد بن احمد بن راشد بن بريد بن محمد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن
زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن نهشل بن
شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة
ابن تميم بن مر بن أد بن طابحة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
مولده ونشأته :
ولد- رحمه الله - في بلد العيينة من بلدان العارض بنجد الواقعة شمال شرق مدينة
الرياض سنة ( 1115هـ ) فنشأ بها وقرأ القرآن حتى حفظه وأتقنه قبل بلوغه العشر، ثم
اشتغل بطلب العلم فقرأ مبادىء العلوم والفقه الحنبلي على والده الشيخ عبد الوهاب
ابن الشيخ سليمان وكان - رحمه الله - حاد الفهم سريع الإدراك والحفظ حتى قيل عنه :
" أن أبوه كان يتعجب من فهمه ويعترف بالاستفادة منه مع صغر سنه " ووالده الشيخ عبد
الوهاب هو مفتي تلك البلاد وقاضيها، وجده الشيخ سليمان بن علي هو مفتي جميع الديار
النجدية، آثاره وتصانيفه وفتاواه تدل على غزارة علمه وفقهه، فهو مرجع أهل نجد في
زمنه في الفتاوى، وكان معاصراً للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي صاحب الكتاب
المشهور " كشاف القناع " اجتمع به في مكة المشرفة . فهو أذن من بيت علم وفضل .
ولما بلغ سن الرشد قدمه والده الشيخ عبد الوهاب في إمامة الصلاة فأخذ - رحمه الله -
يؤم الناس ويصلي بهم ثم طلب من والده الحج فأجابه إلى ذلك فأدى فريضة الحج واعتمر
عمرة الإسلام وبعد فراغه من الحج والاعتمار قصد المدينة المنورة على ساكنها أفضل
الصلاة والسلام وأقام بها قريباً من شهر ثم رجع إلى وطنه العيينة وتزوج بها وشرع في
القراءة على والده في الفقه على مذهب الإمام احمد بن حنبل ثم بعد ذلك سافر إلى
الحجاز في طلب العلم وأخذ يتردد على علماء مكة المشرفة والمدينة المنورة وأقام بها
مدة يقرأ فيها على الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي ثم المدني وعلى العالم
الشهير محمد حياة السندي المدني ثم رجع إلى وطنه ومكث فيه سنة ثم رحل إلى البصرة
وقرأ بها كثيراً من الحديث والفقه والنحو وكتب بها من الحديث والفقه واللغة ما شاء
الله أن يكتب في ذلك الوقت ولازم في البصرة عالماً من علمائها الأجلاء وهو الشيخ
محمد المجموعي البصري وأخذ الشيخ مدة إقامته في البصرة يدعو إلى توحيد الله جل وعلا
ونبذ الشرك وهجر البدع وأخذ يصرح بذلك ويظهره لكثير من جلسائه بالبصرة قائلا لهم :
" إن العبادة كلها لله ولا يجوز صرف شيء منها لسواه " وقد استحسن شيخه المجموعي ذلك
فأحذ الشيخ محمد يقرر له توحيد العبادة ويوضح له معنى ( لا اله إلا الله ) فقبل منه
شيخه وانتفع به غير أن أعداء التوحيد وأنصار البدع والتقليد من علماء السوء وأحبار
الضلال سعوا فيه عند كبار أعيان البصرة فأخرجوه منها وقت الهاجرة في يوم صائف شديد
الحر فخرج - رحمه الله - ماشياً على قدميه فلما توسط الدرب بين البصرة والزبير
أدركه العطش وأشرف من شدة الظمأ ولهيب الحر على الهلاك والموت فوافاه رجل يقال له
أبا حميدان من أهل بلدة الزبير وكان معه حمار فرأى على الشيخ الهيبة والوقار ورآه
مشرفاً على الهلاك فسقاه ماء وحمله على حماره حتى أوصله بلدة الزبير فمكث الشيخ
فيها أياماً وأراد السفر منها إلى الشام فقصرت به النفقة فانثنى عزمه عن المسير إلى
الشام فرجع إلى نجد ومر في طريقه إليها ببلدة الإحساء وحل ضيفاً على الشيخ عبد الله
بن محمد بن عبد اللطيف الشامي الاحسائى، ثم رجع إلى وطنه حاملاً زاداً كثيراً من
العلم وسلاحاً قوياً من المعرفة وقصد بلدة حريملاء - التي تبعد 100كلم شمال الرياض
تقريباً - لعلمه أن والده الشيخ عبد الوهاب انتقل إليها وذلك بعد ما مات عبد الله
بن معمر أمير العيينة سنة ( 1139هـ ) وتولى بعده حفيده محمد بن حمد بن عبد الله
بن معمر فوقع بينه وبين الشيخ عبد الوهاب نزاع فعزله عن القضاء .
فلما وصل الشيخ محمد إلى بلدة حريملاء جلس عند والده وأخذ يقرأ عليه وبعد فراغه من
القراءة على والده يخلو بنفسه ويعكف على دراسة الكتاب والسنة وتفاسير علماء السلف
الإجلاء وشروحهم للحديث والسنة وذلك بتدبر وإمعان، فبلغ - رحمه الله - الغاية
القصوى والطريقة المثلى في معرفة معاني الكتاب والسنة واستنباط ما فيهما من الأسرار
الشرعية والأحكام الدينية وأكب معهما على مطالعة مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية
ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية، فازداد بهما علماً وتحقيقاً . وكان وهو مقيم في
حريملاء كثير الإنكار
للبدع والشركيات الموجودة والمنتشرة في ذلك الزمن بنجد حتى وقع بينه وبين والده
كلام ووقع بينه وبين أهل بلدة حريملاء جدال وخصام ولكنه لم يصدح بالدعوة ويصرح
بإنكار الشرك إلا بعد وفاة والده الشيخ عبد الوهاب سنة ( 1153هـ ) فاشتد إنكاره على
الشرك والبدع وأخذ يعلن دعوته دعوة التوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم
وأخذ ينشر شرائع الإسلام ويكاتب أهل بلدان نجد يأمرهم بعبادة الله وينهاهم عن
التعلق على غير الله من الأولياء والصالحين والأشجار والأصنام وأخذ يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر ويعاقب عليه وذلك بعد ما تبعه على الحق أناس من أهل حريملاء شدوا
أزره وقاموا بامتثال أمره ونصرته فذاع خبره في بلدان نجد فتوافد عليه أناس كثيرون
من أهل العارض وغيرهم من قرى نجد فأخذوا يقرأون عليه كتب الحديث والسيرة والتفسير
والفقه وصنف في ذلك الوقت كتابه المشهور " كتاب التوحيد " فقرئ عليه في حريملاء
ودرس فيه وانتشرت نسخه في نجد غير أنه حدث له - رحمه الله تعالى - ما أوجب انتقاله
من بلدة حريملاء وذلك أنه خشي وخاف على نفسه الاغتيال بها لأن رؤساء هذه البلدة
قبيلتان ترجعان إلى أصل واحد من وائل وكل واحدة من هاتين القبيلتين تدعي لنفسها
القوة والغلبة والكلمة النافذة ولم يكن لهم رئيس واحد يزع الجميع ويحترمون أمره
ويخشونه وكان في البلدة عبيد لإحدى القبيلتين كثر تعديهم وفسقهم فأراد الشيخ -رحمه
الله- أن يُمنعوا عن الفساد وينفذ فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلما علم
هؤلاء الموالي المفسدون بذلك هموا أن يفتكوا بالشيخ ويقتلوه سراً بالليل فجاءوا
إليه وتسوروا عليه الجدار فعلم الناس بهم فصاحوا فيهم فهربوا فلم يطمئن الشيخ بعد
هذه الحادثة إلى الإقامة في بلدة حريملاء فانتقل منها إلى بلدة العيينة فتلقاه
أميرها عثمان بن حمد بن معمر بالقبول والمناصرة وأكرمه غاية الإكرام والزم الخاصة
والعامة أن يمتثلوا أمره ويقبلوا
قوله وكان في العيينة وما حولها كثير من القباب والأوثان والمشاهد المشادة على قبور
الصحابة والأولياء وبها كثير من الأشجار والأحجار التي يعظمونها ويذبحون لها كقبة
زيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما - في بلدة الجبيلة وشجرة " قريوه
" هكذا يسمونها وشجرة " أبي دجانة والذيبي " فأخذ الشيخ - رحمه الله - يقرر للأمير
عثمان توحيد العبادة ويفسر له معنى ( لا اله إلا الله ) وما اشتملت عليه وتضمنته من
نفي واثبات ومضى يبين له الإسلام الصحيح قبل ظهور الشرك وتسرب البدع ويطلب منه محو
الأوثان وقطع الأشجار وهدم القباب وإزالة المشاهد فأجابه الأمير عثمان إلى ذلك فخرج
الشيخ وخرج معه الأمير عثمان وخرج معهما رجال كثيرون من جند عثمان فأتوا إلى تلك
الأماكن المذكورة فقطعوا الأشجار وهدموا المشاهد والقباب وكان الشيخ- رحمه الله -
هو الذي تولى هدم قبة زيد ابن الخطاب – رضي الله عنه - بيده فلم يبق بعد ذلك وثن في
هذه البلاد التي تحت ولاية عثمان ابن معمر . وبعد هذا أتت امرأة إلى الشيخ واعترفت
عنده بأنها قد زنت وتكرر منها الاعتراف والإقرار، فسأل عنها فوجدها صحيحة القوى
كاملة العقل فأمر عليها فرجمت، فلما حصل ذلك وشاع وتناقلته الأخبار انزعج ولاة
السوء من المترفين وعلماء الضلال وهالهم محو ما ألفوه من المعابد والأوثان وإقامة
ما عطلوه من الحدود الشرعية فشنعوا على الشيخ ورموه بالزور والبهتان ففند أقوالهم
وأدحض حججهم بأدلة قاطعة من السنة والقران، فلما أعيتهم الحجة وأعجزهم البرهان
عمدوا إلى المكر والحيلة فأرادوا أن يدركوا بالسيف والسنان ما عجزوا عن إدراكه من
قبل بالزور والبهتان فشكوه إلى زعيمهم أمير قبيلة بني خالد سليمان بن محمد بن عريعر
الخالدي حاكم الإحساء والقطيف في ذلك الزمان فأغروه به وصاحوا عنده وقالوا إن هذا
يريد أن يخرجكم من ملككم ويسعى في قطع ما أنتم عليه من الأمور ويبطل المكوس والعشور
فخشي ابن عريعر أن يستفحل أمر هذه الشيخ فيذهب سلطانه فكتب إلى عثمان بن معمر
كتاباً يأمره فيه بإخراج الشيخ من بلدته ويهدده فيه إذا هو لم يخرجه فسوف يغزوه
ويقطع مرتبه ! وكان ابن عريعر قد أجرى لابن معمر مخصصاً شهريًا فانصاع ابن معمر
لأمره وأمر الشيخ بمغادرة بلدته .
خروج الشيخ من العيينة :
خرج
الشيخ من العيينة وولى وجهه شطر الدرعية فوصلها وحل ضيفاً بها على أحد تلامذته وهو
الشيخ أحمد بن سويلم العريني وذلك سنة ( 1158هـ ) فلما علم بمقدمه أمير الدرعية
محمد بن سعود بن محمد بن مقرن أسرع بالمسير إليه ودخل عليه في دار الشيخ أحمد بن
سويلم وقابله بالبشر والحفاوة العظيمة والإكرام وقال له بعد السلام : " أبشر أيها
الشيخ بالنصر والمنعة , فقال الشيخ : وأنا أبشرك - إنشاء الله - بالأجر والعز
والتمكين والغلبة وهذه كلمة ( لا اله إلا الله ) من تمسك بها ونصرها غنم في الدنيا
وربح في الآخرة وهي كلمة التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأنزلت به الكتب " ثم أخذ
الشيخ يخبر الأمير محمد بن سعود بحقيقة الإسلام قبل حدوث الشرك وتسرب البدع ويبين
له ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيد الله وإفراده جل وعلا بالعبادة
دون ما سواه، ويخبره بما نهى عنه الرسول من عبادة المخلوقين من البشر وغيرهم من
الأشجار والأصنام والأحجار ويذكر له أن ما عليه اليوم أهل نجد من البدع والإشراك
ودعاء الأموات هو عين ما كان عليه أهل الجاهلية قبل بعثة سيد المرسلين من التعلق
بغير الله من الأولياء والصالحين وغيرهم من الأصنام والأحجار والأشجار والأوثان وقد
كان أهل نجد في زمن الشيخ خلعوا ربقة الإسلام والدين وعادوا إلى ما كان عليه مشركو
العرب الأولين من التعلق على غير الله من الأولياء والصالحين وغيرهم من الأوثان
والأصنام والأحجار ينتابون قبر زيد بن الخطاب يسألونه قضاء الحاجات وتفريج الكربات
وقبرا يزعمونه قبر ضرار ابن الأزور وشجرة تسمى " الطرفية " يعتقدون فيها كما اعتقد
قبلهم في ذات أنواط مشركو الجاهلية ومغارة يسمونها مغارة " بنت الأمير " لها قصة
على زعمهم تاريخية وطاغوتاً عندهم يُسمى " تاجا " وثانياً يسمى " يوسف " وثالثاً
يسمى " شمساناً " يعبدونهم زاعمين أن لهم تصرفا ونفعاً وأيضاً هناك فحال نخل يختلف
إليه نساؤهم إذا لم يلدن أولم يتزوجن يقلن له : " يا فحل الفحول نريد ولدا أو زوجا
قبل الحول ! " بل كانوا شراً مما ذكرنا وأسوأ حالا مما إليه أشرنا كانوا في جاهلية
جهلاء وضلالة نكراء فيهم من كفر الاتحادية والحلولية وملاحدة الصوفية ما يرون انه
من الشعب الإيمانية والطريقة المحمدية وفيهم من إضاعة الصلوات وشرب المسكرات ما هو
معروف مشهور، فلهذا لما بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب للأمير محمد بن سعود حقيقة
الإسلام والإيمان وأخبره ببطلان ما عليه أهل نجد من عبادة الأوثان والأصنام و
الأشجار قال له : " يا شيخ لا شك عندي أن ما دعوت إليه انه دين الله الذي أرسل به
رسله وانزل به كتبه وأن ما عليه اليوم أهل نجد من هذه العبادات الباطلة هو كما ذكرت
نفس ماكان عليه المشركون الأولون من الكفر بالله والإشراك فابشر بنصرتك وحمايتك
والقيام بدعوتك، ولكن أريد أن أشترط عليك شرطين نحن إذا قمنا بنصرتك وجاهدنا معك
ودان أهل نجد بالإسلام وقبلوا دعوة التوحيد أخاف أن ترتحل عنا وتستبدل بنا غيرنا ,
والثاني أن لي على أهل الدرعية قانوناً آخذه منهم وقت حصاد الثمار وأخاف أن تقول لا
تأخذ منهم شيئاً ، فقال الشيخ : أما الشرط الأول فابسط يدك أعاهدك الدم بالدم
والهدم بالهدم، وأما الثاني فلعل الله أن يفتح عليك الفتوحات فيعوضك من الغنائم
والزكوات ما هو خير منه " فتم التعاهد والاتفاق بينهما -رحمهما الله تعالى- في ذلك
المجلس على إظهار دين الله والجهاد في سبيله وطمس مظاهر الإشراك ومحو آثاره واقتلاع
جذوره وتصحيح العقائد وتطهير الإسلام وتخليصه مما علق به من الإشراك وألصق به من
الخرافات وتعاهدا مع هذا على جمع كلمة أهل نجد وإصلاح فسادهم ولم شعثهم لأن نجداً
لم تكن في زمنهما خاضعة لإمارة واحدة يحترمها الجميع وينضوون تحت لوائها بل كانت
مفككة الأجزاء لكل بلد أمير وكل شخص يرى ولائه لأمير قريته وبلده وقد أدى هذا
التفرق بأهل نجد إلى الفوضى واضطراب الأمن وسفك الدماء فعمل هذان الإمامان على جمع
كلمة أهل نجد وتوحيد صفهم كما عملا على هدايتهم .
فلما تم التعاهد والاتفاق بين الشيخ محمد والأمير محمد بن سعود، قام الشيخ ودخل مع
ابن سعود البلد واستقر عنده محترماً معززاً، فلما استقر في الدرعية توافد عليه
أنصاره الذين كانوا في العيينة وهاجر إلى الدرعية أناس غيرهم من بلدان نجد وقراها
وذلك لما علموا أن الشيخ أقام بالدرعية وعلموا مع هذا أنه مُنع ونصر، ولما استوطن
الشيخ الدرعية ومكث بها وجد أهلها مثل عامة قرى نجد وبلدانها قد وقعوا في الشرك
والبدع والتهاون بالصلاة والزكاة وسائر شعائر الإسلام وأركانه فتصدى لهم الشيخ -
رحمه الله - بالمناصحة والتذكير وأخذ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وأمرهم
بتعلم معنى ( لا اله إلا الله ) وأخبرهم أنها ننفي جميع ما يعبد من دون الله وتثبت
العبادة لله وحده دون ما سواه، ثم أمرهم بتعلم ثلاثة أصول ومعرفة معنى الإسلام
وأركانه الخمسة التي بني عليها ومعرفة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- ومعرفة اسمه
ونسبه ومبعثه وهجرته ومعرفة ما دعا إليه من الإسلام الصحيح والتوحيد، فلما ذاقوا
طعم الإسلام واستقر في قلوبهم معرفة التوحيد بعد جهلهم به وبعدهم عن معرفته أشرب في
قلوبهم محبة الشيخ ومحبة من هاجر إليه في الدرعية فأخذ الشيخ - رحمه الله - يكاتب
الناس وهو مقيم في الدرعية وعلى الأخص الرؤساء والعلماء يوضح لهم معنى الإسلام
وحقيقة التوحيد ويحضهم على إتباع شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم
بنبذ البدع والإشراك والإقلاع عن أخذ الرشا وأكل السحت وأخذ يزيل ما وقع في نفوسهم
وقام بها من الشبهات وذلك عن طريق المراسلات والمكاتبات، فمنهم من قبل من الشيخ
ودان له بدعوة الإسلام الصحيح والدين فثاب إلى الرشد وهجر البدع وتخلى عن عبادة
الأوثان ومنهم من استكبر وأبى وألب وعادى وأفتى بحل دم الشيخ ودم إخوانه الموحدين
وأنصاره ووجوب غزوهم في أرضهم وعقر دارهم .
الجهاد على أعداء التوحيد :
فعند ذلك أمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالجهاد دفاعاً عن النفس والأهل والمال
ورداً لعادية الشرك وطغيان الضلال فحينئذ شمر الإمام الأمير محمد بن سعود
عن
ساعد الجد ولبى نداء الواجب واستجاب لداعي الجهاد فحمل علم الإسلام ورفع راية
التوحيد فأخذ يغزو أنصار الشرك ويجاهد أحزاب الضلال إحدى وعشرين سنة فما ضعف ولا
استكان فأعز الله به الدين وأظهر به دعوة الإسلام والتوحيد فأبصر أهل نجد طريق
الخير والرشد ورجعوا عن الغي ودخلوا في دين الله أفواجا فأصبحوا بفضل الله ثم بفضل
هذه الدعوة والجهاد المقدس بعد أن كانوا أحزاباً متفرقين وأعداء متقاطعين إخواناً
متآلفين تجمعهم كلمة ( لا اله إلا الله محمد رسول الله ) تحت راية الإسلام الصحيح
ولواء التوحيد المطهر فصاروا بعد ذلك مضرب المثل والوفاء والاستقامة والدين وبعد
ذلك استأثر الله بالإمام المجاهد العظيم محمد بن سعود بن محمد بن مقرن فتوفاه سنة (
1179هـ ) فقام بعده في الإمامة وخلفه في مؤازرة الشيخ محمد ومناصرته ابنه الإمام
عبد العزيز بن محمد بن سعود فسار سير والده في الدفاع عن الإسلام وحماية الدعوة
ومتابعة الجهاد والغزو، ففتح الله عليه الرياض وخرج منه ابن دواس هارباً خائفا لا
يلوي على أحد فدخله الإمام عبد العزيز واستولى عليه رحمه الله وملكه وذلك سنة (
1187هـ ) وبعد هذا الفتح دانت له نجد كلها واتسع ملكه إلى ما ورائها فملك الإحساء
والقطيف وملك تهامة وما يليها من اليمن والحجاز ما عدا الحرمين الشريفين، فأقام
العدل رحمه الله تعالى في ربوع هذه الولايات كلها وأقر الأمن فيها ورجع بأهلها إلى
الإسلام الصحيح الذي يأمر بعبودية الله وحده وينهي نهياً باتاً عن اتخاذ الوسائط
والشفعاء وبعد مضي سبع وعشرين سنة من ولاية الإمام عبد العزيز ابن الإمام محمد بن
سعود توفى الله المصلح الإسلامي العظيم الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -
وذلك سنة ( 1206هـ ) عن واحد وتسعين عاماً قضاها في تحصيل العلم ونشره والقيام
بدعوة الإسلام الصحيح والتوحيد .
وأما مؤلفاته فأهمها كتاب التوحيد وكتاب كشف الشبهات وكتاب الأصول الثلاثة ومفيد
المستفيد في حكم تارك التوحيد وكتاب الكبائر وكتاب أصول الإيمان وفضائل الإسلام
وكتاب أحاديث الفتن ومختصر السيرة النبوية ومختصر زاد المعاد ومختصر الإنصاف والشرح
الكبير ومسائل الجاهلية ومجموع الحديث رتبه رحمه الله على أبواب الفقه وكتاب آداب
المشي إلى الصلاة وغيرها كما كتب -رحمه الله- رسائل كثيرة في تقرير التوحيد وتوضيحه
تبلغ مجلدا كبيرا أورد البعض منها الشيخ حسين بن غنام في تأريخه .
وممن رثاه الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني صاحب كتاب " نيل الأوطار " لما بلغه
نعي الشيخ رثاه بقصيدة طويلة تبلغ أبياتها زهاء مائة بيت ومطلعها :
مصاب دهى قلبي فأذكى غلائلي وأصمى بسهم الافتجاع مقاتلي
وكذلك رثاه الشيخ المؤرخ حسين بن غنام بقصيدة مؤئرة تبلغ أبياتها زهاء تسعة وثلاثين
بيتاً ومطلعها :
إلى
الله في كشف الشدائد نفزع وليس إلى غير المهيمن مفزع
وكان الشيخ- رحمه الله- متعبداً يحيي غالب الليل صلاة وقراءة وتهجداً وكان مع هذا
متعففاً متورعاً لا يأكل من بيت المال إلا بالمعروف، وبيت المال في يده ورهن تصرفه،
وكان سخياً جواداً توفي -رحمه الله- ولم يخلف شيئا من المال ولا العقار غير داره
التي كان يسكنها في حياته بل كان عليه دين كثير بسبب إنفاقه على الغرباء والمعوزين
من أهل العلم وغيرهم وقد أوفى الله عنه هذا الدين.