العقاد.. عبقرية الإنسان والمكان والزمان
العقاد.. عبقرية الإنسان والمكان والزمان
28/6/1889 12/3/1964
محمد فتحي محمد فوزي
ها هو العقاد الإنسان العبقرى، فالعبقرية كلمة تنسب إلى وادى عبقر، المكان الذى تسكنه الجن، وكل إنسان يقوم بأفعال لا يستطيع إتيانها البشر، يطلق عليه عبقريا، تشبيهاله بالجن ،والعقاد عبقرى، وهذا التشبيه ليس دخيلا عليه لكونه المُنشىء له فى عبقرياته الشهيره، وليس أدل على عبقريته من وقفته بالبرلمان يوم 17/6/1930 كنائب وفدى مهاجما وزارة محمد محمود باشا الطاغية إلى أن وصل بقوله :"ألا فليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس فى البلاد فى سبيل صيانة الدستور وحمايته ".
وتم إعتقاله بتهمة العيب فى الذات الملكية وتولى الوطنى مكرم عبيد الدفاع عنه مقررا بأن قضية العقاد مأساةأُمة تمثلت فى مأساة فرد وكان الحكم على العقاد بالحبس (9) أشهر فى 31/12/1930، وبه تتضح العبقرية؛حيث الإعدام لمن يعيب الملك ،وبعد ثورة يوليو 1952 قال العقاد فى أحد مقالاته تدليلا على عدم التبعية" أما فاروق فقد لعنا أباه حرفيا فهل سمع أحد أننا زحفنا على بطوننا إلى عرشه يوم كان له عرش تزحف إليه البطون ممن تعلمون ولا تعلمون ..وهذه سجلات القصر يرجع إليها من يشاء". كان العقاد صاحب نظرية في الشعر تقوم علي مراعاة الصدق، وتحقيق الوحدة العضوية، والتعبير عن الذات والاهتمام بالعقل والفكر إلي جانب القلب والعاطفة.
بدأ إنتاجه الشعري قبل الحرب العالمية الأولي وكان أول ديوان بعنوان "وهج الظهيرة "، وتوالت بعد ذلك مجموعاته الشعرية بعناوين مختلفة من بينها: "وحي الأربعين"،"هدية الكروان"، "عابر سبيل"، وقد بلغ عدد دواوينه الشعرية عشرة دواوين،هي نتاج ما يزيد علي خمسين عاما، كما عني بشعر ابن الرومي، وكتب عنه كتابا كبيرا، وقد وصف د. زكي نجيب محمود شعر العقاد بأنه أقرب ما يكون إلي فن العمارة، والنحت. كتب العقاد سير أعلام الإسلام بطريقة خاصة أشبه برسم الشخصيات مثل طريقته في "العبقريات"، كما كتب رواية واحدة كانت بعنوان "سارة"
وقدر كل إمرىء ما كان يحسنه*** والجاهلون لأهل العلم أعداء. فقد وُلد العبقرى بأسوان فى 28/6/1889 وتدرج فى المناصب إلى أن أشتغل بالصحافة مدافعا عن الموظفين وممن تأثر بهم فى حياته أُستاذ التاريخ واللغة العربية الشيخ" محمد فخر الدين " ومن أقواله فى المعلمين:" إنهم كانوا أساتذة نافعين بما علمونا من دروس وأطوار بنى آدم ونافعين بما قصدوه وما لم يقصدوه". وتحدث عن التاريخ بقوله ": إن من وعى التاريخ فى صدره أضاف أعمارا إلى عمره فلا بد أن يكون العمر المُضاف مقدار من الحياة لا مقدار من الخبرات الحسية والفكرية والخيالية،" .ويضيف فى التربية بقوله :يخالف أهل إسبرطه اليونانيين فى أساليبهم التربوية بأن إختيار الأقوياء يكون بتركهم فى مكان مغلق يقضون فيه وقت فراغهم فمن صبر منهم فهو قوى فى فكره وخلقه وإحتماله ومن لم يصبرفهو الفارغ الذى لا خير فيه. وأيضا إيداع الأطفال فى العراء حتى الموت فمن إحتمل وعاش يؤخذ؛ ليُربى تربية عسكرية لبناء جيشا قويا إشتهرت به إسبرطه آنذاك وفلسفته فى الحياة مع الناس ألا تنتظر منهم كثيرا ولا تطمع منهم فى كثير.
وعندما ضاع قلمه قال:"فخير ما أرجوه ألا ترى*** فى كف خوان ولا متهم *** ولا تخط الجهل فى صفحة*** أبيض ما فيها سواد الحمم .بدأت فى الأوج فلا تنحدر ***إلى حضيض الذل فى المختتم .
وللعقاد ثمانية كتب في العقيدة الإسلامية من بينها: (الفلسفة القرآنية - الديمقراطية في الإسلام -الإسلام في القرن العشرين - مطلع النور - التفكير فريضة إسلامية).
وفي مجال الإسلاميات أيضا كتب العقاد: "عبقرية محمد"، "عبقرية عمر"، "عبقرية خالد"، وقد جمع هذه المؤلفات تحت عنوان"إسلاميات". و كان العقاد يكتب الافتتاحيات السياسية في الجرائد مثل "البلاغ"، "الجهاد" وأصبح أحد كتاب الحركة الوطنية إبان ثورة 1919 وألف كتابا عن سيرة الزعيم سعد زغلول عام 1936 رسم فيه طبيعته الخالدة علي مر التاريخ.
لا تخلو مؤلفاته من الفكاهة، ومن أعماله الفكاهية الجزء الأول من ديوان "بين محمد وعزوز"، وقصيدة "احتفال بميلاد الكلبة فلورا" و حتى مقالاته السياسة كان فيها الكثير من السخرية والفكاهة منها: "علوبه يكره الأوباش"، "يد من حرير ولكن بذراع من حديد".
انتخب لعضوية مجلس النواب مرتين وعين في مجلس الشيوخ مرتين، وكان عضوا في مجامع اللغة العربية بالقاهرة ودمشق وبغداد.
حصل علي العديد من الأوسمة وفى عام 1960 فاز الإنسان بجائزة الدولة التقديرية. فقال عنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر :" كنت دائما معجبا بالعقاد".
أما المكان المنُشىء لعبقرية الإنسان فهى" أسوان" حيث يلتقى الماضى بالحاضر والمتحف والبيت فيها يتقابلان والتاريخ بها حى يرزق:" ولعلى قد تنفست هذه الدروس من هواء الموطن قبل أن اقتبسها من صفحات الكتب"..
ويقول العقاد فى عمره":إننى لا أتمنى أن أصل إلى سن المئة كما يتمناه غيرى وإنما أتمنى أن تنتهى حياتى عندما تنتهى قدرتى على الكتابة والقراة ولو كان ذلك غداً"
توفي في 12/3/1964.
ففز بعلم تعش حيا به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياءُ.