أسد الصحراء

أسد الصحراء *

محمود القلعاوي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

[email protected]

بداياته

· ينتسب عمر المختار إلى قبيلة المنفه إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة.. وقد ولد عام 1862م في قرية جنزور بمنطقة دفنة في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية .

·  وقد تربى يتيماً حيث وافت المنية والده مختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة .

· تلقى عمر المختار تعليمه الأول في زاوية جنزور..  ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسى قطب الحركة السنوسية .. فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ..  ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى .

من محراب العلم إلى محراب الجهاد

· عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم .. فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911م وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي  كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة حيث قابل السيد أحمد الشريف .. وعندما علم بالغزو الإيطالي سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912م أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي .

·  وبعد الانتصار الذي تحققت لإيطاليا في الحرب  تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي  واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار في الوقت الذي قام أخاه الرضا مقامه في الإشراف على الشئون الدينية .

نظـم الصفوف

· وفى  عام  1923م  نظم صفوف المجاهدين وتسابقت جموع  المجاهدين إلى تشكيل الأدوار تحت قيادة عمر المختار .. كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح ..  وعندما ضاق الإيطاليون ذرعا من الهزيمة على يد المجاهدين أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد فسعوا إلى احتلال الجغبوب ووجهت إليها حملة كبيرة في 8 فبراير 1926م ..  وقد شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار ..  ولكن الرجل حمل العبء كاملاً بعزم العظماء وتصميم الأبطال .

·  ولاحظ الإيطاليون أن الموقف يُملي عليهم الاستيلاء على منطقة فزان لقطع الإمدادات على المجاهدين .. فخرجت حملة في يناير 1928م  ولم تحقق غرضها في احتلال فزان بعد أن دفعت الثمن غاليا .. ورغم حصار المجاهدين وانقطاعهم عن مراكز تموينهم  إلا أن الأحداث لم تنل منهم وتثبط من عزمهم والدليل على ذلك معركة يوم 22 أبريل التي استمرت يومين كاملين انتصر فيها المجاهدون وغنموا عتاداً كثيراً .

لدينا النظارة وسيتبعا الرأس يوماً ما

· هذا ما قاله غراتسيانى قائد القوات الإيطالية في ليبيا  عندما وجد أحد الجنود الطليان نظارة  الشيخ .. وفي 11 سبتمبر من عام 1931م .. وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في كوكبة من فرسانه  .. عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات ..  واشتبك الفريقين في وادي بوطاقة ورجحت الكفة للعدو فأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق  .. ولكن قُتلت فرسه تحته وسقطت على يده مما شل حركته نهائياً .. فلم يتمكن من تخليص نفسه ولم يستطع تناول بندقيته ليدافع عن نفسه  .. فسرعان ما حاصره العدو من كل الجهات وتعرفوا على شخصيته  .. فنقل على الفور إلي مرسى سوسه ومن ثم وضع على طراد الذي نقله رأسا إلي بنغازي حيث أودع السجن الكبير بمنطقة سيدي اخريبيش .. ولم يستطع الطليان نقل الشيخ براً لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم .

· وقد كان لاعتقاله في صفوف العدو  صدىً كبيراً  .. حتى أن غراسياني لم يصدّق ذلك في بادىء الأمر .. فقد كان  في روما حينها كئيباً حزيناً منهار الأعصاب في طريقه إلي باريس للاستجمام والراحة تهرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في برقة .. حيث بدأت الأقلام اللاذعة في إيطاليا تنال منه والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع .. وإذا بالقدر يلعب دوره ويتلقى برقية مستعجلة من بنغازي مفادها إن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان .. فأصيب  بحالة هستيرية كاد لا يصدق الخبر .. فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم وأخرى يخرج متمشياً على قدميه محدثاً نفسه بصوت عال ويشير بيديه ويقول: " صحيح قبضوا على عمر المختار ؟ ويرد على نفسه لا ، لا اعتقد "  .. ولم يسترح باله  حتى قرر إلغاء أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه بأم عينيه .

إن الحكم إلا لله .

· عقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة  الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م  ..  وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت.. وعندما ترجم له الحكم، قال الشيخ : " إن الحكم إلا لله … لا حكمكم المزيف ... إنا لله وإنا أليه لراجعون" .

مرحباً بالشــــهادة .

· بأن ينال الشهادة .. ففي صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 931م اتخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران .. واحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصاً من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.. واحضر الشيخ عمر المختار مكبل الأيدي وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر .. وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم ..  وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً سلم الشيخ إلي الجلاد .. وكان وجهه يتهلل استبشاراً بالشهادة وكله ثبات وهدوء .. فوضع حبل المشنقة في عنقه .. وفاضت الروح إلى بارئها ..

               

* رجعت في مقالتي هذا إلى ( موسوعة ويكيبيديا  الموسوعة الحرة ).