ياسمين شملاوي

وردة أخرى في كتائب الإبداع السرّية التي تتقن صنعها فلسطين

ياسمين شملاوي

[email protected]

شهيرة أحمد

هل آن الأوان لكي تنتبه البشرية؟

ولماذا لا تنتبه حين يضطر أطفال بحجم الحلم للكتابة عن الموت والقتل والقبور بدلاً من الكتابة عن الحب والفرح والعصافير الملونة؟

إنه طوفان الرعب، ذلك الطراز الهائل من الرعب الذي يمكنه أن يبلع وطناً كاملاً في "حملة استيطانية واحدة" ولا يغص، بل ينجب المزيد من الجنرالات بأسنانهم الصفراء وهم يطلقون العنان للكلاب كي تقتل شعباً أعزل إلا من إيمانه بحقه في الوجود والحياة.

كيف يمكن للأطفال، في هكذا مناخ، ألا يكونوا خائفين، مرعوبين، تمتلئ أحلامهم وأخيلتهم بجنود غلاظ شداد يسحقون تحت بساطيرهم الأحلام والرؤى والأوطان؟

***

في فلسطين يصح القول إن الإنسان يعاني من "الضائقة الإنسانية" وليس فقط من الضائقة المعيشية. فالاحتلال الذي يجسد في الفكرة والممارسة فكرة التفوق العنصري، لا يقزِّم فقط فكرة الحرية والوطن بل وفكرة الإنسانية أيضاً... ولعل الذي يزيد في مأسوية الحالة هو أن هناك صمتاً تاماً حيال ما يجري، والحال لا يملك الفلسطيني، الطفل هنا، سوى البوح والبوح إلى آخر ما في الروح من عذاب.

هكذا، تكبر فلسطين على جراحها، وتصر على نحو غريب  على الانحياز للحياة... والحديث هنا ليس عن الفعل الشعبي الجمالي الذي تمارسه فلسطين على مستوى الصمود والصبر، وهو فعل يستعصي على التوصيف، بل عن ذلك اليومي، البسيط، الخلاق، عن التفاصيل الحياتية الصغيرة التي تجترحها في "عناد إبداعي" يعز مثيله فعلاً في ظروف كهذه. عن بذور صغيرة، تنمو في تربة الإبداع مقاومة كل أشكال الموت والغياب، وترشف من نسغ التربة ما يعينها على البزوغ.

على نار هادئة ..

هناك على "نار الصبر" تُنضِجُ فلسطين أبناءها.. تلدهم تحت جمر يختفي في عباءة الليل.. يتسلح بفطرة العناصر وبقدرة البشريّ على اكتناه الجمال في قلب "بشاعة" تفرض حضورها ببذخ هائل. وها هي المدينة التي تتيه جمالاً ودلالاً على باقي المدن.. نابلس، مسقط القلب ومواعيد الصبا والهوى المشغول على مهله تحت أشجار الكينا والحور والصفصاف، تضخ ولادة أخرى في حبل الولادات السرّي الذي أتقنته منذ ألقى الظلام الأسود على هوائها رداءه الحالك.. ها هي نابلس تسهر على خميرتها، وتعمل رويداً رويداً على إنضاج ما فوقها بسرّانية وهدوء. وحين تكتمل الفكرة وينضج الإبداع تخرج مولودها وتطلقه في العلن ليجري في الحارات والشوارع عارماً، دافئاً، مثل مطر مشاغب.

إذاً، هذا هو الرد: إذا كنتم قادرون على محاصرتنا ومنع الماء والطعام عنا، فلن تستطيوا محاصرة أحلامنا ولن تمنعوا ماء الحياة عن إبداعنا وكتابتنا... سنكتب... ونكتب و... نغني وطناً هائلاً في حضوره فينا، وإذا كان أطفال فلسطين يختلفون عن جميع أطفال العالم، فلأن "كل أطفال العالم لهم وطن يعيشون فيه.. أما نحن أطفال فلسطين فلنا وطن يعيش فينا"، كما تقول  شملاوي، وهي وردة من كتائب الإبداع حصلت مؤخراً على جائزة أصغر كاتبة في الوطن العربي لعام 2009 من المنتدى العالمي للصحافة.

وياسمين ليست سوى واحدة من أطفال فلسطين الذين وجدوا في الكتابة متنفساً لأرواحهم، وكل واحد منهم يحاول "أن يبني روحه" بصورة مختلفة. وما تميزها في مجال الكتابة، إلا صورة من صور التفوق الأدبي والعلمي فضلاً عن الحياتي، التي يجترحها أطفال أنجبتهم فلسطين في نوع من التحدي، وكأني بها، ترد على الحصار بالإبداع، وعلى الموت بالحياة، وعلى التراجع السياسي بالعلم والإنجاز.

فلسطين.. لا غير

مبكراً عرفت الكاتبة الفلسطينية الموهوبة ياسمين شملاوي دربها، وما تريده من الكتابة، رغم تشابك الدروب في مدينتها نابلس واختلاط الجهات في وطنها فلسطين. كانت بوصلتها تشير إلى فلسطين، فلسطين فقط لا غير، ولم يكن هذا الخيار خيارها فقط بل أيضاً خيار والدها غسان شملاوي الذي زرع فيها حب النضال والتضحية من أجل الوطن، فسخرت كل قدراتها لهذه الغاية، ولهذا تعتبر فوزها "فوزاً وإنجازاً لفلسطين" بل وتهديه "إلى أرواح شهداء القضية الفلسطينية" التي تقول إنها قضيتها المركزية وهمها الأول والأخير.

وفيما تضم شملاوي إنجازها الجديد إلى سلسلة الألقاب والجوائز التي حصدتها منذ بدأت الكتابة في العاشرة من العمر، لا تنسى التأكيد بأن "كل ما تقوم به يأتي في سياق دورها الوطني في خدمة شعبها وبلادها".

تكتب ياسمين شملاوي الشعر باللغة الفصحى والعامية الفلسطينية، والقصة القصيرة وتتميز بكتابة القصة القصيرة جداً، ولها دراسات أبرزها دراستها حول واقع الأطفال الفلسطينيين تحت حراب الاحتلال. وأعمالها منشورة في مواقع ثقافية عربية وفلسطينية.

تقول ياسمين: إن الاحتلال هو المجرم الوحيد والحقيقي وهو المسؤول الأول عن الضياع والتشرد وعدم الحصول على طفولتهم البريئة كباقي أطفال العالم الحر. وهي تعتقد أن الطفولة "لا تعطى بل تؤخذ بالقوة كباقي الحقوق الوطنية المسلوبة"... وفيما الأقدام السوداء تشن غارتها الليليلة على الفجر المندّى فوق جبل عيبال، تكتب الصغيرة عن "حمار أم بلال" وعن  "زمن يسير إلى الوراء"، وعن صديقتها (مرام) التي اغتالت بسمتها بنادق الجند، وعن صلة رحم لا تصل:

=====

ولدت ياسمين شملاوي في مدينة نابلس. حصلت على لقب أصغر مقدمة برامج تلفزيونية وأصغر إعلامية وأصغر كاتبة فلسطينية باعتبارها حاصلة على عضوية اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين. وكرمتها عدة جهات ثقافية وإعلامية ونقابية في فلسطين. قدمت برنامجاً من إعدادها منذ كانت في الحادية عشرة  بعنوان "نادي الأصدقاء". وتقدم حالياً برنامجاً حوارياً بعنوان "مشاهد" يتناول قضايا اجتماعية وتربوية وحياتية. وقامت بإحياء عشرات المهرجانات الأدبية والاجتماعية والوطنية والسهرات الرمضانية. وشاركت في عروض مسرحية ومثلت في حلقات تلفزيونية هادفة، وقدمت للتلفزيون مجموعة من الدراسات تم إخراجها بحلقات تلفزيونية، وظهرت في مقابلات تلفزيونية وإعلامية مع معظم القنوات العربية وبعض القنوات العالمية.

عن : جريدة الاتحاد / أبو ظبي