إسماعيل أباظة
إبراهيم خليل إبراهيم
تزخر العائلة الأباظية بالعظماء الذين عملوا _ ومازالوا _ من اجل مصر وشعبها العظيم سواء فى المجال الوطنى او السياسى أو الثقافى أو الأدبى أو الفنى .. فمن منا ينسى عبد الرحمن أباظة الذى اسره الفرنسيين بعد مقاومته لهم مع أسرته الأباظية ؟ ومن منا ينسي شيخ العرب حسن أباظة … الأباظي المقدام الكريم صاحب الأربعين ألف فدان إبان حكم محمد علي والذي ضمه إلى أعضاء المجلس العالى ( مجلس الشورى ) ؟ ومن منا ينسي العالم الجليل و الشاعر المبدع سليمان أباظة الذي كان نائبا عن محافظة الشرقيه بمجلس نواب الأمة في عهد الخديوي توفيق ؟ ولا ينسى التاريخ الكلمة الوطنيه الخالدة التي ألقاها سليمان أباظة في أفتتاح ذلك المجلس حيث قال:
( ليس منا من قلد النيابه على علم بعظم واجباتهم الوطنيه و السياسيه إلا و عزمه إلى آداء الحق و حفظ الوعود و الرغبه في خدمة الأمة بما يجلب لها النفع .. يدرأ عنها الضرر فالوطن عزيز و محتاج إلى الإصلاح فلندخل الإصلاح من بابه و نأخذ فيه بأسبابه ) .
وفي وزارة راغب باشا عين سليمان أباظة وزيرا للمعارف وذلك عام 1884
ومن منا ينسي إبراهيم الدسوقي أباظة الذي نشر جرائم الإنجليز عام 1919 خلال عمله مأمورا للضبط بمحافظة الجيزة كما تولى المنصب الوزاري بصفه أصيلة عشر مرات و بالنيابه أربع مرات .
ومن منا ينسى الشاعر عزيز أباظة والمبدع فكري أباظة و الأديب ثروت أباظة و المهندس ماهر أباظة و .. و .. و أنطلاقا من عطاءات الأسرة الأباظية نجوب مع ذاكرة التاريخ لنتعرف على أحد أقطاب الأسرة الأباظية ألا وهو إسماعيل السيد باشا أباظة .. فقد ولد في عام 1854 - 1271 ه بكفر أباظة بمحافظة الشرقيه .
فى شرويدة أقيمت مدرسه خاصه لأبناء الأسرة الأباظية فألتحق بها إسماعيل ثم أنتقل إلى المدرسة الابتدائية ببنها عاصمة القليوبيه ثم مدرسة المبتديان فالمدرسة التجهيزيه ثم ألتحق بكلية الحقوق وحصل على الليسانس .
وبعد وفاة والده السيد باشا أباظة مدير عموم الوجه البحري عام 1292 ه عاد إسماعيل إلى مسقط رأسه و أشتغل بالزراعة وأنشا ببردين عزبة له ثم أختير معاونا لمديرية الشرقية و تدرج في الوظائف حتى شغل و ظيفة وكيل مديرية الشرقية .
و إسماعيل أباظه أول أباظي يشتغل بالمحاماة ثم عمل بالصحافه فتألق نجمه .. وعنه يقول أحمد شفيق باشا :
( لو كانت حياتنا النيابية إذ ذاك فى قوة الحياة النيابية فى أوروربا لكان إسماعيل أباظة باشا فى مصر يحاكى جيولوتى فى ايطاليا وكليمنصو فى فرنسا فكلاهما أهل قدرة فى تدبير الأعمال البرلمانية ومن الخطباء المفوهين القادرين وأهل الصراع )
وفى شهر سبتمبر عام 1894 أصدر إسماعيل أباظة جريدة الأهالى بهدف خدمة الوطن والشعب المصرى وكان يوزعها مجانا على طلاب المدارس وقد تميز بقلمه الحر ومقالاته الوطنية الجريئة الصادقة ولذلك أحبته القلوب وأجلته العقول لأن ماخرج من القلب وصل القلب … وعندما أنتخب عضوا بمجلس الشورى توقف عن إصدار الجريدة ولكنه واصل ممارسة الصحافة والكتابة من خلال عموده الشهير ( بيان لابد منه ) .
فى زمن إسماعيل أباظة كانت جلسات مجلس الشورى سرية فزود الصحفيين بالمناقشات التى تمت فى الجلسات مع أخبار الموضوعات .. وذات مرة عاتبه أحد الزملاء على ذلك فقال له :
إنا نشرع للأمة ويجب أن تعرف الأمة كل شىء ولاسبيل غير الصحافة .. ثم قدم أقتراحه إلى مجلس الشورى طالب فيه أن تكون جلساته علنية .. وبهذا يعد أول من قدم أقتراحا حول ذلك الأمر .. وبالفعل تحقق مطلبه خلال تولى الأمير حسين كامل رئاسة المجلس حيث جعل الجلسات علنية .
ناصر إسماعيل أباظة الثورة العرابية وقاوم الأحتلال البريطانى وندد بالسياسة الأستعمارية لعميد الأحتلال كرومر وأعوانه .
وفي عام 1907 عقدت الجمعية العمومية ورصدت رأيها في شئون متعددة ولم يرق كثير منها إلى اللورد كرومر فهاجمها وأتهمها بالتعصب ومن ثم كتب رسالته التي عرفت بالكتاب الابي ثم رفعها إلى جراي وزير خارجية انجلترا فقام إسماعيل أباظة بالرد على اللورد كرومر وأورد في رده النصوص المحرفة وأمامها النصوص الصحيحة و بذك كشف الألاعيب الخبيثة للورد كرومر ..
في الثالث و العشرين من شهر مايو عام 1907 عقد في النمسا المؤتمر الزراعي الدولي برئاسة الأمبراطور النمساوي و مثل إسماعيل أباظة مصر و الجمعية الزراعية في ذلك المؤتمر و قد كانت الجمعية الزراعية آنذاك الملجأ و المرشد للمزارعين و الفلاحين هذا بالإضافة إلى أن إسماعيل أباظة يعد من الوطنيين الذين فكروا في إنشاء الجمعية الزراعية ومن الأعضاء المؤسسين لها وقد وضع قانون الجمعية الزراعية والذي ظل مقرورا باسمه لمدة ثلاثين عاما تقريبا .
وبسبب الإدارة البريطانية عم الفساد داخل ربوع مصر عام 1908 فسافر أول وفد مصري برئاسة إسماعيل أباظة إلى انجلترا و قام الوفد المصري بنشر صحائف المستعمرين .
و لا ينسى التاريخ الوطني الخطاب الذي ألقاه إسماعيل أباظة في قاعة البرلمان الإنجليزي ونذكر منه :
( أننا لا نخشى لومة لائم إذا جاهرنا بحقيقة لا يجادل فيها أحد وهى أن النظامات التي وضعت لوزارة المعارف كان نصيبها الفشل و الخذلان وقد كان من مصائب تلك الوزارة التعسة أنه كلما أرتفع صوت الأمة بالشكوى زادت يدكم وطأة عليها )
وقوله :
( نريد خدمة أمتنا التي من جملة مطالبها .. الإصلاح النيابي و الإداري والتعليمي لنتمكن من إدارة شئؤننا بأيدينا تحت ظل الأستقلال التام )
وفي لندن ألتقى أسماعيل أباظة بوزير خارجية انجلترا و عرض عليه مطالب الأمة المصرية و التي تمثلت في الآتي :
1- جعل اللغة العربية لغة التعليم في المدارس
2- زيادة عدد المدارس العليا بهدف تخريج المزيد من الأكفاء
3- زيادة البعثات العلمية إلى الخارج
4-0 تشجيع التعليم الصناعي
5- تعيين المصريين الأكفاء في الوظائف العليا
6- طلب الحكومة النيابية
7- إعطاء حق النظر في قوانين المدارس لمجلس الشوري
8- أن يكون الفصل في القضايا الجنائية التي يتهم فيها الأجانب من حق القضاء المصري دون الأجنبي .
وبعد عودة الوفد المصري من انجلترا تحقق الكثير من هذه المطالب .
ومن المواقف الوطنية للقطب الأباظى نذكر أيضا .. طلبه بتوسيع المجالس النيابية وأشتراكها الفعلى مع الحكومة وأن يكون رأيها فطعيا لاأستشاريا .
فى عام 1909 أرسلت الحكومة خطابا إلى مجلس الشورى قيدت فيه حق توجيه الأعضاء أسئلة إليها فرفض إسماعيل أباظة ذلك الأمر وقاد حملة عنيفة مما أعاد للمجلس أختصاصاته وحقوقه وفي هذا الصدد نذكر قوله المأثور :
( أعطونا ما للمجالس النيابية الأخرى من حقوق وخذوا منا كل ما عليها من الواجبات )
في عام 1910 قاد حملة أخرى بسبب الأعتماد المالي في ميزانية الحكومة والذي تضمن بناء قشلاق للجيش البريطاني كما هاجم بريطانيا ووعودها المتعددة للجلاء عن مصر ثم الممالطة في ذلك .
أيضا في نفس العام أقبلت شركة قناة السويس على تجديد عقد أمتيازها فعارض إسماعيل أباظة وبالفعل رفض مشروع التجديد وتم أنقاذ مصر من خسارة فادحة كانت تنتظرها .
في عام 1918 تألف الوفد المصري برئاسة الزعيم سعد زغلول فألتقى إسماعيل أباظة معه بعد فترة من الجفاء فقال اسماعيل :
تخاصمنا قبل اليوم للمصلحة العامة ولهذه المصلحة نتصافى اليوم .
فقال الزعيم سعد زغلول :
عرفتك عظيما في خصومتك وعرفتك عظيما في صداقتك .
في عام 1919 طالب إسماعيل أباظة بقانون يقضي على غش الأسمدة وتحديد أسعارها .
في عام 1922 أنتخب إسماعيل أباظة وكيلا للجمعية الزراعية فإليه يرجع الفضل في تنظيمها ونهضتها وتأدية دورها على أكمل وجه فى ذلك الوقت
فى عام 1923 شكل الملك فؤاد الأول لجنة عرفت بلجنة الثلاثين لوضع الدستور المصرى وكان إسماعيل أباظة عضوا بها .
وحب مصر لم يغب ولو للحظة واحدة عن إسماعيل أباظة لأن هذا الحب يجرى مجرى الدم بعروقه فقد أنتابه مرض الزمه الفراش ومن فراش المرض أرسل رسالة إلى سعد زغلول ناشده فيها بجمع الكلمة وتوحيد الصفوف ولم الشمل من أجل مصر .
فى الثالث والعشرين من شهر يناير عام 1927 أعلنت عقارب الساعة رحيل القطب الأباظى إسماعيل أباظة إلى الدار الآخرة وتوارى جثمانه بمدافن الأسرة بكفر أباظة بمحافظة الشرقية .
فى الخامس عشر من شهر أبريل عام 1927 أقيم له حفل تأبين بدار الأوبرا بحضور القيادات السياسية والأدبية وطوائف الشعب .. ومن المرثيات التى قيلت فى هذا الحفل قول أمير الشعراء أحمد شوقى :
إلى الله ( إسماعيل ) وأنزل بساحة
أظل الندى أقطارها والنواحيا
وأقسم .. كنت المرء لم ينس دينه
ولم تلهه دنياؤه وهى ماهيا
وكنت إذا الحاجات عز قضائها
لحاج اليتامى والأرامل قاضيا
ونذكر أيضا قول الشاعر مطران خليل مطران :
إلى أهلها تنعى النهى والعزائم
فتى فوق ماتهوى العلى والعظائم
فكم موقف للزود عنها وقفته
تعانى صروفا جمة وتقاوم
كفى شرفا ذكر القناة ومرة
بدت منك حين البغى للعود عاجم
وقد عرفت منه الصحافة كاتبا
بليغا .. يحق الحق والبطل راغم
له فى تصاريف السياسية قدرة
ترد على أعقابه من يقاصم
وفى الثالث عشر من شهر مارس عام 1947 نشرت جريدة الأهرام كلمة للخديوى عباس الثانى جاء فيها :
( كان موت إسماعيل أباظة باشا الذى خبرت أثناء حكمى أمانته وقدرت له إخلاصه .. سببا لحزنى الشديد وأنى أعرب عن ذلك الحزن لأسرته .. إن إسماعيل أباظة من أكبر العيون فى مصر وقد كان من أولئك الذين عملوا ليصلوا الماضى بالمستقبل والذين كانوا يهيئون ترقية البلاد إلى المستوى اللائق بها وقد رأيته على رأس المعارضة فى الجمعية العمومية فكان أهم عنصر سياسى فى ذلك الوقت وقد أمتاز بالذكاء الحاد )
هذا هو أحد أقطاب الأباظية .. هذا هو واحد من المصريين .. عشق مصر فخلده التاريخ وحفظته الذاكرة الوطنية .
فرحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته .