عبد القادر الحسيني
البطل.. والمصير
بسام الهلسه
}إلى روح عبد القادر الحسيني،
وإلى روح "أبي" الذي قاتل
في "جيش الجهاد المقدس"
دفاعاً عن القدس، فجرح مرتين{
* كما يمضي البطل في الملاحم الإغريقية بثباتٍ لملاقاة قَدَرهِ المحتوم، مضى "عبدالقادر الحسيني" إلى قدره الذي تقرر في معركة "القسطل" في القدس يوم الثامن من نيسان- إبريل 1948م.
كان حينها في "دمشق" في مهمة يائسة لطلب التموين والسلاح ل"جيش الجهاد المقدس" الذي يقوده من "اللجنة العسكرية العربية" المنبثقة عن "جامعة الدول العربية"، وإذ بلغته أنباء معركة القسطل، فقد سارع بالعودة إلى موطنه "القدس" ليباشر بنفسه –كما تعود دائماً- قيادة رجاله في المعركة التي قُدّر له أن يستشهد فيها.
وتكشف الرسالة المقتضبة التي وجهها في السادس من نيسان ابريل 1948 (أي قبل إستشهاده بيومين)، إلى "عبدالرحمن عزام" الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتها، مدى معرفته بالوضع الصعب على الأرض، ومدى احساسه بخذلان القيادات العربية لشعب فلسطين رغم استبساله في المواجهة:
"إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي
في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح".
وقد بعث عبدالقادر بهذه الرسالة، لتبرئة ذمته أمام الأمة، إذ لم يكن يوماً من المراهنين على القيادات والأنظمة العربية التي كان يعرف حجم عجزها وارتباطها بالسياسة البريطانية المهيمنة على البلاد العربية حينذاك.
فمنذ وقت مبكر، ومن معايشته لتطورات القضية الفلسطينية بعد الحرب العالمية الأولى في بيت والده "موسى كاظم الحسيني"( رئيس بلدية القدس وزعيم الحركة الوطنية الفلسطينية حتى استشهاده في مطلع العام 1934م), ومن اطلاعه أي عبدالقادر على تجربة الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939م) التي قام فيها بدور متميز كقائد ل"منظمة الجهاد المقدس"، أدرك "عبدالقادر" عقم الرهان على قيادات أسلمت مصيرها ل"حُسْنِ نوايا الصديقة العظمى بريطانيا" كما جاء في الخطاب الذي وجهه الزعماءُ العرب لشعب فلسطين لوقف ثورته المتأججة التي أرهقت الاحتلال البريطاني، ودعوته الى "الإخلاد إلى الهدوء والسكينة"!
وكان رحمه الله يؤمن بعمق بأن على الشعب الفلسطيني أولاً أن يتولى زمام قضيته بنفسه، كرأس حربة في مقاومة الأمة، فيما على شعوب الأمة العربية أن تمده بالإسناد والدعم خصوصاً بالمال والسلاح المفتقدين لديه بسبب سياسات الاحتلال البريطاني التي كانت تلاحق الوطنيين الفلسطينيين فيما تطلق أيدي العصابات الصهيونية لتمكينها من بناء نفسها والتفوق على العرب.
ولقد تأكد لديه هذا الإيمان من تجربته الشخصية خلال دراسته في "الجامعة الأميركية" في بيروت التي طرد منها لنشاطه الوطني، ثم في القاهرة التي درس في جامعتها الأميركية "الرياضيات والكيمياء"، وكذا من تجربته عندما لجأ إلى العراق للعلاج من إصاباتٍ تعرض لها في إحدى المعارك، حيث التحق هناك بدورة ضباط في الكلية العسكرية وشارك أحرار العراق معركتهم الوطنية ضد الإنجليز في العام 1941، فاعتقل ونُفي إلى "زاخو" ثم إلى "العمارة"، ليلجأ بعد الافراج عنه إلى السعودية التي سيعود منها إلى مصر في العام "1946" ليباشر الإعداد للعودة إلى الوطن التي تمت أواخر العام 1947م, فيعيد بناء "جيش الجهاد المقدس" لمواجهة العصابات الصهيونية التي كانت مكتملة الإعداد للحرب وإعلان "دولة إسرائيل".
ولكن، ورغم خبرته متعددة الجوانب: السياسية والعسكرية والعلمية والتنظيمية والإعلامية، ومكانته القيادية والعائلية، وكذا بسالته الشخصية وقدراته التعبوية المُجربَة خلال المعارك العديدة التي خاضها وأصيب فيها، إلا أن مصيره كان قد تقرر قبل أن يبلغ الأربعين من عمره، تماماً كمصير شعبه: في مكاتب السياسة الاستعمارية والإمبريالية الدولية، وفي قصور الحكام العرب، قبل أن يتقرر في ميادين المعارك.
وهو مصير ما زال الفلسطينيون مصممين على تغييره، ليقرروا مصيرهم الآتي في الظفر بالحرية والوطن.
ومن بين عشرات الآلاف من شهدائهم
وشهيداتهم الذين كتبوا وكتبن بدمائهم الغزيرة والعزيزة، صفحات تاريخهم المعاصر على مر الأجيال،
يخفق اسم "عبدالقادر الحسيني" عالياً.