الدكتور ناظم القدسي
الدكتور ناظم القدسي
أخر رئيس جمهورية شرعي لسورية
مع رحيل رائد من رواد المدرسة الدستورية العربية الساعية إلى الوحدة.
القدسي من مدرسة رفضت الديكتاتورية والجمهوريات الملكية.
بقلم : غزوان مجج الأتاسي *
طوت يد المنون في عمان وفي السادس من شباط 1998 م رائداً من رواد المدرسة الدستورية العربية ، المرحوم الدكتور ناظم القدسي الرئيس الشرعي للجمهورية العربية السورية (1961 ـ 7 آذار 1963) تلك المدرسة التي سعت جاهدة لتحطيم آثار معاهدة سايكس ـ بيكو وتذليل الحدود المصطنعة بين الدول العربية وخاصة الفاصلة بين بلاد الشام والعراق بحكمة وهدوء وتعقل ، ومع كل أسى وحسرة ، كانت بعض الدول العربية لمغنم شخصي أو إقليمي أو خشية فقدان كياناتها المصطنعة تقف مع فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية مستخدمة الزعامات الرخيصة النفوس الضعيفة والعساكر ـ التي تخشى ذوبانها في اتحاد عربي متماسك ـ والرضع من الفساد والتفرقة ضد هذا التوجه القومي السليم . وهكذا وقفت الرجعية القبلية والتقدمية الكاذبة والشعوبية الحزبية جنباً إلى جنب مع الحقد والصهيونية والشيوعية والإمبريالية لتقف صفاً واحداً أمام طموحات المدرسة الدستورية ناعتة إياها بكل افتراء قبيح بينما تسارعت موجات شذاذ الآفاق الصهاينة بالهجرة إلى فلسطين لخلق مشكلة مستديمة طيلة هذا القرن وبناء قاعدة استعمارية تحرس مكتسبات حلفاء الشر والتعاون .
زحفت الرئاسة إليه بإرادة شرعية شعبية عارمة متمثلة في مجلس النواب العربي السوري المنتخب في خريف عام 1961 م إثر انفكاك الوحدة بين سورية ومصر، دون أن يزحف إلى المنصب والرئاسة بانتهازية استخدام سلاح الشعب ، أو غوغائية الحزب الواحد أو الطائفة أو الإقليم أو استهلاكية الشعارات البراقة والعمل بعكسها ، أو الزعم بالحصول على نسبة 99 , 99 % من أصوات الناخبين أو زواجه القسري الكاثوليكي مع كرسي الحكم .
يبدو أن الفقيد لم يحتمل متاعب الشيخوخة وإرهاصات الفتنة المحيطة بالعراق والأمة العربية حول مشروعية تفتيش القصور الرئاسية من عدمها ، وهو الموقع نيابة عن سورية عام 1945 على ميثاق الأمم المتحدة المسكين الذي تذبح الشعوب وتنهب ثرواتها وتنتهك أعراضها تحت هيكله ، فتوقف قلبه عن الخفقان دون أن يتوقف فكره عن الشموخ وأمله عن العمل المخلص لوجه الله والوطن بما ترك من مثل وقيم وطنية وقومية حقه ، ورؤية موضوعية متجردة مخلصة لمشروع وحدة أو اتحاد عربي بين بلاد الشام والعراق كان أول من دعا إليها مع مجموعة من الأخيار ضمهم حزب الشعب ومدرستهم الدستورية العربية بزعامة فخرية للرئيس الراحل هاشم خالد الأتاسي وقيادة فعلية للعميد الراحل رشدي الكيخيا مع صفوة الأساتذة الجامعيين والمثقفين السوريين منذ عام 1948 إلى جانب أقرانهم العرب في العراق وبلاد الشام .
كان الفقيد رئيساً لمجلس النواب السوري 1955 / 1956 وكنت واحداً من ضمن مئات يرقبون الجلسة التي تم فيها تمرير قانون عمالي المستفيد الأول منه عمال شركة نفط العراق في سورية ، ودوت الشرفات بالتصفيق لتمرير القانون ، فيطرق بمطرقته طرقتين قائلاً : " لا استحسان ولا استهجان ، نتابع أعمال الجلسة " وبمعنى أوضح فإنه قد أشار إلى أن العبرة للشرعية لا للشعارات الغوغائية التي انتقلت وتنامت في العواصم العربية مع تنامي الفوضى والاستبداد والاستبعاد والتسارع في استنزاف الثروات العربية .
لنلقي نظرة موضوعية على شخصية الراحل بجسده والخالد بمثله وقيمه وفكره ومنها :
1 ـ الأمانة في التعامل والإيمان والثقة بالله والتواضع : قدم إليه مالك أرض في (خان شيخون ـ محافظة حلب) يشكو إليه جاراً له قد تجاوز على ملكه ، وطلب منه أن يكون وكيلاً محامياً عنه في الموضوع ، فما كان من القدسي بعد أن استمع إلى بينة الشاكي إلا أن طلب منه أن يقسم يميناً على القرآن الكريم بأن كل ما أفاد به إنما هو صدق وحق وذلك قبل أن يقبل الوكالة عنه ، وبعد أن أقسم ، استدعى الخصم وقام بحل الخلاف ودياً بين الجارين وقبل أن يصل الأمر إلى القضاء فالعبرة لديه ولدى أمثاله من المحامين الحق والعدل ، وليس القانون أو المردود المادي من القضية ، ولما سأله أحد أقاربه عن ضرورة الحراسة وهما ذاهبان إلى صلاة الفجر في المسجد القريب من سكن الرئيس أجاب أن الذي يتوجه إلى الصلاة لربه لا ينبغي عليه إعلام أحد وليس له أن يخشى أحد . لقد ملأ التواضع قلبه فعلاً حيث طلب من المعزين عدم الإعلان في الصحف والتبرع بأجورها لدور البر والإحسان ، وذلك عند وفاة زوجته في العام الماضي ووصيته له بمثل ذلك نفذت حين وفاته .
2 ـ الموضوعية في العمل الوطني : دأب المرحوم القدسي مع مجموعة نواب حزب الشعب والكتلة الدستورية والمستقلين المتجردين عن المنافع على ترسيخ مبدأ سمو الدستور ، وعدم جعله ألعوبة لتجديد الرئاسة ـ ودستور سورية لعام 1950 م (والقدسي أحد صانعيه) أرقى من أي دستور عربي وضع في هذا القرن ـ وتفعيل مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء وتكافؤ الفرص وحماية المصالح الوطنية مما أزعج فرنسا بشكل خاص ، يذكر (باتريك سيل) في كتابه (الصراع على سورية) أن القدسي قد صرح له بتاريخ 3 / 11 / 1960 في معرض الحديث عن وزارته 1950 / 1951 بما يلي : " لقد وجدوا أنهم (الفرنسيون) لا يمكن أن يحتملوا كوننا نعمل من أجل الوحدة العربية ، وكانوا يخشون أيضاً من أن نعمل على انتزاع بنك سورية ولبنان من سيطرة فرنسا ، إن حكومتي هي أول من أمم المشروعات الأجنبية في الشرق الأوسط ، لقد استولينا على شركات المياه والكهرباء في حلب ، وشركة الكهرباء الفرنسية في حمص (وحماة) وشركات الكهرباء والنقل الإنجليزية في دمشق وإدارة حصر التبغ الفرنسية ، فاعتقد الفرنسيون من ثم أن لدينا بالنسبة للبنك خططاً مماثلة " ص 145 .
ولم يرضخ القدسي ومدرسته لابتزاز العسكريين وأصحاب المصالح الضيقة وتعرض وزملاؤه للسجن والاغتراب والإبعاد منذ عهد الانتداب الفرنسي حتى يومنا هذا وكان شرف الخصومة والخلاف في الرأي من الآخرين يمنعهم من استخدام القوة والقمع والتنكيل بالمعارضين ، بالوقوف الذي استخدم فيه خصومهم كافة أصناف التضليل وأخس أصناف الافتراء والانتهازية ساعين لمصالحهم الشخصية والحزبية على حساب الوطن ، وأصدق دليل على ذلك رفض القدسي مجابهة القوات المتآمرة على الشرعية في 8 آذار 1963 بقوة السلاح حقنا للدماء ، بينما لم يتورع القائمون على الحكم أثر هزيمة حزيران 1967 من إلقاء القبض على زعماء البلاد الشرعيين الذين أسهموا في استقلال البلاد ونهوضها من أمثال رشدي الكيخيا ، رشاد جبري ، أحمد قنبر وزجهم في سجن تدمر عوضاً عن رص الصفوف لإنقاذ الجولان السوري المحتل من قبل الصهاينة.
3 ـ الموضوعية في العمل الإداري : أبقى الرئيس القدسي على ثلاثة من المحافظين من عهد الوحدة بين سورية ومصر نظراً لموضوعيته في التعامل ، بالرغم من معرفته التامة بميولهم إلى سياسة عبد الناصر، وعرفهم أننا طلاب وحدة من قبل أن تقوم في مصر حركة انقلابية عام 1952 وقال لهم آثرت أن أبقيكم في مناصبكم لأنكم تقومون بعملكم بكفاءة واستقامة ومن المؤسف أن واحداً من هؤلاء المحافظين كان من أعمدة المشاركين في انقلاب 8 آذار 1963 على الحياة الدستورية ورئيسها نظام القدسي ، وما هي إلا أشهر حتى زج البعثيون بشريكهم في السجن بعد أن فتكوا بزملائه (الناصريين) في صيف 1963 رمياً بالرصاص بمحاكمات ميدانية مؤسفة لم تستغرق اليوم الواحد . وبعد المحنة أصبح المحافظ من (المؤمنين) بالديمقراطية ، حسبما ذكر، كغيره من (الثوريين) وما أكثرهم ، أثر فشله بالحصول على السلطة أو زوالها وما زالت مصيبة العالم العربي كامنة في ازدواجية الشخصية لدى الكثيرين من المتهافتين على المنصب وبارزة عند توليهم السلطة أو إخراجهم منها .
4 ـ الموضوعية في السياسة العربية وسياسة الود مع لبنان والأردن والعراق والعمل لوحدة أو اتحاد : إن ديمومة المؤسسات الدستورية في لبنان منذ استقلاله لم تتعرض للاهتزاز إلا عام 1958 في الصيف الأول من قيام الوحدة بين سورية ومصر، حيث قامت حرب أهلية وتكررت المأساة عام 1975 مما سنح للصهاينة تهييج واستغلال النعرات الطائفية واحتلال جزء من الأرض اللبنانية والتدخل في كافة الشؤون اللبنانية ، لقد حرصت المدرسة الدستورية العربية السورية على نقاء العلاقات مع لبنان وتمتين الروابط معه دون تدخل في خصوصياته ، وكانت الصلاة الوثيقة والمعاملة الندية على كافة المستويات الشعبية والرسمية بين سورية ولبنان خير ضمان لأن يبقى لبنان سائراً في ركاب المدرسة الدستورية العربية التي تجاوزت الطائفية والمذهبية والإقليمية ومع إيمان راسخ بسياسة حسن الجوار والمصلحة المشتركة وانتماء قومي عربي أصيل وضرورة العمل لوحدة أو اتحاد عربي بين أقطار بلاد الشام والعراق حمل القدسي مشروعه الاتحادي العربي إلى الجامعة العربية 1949 وإلى المرحوم الملك عبد الله بن الحسين وإلى المملكة العراقية 1950 / 1951 .
لا يخامرني شك بأن إعلام هذه المدرسة ومن سار على دربهم وكل عربي وإنسان عاقل منصف قد ساءهم ما جرى من عسف وهمجية وقتل للأبرياء في مجزرة قصر الرحاب وانقلاب تموز 1958 في العراق ، مثل اشمئزازهم من الحوادث المشابهة في نجد والحجاز والأحساء واليمن ومصر وسورية ولبنان والجزائر.. ودير ياسين وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وقانا والقدسي أحدهم دون شك ، لكن هذا لا يمنع رجل الدولة الحصيف أن يضع المصالح العربية العامة فوق النظرة الشخصية ويجتمع بمحاوره الرئيس العراقي (عبد الكريم قاسم) في (الرطبة) شتاء 1962 / 1963 قبيل وقوع الانقلاب على الأخير في 8 شباط 1963 وذلك من أجل التقارب السوري العراقي وخدمة مصالح الشعب العربي الواحد ، وهذا ما لم يفعله الحزب الواحد (حزب البعث) حيث العلاقات العراقية السورية ، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً ، لم تمر في هذا القرن بأسوأ مما مرت به خلال العقدين الأخيرين في عهد الحزب المتفرد بالسلطة في كلا البلدين بينما كان عميد حزب الشعب المرحوم رشدي الكيخيا يقول في صيف 1950 : " ولكن هل من الخيانة أن نطلب اتحاداً فيدرالياً أو وحدة مع بلد شقيق ؟ نعم إننا نطالب باتحاد فيدرالي أو وحدة مع العراق ، لقد قلنا ذلك ونقول ذلك الآن .. أين يمكن لبلد صغير كبلدنا أن يجد الخلاص إن لم يجده في الوحدة " ص 133 المصدر السابق نقلاً عن جريدة لوريان .
وأدراك العلة لا يحتاج إلى عناء ، لأن القدسي ومدرسته تستمد رصيدها من الجموع الشعبية العارمة المتنوعة والمجردة من المصالح الخاصة في كل من العراق وبلاد الشام ، وسلطته في الحكم كانت قد نبعت من اختيار نيابي دستوري حر صريح ومنافسة معقولة . تطوع المرحوم القدسي إلى الإسهام والعمل والخدمة في الحقل العام بفضل علم ورؤية صادقة وتجرد ونزاهة وإحساس بما ينفع مواطنيه الذين أولوه الثقة على الدوام في المجالس النيابية التي جرت في أجواء ديمقراطية وفاز فيها عن مدينة حلب في المجالس ، 36 ، 47 ، 49 ، 54 و 1961 ، كما فاز برئاسة الجمهورية بانتخاب نيابي مشهود ، لا بكذبة كبرى لفئة أو فلسفة خنفشارية لحزب أو حركة وصولية والزعم بالفوز لحصول المرشح الوحيد على نسبة 99 ,99 % من الأصوات وهي نسبة لم يحصل عليها أنبياء الله أو القدسيون .
5 ـ مبدأ الصدق : إن أهم ما يميز أصحاب هذه المدرسة هو الصدق في كل أمر، صدق في الانتماء وفي المبدأ والعمل والشعور مع الآخرين وابتعاد عن الرخص في الشعارات وعدم المساومة على المسلمات الدستورية الأساسية التي تكفل حرية الرأي والتعبير وتضمن احترام حقوق الإنسان والنزاهة في التصرفات والعفة عن المال العام والزهد في المنصب وأخلاقيات قل نظيرها عند معظم الحكام في عالمنا العربي المعاصر.
الأستاذ الدكتور (سامي صقار) العراقي المتقاعد ينشر مقاله في الأردن بعنوان " حقائق تاريخية " الرئيس ناظم القدسي والوحدة العربية ـ شيء من الذكريات لينصف الراحل من خلال حضوره لبعض من مواقف القدسي ، والأردني أ . عبد الله كنعان يشيد بمزايا الفقيد إلى " قدر رجالات سورية أن يكون تكريمهم بأن يموتوا خارج وطنهم " والكاتب السياسي البريطاني (باتريك سيل) يكتب مقالاً بعنوان " dreams of arab unity nazim al - gudsi ـ ناظم القدسي ، أحلام حول الوحدة العربية " وغيرهم .. بالوقت الذي لا يعلم فيه الكثيرون من ابناء سورية الذين ترعرعوا في فترة التغييب من هم جهابذة المدرسة الدستورية العربية السورية التي كافحت لنيل الاستقلال والرئيس القدسي واحد من روادها .
ثمة ملاحظات ثلاث من المفيد التفكر بها في هذه المناسبة .
الأولى : لمصلحة من كان الانقضاض على الحياة الدستورية البرلمانية السورية ؟
والثانية : لمصلحة من توتر العلاقات السورية عربياً ودولياً بصورة شبه مستمرة في غير العهود الدستورية ومن المستفيد من ذلك ؟
والثالثة : ما السر في حدوث الانقلابات وتأزم العلاقات إثر كل تقارب عربي ، ولمصلحة من ؟ وماذا نسمي المنفذين لذلك ؟ إن جميع المنفذين إضافة للعاملين وراء الستار يخشون المدرسة الدستورية التي تركت وأثبتت على قصر الفترات التي حكمت بها جزئياً 1950 / 1951 / 1954 / 1955 / 1962 بصمات لا تنسى في الصدق والوطنية والأمانة على أرواح المواطنين وكراماتهم والمال العام .
يعزز هذه الملاحظات ظاهرة تستحق الدراسة من مؤسسات عربية وإنسانية موضوعية علنا نأخذ العبرة ونتجاوز ما نوصم به من صفات تلصق بالدول عديمة النماء ، الأمر الذي يضطر الحاكمين إلى السكوت والصمت عن حقوق الأمة المنهوبة من نفط ومياه وتتجلى هذه الظاهرة باغتيال أو وفاة أو إبعاد أو اغتراب الساسة السوريين والعاملين بالحقل العام خارج سورية ، عدا عن الذين اغتيلوا أو تم تصفيتهم داخلها وعلى رأسهم الشهيد الدكتور عبد الرحمن شهبندر وعدد لا يحصى من الشهداء في فترة الانتداب ، وأكثر منهم في فترة الاستقلال ، ومن هؤلاء الساسة الذين وافتهم المنية خارج سورية وفاة أثر الغيظ أو المرض أو الاغتيال نذكر بعضاً من الرؤساء والوزراء والنواب والساسة على اختلاف أحزابهم ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ في الفقرة التالية ، لأنهم بنظر دستور 1950 متساوون أمام القانون ولا يجوز إبعادهم عن وطنهم كما لا يجوز سجنهم بدون حكم قضائي صادر عن القاضي الطبيعي إثر محاكمة علنية تتوافر فيها أسباب العدالة .
لقد سبق الرئيس القدسي إلى دار الآخرة في ديار بعيدة عن مسقط الرأس خارج سورية الرئيس شكري القوتلي حزب وطني ، ورشدي الكيخيا عميد حزب الشعب ، ود . عدنان هاشم الآتاسي حزب الشعب ، وعبد الفتاح أبو غدة ، إخوان مسلمون ، وخالد العظم ، ديمقراطي ، وميشيل عفلق حزب البعث ، وأكرم حوراني البعث العربي الاشتراكي ، د . نور الدين الأتاسي حزب البعث ، غسان جديد حزب قومي سوري ، قتل ، أديب الشيشكلي ، حزب التحرير قتل ، محمد عمران حزب البعث قتل ، صلاح البيطار حزب البعث قتل .
نزار صباغ ، الإخوان المسلمون قتل ، بنان علي الطنطاوي (زوجة عصام العطار) قتلت طبقاً لعنوان سكن زوجها .. إلخ لأن القائمة طويلة وطويلة جداً .، جزى الله كلاً منهم بعمله .
رجعت النفس المطمئنة للقدسي إلى بارئها الذي هو أدرى بها ، وبقيت رؤيته ونظرة مدرسته الثاقبة التي عرضها على الجامعة العربية منذ نصف قرن صالحة لأمسنا ويومنا وغدنا ، ولو اتبعت لما اعترانا الهوان من كل جانب مع ديون مالية ثقيلة وهي " هم في الليل وذل في النهار" ومن العجب أننا في زمن تسير الأمور فيه لتكريم ما بعد الكماليات ونسيان الأساسيات أو تناسيها ومع كل أسى وحسرة أخذ التكريم يحيط بلاعبي كرة فارغة منفوخة ، أو جميلة أو مغن أو غانية أزياء أو ممثلة أو تسلط المحطات والأضواء عبر الأقمار على مثل ذلك وما هو أتفه من ذلك .
إن حق تكريم الفقيد وفكره وتقويم عمله واجب شعبي ورسمي وقومي وخاصة من أولئك الذين يدعون الموضوعية وخدمة المصلحة العامة ، سواء كانوا من العاملين في الجامعة العربية أو الحكومات الوطنية أو النتديات والمؤسسات الفكرية أو العاملين في الحقل العام .
إن المنصف لا يطمح من التكريم مصادرة مقبرة أم الحيران ـ حيث سقى الله ثراها وهي تضم القدسي إليها ـ ليجعل منها مزاراً يوقد فيه البخور ويغشاه السخف والخرافة ـ لا سمح الله ـ أو إقامة تمثال يلقى مصير الأصنام التي حطمها إبراهيم عليه السلام ، أو أن يرد للفقيد بعضاً من لواعج الشوق لمسقط رأسه (حلب الشهباء) على مدى خمس وثلاثين عاماً ، إنما يتوخى أن يسمع الصدق ويتفكر به ويعمل ويسعى لما فيه خير نفسه ووطنه وأمته ، إن التكريم تخليد للفكر الحر المجرد الذي نادى بوحدة أو اتحاد بلاد الشام والعراق كنواة لتكامل عربي اشمل ، وهذا التكريم يجب ألا يتراخى مع الزمن كما تأخر تكريمنا قروناً للفيلسوف العربي ابن رشد الذي استفادت من علمه أوروبا وخسرنا من سجنه واضطهاده في حياته ، وندمنا على ذلك بعد وفاته ، ولا يجمل بالرجال الأوفياء الأشداء الندم خاصة وإن المدرسة الدستورية العربية لم تخطئ في فكرها ولم ولن تندم على عملها لأنه كان خالصاً للحق وللوطن .
* مستشار في القانون الدولي