الأستاذ الدكتور عناد غزوان
الأستاذ الدكتور عناد غزوان
د. عناد غزوان |
حازم ناظم فاضل |
يعد الدكتور عناد غزوان من أهم النقاد والأكاديميين العراقيين الذين ظهروا منذ تأسيس العراق الحديث، وقد حاز على شهادة الدكتوراه من المملكة المتحدة، وكتب وترجم العديد من الكتب النقدية، وتخرج على يديه الكثير من الأساتذة والباحثين اللامعين في قسم اللغة العربية في كلية الآداب جامعة بغداد.
وهو ابرز رموز الوسط الثقافي العراقي ومن ابرز النقاد في العراق وعدت مؤلفاته الكثيرة في مجال الترجمة والبحوث الأدبية تأسيسا لخطاب نقدي جديد.
ترأس الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق وأصبح رئيس جمعية المترجمين للفترة من 1989 لغاية 1998 وعضو رابطة نقاد الادب (1) .
وهو ناقد وباحث ، ولد في مدينة الديوانية سنة 1934، وبدأ النشر في الصحف 1953 ، حصل على شهادة الدبلوم العالي من جامعة رونك بانكلترا 1959 ، وعلى شهادة التعليم من نفس الجامعة 1960 ، وعلى دكتوراه فلسفة في الادب العربي من جامعة (درم) بانكلترا سنة 1963 ، عين في عدة وظائف ، معاون العميد في شؤون الادارة بكلية التربية 1967 وعميد كلية اصول الدين 1973 ، ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الاداب 1990-1993.
من مؤلفاته المطبوعة :
أكثر من خمسة وعشرين كتاباً توزعت بين الدراسة والنقد، تأليفاً وترجمة ومن هذه الكتب المطبوعة :
(1) الشعر والفكر المعاصر، سلسلة كتاب الجماهير، منشورات وزارة الاعلام، بغداد، 1974م.
(2)مكانة القصيدة العربية بين نقاد والرواة العرب ، مطبعة النعمان، النجف، 1387هـ ـ 1967م.
(3)دراسات فى الشعر الجاهلى ، دار مجدلاوى للنشر والتوزيع، عمان ، 2006.
(4) خمسة مداخل إلى النقد الأدبي،تأليف : سكوت ويلبريس ترجمة وتقديم وتعليق: عناد غزوان إسماعيل وجعفر صادق الخليلي، دار الرشيد للنشر، بغداد1981.
(5) أصداء ، دراسات أدبية نقدية ، دمشق ، 2000 .
(6) أسفار في النقد والترجمة ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد 2006 .
(7) لوركا مجموعة مقالات نقدية ، اعداد و تحرير ما نويل دوران ، ترجمة د . عناد غزوان ، جعفر الخليلي ، وزارة الثقافة والاعلام ، الجمهورية العراقية ، ط1 ، 1980 .
(8) الشعر ومتغيرات المرحلة ، الدار العربية للموسوعات، بيروت ،1986 .
(9)نقد الشعر في العراق بين التأثرية والمنهجية .
(10) بناء القصيدة في شعر الشريف الرضي.
(11) المرثاة الغزلية في الشعر العربي
(12) آفاق في الادب والنقد ،الدار العربية للموسوعات ،بيروت ،1990 (2).
وافته المنية في 9 من تشرين الاول 2004 في بغداد .
وقد اثنى عليه جمع غفير من العلماء الافذاذ والاساتذة الذين تتلمذوا على يده ، نذكر منهم :
(1)الاستاذ الدكتور ناظم عودة :
تسنى لي أن أتتلمذ على يديه لمدة ست سنوات في البكالوريوس والماجستير، مع صداقة صافية امتدت منذ 1985، كنت خلالها خير مراقب لسلوكه الشخصي والثقافي. وكان يحمل في عقله وتفكيره الإشكاليات الدائمة للنقد الأدبي لدى العرب قديماً وحديثاً (3).
(2) الاستاذ الناقد حاتم الصكر :
تشتبك معرفتي بالكاتب والأكاديمي الدكتور عناد غزوان عبر أواصر عديدة، فهو الصديق الكبير على مدى سنوات من تعارفنا ببغداد التي استقر فيها أستاذا جامعيا بعد إكمال دراسة الأدب العربي في بريطانيا، وهو أستاذي في مرحلة الماجستير، وعضو لجنة مناقشة رسالتي، وزميلي في اتحاد الأدباء العراقيين وهيئاته النقدية، ورفيق سفر في كثير من المؤتمرات والندوات ببغداد والموصل والبصرة وبابل والكوت وخارج العراق أيضاً.
ولكن عمله كزائر في جامعة صنعاء أواخر التسعينيات كان الفرصة الأكبر للتعرف على سجاياه الإنسانية والعلمية لفائض وقته وقربه من سكناي، فتعززت صورته التي لم تفارق مخيلتي: جادا، متواضعا، محبا للناس بدفق إنسانيته وبشاشته وتعامله الودود مع كل ما في الحياة من مواقف، فأنت لا تستطيع أن تستعيد صورته إلا بابتسامته المطلة من وجهه المؤطر بنظارته، وبصوته المسبوق بضحكة صافية، وبنبرة فصيحة ذات أثر في النفس. فسرعان ما يشيع عناد غزوان المرح والبهجة في مجلسه، في قاعة الدرس كما في مكتبه بالقسم أو في محاضراته الأدبية ومداخلاته النقدية(4).
(3) الأستاذ الدكتور عقيل مهدي يوسف
عناد غزوان مؤسسة في رجل، أو عزف أوكسترالي، ترك نوطته من بعده على شكل كتبٍ، ومخطوطات وأصداءٍ متموجة لانهائية. هذا الجانب الصوتي المميز من شخصيته ربما جاء سبباً ونتيجة لدراسة الأدب الجاهلي وتدريسه لثلاثة عقود ونيف مع النقد الأدبي. وهو الذي يعلل شغفه الكبير باصطياد النافر من المفردات اللغوية بطرديات منهجية، محكمة، تراه تارةً يعكف على الزمان، وتتالي حلقاته التاريخية وأخرى يمعن في رحلات المكان، فيتلقف اللغة الأجنبية من مظانها.
جمعتنا المودة، وفتح لي بوابة كلية الآداب لأقف مناقشاً في القسم الذي يترأسه، أطروحة للدكتوراه تخص الأدب المسرحي في العراق، ومعنا فطاحل العربية، (الاستاذ الدكتور داود سلوم وعمر الطالب، وجميل نصيف، وضياء خضير). وكان من غبطتي أن اشتركت معه في مناقشات مماثلة في كلية الفنون الجميلة، لأكثر من ثلاث اطاريح للدكتوراه. ولولا الحياء الجامعي تمنيت لو أسندت له دوراً في مسرحية رصينة، فهو يمتلك أدوات الممثل (الصوتية) وقوامه المتطاول، وتعبيرات وجهه التي يتحكم فيها مازحاً أو مغضباً، وهو من الطراز الأول الذي يطلق عليه (فنان الشعب) الذي عهدناه في مسارح البلدان الاشتراكية.
وقلة من الناس تدرك أهمية فنان الشعب، ومدى عمقه الحضاري المرموق هناك لأسباب حضارية ابتليت بها امتنا حين تنكبت مسار التمدين والرقي. كان قيمة أكاديمية رفيعة المستوى، وكياناً رصيناً، وطاقة خلاقة، وفكراً خصباً، ووعياً نافذاً حاداً، وشخصية مؤثرة (5).
(4) الدكتور محمد حسين الأعرجي:
سبيلاً آخر للإطلال على ظل هذا الشاخص العظيم فرأى ان الدكتور عناد غزوان هو خريج”ندوة الثلاثاء “ التي أسسها شاعر ثورة العشرين محمد مهدي البصير.. وهي ندوة كانت تدرس جمع المعاصرة بالتراث والحداثة بالقدامة والعالمي بالمحلي حتى إنك حين تقرأ شعر محمد مهدي البصير تجد أنّك بإزاء شاعر درج في ثنايا التراث”وكأنه من شعراء البدو “ ثم تقرأ له ترجمة بالفرنسية عن الشاعر ريلكه!
هذا المعلم الذي أحدث بنية تواصلية في قلب الثقافة العربية الأحادية ، تبعه تلاميذ ومريدون كثر من أبرزهم علي جواد الطاهر وجلال خياط وعناد غزوان وآخرون.
وهكذا نجد عناد غزوان وهو يضع قدماً راسخة في التراث وقدماً أخرى في المعاصرة بجمع الخطا بينها في بوتقة واحدة فهو حين يكتب اطروحته في الدكتوراه في القصيدة العربية التراثية “ يترجم كتاب ت. س اليوت (6).
(5) الاستاذ الدكتور حكمت علاوي :
الأستاذ الدكتور عناد غزوان لم يكن استاذا مُخصصاً ، ولا ناقداً أو مترجماً، ولا أديباً أو لغوياً وفقيهاً فحسب بل كان موسوعة علمية ، ومُجدداً في دراساته وأبحاثه التي جمع فيها ما بين الموسوعة والتخصصية في التأملّ والاستقراء والاستنباط، وهو في كل ذلك صاحب حسّ نقدي رفيع في لغته الأم التي طالما أفنى عمره في سبيلها اولاً ، وفي اللغة والأدب الانكليزي التي بدأ منها منهجه النقدي والترجمي اللذين أجادا فيهما وسحر مستمعيه في رصانته وبلاغته ثانياً، إنّه كان بحق أسطورة بلا منازع. والأجيال التي نشأت على يديه كانت تنظر إليه كمن ينظرُ إلى أحد الحكماء الذين خلّدهم التأريخ على مدى الزمن(7).
(6) الاستاذة الدكتورة بتول قاسم ناصر :
لقد كان أستاذنا الكبير من (السهل الممتنع) وكان مثله وعلمه ومعرفته واللغة التي يؤدي بها عنهما. كنا نجلس بين يديه نتعلم منه العلم والمعرفة، وكان يشد الأسماع ويصرف إليه العقول. وعندما نحضر له مناقشة لأحد طلبة الدراسات العليا كان سيد الجلسة وكان الحضور ينتظرون ساعة مناقشته للطالب، وكان صوته الجميل ولباقته واسترساله وحسن إلقائه ودقة ملاحظاتها وعمقها تنسينا الوقت ونتمنى لو أكمل هو وحده دون الآخرين. كان يحاضر بلباقة ويجوب بنا التاريخ الأدبي القديم والحديث، ويقدم لنا بلغة الخيال علوم الأولين والآخرين، ويطرق أبوابها جميعاً وينتقل بنا بين فنونها من الشعر إلى القصة إلى النقد الأدبي والأدب المقارن وتاريخ الأدب بكل مراحله ويطل على الأدب العالمي بلغته وينقل لنا منه منتخبات تدل على رقي معرفته وعمق علمه حتى يخيل إلينا انه متمكن من كل شيء ويمتلك كل شيء. ثم انه يقدم لنا كل هذا بسهولة ويسر، وهذا من كرم النفس وكرم العلماء وتواضع العلماء، فاللغة تصف أخلاق صاحبها فكما انه لا يتعالى على احد يقدم من خلال هذا التواضع الجم والخلق الكريم علمه ومعرفته. يقدم بيسر ما هو غير ميسور ويبذل أمامنا ما لا يتمكن إلا مثله أن يبذله ويقدمه، فنأخذ منه بسهولة ما هو ممتنع علينا. أفلا ترون كيف يصدق عليه وصف السهل الممتنع، وإلا ترون كيف يصدق على علمه ومعرفته هذا الوصف، وكيف يصدق على لغته هذا فتطالعنا سهلة سلسة مشرقة رشيقة لبقة أنيقة، ولكننا لا نستطيع أن نمتلكها، فهي ممتنعة إلا عن المعدودين النادرين ممتنعة بطبيعتها الشكلية، وممتنعة بما تتضمنه من معارف جمة قديمة وحديثة عربية وعالمية(8).
(7) الاستاذ الدكتور كريم عبيد الوائلي
عرفت أستاذي الدكتور عناد غزوان في أوائل السبعينات أستاذاً في كلية الآداب.. يتأبط كتاباً أو كتابين، ويغذ السير كعاشق إلى قاعة الدرس.. ثم يبدأ يهدر بصوته المجلجل متحدثاً عن النظرية النقدية التراثية.. يحدثنا عن الأسس والأصول والوظائف والآليات، يتحدث عن انجازات الأصمعي وابن سلام.. ويحلل مناهج الآمدي وابن طباطبا والجرجاني.
انه احد الأساتذة القلائل الذين جمعوا في المعرفة بين القديم والجديد، ففي الوقت الذي يحلل فيه النصوص الشعرية التراثية، في غزلها ومدحها ورثائها.. يعني بالأدب الحديث شعراً ورواية، ويحلل رموز السياب وأقنعة البياتي وإيقاع نازك.
وكان الراحل عناد غزوان متميزاً بمنهجه النقدي الأصيل، من حيث عمق أدواته ودقة آلياته، الأمر الذي ترك آثاراً جلية على تلاميذه في الدراسات العليا والأولية على السواء ... فلقد كان أباً يرعى تلاميذه، وبخاصة المتميزين منهم ولعله أكثر عنايةً بأولئك الذين يتميزون بشغب ثقافي ومشاكسات معرفة أكثر وأكثر من هذا انه يسمح لتلاميذه أن يعبروا عن آرائهم المختلفة والتي تتعارض مع رؤيته ومنهجه النقدي. وإذا كان هذا الرجل بهذه الصفات العلمية والأخلاقية فهل هو راحل حقاً عن دنيانا هذه..!!؟
إن كثير ممن يدبون على هذه البسيطة إنما هم أموات... لأنهم لايؤدون سوى الدور الحيواني في الأكل والشرب، والتناسل، وكثير ممن غابت عنا أجسادهم لايزالون أحياءً يعيشون معنا، لا يغادرون مشاعرنا... ولا يفارقون خيالنا، نلتقي بهم كل يوم، ونسمع أصواتهم كل حين.
إن عناد غزوان... لم يغب عن أنظارنا ... هنا كان يحاضر .. وهنا كان يناقش.. وهذه أفكاره لا تزال طرية وخصبة، تقرأها في هذا الكتاب وهذه المجلة... ترى هل مات من هذه صفاته وخصاله؟ ! انه غادرنا بجسد فقط.. أما روحه وعلمه وأفكاره فستظل باقيةً.. نعيشها وتعيش معنا...إن كل الذي فعله عناد غزوان انه ترجل عن جواده.. ورحل معانقاً شجر الليل (9).
(8) الاستاذ الدكتور عبدالواحد محمد :
تربطني بأخي وصديقي المرحوم الأستاذ الدكتور عناد غزوان وشائج لا حصر لها ومن بينها تلك الوشيجة الإنسانية القائمة على التعاطف والتفاهم والإدراك، وكانت لقاءاتنا دوماً تتسم بالمحبة والتعليقات الشفافة والخفيفة، ومزينة بالخبرة العلمية وبشذرات ثقافية عامة أو متخصصة، وفي كل مرة كنت أستثيره في مسألة ثقافية أو أدبية كان يبهرني بحافظته الثاقبة وخزينه الثقافي وسعة إطلاعه وقدرته على الاستنتاج (10).
(9) الاستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي :
الأستاذ الدكتور العالم الجليل الراحل عناد غزوان الباقي فينا رحل في أمس لا يفارقنا؛ لنبقى في عناء ألم الذكرى لإنسان ومفكر وعالم هو نخلة عراقية باسقة باقية في عطائها ثمارا علمية جنية عبر منجزه وعبر تلامذته ومن نهل عنه ومنه المعارف التي طبعها بأدبه الجم وورعه وأريحيته وحبه الناس والحياة... وصورة عالمنا الراحل تأبى إلا أن تبقى باسمة ترفض الألم والحزن...
والأستاذ الدكتور عناد غزوان يبقى العلم المهم بين أعلام الثقافة النقدية العراقية فهو العلم في البحث العلمي والأكاديمي الذي ساهم مع جيل الريادة في وضع اللبنات الأولى لتقاليد تحديث الدرس النقدي في الوسط الأكاديمي والثقافي العراقي. مثيرا بتجديده أسئلة مهمة في مستويات الإبداع والفكر العراقيين بخاصة وقد جمع بين خطاب الجامعة العلمي الأكاديمي من جهة وبين خطاب الثقافة وقيمها النقدية في الحياة العامة فاتحا بوابات الدرس الأكاديمي على الحياة بأوسع مصاريعها.
لقد كان الأستاذ الدكتور عناد غزوان رسمة جغرافية ممتدة واسعة ذلك أن كتاباته وقراءاته تبقى غنية التنوع والمحتوى.. وهي تستند إلى مرجعيات متعددة من خطابات علوم الجمال والنقد والتراث والألسنية ومفرداتها فضلا عمّا أضفاه من عمق على تجاريب الرسائل العلمية والأطاريح التي ناقشها... ولقد عادت هذه التعددية على البحث بأصالة ما ينهل من التراث حسناته ويقعّد للحداثة وجودها فمكنها من خلق كينونة حيوية بهويتها العراقية التي تضم جناحي ثقافتنا التراثية والحداثوية...
ولقد كان الأستاذ الدكتور عناد غزوان قبل ذلك وبعده بعمقه الثقافي المميز خير صديق لطلبة العلوم والمعارف، فهو بحق رجل موسوعي في زمن يندر حكماء الموسوعية المنتظرة التي شادت المحاور التأسيسية لزمن نهضتنا المتردد في خطوه بين واحدة إلى الأمام واثنتين إلى الوراء، أما غزوان فقد كان ثابت الخطو إلى أمام...
ونحن من زملاء وطلبة لهذا العالم الجليل نعرف أيَّ موسوعة نوعية غنية كان يختزنها وأيّ تجديد وتحديث وتطوير وإغناء جاءت بها دراساته وأبحاثه عبر أدوات تأمل خاص به واستقراء واستنباط كان محكوما عنده بذائقة نقدية مخصوصة متسامية.
وهذا ما يؤكد أنَّ أثر الراحل عناد غزوان لن يندثر أو يمَّحي لأنَّه يبقى في اثنين هما منجزه وطلبته وهما خير رسالة يمكنها أن تعطي وتمضي بسفينة الإبداع مثلما رسم لها روح حيوي متشبث بسمات إنسانية روعة في السكينة والهدوء والمرح وهي سمات وأجواء لازمة للعقل ونتاجه وحركته دع عنك أن نستذكر تنوعات انتاج الراحل تربويا و نقديا وفي مجال الترجمات وغيرها.
ولكن أستاذنا، مثلما الرحيل المأساوي وجوديا، يمضي ليتركنا ومنجزه نتعاطى مع تلك الأريحية وذياك الروح الجميل النقي نستذكر لحظات محاضراته في الفصول الدراسية وفي أروقة الحياة الثقافية فيما لقائنا الأبقى في اسمه المحفور عميقا ليس على جدران الجامعة العراقية وقاعاتها ومكتباتها بل هناك في قلوب مجايليه وتلامذته الذين يرتقون بما أغناهم وأعطاهم، سلالم أخرى لبناء عراق مختلف.. هو عراق عناد غزوان باسما ضاحكا مقهقها مجلجلا بصوته الإنساني الدافئ حيث رايات السلم والحداثة والمنطق العقلي السومري المنقول بموسوعاته التي تركها فينا..
ومما ليس في الوصف لمآثر وذكريات لا تنسى، أقول إنَّ الجامعة العراقية مدينة أن تخلد الراحل في مسمياتها وفي بحوث تظهر في بعض اعتراف بجميل ورد له فراحلنا الأبدي باق ولكن دينا يُعنى بتخليد مثله لا يكون إلا توكيدا لنجاح منطق مسيرة الرافدينيين مسيرة العلم وأهله ونوره وشموسه وهو ما ينتظر منّا ولو بعض وفاء بحقه (11)..
(10) الاستاذ الدكتور قاسم الغريري :
من خلال التتبع الإنساني والولوج في مباهج الفلسفة في جميع أشكال التصورات الذهنية وعلم المنطق الذي يعتبر هو التفكير الذي ينطلق من الفكر والوصول إلى فلسفة ثنائية وساندة ما بين الروح والصورة والعقل والجسم ومابين النفس التي هي تقوم بالعمل المجرد الخارجي والذي يتم في النهاية انعكاسه على الروح المتمثلة بالعقل الكامل لمجريات اجتماعية حيث بواسطتها يكمن الفصل مابين المادة الشعورية واللاشعورية والتفكير وبين ما هو قائم بين الوسائل والغايات، وكذلك بين العمل الذي يشمل العملي والنظري ويسمى بالميتافيزيقي وهو الذي تؤكد عليه في نهاية المطاف وما يحصل في الحياة من علاقات ما بين الروح الذي تمثل القرآن الكريم والصورة التي تمثل التفسير القائم على النفس وهذا ما وجدناه لدى الدكتور عناد غزوان في طريقة استخدامه للطرح الفني والأدبي والفلسفي للروح والصورة التي تحقق له أمرين هما:
1 – طريقة تشبع تخصصه فأديب يستطيع من خلال قدرته اللغوية أن يضيف إلى رشاقة علم المنطق الصورة الأدبية لمسات الأديب البارع وخيالاته.
2 – طريقة تشبع رغبته في إنتاج العديد من الخيارات في النقد للروح والتي تتناسب وتتواصل مع طريقة الصورة وكذلك الصوت الفطري بأسلوب رسم لهذه الصورة من الذات والى الذات.
وهذه حالة إنسانية لا يمكن فصلها عن الطبيعة البشرية ولا عن علاقتنا الطبيعية بالموضوعية، وبهذه الطريقة قد أعجب جميع من يتعامل معه. لذا وجدنا لمساته على جميع ما كتب في زمانه، وما تركه من تأثيرات فعالة في روح ونفس المتلقين، ولتمكنه من تحليل الحركة الأدبية والنقدية تحليلاً علمياً وفلسفياً بسيطاً في بعض الأحيان، ولكنه في أحيان أخرى يجعل من هذه الحركة تحليلاً متداخلاً في شكل فني بارع ممتع ومثير، حيث نجد أكثر النقاد والأدباء يكنفون في رحلة النقد والأدب رحلة يحمل اللقب أديب أو ناقد ثم يتعللون بعد هذا بالعقبات وقلة الموارد والإمكانيات، وهنا نجد الدكتور عناد غزوان الذي استطاع بقدرته اللغوية وباعه في علم المنطق قد ألغى هذه القاعدة. وفتح مجالاً جديداً في أمس الحاجة التي تؤكد عليها وهي الرعاية للأديب (الناقد) و (الفنان) و (الشاعر) على حد سواء وفي كل مكان وزمان.
وجعل من هذا التقسيم للروح هي السلطة العليا المتكونة في العقل. والصورة هي النفس والحياة الكامنة في الخليقة ولا يمكن الاستغناء عنهما بأي حال من الأحوال. لذا يتعين على الأديب أو الناقد إيجاد القوة الدافعة والباعثة في روح وثابة وصورة ذهنية لنفس تتضمن بأطياف الحق الذي يفري بالحرص عليه. ويقدم منها وجهة نظر تجدي في البحث والموازنة بين المواهب والمكان وتتمثل بالروح والصورة الواضحة، والتي تلقي ضوءاً على حياته وتفكيره بدلاً من أن تفسر لنا عبقريته ليؤكد لنا عن رسالته الأبوية التي تدل على دلالات محورية لكيانه.
أما عبقريته الكامنة فكانت عبقرية خاتمة لفلسفة الأديب والناقد والتي تقع ما بين الروح والصورة ضمن تفكيره المكون والمكنون في جوهر واحد في اتجاهاته وإرادته وآرائه ومواقفه وعالمه الخاص الواقع في ناحية المجهول أو قصة واقعية واضحة مشرقة ليس فيها لبس ولا غموض، وقد وسعها شرحاً وتفسيراً، وكذلك جادل عنها بالحق، وتحدث عن طريقته في بناء مفرداتها من تلقائية وما بها من مترادفات اللغة وطرح الموضوع ببيانه الساحر وأسلوبه البليغ.
وهذا صراع قائم بين كيانه وشخصيته وجوهر طبيعته الهادئة وبين معتقداته وآرائه في الأدب والنقد وما يجول مابين الروح والصورة، وقد وقف على هذه الناحية الأدبية والنقدية التي جعلها من النواحي الفلسفية العليا التي دفعته بالعناية الإلهية بالكتابة وما تناوله من مواضيع أدبية ونقدية فنية وفكرية في مختلف الميادين والتي لها شطحات خارجة عن الموضوع ومعترضة لسياق الأحداث وينتزع التفلسف من الأدباء المعاصرين له. والذين نفوا عليه إدماج فلسفته التاريخية للروح والصورة التي يدرك فيها مسألة الحق للروح والصورة في الأدب والنقد التي تعتبر هي لب الموضوع لتفسير الأعمال الإنسانية، وهذا صراع وجدل لا ينتهي بالرغم من المناشط الاندفاعية والترقية والعرف السائد وفق رغبة رفضت في الموقف المباشر على ما هي معرفة الروح والصورة وشعور الفرد بأنه صاحبهما والتي هي جزء منه وملك له ترتكز على مقومات الحياة وما بها من مقاومة جزئية تجسدت في العادة والتقاليد الموضوعية للأدب والنقد (12).
(11) الاستاذ عباس العامري :
كم وددت لو كان في مقدوري ان انقل جانبا من ملامح شخصية ذلك الاستاذ المربي فانا ازعم اني قد عرفته عن قرب بحكم تلمذتي على يديه لفترة طويلة. انا من جيل قيل له بان العلم نور وكبرنا وكبر معنا الحلم، ان ندخل” آداب بغداد “ ودخلناها اول مرة منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وتعين علينا وقتها ان نحفر بأصابعنا بحثا عن بصيص نور قد يكون فلت من زحف الظلمة وشاء لنا القدر ان ندخلها ثانية منتصف التسعينيات لنأخذ شهادة الماجستير وزرناها ثالثة مطلع الالفية الجديدة للحصول على شهادة الدكتوراه الغريب ان نوافذها كانت تتسمر وعتمتها تشتد سنة اثر سنة، وهي ماهي عليه من الاهمية والشهرة لا على صعيد العراق فحسب.
لقد وجدنا فيها من اراد ان يلبسنا قسرا رؤيته للعالم، ومن لم يسمح لنا بفتح نقاش او اثارة اسئلة معرفية بسيطة والويل والثبور لمن كان له رأي يخالف رأي استاذه.
بحثنا عن النور كان له حديث آخر مع عدد قليل جدا من الاساتذة يقف في مقدمتهم الدكتور عناد غزوان رحمه الله الذي قال لنا منذ البداية: يا أحبتي انا لن اضع الشمس في ايديكم لكني سأفتح النوافذ المغلقة لنراها معا ولي شرط واحد وهو ان تكونوا عراة قبل ان تستحموا في ضوئها الباهر بمرح.. احدنا قال له: اعرنا جبتك وقفطانك مثلما اراد لنا فقهاء الاكاديمية ان نردد فما كان منه الا ان تبسم واجاب بمودة قائلا: اطلب ذلك من غيري فقد خلعتهما منذ ان ادركت مغزى حكاية ثياب الامبراطور السياسي والمعرفي.
عناد غزوان الذي يحتفظ بعلاقات صداقة طيبة مع نقاد وادباء وشخصيات علمية لها ثقلها في العالم العربي، والذي اسهم في وضع مناهج الدراسة في جامعات عربية، عناد غزوان ذاك جاهد قبل ثلاثة عقود ليقنعهم بضرورة ادخال مفردة الادب الرمزي في المنهج الدراسي قال لهم: حرام ان تموت الرمزية في الغرب ونحن نرفض الى الان تدريسها لطلبتنا!(13) .
(12) الاستاذ توفيق التميمي
فعناد عندما جاوز السبعين من عمره انجز عشرات المؤلفات والترجمة في ميدان النقد الادبي والابداعي رافقتها سيرة علمية مثابرة تمخضت عن اشرافه لمئات الرسائل الجامعية وتتلمذ المئات من المبدعين على يديه الذي ارفدوا الثقافة العراقية بمنجزاتهم وابداعاتهم.
فتحمل (بعناد) مكابدات واهوال رحلة العمر هذه دون ان يثنيه تهديد او يخضعه ابتزاز لمواصلة هذه السيرة (14).
وقال عنه الشعراء :
(1) الشاعر عبدالاله الصائغ :
في قصيدته : العاشق الجميل عناد غزوان سيؤجل الرحيل..
أصفرٌ كل شيء
أصفرٌ اصفرٌ دون فيء ...
أصفرٌ عشقنا ! أصفرٌ عرسنا ! موتنا اصفرٌ سيدي
أصفرٌ مثل قيء
موطني اصفرٌ ! حلمنا أصفرٌ !
يا ابن غزوان أجِّل رحيلك (15) .
(2) الشاعر الكبير السيد علي الحيدري
فجعت بيوم رحيلك الأيــــام ونعت كريم صفاتك الأقلامُ
واسترجعت غلب الرجال لسمعها نبأً تنوء بحمله الآكـــامُ
ساروا بنعشك والجموعُ كأنــها نحو الصلاة أتت وأنت إمـامُ (16).
(3) الشاعر ابراهيم علي شكر
في قصيدة له خبا الكوكب الوقاد
بعيشكَ طارحنْي الحديثَ عن التي أراجعُ فيها بالدّمــوعِ السواجمِ
وما هي إلا غادياتُ فجائــعٍ تعبّر عنهــا رائحــاتُ مآثمِ
جلاجلُ دقَّ الصّبرُ فيها فلم نُطقْ سوى غضّ أجفانٍ وعضِّ أباهمِ(17)
(4) الدكتور فليح كريم الركابي
في قصيدة له : قاعة الدرس
يحضر من بدء الدرس الأول..
حتى يوم الدين..
القاعة تبكي..
والحزن دفين..
ومقاعد صفي تتساءل
هل نسمع صوت الشيخ ؟ ..
هل نبصر شكلك يا شيخ العربية ثانية ؟
كلا.. هذا سرّ التكوين ..نأتي .. نرحل
لكنك تولد ثانيةً ..
يا ابن السبعين..
تسمو.. (18).
(5) الشاعر حسين القاصد
في قصيدة له أدمنت وجهك
تحدث قليلاً..
بوقت التنفس كيف يموت الهواء النقي ؟
وها أنت رحت فماذا بقي ؟
وكيف سأبقى ؟
بلا أن أراك وان نلتقي..
تحدث... تحدث.. أعني عليك...
أعن اضطرابي لو لبست حدادا قد كنت في فقد البلاد بلادا (19).
المصادر
(1) ينظر : الجبوري ، كامل سلمان: معجم الادباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ،2002 ، ج4 ص 370 .
(2)المسعودي ، كريم :عناد غزوان ناقداً ، الشركة العربية المتحدة، القاهرة ، 2001 ،ص 10 و المطبعي ، حميد ، موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ،1995 ، ج1 ص 148.
(3)ناظم عودة : جريدة الصباح ، ملحق جريدة الصباح الثقافي ، بغداد ، 3 نيسان 2005 .
(4)الصكر ، حاتم : الناقد العراقي الكبير الدكتور عناد غزوان ، مجلة النور اليمنية ،العدد (103 ) ص 38 ، الصنعاء ، 2005 .
(5)عقيل مهدي يوسف : أ.د. عناد غزوان فضاء الصوت والكتابة والدلالة ، جريدة الصباح ، بغداد ، 9 اكتوبر 2005 .
(6)الاعرجي ، محمد حسين : التراث والمعاصرة ، جريدة البينة ، بغداد ، 15 حزيران 2006 .
(7)حكمت علاوي : الدكتور عناد غزوان رجل موسوعي ، جريدة الصباح ، بغداد ، 14 سبتمبر ، 2005 .
(8)بتول قاسم ناصر : السهل الممتنع ، جريدة الصباح ، بغداد ، 9 أكتوبر 2005 .
(9)الوائلي ، كريم عبيد : الناقد الكبير عناد غزوان كما عرفته ، جريدة الصباح ، بغداد ، 19 سبتمبر ، 2005 .
(10)عبدالواحد محمد : عناد غزوان والترجمة ، جريدة الصباح ، بغداد ، 9 أكتوبر 2005 .
(11)الالوسي ، تيسير عبدالجبار : نخلة أكاديمية عراقية باسقة ، جريدة الصباح ، بغداد ، 9 أكتوبر 2005 .
(12)الغريري ، قاسم ، جريدة الصباح ، بغداد ، 9 أكتوبر 2005 .
(13)العامري ، عباس :حكاية ثياب الامبراطور ، جريدة الاتحاد ،بغداد ، 12 أكتوبر 2005 .
(14)التميمي ، توفيق : عناد غزوان سبعون عاماً من الاباء والابداع ، ملحق جريدة الصباح الثقافي ، بغداد ، 18 تشرين الاول 2005
(15) جريدة الصباح ، بغداد ، 11 تشرين الاول 2005 .
(16) جريدة الصباح ، بغداد ، 11 تشرين الاول 2005 .
(17) جريدة الصباح ، بغداد ، 11 تشرين الاول 2005 .
(18) جريدة الصباح ، بغداد ، 11 تشرين الاول 2005 .
(19) جريدة الصباح ، بغداد ، 11 تشرين الاول 2005 .