عبد الله العلايلي.. تصحيح اللغة والسياسة

عبد الله العلايلي.. تصحيح اللغة والسياسة

محمد أمين فرشوخ*

ولد الشيخ عبد الله العلايلي عام 1914 في بيروت (لبنان)، لعائلة تقيّة ميسورة وبعد ان درس في مدارس جمعية المقاصد انتقل الى القاهرة ليتخرج في الازهر على أيدي نخبة من علمائه. وهناك تعرف إلى الشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني وأبطال وطنيين. ثم درس الحقوق ثلاث سنوات، وفي القاهرة شرع في تأليف كتابه الشهير: «مقدمة لدرس لغة العرب». كما أصدر كتابه: (مدخل الى التفسير) ونظم الكثير من الشعر الغزلي والصوفي.

وكان يزور لبنان بين حين وآخر فيختلف الى الندوة الادبية، ليتعرف الى علماء بيروت وليخطب في الجامع العمري الكبير، كما شارك عام 1936 في تأسيس عصبة العمل القومي.

عاد الشيخ عبد الله من القاهرة نهائيا الى لبنان عام 1940، وكان لبنان يغلي من الصراع الطائفي والسياسي ضد الانتداب، فعمل على انارة السبـــيل امام ابناء الوطن وحثهم على المقاومة ضد الطــــغيان، متخذا الكتابة سلاحا، فأصدر سلسلة (إني اتهــــم). و(دستور العرب القومي) وهو من الدراسات الاولى التي ارست قواعد الافكار القومية وصارت مرجعا في بابها.

استمر العلايلي في كتاباته الدينية ـ التاريخية، في كتب مستقلة ومقالات صحافية يومية واسبوعية. وشارك في نشاطات سياسية وطنية واسعة، كما شارك في تأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي.

أما غاية العلايلي فكانت في اتجاهين: احدهما لغوي، والآخر سياسي، وهما ـ في رأيه ـ متكاملان، ففي الاتجاه اللغوي، حاول تصحيح مسيرة اللغة العربية، وفي الاتجاه السياسي حاول تصحيح الاوضاع الاجتماعية للمواطنين، ليؤكد الشعور بالوطنية الصحيحة لديهم.

يقول العلايلي عن اللغة: «انها تتحرك بقانون الغاية لا السببية»، لذلك يقرران اللغة هي مجموعة الافكار والتقاليد والعواطف... تنمو أو تموت، تتحرك أو تأسن، بحسب حاجة الناس اليها، او بمدى ارتباطها بنشاط الانسان.) ودعا العلايلي الى الافادة من تجربة مدرسة البصرة لدراسة العربية من جديد، درسا يراعي مطالب العصر وتطور المستقبل لتخليص اللغة من علائق الفوضى. كما دعا الى تسهيل النطق في العربية والى لغة تهذب العاميات، بل تتبنى منها ما اصله فصيح، ليتشارك الوطن العربي في لغة موحدة. لقد وجد العلايلي ان المعاجم العربية تنوعت وتعددت، ورغم مشـــــاركة المجـــــامع اللغوية في تلك المحـــــاولات، فإنه لم يجد فيها العربية، مما علق بها من شوائب.

واذ لا بد للعرب من معجم يعيد للعربية وضعها اللغوي الصحيح، فقد عمل العلايلي على وضع «المعجم» وهو في رأيه أمر أعسر من ان تتحمله طاقة انسان معرفة وعمرا.

لقد قرر ان يصدر 576 قسما، يضمها أربعة وعشرون مجلدا، والمخطوطات ما زالت جاهزة، لم يصدر منها الا اربعة اقسام عام 1954، والباقي ينتظر التمويل للطباعة، يقول مارون عبود فيه: «سيكون موسوعة او كتاب القرن في إحياء اللغة العربية. ومعرفة اسرارها». ومن المناصرين من رآه «معجزا»، ومنهم من رأى انه سيكون الخبز اليومي الجوهري، ليستريح حاملو اثقال اللغة عنده.

لكن العلايلي وضع وأصدر «المعجم العسكري» و«المرجع» وهذا الاخير نال جوائز سنية مهمة، وجاء على نسق المعجم، حيث رأى فيه توحيد معاني مشتقات المادة الواحدة، والاستفادة من قاعدة الدوائر ومن سنة الرباعي المعاقبة والابدال، واباح فيه صياغة موازين الثلاثي والرباعي وتخصيصها بدلالات ثابتة لا تختلف باختلاف المواد.

وقد اتخذ العلايلي شعارا لمدرسته اللغوية هو: «ليس محافظة التقليد مع الخطأ، وليس خروجا التصحيح الذي يحقق المعرفة، فلا تمنعني غرابة رأي اظن انه صحيح من ابدائه، لأن الشهرة لم تعد أبدا عنوان الحقيقة.) أما الاهتمامات السياسية التي بدأها باكرا في القاهرة، فقد استمرت، فتلاقى العلايلي مع افكار حركة انصار السلم والافكار القومية العربية. ولم يكن

حزبيا تماما، يقول: «أنا لا انفي المبدأ، وربما كنت أكثر الناس التقاء مع الفكر الشيوعي، كما بالضبط اختلف بنقاط عديدة معه». فالعلايلي كان انسانيا، يدعو الى الاصلاح بطرق شتى، وفي كتابه «العرب في مفترق الخطر» وضعهم أمام مسؤولياتهم، خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين. كثرت رحلات العلايلي الى الدول العربية، وفي لبنان، خلال الاحداث الأليمة التي اصابته، رأى من واجبه ان يوجه الجميع الى الحقيقة، فأصدر كتابه (أين الخطأ؟) طارحا فيه علامات استفهام عديدة أمام الفقهاء والمفكرين. كان منفتحا رائده هدف نبيل، ومهما تنوعت وتشعبت تطلعاته السياسية والاجتماعية، فقد بقي المصلح المفكر، الذي يشكل ارثه الفكري إضافة مهمة في تاريخنا ومكتبتنا.

                

*باحث وأكاديمي لبناني