عمر فروخ
عمر فروخ..
الداعي إلى تجديد المسلمين لا الإسلام
د. محمد أمين فرشوخ*
ولد عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن فروخ في بيروت (لبنان) عام 1906، وتوفي فيها عام 1987، لأسرة مسلمة، متدينة، متواضعة، متعلمة. يقول عمر مفتخرا باسلافه:
«أنا عمر فروخ، أنظر الى الثقافة من جانبها الانساني، وأدرك ان قومي المسلمين قد أدوا في تاريخ الحضارة قسطا عظيما، دينا ولغة وعلما وفلسفة وسياسة.
وأنا مؤمن ان المجد الذي بلغ اليه العرب بالاسلام هو مجد اسلافي».درس في مدارس اهلية ورسمية وتخرج في الجامعة الاميركية في بيروت عام 1924، وكان خطيب حفل التخرج. ثم تابع دراسته في المانيا، في جامعتي برلين وارلنجن، وحاز دكتوراه في الفلسفة، ولموضوع أطروحته حكاية:
اقترح عمر على أساتذه «هل» Hell موضوعات عديدة، استحسنها ثم قال له استاذه: إن نفرا من المستشرقين يعتقدون ان الإسلام لم يكن له نفوذ أول الأمر وان هذا النفوذ الديني المشهور للإسلام هو من صنع المؤرخين العباسيين، وان الشعر العربي المعاصر للدعوة الإسلامية لا ينكشف على أثر للإسلام بين العرب». فهل تستطيع، يا عمر، نقض هذا الرأي؟
فراح عمر يجمع الشواهد، حتى تكون لديه منها الكثير، فضيق نطاق بحثه حتى خرج بموضوع لأطروحته: «الإسلام كما يظهر من الشعر العربي من الهجرة الى موت الخليفة عمر بن الخطاب». لم يقرب عمر الفواحش، حتى خلال دراسته في المانيا، كان متدينا، عالما، ذكيا، حازما، ودقيقا، في حياته وفي مؤلفاته، وفي فكره.
لعمر فروخ أكثر من مائة كتاب مطبوع، تنوعت بين الفلسفة والتاريخ والأدب، منها، تاريخ الأدب العربي (6 مجلدات) تاريخ الفكر العربي ـ التبشير والاستعمار ـ الأسرة في الشرع الإسلامي ـ تجديد في المسلمين لا في الإسلام ـ العرب في حضارتهم وثقافتهم ـ التصوف في الإسلام ـ عبقرية اللغة العربية ـ العرب والفلسفة اليونانية ـ الإسلام والتاريخ ـ وكتب كثيرة في التراجم، وكتب مدرسية للمرحلة الابتدائية وأخرى للمرحلة الثانوية، في اللغة العربية والفلسفة والتاريخ.
عمل عمر فروخ في التدريس، ولم يفضل عليها مهنة أخرى، فدرس في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، وفي دار المعلمين في بغداد وفي بومباي وكان عضوا في جمعيات ثقافية خيرية، لكنه آثر الابتعاد عن السياسة فلم ينغمس فيها بل لم يتكلم فيها أبداً.
أتقن عمر إلى جانب العربية: الفرنسية والألمانية والإنجليزية، وألم بالفارسية والتركية. وكان يؤمن بضرورة الكتابة عن الإعلام وكشف أسرار التاريخ. كان يكتب عن الإعلام مستنطقا أحداث حياتهم موردا آراءهم بألسنتهم دون أن يكون محاميا عن أحد منهم. إلا ان الكتب الاسلامية شغلته كثيرا، فمن خلال عمله ومؤلفاته خدم الاسلام ولغة القرآن.
كتب في مقدمة كتابه «التبشير والاستعمار» الذي استغرق سنوات طويلة في وضعه:
«الى كل شاب مسلم والى كل شاب مسيحي، والى كل شاب وشابة في الشرق، نقدم هذا الكتاب لنبسط لهم فيه وسائل المبشرين في بلادنا العزيزة وأنهم لم يرموا من وراء تبشيرهم إلا خدمة الاستعمار الغربي».وحين سئل ـ رحمه الله ـ عن النتائج التي وصل اليها المبشرون أجاب: «... منها ضعف اللغة العربية، وضعف التفكير العربي، وضعف الشعور الديني، وضعف الشعور القومي والوطني».
وفي كتابه عن الأسرة والتشريع الإسلامي، أظهر ان التشريع بني أول الأمر على الأخلاق والعقل والفائدة الاجتماعية، ولم يكن أداة استعباد للمسلمين.
وحاول في كتابه جمع أقوال اصحاب المذاهب كلها ما أمكنه، لاعتقاده ان المذاهب «ابواب اجتهاد» وأكد في كتابه ان التشريع لم يكن من حق الحاكم بل من حق العلماء، وان التشريع الفردي هو ما أدى الى الاستبداد.
وكان عمر يرى ان الإسلام ليس بحاجة الى تجديد بل «هم المسلمون وعدد كبير من فقهائهم». مبينا في كتابه: «تجديد في المسلمين لا في الإسلام» إن عمل المصلح في الدين هو ان يقرب التعاليم من أذهان الناس لا ان يجعل من الدين نفسه حقل اختبار ولا ان ينشر كل يوم على الناس «دينا جديدا». «والتجديد إنما يكون في المعاملات التي تتغير مع الانسان بتغير الزمن. أما العبادات فإن الدين نفسه جعل لها نوعا من الرخص، والعقائد هي الأسس التي تجعل كل دين يختلف عن دين آخر، والإسلام في هذا أيسر الأديان وأقربها الى العقول والى الحياة».
الهامش:
* استاذ جامعي من لبنان.