أستاذنا الدكتور جابر قميحة، رجلٌ بألف رجلٍ
أستاذنا الدكتور جابر قميحة،
رجلٌ بألف رجلٍ
سيد سليم
بعد أن رأيت أمس صفحة أستاذي بالصدفة؛ تذكرت مواقف وحكاياتٍ جميلة وعجيبة، وكيف كنت في سيرته العطرة منذ أيام في الشهر الكريم، إنه رجل الأدب، ورجل الشريعة والقانون.
إنه الرجل الذي كان يصفه الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية بأنه: (بلدوزر الرابطة) الذي يجرف كل من تسول له نفسه الخروج عن أدبنا الرفيع.
إن الكتابة عن هؤلاء الرجال وذكر مآثرهم شيءٌ يسيرٌ من باب رد الجميل؛ فطالما عاشوا يذودون عن حياض دينهم كل من تسول له نفسه تأسين مياهها، أو تلويثها ـ وماهم بفاعلين ـ وإن حاولوا رجعوا خائبين لوجود الآساد الضواري، أمثال أستاذنا الحبيب الذي كان همه الأكبر وجود حرية تعبير غير طاغية على المقدسات، ولا هابطةً نحو الإسفاف وخدش الحياء
ـ الشديد الرحيم
لقد كان ـ رحمه الله ـ ضخم البنية جهوري الصوت شديد البأس،ورغم ذلك تجده رفيقا رقيقا حاضر الدمعة؛ أتذكر له أننا كنا في مؤتمر عالمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، وكنا في فندق الكشافة العربي في مدينة نصر عام 2005م تقريبا
وبعد نقاش الفترة الصباحية وأثناء استراحة الغداء حدث أن اكتشف المسؤولون عن الأمن أن أحد المصورين الصحفيين أعجبه الطعام؛ فقام باختلاس وجبة ووضعها في حقيبته؛
فأرادو اتخاذ إجراء ضده ووصل الأمر إلى سمعنا وكنا جلوسا في ركن مع الدكتور جابر، فما كان منه إلا أن انتفض وطلب السيد اللواء المدير المسؤول، وحادثه معاتبا له
وكان رد اللواء أنه لابد من اتخاذ إجراء للردع؛ نظرا لوجود وفود دوليه ـ وبعضهم سمع بما حدث ـ تحسينا للصورة فقال له
الدكتور جابر، يا سيداة اللؤاء كم تكلفة تلك الوجبة، وأقسم بالله أن يدفع ثمنها ونحن نرقب الحوار؛ فاعتذر اللواء وقال له خلاص والله يا دكتور سامحناه لأجلك، إلا أنه أصر على دفع ثمن الوجبة، ورأينا الدكتور وقد أجهش بالبكاء ورأينا دموعا تنساب من نهر عينيه الفسيحتين قائلا كلاما فحواه: "نقدر أن الرجل قد تذوق حلاوة الطعام وله أولاد أراد ان ينقل لهم ما ذاق ولا يستطيع شراءه لهم؛ فسولت له نفسه ذلك الفعل". فعجبنا كيف لصاحب هذا البأس الشديد أن يكون رقيقا لهذه الدرجة! إني
من شهود تلك الواقعة، والله شهيد علينا! نعم إنها الشدة في مواطنها والرحمة في مواضعها.
ـ روح المرح والدعابة
يمكن للناظر نظرة أوليةً لصاحب تلك البنية الضخمة والصوت الجهوري أن يشعر بجدية الرجل في جميع الأحوال، ولكنه كان ـ رحمه الله ـ بخلاف ذلك، وأتذكر بعض مواقفه
الفكاهية ومزاحه الجميل، فقد كان يشكو ألما ظاهرا في رجليه وقال لي: يا ولد، يا سيد أنت صعيدي وأكيد عودك قوي ومحتاج تتحملني للاستناد علي كتفك عندما أراد أن يمشي في ردهة الاستراحة فقلت له أمرك، أستاذي، وقال لي وللمحيطين نكتة أو طرفة عن الصعيدي الذي ذهب إلى لندن وحدث له
موقف مع إحدى السيدات هناك؛ فضحكنا جميعا
ولا زلت أتذكرها وأضحك كثيرا لقد قلت عنه في جمع من الأحباب: "إنه الرجل الذي يضع أنفه في السماء؛ عزةً، لا كبرا، ويفيض رحمةً ورقة".
ـ إنه الأديب المجاهد الدولي
إنه الفارس البطل المجاهد لقد استطاع أن يكون أول الرادين بكتاب على رواية حيدر حيدر (وليمة لأعشاب البحر) في وقت قليل استغرق حوالي أسبوعا، وهي الرواية السيئة التي أثارت جدلا ومظاهرات ومصادمات.
وقد رد في مؤتمر على الرئيس الأمريكي بوش؛
مبينا أن ما يخطط له يصب في نطاق حرب العقيدة، لا غير ـ وقد اعترف بوش بذلك ـ فقال الدكتور جابر في قصيدة مطولة بعنوان: (رسالة إلى بوش) أهداني في المؤتمر نسخة
منها، وهي تزيد على السبعين بيتا جعل الأبيات الثلاثة في مطلعها بمثابة التلخيص للأمر كله:
وزعـمـتَ بـأنـي إرهابي وبــأنــي دمــويٌّ مــجـرمْ
وبـأنّـي عـامـلُ تَخْريبٍ وبــأنــي رجْـعـيٌّ مُـظـلـمْ
وكـذبـتَ؛ فـذنـبي تعرفهُ هــو أنّـي عـربـيٌّ مـسْـلـمْ
ـ تأليفُ كتابٍ عن أستاذنا
رحم الله، أستاذنا أستاذ الكل الأديب الناقد الشاعر المجاهد بقوة الكلمة وسنان القلم الذي يفري في جسد المتطاولين على مقدسات الأمة وأحد مؤسسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وبلدوزر الرابطة الذي كان يجرف أمامه كل متطاول، وإذا كان الفارس قد ترجل، فلا زال الخير موجودا ومأمولاً في تراثه العظيم، وتلاميذه الأوفياء، ولا ادري هل سارع أحد احبابه
المقربين منه عني بطرح كتاب عن سيرته الطيبة ومسيرته العطرة أم لا؟! إني أعلن استعدادي ـ على قدري ـ لإيجاد أو المساهمة في كتاب عنه؛ فهذا بعض حقه علينا؛ فقد
ألف في الرد على الوليمة كتابا في أسبوع؛ فهل استطعنا أن نؤلف عنه كتابا وقد رحل عن عالمنا منذ ما يقرب من عامين؛ ردا لبعض جميله! أتمنى ذلك.