علي أحمد باكثير حياته ورواياته
علي أحمد باكثير حياته ورواياته
بقلم : عبد الله الخطيب
ولد علي أحمد محمد محمد باكثير "في الخامس عشر من ذي الحجة سنة ألف وثلاثمئة وثمان وعشرين هجرية 15(ذوالحجة 1328هجرية)،الموافق الحادي والعشرين من شهر ديسمبر كانون أول سنة ألف وتسعمئة وعشر ميلادية (21ديسمبر 1910م) في مدينة سورابايا في إندنوسيا "(1)، والداه عربيان من حضرموت *
أرسله والده التاجر إلى حضرموت وهو في التاسعة أو العاشرة من عمره لينشأ إلى جانب أهله وعشيرته في البادية ؛وهذه عادة دأب الحضارمة في المهجر على انتهاجها ليسلك أبناؤهم مسلكاً موغلاً في العروبة ويتخلّقوا بأخلاق البادية .
وفي حضرموت تلقى باكثير العلوم الإسلامية والأدبية وأصول اللغة العربية ،"وبمجرد فراغه من الدراسة على عمّه العلاّمة الشيخ محمد محمد باكثير عين باكثير وهو في بداية السن الباكرة سنة 1344 هجرية مديراً لمدرسة النهضة العلمية بسيئون "(2) لما عُرِفَ عنه من سرعة البديهة والذكاء الخارق والنبوغ الفذ والقدرة على الإدارة والحكمة والتفنن والإبداع. ولعلّ هذه الفترة فتقت ذهنه وأكسبته القدرة الفذة على قول الشعر"وفي وسعنا أن نوجز حصيلته الفنية شكلاً ومضموناً في تلك الفترة الباكرة من حياته بأنّه أتقن المعجم الشعري القديم وتشبع بروح إسلامي شفيف وأصيل"(3).
وفي سنة1931م سافر إلى مصر وحاول دخولها"إلاّ أنّ السلطات البريطانية حالت دون ذلك فاتجه إلى الحبشة"(4)
لكن البيئة التي كان يأمل فيها لم يجدها في الحبشة،فباكثير من دعاة الإصلاح الديني والاجتماعي، ومن الرجال القلائل ـ آنذاك ـ الذين رفعوا راية العلم والتحرر من العادات المتخلّفة التي كان يمارسها بنو قومه في حضرموت ،حتى أنّه اصطدم غير مرة مع وجهاء بلده لرفضه تلك الخرافات والبدع التي كانت تمارسها عشيرته.
وعلى إثر ذلك شعر باكثير أن الجو الذي يزيل عنه الهموم ويساعده في نسيانها ويصفي كدر نفسه هو جو مكة المكرّمة والمدينة النبوية فتوجّه صوبهما في "غضون سنة 1932م"(5)
وقد عنونت الجرائد والمجلاّت صفحاتها الرئيسية بخبر "وصول شاعر حضرموت"(6).
أمضى باكثير في الحجاز "عاماً تردد خلاله على مكتبات مكّة والمدينة والطائف وعقد صلات فكرية وثيقة مع الأدباء هناك"(7)وفي الطائف اطمأنت نفسه وهدأ خاطره، فعادت قريحته الشعرية تفرز شعراً وتنتج أدباً،فكتب أول مسرحية وأسماها (همام أو في بلاد الأحقاف)،وهي تتناول مشكلة حضرموت"(8).وأثناء إقامته القصيرة في الحجاز عمل على توطيد علاقته الأدبية والاجتماعية مع أدباء مصر وأساتذتها،إلى جانب الاهتمام بتقوية العلاقات مع ساسة الحكم في الحجاز خاصة الملك عبد العزيز آل سعود،وأخيراً كان استقراره في مصر ،فأثناء إقامته في الحجاز أرسل إليه صديقه الحميم محب الدين الخطيب صاحب مجلّة الفتح دعوة للقدوم إلى مصر الأدب والعلم، فطار فرحاً وشدّ الرحال إلى مصر بعدما زال المانع الذي منعه من دخولها أول مرّة،ودخلها سنة 1932م ممنياً نفسه بالسعد واليمن،وحال وصوله مصر التحق بجامعة الملك فؤاد ودرس اللغة الإنكليزية ،وأثناء دراسته حدث ما كان سبباً في تحول مسيرة باكثير الشعرية،فتحول من كتابة الشعر العمودي، إلى الشعر المرسل .ويخبر باكثير عن سبب ذلك بقوله :
"في مقعد الدرس أخذ المدرّس الإنكليزي يلقي علينا محاضرة عن الشعر المرسل،وقال فيما قال :
ـ إنّ هذا الشعر لم ينجح في أي لغة أخرى كما نجح في اللغة الإنكليزية،حتى إنّ الفرنسيين أنفسهم أرادوا أن يحتذوه فلم ينجحوا كما كان النجاح في اللغة الإنكليزية ـ وطبعاً في اللغة العربية لايوجد مثل هذا في لغتهم، فأنا اعترضت عليه وقلت له :
ـ إنّ لكل أمّة تقاليدها الفنية في شعرها ومن تقاليد العرب أن يلتزموا البحر الواحد والقافية الواحدة، وهذا أسلوبهم في التعبير وأسلوبهم الفني، ولكن لا يوجد ما يمنع من إيجاد مثل هذا الضرب من الشعر في لغتنا العربية، لأنّ اللغة العربية تستطيع أن تتنوع وأن تتعدد نغماتها كما لاتستطيع أي لغة أخرى"
فنهرني وأذكر هذه النهرة وقال :
ـ كلام فارغ.
-+++وخرجت من الدرس إلى البيت مباشرة، وكنت أفكر في هذا النظم، ولكن هذا التحدي جعلني أنجز ما كان على بالي في الحال، وجئت إلى البيت نهارها ولجأت إلى أقرب شيء لأحتذي هذا النظام فوجدت روميو وجولييت النسخة الإنكليزية فتخيرت مشهداً من مشاهد روميو وجولييت وبقيت أعالجه بهذا النظم حتى استوى لي، ثم خطر ببالي أن أترجم المسرحية كلها من أولها إلى آخرها، وبعد أن أتممتها تبين لي أنني اخترت البحور المتحدة التفاعيل التي تستوي تفعيلتها كالكامل والمتقارب و المتدارك أما البحور التي اختلفت تفعيلتها فلم اخترها تلقائياً، هذه أول تجربة لي في الشعر المرسل"(9).
عملت هذه الحادثة على تغيير حياة أديبنا الذي اتجه إلى كتابة الشعر المرسل منذ تلك الحادثة "وقد غيرت هذه الدراسة من نظرته لمفهوم الأدب كله، فأخذ يعيد النظر في المقاييس الأدبية التي كانت عنده من أثر ثقافته العربية، وكان يستهويه بوجه خاص أعمال شكسبير، وقد أدى ذلك إلى إيجاد الشعر المرسل في اللغة العربية".(10)
وفي مصر استمر باكثير يشتغل في التدريس حوالي أربعة عشر عاماً ـ وكان وقتئذ يحمل الجنسية المصرية ـ ثم نقل إلى مصلحة الفنون قسم الرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الثقافة، وكان عضواً في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب في مصر وحينما صدر قانون التفرغ كان باكثير أول أديب نال منحة التفرغ لكتابة ملحمة مسرحية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(11)
رحلاته العلمية:
"سافر [باكثير] إلى فرنسا في بعثة دراسية حرة سنة 1954 م،وفي سنة 1956م زار رومانيا والاتحاد السوفيتي عضواً في وفد أدباء مصر بدعوة من اتحاد القطرين المذكورين، وفي سنة 1958 م مثل الجمهورية العربية المتحدة في مؤتمر كتاب آسيا وأفريقيا الأول المنعقد في طشقند"(12)، ويبدو أنه زار في أخريات عمره لندن إذ يشير لتلك الزيارة رفيقه عبدالله بلخير في سياق حديثه عن فيلم أعده باكثير عن حياة الملك عبد العزيز لكنه لم يذكر سبب الزيارة أو تاريخها. ويذكر باكثير نفسه لما سئل عن تأخره في زيارة لندن أنه زار معظم دول الدنيا، لكن لم يتسنَّ له زيارة لندن إلاّ في هذا الوقت.
اتجاهه الفكري
لابد لأي إنسان أياً كان أن ينطلق من أيديولوجية مرسومة في ذهنه، وليس هذا للأديب فحسب وإنما لكل امرئ على وجه هذه الخليقة إلا ما شذ وند ر، وبطبيعة الحال كان باكثير صاحب فكر انبثقت منه أعماله الأدبية سواء أكانت نثرية أم شعرية. ومعرفة فكر باكثير تساعد على فهم رواياته فهماً أعمق، ويمكن استخلاص صور أدق إذا ما درست بمعزل عن فكر الرجل وانتمائه. وسأحاول هنا تسليط الضوء على ما ذكر عن منهج باكثير وفكره الديني؛ محاولاً استخلاص تصور عام حول ما قيل عنه.
فمنذ أن وطئت قدما باكثير حضرموت سعى إلى تصحيح عقائد أبناء مجتمعه الغارقين في الفوضى الدينية والتخلف العقدي ، وانتشار البدعة، والتمسك بالأحاديث الموضوعة والضعيفة، والتقيد بالطرق الصوفية المنحرفة عن النهج الرباني من حيث تدري أولاتدري، وقد حاول باكثير "أن يبث دعوة الإصلاح الحقيقي من خلال تلك المدرسة [مدرسة النهضة العلمية التي كان يديرها باكثير في سيئون] في عقول النشء(13).
وقد تحمل باكثير في سبيل ذلك التهم الباطلة من بعض الذين يتربصون بالمصلحين شراً، وبقي باكثير على هذا النهج حتى غادر حضرموت واستقر في الحجاز وبعدها في مصر وخلال تلك الفترة "يعرف عن باكثير أنه لم يتعصّب لفئة أو مذهب من المذاهب الدينية أو السياسية، وطالب الأمة أن تبتعد عن كل ما يفرق شأنها، وأن توحد جهودها لإصلاح العقول والنفوس وتحريرها من كل ما يؤدي بها إلى التهلكة، واقتدى بذلك بموقظ الشرق جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده(14)ولعل هذا القول يشق لنا أولى الطرق الموصلة لمعرفة فكر باكثير.
فالمفهوم من عدم تعصّبه لأي مذهب ديني أو سياسي عدم انتسابه للحركات الدينية أو الأحزاب السياسية، وهذا الذي عرف عن باكثير حقاً، وهذا لا يعني بحال أنّ الرجل لاانتماء عنده للإسلام، فشتان بين التعصب الديني لمذهب ما وبين الرغبة في نصرة الإسلام والمسلمين، فأعمال باكثير الأدبية تنفي هذا الادعاء. بيد أن ثمة مزاعم من انتساب باكثير لبعض التيارات الإسلامية المنتشرة في مصر.فهناك من يرى أنّ باكثير تأثر بصديقه محب الدين الخطيب صاحب مجلة الفتح، والخطيب معروف عنه انتماؤه للجماعة السلفية *السنية المتأثرة بدعوة المصلح محمد بن عبد الوهاب الجندي،ولعل الفترة التي عاشها باكثير في الحجاز كانت الدافع الأول من تأثر باكثير بالجماعة السلفية"كان من الطبيعي لعلي أحمد باكثير أن يرتبط فيما بعد بالمدارس السلفية"(15)، والسبب أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب مهدها الحجاز ونجد ، ومن غير المستغرب أن يتأثر المهاجرون إليهما بالدعوة المنتشرة هناك.
أما أصحاب الرأي الثاني فهم يرون أن انتماءه كان لجماعة الإخوان المسلمين *لاسيما الفترة التي عاشها في مصر، وأحسب أن هذا ليس بدليل بيّن على انتماء باكثير لأي من الحركتين، فباكثير أديب وروائي صاحب فكر إسلامي ملتزم فلابد أن يتعاطف مع أي حركة إسلامية أو تيار فكري يدعو إلى امتثال الإسلام، وبالتالي فإنه مؤيد للحركة السلفية أثناء إقامته في الحجاز ومتعاطف مع حركة الإخوان أثناء إقامته في مصر معقل الحركة .
مؤلفات باكثير :
أولاً: المسرح التاريخي الشعري:
إبراهيم باشا أو الوطن الكبير.
إخناتون ونفرتيتي
الشيماء أوشادية الإسلام
قصر الهودج
همام أو عاصمة الأحقاف
ثانياً: المسرح التاريخي النثري:
إبراهيم باشا رسول الوحدة العربية
أبو دلامة: مضحك الخليفة
الدودة والثعبان
الفرعون الموعود
الفلاح الفصيح
دار ابن لقمان
سر الحاكم بأمر الله
ملحمة عمر
من فوق سبع سماوات
هاروت وماروت
هكذا لقي الله
ثالثاً: المسرح الاجتماعي
الدكتور حازم
الدنيا فوضى
السلسلة والغفران
جفلدان هانم
حبل الغسيل
قطط وفيران
رابعاً : المسرح الأسطوري
أوزوريس
سر شهرزاد
مأساة أوديب
خامساً : المسرح السياسي
إمبراطورية في المزاد
التوراة الضائعة
الزعيم الأوحد
السكرتير الأمين
المقراض
إله إسرائيل
راشيل والثلاثة الكبار
شعب الله المختار
شيلوك الجديد
الحل
عودة الفردوس
ليلة 15 مايو
مسمار جحا
معجزة إسرائيل
نقود تنتقم
سادساً : المسرح المترجم
الليلة الثانية عشرة
روميو وجولييت
لحظات التجلي
الروايات
الثائر الأحمر
الفارس الجميل
سلامة القس
سيرة شجاع
ليلة النهر
واإسلاماه
الهوامش:
1 ـ ينظر محمد أبو بكر حميد ، مقال بعنوان: صفحات مجهولة : علي أحمد باكثير، مجلة الأدب الإسلامي، مج8، العدد29 لسنة 1422هجرية، ص15، وعبدالعزيز شرف، مجلة الفيصل العدد 30،نوفمبر 1979السنة الثالثة،مقال بعنوان: علي أحمد باكثير والمسرح الشعري،ص74.
*هناك بعض النقولات بأن والدة باكثير إندنوسية غير أنني لم أجد أي مصدر يذكر هذا بل اتفق الجميع على أنّه من أبوين عربيين.
2 ـ محمد أبو بكر حميد،مقال بعنوان: صفحات مجهولة: علي أحمد باكثير، مجلة الأدب الإسلامي، العدد29،مج 8 سنة 8،1422هجرية،ص18.
3 ـ عز الدين إسماعيل، مقال بعنوان: مسرح باكثير الشعري، مجلة المسرح،العدد70، فبراير،1970،ص6.
4 ـ أحمد حافظ، مقال سابق، مجلة الأزهر،ص915.
5 ـ عبد الله عمر بلخير، مقال بعنوان، خمسون عاماً من ذكرياتي مع علي باكثير، الفيصل، العدد168، السنة الرابعة ،ص11.
6 ـ المرجع السابق، ص11.
7 ـ أحمد حافظ، مرجع سابق،ص915.
8 ـ محمد أبو بكر حميد، التوراة الضائعة، قراءة وتحليل، اليمن الجديد، العدد11، السنة 17، نوفمبر،1988،ص46.
9 ـ محمد أبو بكر حميد، التوراة الضائعة، مرجع سابق ،ص28.
10 ـ عبد العزيز شرف، مقال بعنوان: علي أحمد باكثير والمسرح الشعري، (مرجع سابق)،ص74.
11 ـ هلال ناجي، شعراء اليمن المعاصرون، ص227.
12 ـ المرجع السابق، ص227.
13 ـ محمد أبو بكر حميد: من حجازيات باكثير المجهولة المنهل 3- سبتمبر، 1995،ص164.
14 ـ محمود جواد المشهداني ، الاتجاه القومي في أدب علي أحمد باكثير،مجلة آداب المستنصرية، العدد13 لسنة 1986 ص251.
*الحركة السلفية: دعوة إسلامية سنية امتداد لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيراً على نهج شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي من كبرى الحركات الإسلامية على الساحة العالمية. لاتتعصب لمذهب من المذاهب وتعمل على تطهير عقائد الناس من البدع والخرافات التي علقت في أذهان بعضهم من مخلفات الجهل الاستعماري، والدعوة من أقرب الدعوات الإسلامية الأخرى فهماً للإسلام وعملاً بأحكامه وهي غير تابعة لنظام سياسي أو مجيرة لحساب كيان سياسي ما.
15 ـ محمد الحسناوي، علي أحمد باكثير بين العقوق والإنصاف، مجلة الآداب، العدد 8، السنة 18، آب،1970، ص44 منقول.
* حركة الإخوان المسلمين: حركة إسلامية كبرى أنشأها الأستاذ حسن البنا ـ يرحمه الله ـ في أعقاب التآمر ضد الخلافة العثمانية سنة 1928م، كان لهذه الحركة حضور كبير في الشارع العربي ومريدوها منتشرون في شتى أصقاع المعمورة، تعمل الحركة على بث روح الجهاد في نفوس الشباب المسلم والعودة بهم إلى دين الله، ولكن ثمة مآخذ على الحركة لا تقلل كثيراً من قيمتها الفذة وجهودها المباركة.