عبد الحميد بن باديس صانع الثورتين في الجزائر
عبد الحميد بن باديس صانع الثورتين في الجزائر
يحيى أبو زكريا
المشرف العام البرامج السياسية والإخبارية
[email protected]
و ما زال الجزائريون يحتفلون سنويا بذكرى إبن باديس و الذي عادت جمعية إلى النشاط
مجددا لتحارب هذه المرة مظاهر الغزو الفكري و الثقافي الوافد مع التأثيرات
الفرانكفونية و الإفرازات الأنجلوسكسونية .وكان إبن باديس يقول - إن كـل محـاولة
لحمل الجزائريين على ترك جنسيتهم أو لغتهم أو دينهم أو تـاريخهم أو شيء من
مقومـاتهم هي محـاولـة فـاشلة مقـضـي عليها بالخيبة...إن الحالة التعيسة التي بلغت
إليها الأمة الجزائرية – وقـد اطلعتم عليها أنتم أكثر من غيركم – لا يمكن أبـدا أن
يستمر صبر الأمة الجزائرية عليها أكثر مما صبرت
«.
وعن سؤال لرئيس اللجنة فحواه : ماذا يقع لو أصدرت فرنسا أمرا يعطي المسلمين
حقوقهم ويجردهم من قانون الأسرة، والأحوال الشخصية أجاب ابن باديس بقوله :
» إذا ألزمت فرنسا المسلمين برفض
شريعتهم والتخلي عن ذاتيتهم كأنهم يشعرون بالضربة القاضية عليهم بالعدم التام...
وأنا أحقق لكم أنكم إذا ألزمتم الأمة الجزائرية المسلمة برفض شريعتها والتخلي عن
ذاتيتها فإنكم تكونون قد وضعتم أمرا يؤول بالجزائر إلى اضطراب أعظم لا تدري عاقبته
«، (البصائر 25/02/1356 هـ)،
كلمة اضطراب أعظم لا تدري عاقبته صريح في الثورة المسلحة ولكن لا يؤاخذ عليه
القانون مثل كلمة (الثورة).
و في مقال له تحت عنوان : » هل
آن أوان اليأس من فرنسا « نشر
بالشهاب في جمادى الآخرة 1356، جاء قوله :
» لقد أخذ اليأس بتلابيب الكثير
منا، وهو يكاد يعم، ولا نتردد أنه قد آن أوانه ودقت ساعته
« ثم قال :
» والله لا تسلمنا المماطلة إلى
الضجر الذي يقعدنا عن العمل، وإنما تدفعنا إلى اليأس الذي يدفعنا إلى المغامرة
والتضحية « اهـ. ما هي المغامرة
المصحوبة بالتضحية أليست الثورة المسلحة التي تحقق الاستقلال ؟ إن الثورة لا تكون
إلا بالتضحية الغالية بالأنفس والأموال، والمغامرة يقدم على مغامرته دون أن يحسب
حسابا لربحه أو خسارته ويوازن بينهما.
» أيتها الأمة الكريمة، أيها
النواب الكرام : اليوم وقد يئسنا من غيرنا يجب أن نثق بأنفسنا، اليوم – وقد تجوهلت
قيمتنا يجب أن نعرف نحن قيمتنا – اليوم وقد خرست الأفواه عن إجابة مطالبنا، يجب أن
نقول نحن كلمتنا، اليوم وقد اتحد ماضي الاستعمار وحاضره علينا، يجب أن تتحد
صفوفنا... حرام على عزتنا القومية وشرفنا الإسلامي أن نبقَى نترامى على أبواب
برلمان أمة ترى – أو ترى أكثريتها – ذلك كثيرًا علينا... ويسمعنا كثير منها في
شخصيتها الإسلامية ما يمس كرامتنا ويجرح أعز شيء لدينا، لندع الأمة الفرنسية ترى
رأيها في برلمانها، ولنتمسك عن إيمان وأمل بشخصيتنا... قرروا عدم التعاون في
النيابة بجميع أنواعها كونّوا جبهة متحدة لا تكون المفاهمة إلا معها، بَرْهنُوا
للعالم أنكم أمةٌ تستحق الحياة...«.
و يفتخر الذين أطلقوا الثورة الجزائرية و الذين كانوا من صناع الثورة الجزائرية
الذين بأنهم درسوا أو حضروا دورس الشيخ عبد الحمبد بن باديس وهم لا حصر لهم كما
يقول عبد الرحمان الجيلالي وأبو القاسم سعد الله وتوفيق المدني و غيرهم من مؤرخي
الجزائر ومن هؤلاء الثوّار : في ولاية قسنطينة – الشرق الجزائري - كشود محمد و بوكعباش
سليمان أو عبد الحميد و بوالطمين الأخضر و نجار عل و معوش الطاهر ومرابط صالح و
مجدوب الخوجة . و في ولاية سكيكدة : بوسنان بومنجل و بين أينال أحسن و ثابت عبد
الحميد بوقادوم حسين و معطى الله مبار و قاص عمر وشليغم عبد المجيد و بوختالة
محمد (شهيد) و كنيو عمار بوفامة أحمد و رايس محمد (القل) محافظ ومتقاعد و عبادة
مصطفى (مدير التلفزة مغتال) و مطاطلة أحمد (القل) دكتور و خبابة محمد برج الغدير
. ومن ولاية المسيلة بوديلمي رابح (لمطارفة) شهي قنفود الحملاوي (سلمان) و
بورزقاين العابدين (بمعاضيد) و حامد محمد (أولاد ماضي) . ومن ولاية برج بوعريريج
بن السعيد حفناوي (برج الغدير متوفى رحمه الله) و من ولاية بسكرة محمد الصادق
دبابش ومن سيدي عقبة أبو بكر مسعودي (ضابط أول عضو منطقة) و محمد الطاهر مسعودي و
أحمد شاذلي (شهيد) وعبد الحميد حوحو و الطاهر قدوي (شهيد ملازم أول) و السعيد
فيراس (شهيد) و العربي برباري (شهيد) و محمد دغنوش (شهيد) و حسين غانم (شهيد) و
الوردي الواعر (شهيد) . و مئات الشهداء و المجاهدين الذين ساهموا في إطلاق الثورة
الجزائرية و كانوا منتشرين في كل الولايات الجزائرية , وفي موضوع الثورة المسلحة و
اللجوء إلى الجهاد لإخراج المستعمر الفرنسي فقد روى بعض الأحياء من تلاميذه في
هذا الموضوع ما أكده الشيخ محمد الصالح رمضان، أن الشيخ ابن باديس كان منذ 1356 هـ
(1937 م) يصرح بعزمه على الثورة المسلحة، وفي بعض هذه التصريحات أنه يخشى أن يدفع
الأمة إليها قبل كمال استعداد، لهذا يتجنب أن يتحمل مسؤولية الرئاسة السياسية
المباشرة لبعض الأحزاب. وقد أكد الشيخ محمد الحاج بجة أحد تلاميذه الأقدمين – من
دائرة آقبو – أنه كان تلميذا في أوائل الثلاثينات، وأن الشيخ رحمه الله كان يسأل
تلاميذه الكبار : هل أديتم الخدمة العسكرية ؟ ومن أجاب بنعم ميزهم عن الآخرين وصرح
لهم أننا سنحتاجكم يوما ما، وحثهم على عدم نسيان ما دربوا عليه من أعمال الحرب،
ولعل هذه الشهادة تفسر شدة اتصاله رحمه الله بتلميذه الشيخ الفضيل الورتلاني رحمه
الله، فقد كان من الذين أدوا الخدمة العسكرية قبل أن يتصل به فكان يقربه جدا،
ويستصحبه معه في بعض رحلاته ويركن إليه في تربية صغار تلاميذه على الثورة، وقد عاش
هذا الرجل ثائرا وصار يخشى جانبه الملوك والأمراء في الشرق العربي، وله أثر كبير في
الثورة اليمنية ضد نظام الملك يحيى، وهذا معلوم، حتى جاءت الثورة الجزائرية فعمل في
صفوفها ومات – وهو يمثلها – بتركيا، وله تلاميذ هناك يذكرونه بخير، وهو دفين
أنقرة.ومن ذلك ما سمعته بأذني وحضرته بنفسي في إحدى أمسيات خريف 1939 م في مجلس
بمدرسة التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة، وتطرق الحديث إلى موضوع الحالة
السياسية بالجزائر بعد إعلان الحرب، وموقف بعض كبار رجال الأحزاب السياسية الذين
جندوا –إجباريا أو تطوعا– في صفوف الجيش الفرنسي، وكان الشيخ رحمه الله متألما جدا
من هذا الضعف فيهم، وقد صرح بما فحواه :
» لو أنهم استشاروني
واستمعوا إلي وعملوا بقولي لأشرت عليهم بصعودنا جميعا إلى جبال أوراس، وإعلان
الثورة المسلحة «.