هرقل
محمد فاروق الإمام
هو الإمبراطور البيزنطي فلافيوس أغسطس هرقل الذي حكم بيزنطة ما بين عامي (610 و641م). المولود عام 575م والمتوفى في 27 تموز عام 641م.
يعتقد بأن هرقل من عائلة أرمينية الأصل. كان ابن صاحب نفس الاسم هرقل، الذي يسمى هرقل الأكبر، والذي كان أحد جنرالات الإمبراطور موريس في الحرب ضد الفرس عام 590م. على الرغم من أن مكان ميلاد هرقل غير معروف، ترعرع في أفريقيا الرومانية.
وهرقل هو الإمبراطور البيزنطي الذي عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، فقد خسرت الإمبراطورية البيزنطية في عهده بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا بفتحها على أيدي العرب المسلمين.
أصله
تنتمي أسرة هرقل التي حكمت الإمبراطورية ما يزيد علي قرن من الزمان كانت من أصول أرمينية, وكان هرقل الكبير أبو الإمبراطور هرقل يعمل حاكما على الولاية البيزنطية في شمال أفريقيا سنة 607 م, وهناك ولد هرقل الابن.
الثورة ضد فوقاس
في عام 608م أعلن هرقل الأكبر العصيان علي الإمبراطور فوقاس والذي قام باغتصاب الحكم من الإمبراطور موريس، وأرسل هرقل الأكبر ابن أخيه نيكيتيس في حملة برية لغزو مصر وبالفعل استولي نيكيتيس على مصر بعد أن هزم قوات بونونسيس قائد قوات الإمبراطور فوقاس في مصر.
وفي هذه الأثناء قام هرقل بالإبحار جنوبا ومعه قوات أخرى عن طريق صقلية وقبرص وعندما أصبح علي مشارف القسطنطينية راسل وجهاءها وزعماءها، ونظم احتفالاً نصب فيه إمبراطوراً على القسطنطينية.
وفي تشرين الأول سنة 610م توج هرقل للمرة الثانية, لكن هذه المرة أقيمت مراسم التتويج في كنيسة سان ستيفان, وفي نفس اليوم تزوج خطيبته فابيا، وبعد وفاتها سنة 612م تزوج ابنة شقيقتها مارتينا.
الخطر الفارسي
عندما اعتلى هرقل العرش كانت دولة بيزنطة تشهد انحساراً وضعفاً وتتآكل مستعمراتها أمام الجيوش الفارسية الغازية. وقد وسع الفرس رقعة ممتلكاتهم في الشام وأرمينية وعقدوا العزم على الوصول إلي شواطئ البحر المتوسط, وقد نجح الفرس في الاستيلاء علي عدة مدن في الشام, وزحفوا إلي بيت المقدس وحاصروها حوالي 20 يوماً, ثم دخلوها عنوة سنة 614م وجعلوها نهبا للحرائق, وقتل الفرس فيها عدداً كبيراً من المسيحيين يقدره بعض المؤرخين ب57 ألف شخص, ودمر الفرس كنيسة القيامة واستولوا علي الصليب المقدس ونقلوه إلي عاصمتهم المدائن. وكان لسقوط بيت المقدس في أيدي الفرس صدمة كبيرة عند المسيحيين في الإمبراطورية البيزنطية, فهذه كانت أول مرة تقع فيها هذه المدينة المقدسة بأيدي غير مسيحية, والواقع أن تقدم الفرس لم يقتصر علي البلاد الشامية بل لقد أمتد إلي آسيا الصغري ووصل الفرس إلي كريسبوليس المواجهة للقسطنطينية, كما غزوا مصر فسقطت الإسكندرية في أيديهم سنة 619م, وترتب على ذلك انقطاع القمح المصري عن القسطنطينية وازدياد سوء الأحوال الاقتصادية.
أبدى هرقل شجاعة ومهارة كبيرة في مواجهة الخطر الفارسي, فبدلاً من منازلة جيوش الفرس المتوغلة في أراضي الإمبراطورية, قام بمواجهتهم في عقر دارهم في البلاد الفارسية, فقد تقدم بجيشه في كانون الأول سنة 627م ووصل إلى نينوي وهناك خاض معركة حاسمة ضد الفرس قررت مصير الصراع بين الطرفين, وقد ألحق بالجيوش الفارسية هزيمة ساحقة في هذه الموقعة, وبعد ذلك عُزل كسرى وَقُتل، وخلفه ابنه شيرويه الذي رأى أن من الأفضل أن يعقد الصلح مع هرقل, وقد تم الصلح في سنة 628م, وبمقتضاه استردت القسطنطينية كل ما كان لها من البلاد التي كانت قد سقطت في أيدي الفرس, بما في ذلك أملاكهم في بلاد الجزيرة الفراتية والشام ومصر.
وبعد رجوع هرقل إلي القسطنطينية استقبله أهلها استقبال الأبطال فقد حمل له الشعب أغصان الزيتون ورتلوا المزامير يهتفون باسمه.
الخطر العربي الإسلامي
في الوقت الذي خرجت منه الإمبراطورية البيزنطية منهكة مجهدة بسبب صراعها الطويل مع الفرس، كان المسلمون يتجمعون حول فكرة واحدة، وهي فكرة الجهاد في سبيل الله ونشر دين الإسلام وإخراج الناس من عبودية الإنسان للإنسان إلى عبودية الواحد الديان. هذا الدين الذي جعل من القبائل العربية كتلة سياسية واحدة متحفزة لأول مرة في تاريخها، فقد حدثت هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى يثرب سنة 622 م واتخذ من هذه المدينة قاعدة لتأسيس الدولة الإسلامية الجديدة. والواقع أن البيزنطيين لم يدركوا أهمية الدين الإسلامي ولا التطور الذي بدأ يحدث في البلاد العربية في المرحلة الأولي من العهد الإسلامي، والغالب أنهم نظروا إلي الإسلام على أنه مجرد هرطقة جديدة من الهرطقات التي كانت تظهر في العالم المسيحي، كما أنهم نظروا إلي الحملات الإسلامية الأولي على أنها من قِبل غارات البدو التي اعتادتها الدولة البيزنطية على حدودها الشرقية، تلك الغارات التي كانت تهدف إلي السلب والنهب. وقد واصل خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم تدعيم الدولة الإسلامية، كما قاموا بحركة الفتوح الإسلامية الكبرى وحققوا في ذلك نتائج مبهرة، فقد اندفع المسلمون إلى أراضي الدولة البيزنطية وتمكنوا في فترة محدودة من الاستيلاء علي معظم ولاياتها الشرقية، وكانت من أهم المعارك الأولي بين العرب المسلمين والبيزنطيين معركة أجنادين سنة (634م)، ثم معركة اليرموك سنة (636م) والتي حددت مصير الشام لصالح العرب المسلمين. واصل العرب فتوحاتهم، ومات أثناء ذلك هرقل الذي أصبح شيخا مريضا وترك لخلفائه عبء مدافعة العرب. وفتح المسلمون برقة وطرابلس وواصلوا تقدمهم في شمال أفريقيا، كما هاجموا آسيا الصغرى وفتحوا أرمينية، كما أدى بناء العرب لأسطول بحري إلى تهديد السيادة البحرية في شرق البحر المتوسط، فقد فتح العرب قبرص كما أغاروا على رودس، وأصبحت القسطنطينية نفسها معرضة للخطر.