الدكتور عدنان بدر سعيد
ترجمة أولية للأخ الدكتور عدنان بدر سعيد
رحمه الله تعالى
أخوه والمحب له في الله
محمد فاروق البطل جدة
فور سماعي نبأ وفاة الأخ الحبيب أبي بدر، بادرت إلى كتابة رثاء عاجل له، اعتمدتُ فيه على ذاكرتي وصحبتي الطويلة له، ثم رجوتُ أنجاله أن يوافوني بأهم المعلومات عن والدهم الراحل الكريم، وشكر الله لهم إذ سرعان ما لَّبوا طلبي لِما يعلمون من عمق العلاقة والمحبة بيني وبين والدهم ـ طيَّب الله ثراه ـ.
فأرسلوا ترجمة موجزة عن حياته بخط يده، كما أرسلوا لي كشفاً موجزاً صادراً عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض، يتضمن المهمات التي نهض بها تكليفاً، وخلال إحدى عشرة سنة، هي مجموع سني عمله في الندوة، بدءاً من تاريخ 12/2/1401 وانتهاء بتاريخ 12/2/1412حيث استقال
واستكمالاً للمعلومات الواردة فيما كتبته من رثاء، أقدم اليوم الترجمة التالية للراحل الكريم:
ولادته:
ولد عام /1935/في مدينة اللاذقية، الواقعة غرب سورية، والمطلة على البحر الأبيض المتوسط.
والده:
هو بدر الدين بن عبد الله سعيد ـ رحمه الله تعالى ـ أحد أثرياء ووجهاء مدينة اللاذقية، تُوفي عام /1981/ بعد هجرة ولده عدنان، وبقيَتْ غصة في قلب أبي بدر إلى آخر يوم في حياته؛ أن يموت والده وهو بعيد عنه، لكن أبا بدر ليس الوحيد في ذلك. فكل الذين هاجروا في الله ـ على كثرتهم ـ لم يمكَّنوا من توديع أحبائهم ولم يمكّن الآباء والأمهات من توديع أبنائهم وهم في دار المهجر ـ اللهم انتقم من الظالمين والعنهم لعناً كبيراً ـ.
أسرته:
من الأسر العريقة والمعروفة في هذه المدينة.
طفولته:
تربَّى عدنان ونشأ في بيت ملتزم بالقيم الإسلامية والسلوك الإسلامي، كان والده ـ رحمه الله تعالى ـ من قدماء الإسلاميين في هذه المدينة، إلى جانب الأديب الكبير والشاعر الإسلامي الشيخ محمد المجذوب ـ رحمه الله تعالى ـ مؤسس حركة الإخوان المسلمين في اللاذقية، ورئيس إدارتها. وإذن فقد ورث الأخ عدنان الالتزام بالإسلام وخلقه وقِيمه من هذا المحضَن الطيب، وهذه البيئة الإسلامية الملتزمة.
دراسته:
أ ـ أنهى المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في مدارس اللاذقية.
ب ـ درس المرحلة الثانوية (قسم ليلي) في المعهد العلمي بحلب، والمسمى قديماً ( الكلية الأمريكية) على عادة الأثرياء والأغنياء في سورية في إيثار المدارس الأجنبية على المدارس الحكومية ـ غفر الله لهم ـ وأصلح بالهم ـ ظناً منهم أن هذه المدارس توفّر لأولادهم التفوق العلمي، والتربية السليمة، والنظافة في السلوك، وما دَرَوْا أنها مدارس ذات أهداف تنصيرية استعمارية تريد أن تجتال الشباب عن دينهم، وأن تفسد عقائدهم، وأن يتعلَّقوا بالغرب حضارة وثقافة وسلوكاً،...
ولولا أن الله سبحانه قد عصم الأخ عدنان بمحضنه التربوي الإسلامي في بيته، والتزامه المبكر بالحركة الإسلامية، وصحبته للشباب المسلم الملتزم لانزلق في الأفكار العلمانية الماسونية، كما انزلق الكثير وانحرفوا، ولكن الله سلَّم وحفظ.
جـ ـ في المرحلة الجامعية درس لفترة محدودة في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم التحق بكلية الحقوق في جامعة دمشق، وحصل منها على الليسانس عام /1961/ ثم حصل على إجازة في المحاماة، كما حصل على لقب أستاذ في مهنة المحاماة عام /1968/.
د ـ بعد هجرته حصل على شهادة الماجستير عام /1985/ ثم شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من جامعة البنجاب ( باكستان) عام /1989/.
صفاته وسجاياه:
كان ـ رحمه الله تعالى ـ أنور الوجه، أبيض البشرة، أشقر الشعر، طويل القامة، كثَّ اللحية، جميل البسمة، ودود العشرة، هادئ الطبع، سَمْح الأخلاق، حلو اللسان، صادق العاطفة، ملتزماً بالسنة في عبادته ولباسه ولحيته، شديد التواضع، خدوماً للضيف، بل ومتفانياً في أداء حقه.
والله ما أقول هذا تكلفاً، ولا عن جموح عاطفة، وشدة حب... وإنما أقول ما أقول ـ والله شهيد على ما أقول ـ: إنها صفات وأخلاق لمستُها وعايشتُها خلال صحبتي الطويلة له بدءاً من عام /1954/ وخاصة بعد هجرتنا معاً إلى المملكة العربية السعودية، وزياراتي المتكررة له في الرياض، وقد قامت بيننا أخوة صادقة، ومحبة ودودة، وعلاقات قوية، استمرت هاتفياً حتى قبل يومين من وفاته، ما يكاد يوم يمر، إلا ويهتف لي مطمئناً على صحتي وأحوالي وأفراد أسرتي.
هذه العلاقة الوطيدة والأخوة الصادقة هي التي أمْلَتْ عليَّ ما ذكرت من صفات، بل وجسَّدت هذه المعاني، وأوحت لي بهذه الخصال خلال كتابتي لهذه الترجمة.
أعماله
أ ـ عمله في سورية: عمل مديراً لدائرة التعاون الزراعي والشعبة القانونية بمديرية الزراعة في محافظة اللاذقية في فترة /1960ـ1964/.
ثم مارس المحاماة والمرافعة أمام محاكم اللاذقية في فترة:/1965ـ1980/.
ب ـ عمله في الندوة ـ بعد أن غادر سورية مهاجراً إلى الرياض في المملكة العربية السعودية عام /1980/ عمل مستشاراً قانونياً وفنياً في الأمانة العامة للندوة العالمية للشباب الإسلامي في فترة /1980ـ1993/. وبالرجوع إلى شهادة الأمانة العامة للندوة الصادرة بتاريخ 8/3/1412 أقتبس أهم المهمات التي نهض بها الأخ أبو بدر في خدمة هذه المؤسسة الإسلامية العالمية الرائدة في العمل الشبابي، والتي تأسست في عهد الملك فيصل ـ رحمه الله تعالى ـ. مِن هذه المهمات:
1 ـ رئاسة لجنة التحقيق وكتابة العقود في الندوة.
2 ـ إدارة المكتب الفني وقسم شؤون الموظفين.
3 ـ مدير المكتب التنفيذي بالإنابة.
4 ـ سكرتير اللجنة التحضيرية لمؤتمر الندوة السادس الذي انعقد بتاريخ 12/5/1406 و 22/1/1986.
5 ـ سكرتير لجنة رعاية الأيتام، ولجنة الدعوة الإسلامية وتعريف الجاليات بالإسلام.
6 ـ مقرر اجتماعات مجلس الأمانة العامة للندوة.
7 ـ تكليفه بإعداد مشاريع الندوة، وإعداد الدراسات المتعلقة بأوضاع المسلمين في مواطن الأقليات.
8 ـ تكليفه بإلقاء المحاضرات على الطلاب لتوعيتهم بالأخطار التي تواجههم.
9 ـ تمثيل الندوة في المؤتمرات العالمية التي انعقدت في كل من المغرب وإسبانيا والهند.
10 ـ رئاسة لجنة السكرتارية للإعداد لمؤتمر الندوة العالمية السابع.
11 ـ تكليفه بإعداد كتاب وثائقي عن التنصير في دول الخليج، وإعداد دراسة عن المنظمات الإسلامية جنوب الهند، وإعداد تعريف بمشاريع المنظمات الإسلامية العالمية وخدماتها.
هذه بعض المهمات التي اضطلع بها الأخ أبو بدر في خدمة الندوة ورسالتها، وقد قام بها بكل إخلاص ونشاط ودأب ومتابعة ـ كما ورد في شهادة الندوة ـ تقبَّل الله منه وأجزل مثوبته، وأكرم مثواه.
جـ الاستشارات القانونية والشرعيةـ ولمَّا لم يكن مسموحاً لغير السعوديين بممارسة المحاماة، أو المرافعة أمام محاكمها، فقد آثر الأخ عدنان بعد استقالته من الندوة عام /1993/ ـ أن يعمل مستشاراً قانونياً وشرعياً لدى بعض مكاتب المحامين في الرياض في فترة: /1993ـ2008/. كذلك كان خبيراً محكَّماً لدى الغرفة التجارية الصناعية السعودية، ووزارة التجارة السعودية، وديوان المظالم خلال تلك الفترة.
التزامه الدعوي
*عرفُته ملتزماً بجماعة الإخوان المسلمين مذ كان يافع الصبا، أو منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية بالمعهد العلمي بحلب، صحبة الأخ الشهيد أمين يكن ـ رحمه الله تعالى ـ، وقد أنشآ معاً حركة إسلامية شبابية في المعهد، ضاقت بهما إدارة المعهد وهددتهما بالفصل، وكانت بينهما أخوة كاملة ودودة، وتعاون مشترك في خدمة الدعوة.
وفي الستينات وبعد الانفصال كانا عضوين قياديين في مجلس الشورى والمكتب التنفيذي (قيادة الجماعة)، الأخ أمين يمثل حلب، والأخ عدنان يمثل اللاذقية، إضافة إلى رئاسة الأخ أبي بدر ادارة اللاذقية، واستمر الأخوان في مسؤولياتهما حتى حال بينهم وبين ذلك الاعتقال والهجرة، وأشهد أنهما منحا الجماعة شبابهما وجهدهما، وذلك من فضل الله عليهما وتوفيقه لهما.
*كما أن الأخ أبو بدر شغل عضوية المحكمة العليا في الجماعة بصفته خبيراً قانونياً وأخاً ذا سابقة في الدعوة والجماعة. وذلك منذ الثمانينات من القرن الماضي، وإلى قبل وفاته بشهور قليلة ـ بسبب مرضه ـ... والمعلوم أن رئيس المحكمة العليا وأعضاءءها يُنتخَبون من قبل مجلس شورى الجماعة بأكثرية معينة، مما يدل على مكانة الأخ أبي بدر في قلوب إخوانه أعضاء مجلس الشورى الذين يمثلون كافة المراكز والمحافظات في سورية.
*وقد يكون من المناسب أن أشير في هذا الجانب من ترجمته أن رسالة الأخ أبا بدر في الدكتوراة كان موضوعها يتعلق بتاريخ الحركة الإسلامية في سورية وبخاصة تاريخ جماعة الاخوان المسلمين، أؤمل من أولاده الأبرار وأرجوهم أن يحفظوا هذه الرسالة لأهميتها البالغة، وأن يعملوا على نشرها قريباً، لأن ما كتبه الأخ أبو بدر يعتبر توثيقاً لمرحلة مهمة عاشها، ولمهمات مارسها، ولتاريخ شارك في صنعه.
محنته وهجرته:
*عمل ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ منذ نعومة أظفاره في الدعوة إلى الله سبحانه، وتلقَّى في سبيل ذلك الأذى، وكان صابراً محتسباً، راضياً بقضاء الله وقدره، وهو يعلم ـ يقيناً ـ أن هذا قدر الله على الدعاة، فلله الحمد على كل حال، وله الشكر في كل آن.
*تمَّ سجنه عدداً من المرات في سورية، وكان أطولها في سجن المزة بدمشق في الفترة /1973ـ1975/ صحبة عدد من الإخوة المسؤولين في الجماعة، منهم الشيخ سعيد حوى ـ رحمه الله تعالى ـ والشيخ محمد علي مشعل حفظه الله تعالى، وقد تعرضوا لتحقيق شديد، وتعذيب رهيب، يحكي حقد الطغمة الحاكمة في سورية على الإسلام ودعاته.
*خرج عام /1980/ مهاجراً إلى الله ورسوله، فاراً بدينه من بلده سورية إلى المملكة العربية السعودية بضغط النظام البعثي الحاكم، وشراسته في ملاحقة الدعاة والحركة الإسلامية، وقد خلَّف وراءه كل ما يملك بعد أن حجر عليها الحاكم العرفي في سورية... ومات ـ رحمه الله تعالى ـ دون أن يتمكَّن من استرداد شيء منها، رغم أنه عاش في مهجره بحالة مادية قاسية، وظروف عسر شديد، كنت عايشتُه في كثير منها، وحكى لي بعضها.
يقينه بربه ومولاه:
انتقل إلى جوار ربه والإيمان يعمر قلبه، واليقين يملأ جوانب نفسه،وكثيراً ما كان يردد قوله سبحانه:.[فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ] {آل عمران:195} .
ومن الآيات الكريمة التي كان يتملَّاها ويعيش في جوها قوله سبحانه:[وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا] {النساء:100} .
وهكذا كان الراحل الكريم يحسن الظن بربه كثيراً، نسأله سبحانه أن يغفر له ويرحمه، ويكون عند حسن ظن عبده به، اللهم أسكنه فسيح جناتك، وارزقه صحبة نبيك، وأجزل مثوبته، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.