وجيه الحجاز الشيخ محمد نصيف
(1302- 1391هـ)
موسى بن سليمان السويداء / السعودية
نسبه وولادته :
هو أبو الحسين محمد بن حسين بن عمر بن عبد الله نصيف المعروف بوجيه الحجاز ولد في أوائل القرن الهجري الماضي سنة ( 1302 هـ ) وكانت ولادته في جدة من بلاد الحجاز بالمملكة العربية السعودية .
طلبه للعلم وشيوخه :
كان بداية تلقيه للعلم هو دراسة القرآن الكريم كعادة الطلاب في زمانه تحت إشراف جده المعروف بعمر أفندي الذي بذل له كل غالي ونفيس حتى يُتم تعليمه وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم تتلمذ بعد ذلك على عدة علماء من أبرزهم وأهمهم تأثيراً عليه :
1/ الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي المدرس في الحرم المكي المتوفى سنة ( 1329هـ ) شارح نونية ابن القيم الجوزية في عقيدة أهل السنة – وهي منظومة في ستة ألاف بيت – أخذ عنه العلم وكان سبباً في إرشاده إلى المنهج السلفي ومعرفة العقيدة السنية الصحيحة .
2/ الشيخ عبد القادر التلمساني وهو ممن أعتنق العقيدة السلفية بعد أن كان أشعري العقيدة وذلك بسبب اتصاله بالشيخ أحمد بن عيسى الآنف الذكر .
3/ الشيخ أبو بكر خوقير – رحمه الله - من كبار علماء الدعوة السلفية في مكة المكرمة أمضى سنين طويلة في السجن أيام دولة الأشراف بسبب معتقده إلى أن استولى الملك عبد العزيز آل سعود على منطقة الحجاز فأفرج عنه عام ( 1343هـ ) فتولى بعد ذلك التدريس في الحرم المكي إلى أن مات سنة ( 1349هـ ) .
نشاطه في الدعوة إلى الله :
عُرف عن الشيخ - رحمه الله - بذله لنفسه وماله ووقته في الدعوة إلى الله داعياً إلى عقيدة السلف الصالح عقيدة أهل السنة والجماعة في زمن انتشرت فيه الخرافة والبدعة والشركيات وعقائد الحلولية أيام الدولة العثمانية وخاصة في زمن السلطان عبدالحميد ولهذا كان الشيخ كثيراً ما يردد قول الإمام مالك : " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها " ومن أجل نصرة السنة وتبيين الحق للناس أهتم بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من علماء السلف فقام بطبع ونشر الكثير من الكتب التي تبين حقيقة الإسلام وتحارب البدع والخرافات نصحاً للمسلمين عامتهم وخاصتهم كل هذا على حسابه ونفقته الخاصة بل إن الشيخ كان يُعد من أغنياء جدة وأثريائها فقد ورث عن آبائه مالاً وعقاراً أذهبها في طباعة الكتب وتوزيعها بالمجان وفي إكرام الضيوف من الملوك والعلماء والعامة حتى أن الشيخ محمد بن مانع – رحمه الله - مدير التعليم ( وزير المعارف ) في أيام الملك عبد العزيز قال عنه : " لم نعلم في الحجاز رجلاً يساويه في الكرم وحُسن الخلق .. وكان بيته ملتقى الفضلاء القادمين من مختلف البلاد " وكتب أيضاً الشيخ محمد رشيد رضا – رحمه الله – في مجلة المنار فصلاً عن كرم الشيخ - حينما حج وزاره في جدة - بعنوان " محمد نصيف نعم المضيف " .
ومع هذا النشاط في الدعوة فللأسف لم يكن له مؤلفات مطبوعة ولعله اكتفى بما يقوم به من طباعة ونشر للكتب والتقديم لها في بعض الأحيان ولكن كان له بعض النشاط في كتابة المقالات المفيدة والنافعة في مجلة " النهل " يذكر فيها بعض الذكريات التاريخية والتراجم النادرة الصالحة بأن تجمع وتكون في مجلد .
مكتبته وعنايته بالمخطوطات :
الشيخ نصيف كما قال عنه صاحب كتاب " ملوك العرب " أمين الريحاني : " هو دائرة معارف ناطقة " والسبب هو امتلاك الشيخ لتلك المكتبة الضخمة التي تضم الكثير من المطبوعات والمخطوطات النادرة والمفيدة حتى أن جريدة " الندوة " السعودية ذكرت في عددها رقم 3443 عام ( 1390 هـ ) أن ثمنها يُقدر بأكثر من مليون ريال أي ما يقارب (10) ملايين ريال في الوقت الحالي أو أكثر .
وقال الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله – في معرض حديثه عن الشيخ محمد نصيف : " وعنده مكتبه من أنفس ما عرفت من المكتبات ولقد عرفت مكتبات أساتذتنا محمد كرد علي في دمشق وإسعاف النشاشيبي في القدس وأحمد تيمور باشا في مصر ومكتبة ندوة العلماء في " لكنو " في الهند ومكتبة الحاج حمدي الأعظمي في بغداد ومكتبات لا أحصيها فوجدت مكتبة الشيخ نصيف من أكبرها وكانت مكتبته مثل مائدته مُفتّحة الأبواب لكل قادم " .
وأما عن المخطوطات فمكتبته تحوي جملة كبيرة من المخطوطات النادرة التي تم طباعتها لاحقاً مثل كتاب " منهاج السنة " لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتاب " شرح السنة " للبغوي وكتاب " الدين الخالص " لمحمد صديق حسن القنوجي الهندي وكتاب " تحفة الأشراف " للمزي وغيرها كثير .
وفي الوقت الحاضر هذا المكتبة موجودة الآن في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بعد أن قام الشيخ بإهدائها قبل وفاته إلى أهل بلده وطلبة العلم كوقف خيري لمن أراد البحث والإطلاع والفائدة .
العلم في الرأس وليس في القرطاس :
كان بيت الشيخ يعد منتدى علمي وثقافي يأتي إليه كل محب للعلم وأهله ولا يخلوا من فائدة أو طرفة أو موقف غريب يعطي طابع عن شخصية العلماء وفراستهم وفطنتهم فمن المواقف الطريفة التي حصلت في بيت الشيخ كما يرويها الشيخ علي بن محمد الهندي المدرس بالحرم المكي – رحمه الله – قال : " كان بيت الشيخ محمد نصيف مأوى عام للملوك والعلماء ولطلبة العلم ولعامة الناس وكان – رحمه الله – يحب النكت فقد زرته أنا والشيخ صالح العثيمين(1) ضُحاً فوجدنا عنده ثلاثة من الدكاترة فسأل الشيخ العثيمين الشيخ نصيف من هؤلاء ؟ فقال الشيخ هؤلاء دكاترة فالتفت الشيخ العثيمين إلى أحدهم وقال : دكتور في أي شيء ؟ قال : دكتور في النحو ثم سأل الثاني : دكتور في أي شيء ؟ قال في التاريخ والمغازي ثم سأل الثالث : دكتور في أي شيء ؟ فقال : في الحديث وأصوله .
فسأل العثيمين الأول قائلاً : أعرب البيت الآتي :
بثينة شأنها سلبت فؤادي بلا ذنب أتيت بها سلاما
قال له ما الذي نصب بثينة ؟ فأجاب بعد تفكير قائلاً : لا أدري !
ثم سأل الثاني : ما الفرق بين الغزوة والسرية ؟ فأجاب بعد التفكير قائلاً : لا أدري !
ثم سأل الثالث : ما الفرق بين المرسل الخفي والمرسل المطلق في الحديث ؟ فأجاب : لا أدري !
فاتجه الشيخ العثيمين إلى الشيخ نصيف وقال له : يا شيخ نصيف " دكتور!" فضحك الشيخ نصيف حتى استلقى على كرسيه . ثم قال الشيخ العثيمين : لا أقول هذا تنقصاً من الدكاترة فكثير منهم أعلم منا وأفقه وأدين " .
أقوال العلماء والمفكرين :
من المناسب في هذا المقام أن نذكر بعض ما قاله بعض معاصريه من العلماء والمفكرين عنه :
1/ قول الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز حينما سأل عن معرفته به : " أفيدكم بأني أعرف منه – رحمه الله – العناية بأهل العلم والفرح بزيارتهم له وإكرامهم مع حسن العقيدة وبذل المستطاع في إعانة طلب العلم " .
2/ قول الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين : " والحقيقة أن الشيخ محمد حسين نصيف – رحمه الله – كان مضرب مثل في الأخلاق التي جبله الله عليها فلقد كان – رحمه الله – حسن الأخلاق كريماً بشوشاً . وإن الكتابة عن أهل الخير والفضل فيها خير لأن الناس يقتدون بهم ويدعون لهم " .
3/ قول الشيخ العلامة علي الطنطاوي : " كان نبيلاً أصيلاً لا متكلفاً وكان طبعاً فيه لا تطبعاً فلو أراد العدول عنه لما استطاع " وقال أيضاً : " وكانت المائدة منصوبة كل يوم لا يسأل الداخل إليها عن اسمه وكانت في داره غرفة معدة للمنام من زاره وشاء أن ينام فيها نام " .
4/ قول المؤرخ الشهير خير الدين الزركلي : " عالم جدة وصدرها في عصره " .
5/ قول الشيخ علي بن محمد الهندي المدرس بالحرم المكي : " فهو – رحمه الله – كما قال الشاعر :
لا تنقلوا الأقدام إلاَّ إلى من عنده لكموا فائدة
إما لعلـم تستفيـدونه أو لكريم عنده مائدة
وفضيلة الشيخ محمد حسين نصيف جمع بين الاثنتين كرم العلم وكرم الطعام " .
6/ قول الشيخ عبد الرحمن الإفريقي المدرس في المسجد النبوي : " تمثلت فيه الأخوة الإسلامية بصدق وتعمقت فيه السلفية الصادقة بحق " .
لعلنا نقتصر على هؤلاء الأعلام فغيرهم كثير من أهل العلم والفضل ممن يطول ذكرهم .
كما كان للشيخ مراسلات خطية وعلاقات وثيقة بينه وبين بعض الملوك والعلماء والوجهاء فمنهم على سبيل المثال :
1/ الملك عبد العزيز آل سعود . كان كثيراُ ما يحل في دار الشيخ بعد استيلائه على جده.
2/ الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود .
3/ الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود .
4/ الأمير علي بن عبد الله آل ثاني , من أمراء دولة قطر .
5/ الأمير أحمد بن محمد آل ثاني .
6/ الأمير محمد الأحمد آل ثاني .
7/ الشيخ البشير الإبراهيمي .
8/ الشيخ أبو الأعلى المودودي .
9/ الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي .
10 / الشيخ عبد المهيمن أبو السمح , إمام المسجد الحرام .
11/ الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني .
13/ اللواء العراقي محمود شيت خطاب .
14/ العلامة السيد هشام ندوي , مدير دائرة المعارف النظامية .
وفاته ورثائه :
في صبيحة يوم الخميس الموافق 6/6/1391هـ انتقل إلى رحمة الله العالم الجليل محمد نصيف وبذلك فقدت الأمة الإسلامية أحد رجالها المعتبرين في الفضل والدعوة والأخلاق الحميدة والقدوة الصالحة والكرم الحاتمي وكانت وفاته في مدينة الطائف ونقل جثمانه إلى جدة في موكب مهيب فخرجت جدة كلها لتشييع جنازته يتقدمهم الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير فواز بن عبد العزيز الذي أوفده الملك فيصل وعدد كبير من الوجهاء والأعيان والعوام .
وقد رثاه كثير من الشعراء والأدباء في الصحف والمجلات فقال بعضهم يرثيه :
نور بجدة قد تألق يدعو إلى الحق المبين وهديه يعطي الدليل من الكتاب وسنة بحديث خير الرسل أشفى علة | داعياًلله في سر وفي شيباً وشباناً مدى الأزمانِ فيزيح ما يرنو على الأذهان وبنور آي الذكر والقرآنِ | إعلانِ
إلى أخر ما قال ...
إلى هنا نكتفي بذكر ترجمة الشيخ محمد نصيف فمناقبه كثيرة جداً وقد أُلف فيه كتاب ضخم مكون من ( 678 ) صفحة فرحمه الله واسكنه فسيح جناته .
1/ هو الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين المتوفى سنة ( 1410هـ ) صاحب كتاب " تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة " وهو غير العالم المشهور الشيخ العلامة محمد بن عُثيمين المتوفى سنة ( 1421هـ ) .
مصدر الترجمة :
ـ كتاب " محمد نصيف حياته وآثاره " , تأليف محمد بن أحمد سيد , وعبده بن احمد العلوي . طبعة المكتب الإسلامي , بيروت .
ـ كتاب " معجم المطبوعات العربية " للدكتور علي جواد الطاهر , ج2ص405 . منشورات المكتبة العالمية , بغداد .