ومات الرجل الأمة ...
أ.د/
جابر قميحةفى قرابة شهر فقد الإسلام و الأمة الإسلامية و العربية ثلاثة من فرسان الحق هم : دكتور عبد الوهاب المسيري , و الشيخ حسن أيوب , و أخيرا الدكتور عبد العظيم المطعني . و حق أن يقال فيهم ما قاله أبو تمام في ثلاثة إخوة من بني حميد الطوسي , سقطوا شهداء فى ميدان الوغى :
لعمرك ما كانوا ثلاثة إخوة و لكنهم كانوا ثلاث قبائل .
و ندر فى الرجال من يعيش كأنه أمة شامخة مهيبة , رفيعة الرأس .
و كم من أمم لا تساوى الواحدة منها ظل رجل واحد , إنها تلك التى سماها الشاعر خليل مطران
" أمم الزوال " .
**********
ولأن ثلاثى الحق الذى عاش يتيما بأرض ضيعت فيها اليتامى .... لم يقبلوا بساط الطاغية , و لم ينحنوا لهيبته الزائفة . و لأنهم عاشوا لله فى صلاتهم و نسكهم , و محياهم و مماتهم . و لأنهم عاشوا طيلة حياتهم للدين و الأمة , لا كالذين عاشوا حياتهم بـ " الدين و الأمة " . بكل أولئك أغفلتهم وسائل الإعلام , بينما اتسعت للممثلين و المهرجين و الطبالين و الزمارين , لذلك استحق كل عملاق من هذة القمم الثلاث أن أقول فيه :
و ما شيعوك إلى حيث تمضي و أبـطـال إعلامهم أغفلوك و لـهو و طبل و فن رخيص لأنـك ما عشت باسم الأمير و حـقرت من مجدوا عرشه | زكـيـا طـهورا لمثوى لـراقصة " ما لها من نظير " و صـوت مـغن رقيع غرير و زيـف الأمير بسِرْك الأمير بـكـل نـفـاق خسيس حقير | أخير
************
و كان آخر من لقي ربه هو الدكتور عبد العظيم المطعني ... الذى كان مثالا للتواضع الاصيل ,
و للزهد النبيل , فما رأيته يزدهي مرة واحدة بما يعلم , و كان كذلك فى مظهره و ملبسه , حتى يخيل لمن لا يعرفه أنه يجالس رجلا من عامة الناس . و نرى من عنده عشر معشار علم المطعني يكاد يتفجر غرورا و خيلاء , و تسلط عليه الأضواء , و تدبج فيه عبارات التمجيد و الإحسان .
و كان رحمه الله ذا عقلية موسوعية , جمعت و أوعت , و اتسعت لرصيد ضخم من الفقه و السنة و التاريخ .
و لم تكن هذه الموسوعية الممتدة المترامية المدى ..... لم تكن على حساب تعميق الموضوعات التى تمثل محتواها , حتى يظن أنها مجرد تعدد فى المعارف كما هو معروف مشهور فى المقولة المشهورة
" العالم من يعرف كل شئ عن شئ واحد , و يعرف شيئا واحدا عن كل شئ " . فهذه المقوله لا تصدق عليه ؛ لأنه " كان يعرف كل شئ عن كل شئ " .
و تقرأ ما كتبه فى السنة فيخيل إليك أنه تخصص فيها دون غيرها , و يقال ذلك عن كل علم من العلوم كالفقه و التاريخ , و النقد الادبى : فكتابه عن " أولاد حارتنا " لنجيب محفوظ يعد أوفى , و أعمق ما كُتب عن هذا العمل . و هو حكم لم ألقه على عواهنه , بل سقته بعد أن قرأت الـرواية ( طبعة باريس ) ,
و قرأت ما كتب عنها من مقالات و كتب , أهمها كتابا الشيخ عبد الحميد كشك , و الأستاذ محمد جلال كشك , رحمهما الله .
**********
و قد عاش يمثل حصنا حصينا تتكسر عليه كل السهام الموجهة إلى الإسلام : كتابا و سنة و تراثا دينيا و أدبيا . فنقض شبهات المستشرقين عن الإسلام و شبهات أعداء السنة بدافع من الجهل او التعصب
**********
و من أهم سماته الفكرية أنه فى كتبه لايكتفى بعرض الحقائق العلمية و الفقهية و غيرها , و هذا فى ذاته جهد علمي محمود , و لكنه يحرص على نقض ما يحيط بها من شبهات , يثيرها العلمانيون ,
و ادعياء التجديد الفقهي .
و يحدد المطعني منهجه هذا إبتداء من عناوين كتبه , فنرى له غراما أو حرصا خاصا " بالبينات
أي إبراز كلمة" بين " , كما نرى فى عناوين كتبه الاتية :
- الفقه الاجتهادي بين عبقؤية السلف و مآخذ ناقديه .
- عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية و شبهات المنكريين .
- المجازر عند الإمام ابن تيميه و تلاميذه بين الإنكار و الإقرار .
**********
و من فضول القول أن نقول إنه يعالج المسائل بعمق رأسي , و حجج قوية , و قدرة فائقة على استخلاص الدلالات الحاسمة . بحيث يحيط بكل جوانب الموضوع عرضا و موازنة , و دفاعا ,
وهجوما ناقضا . مجندا معارفه الواسعة فى الانتصار لكلمة الحق, و فضح الأدعياء من المتعالمين ,و المتفيهقين , و العلمانين .
و من أهم سماته فى عطاءاته حرارة الإيمان , و لكن هذه العاطفة الصادقة لا تأتي مجردة , بل تعانق الحقائق و الأحكام التى يخلص إليها , فيبدو الأداء التعبيري ثريا نديا بتلاحم التدفق الوجداني و الوقار العقلى المنطقي .
و كعادة من يكتبون سير الغائبين نطرح السؤال التقليدي : ماذا بقي من عبد العظيم المطعني ؟ و نقول بقي منه القيم الخلقية السامية من تواضع , وزهد , و ترفع عن الدنايا و الاعتزاز بالدين و الأمة , و ذخيرة طيبة من تراث رفيع لن يموت أبدا . كل أولئك بقي منه مخطوطا فى سجل التاريخ وعلى صفحات العقول والقلوب .
**********
و كلمة أخيرة أقولها إن أيسر ما نكرم به هذا العالم القمة العملاق :
1- إطلاق اسمه على قاعة من قاعات إحدي الكليات بالأزهر .
2- إطلاق اسمه على الشارع الذى كان يسكن فيه أو أقرب الشوارع إليه .
3- رصد جائزة سنوية باسمه لأحسن بحث فى الدفاع عن الإسلام : نبيا و رسولا و سنة... الخ
4- تشجيع طلاب الدراسات العليا على الكتابة عن هذا الرجل العظيم فى أطروحاتهم :
الماجستير , و الدكتوراه .
رحم الله هذا العالم الجليل , و حشره مع النبيين و الصديقين و الشهداء , و حسن أولئك رفيقا