الشيخ محمد النبهان

‏‫علي بن سعد الغامدي المكي

كنت في زيارة الشيخ المقرئ : محمد نبهان بن حسين مصري الحموي، ثم المكي (ت: عصر الجمعة: ٩/ ٩/ ١٤٣٦ هجرية) رحمه الله تعالى، بمنزله، ببطحاء قريش، بمكة، ليلة الجمعة: ٩/ ٩/ ١٤٣٦ هجرية.

وحدثني في تلك الليلة بقصّة حفظه القرآن؛ فرأيتُ أنها عجب؛ فأحببتُ أن أدوّنها بُعيد وفاته؛ خشية أن يطالها النسيان؛ إذا طال عليها الزمان، وسأسوقها على وجه الاختصار:

أخبرني الشيخ أن بصره بدأ في الضعف وهو في الثانية عشرة من عمره، وذهب تماماً وهو في السادسة عشرة منه.

وقد أمره أبوه حينها أن يحفظ القرآن؛ فنفر الشيخ من هذا؛ معتقداً أن كل مكفوف يحفظ القرآن؛ فلا بد له من التكسّب به في المآتم، وعند القبور.

فوعده والده أن يقيه هذا السبيل؛ فلم يقنع بذلك؛ فهجره والده.

فأخذ الشيخ يبتهل إلى الله في آناء الليالي: إن كان حفظه للقرآن سيؤدي به إلى هذا المسلك أن يقبضه الله إليه.

فلما رأى الشيخ تصميم أبيه؛ ضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت؛ فسوّل له الشيطان أن ينتحر! ففكَّر في حرق نفسه ! ثم قال في نفسه : هب أني لم أمت؛ فأكون قد جمعتُ على عَمَاي تشويه جلدي، ثم فكّر في رمي نفسه من سطح الدار؛ فعرض له الهاجس الماضي، وهكذا الأمر في طعن نفسه بسكين.

ثم استقرّ رأيه على أن يبتلع عدداً كبيراً من الحبوب المنوّمة، فإذا لم يمت فلن يتشوّه، فعزم على أن يذهب لإحضار تلك الحبوب.

وبينما هو مستلقٍ على السرير في اليقظة إذا به يرتفع عن السرير شيئاً فشيئاً ! حتى اقترب من سقف الغرفة؛ فانفرج السقف ! كأنه باب قد فتح ! حتى جازه.

قال الشيخ: فانعقل لساني، وأخذتُ أستغفر في نفسي من سوء ما هممتُ به من قتل نفسي.

قال: فبدأتُ أهبط شيئاً فشيئاً، حتى جاوزتُ سقف الغرفة ؛ فالْتَأَمَ السقف، وعدت إلى سريري، وانطلق لساني.

ثم قمتُ مذعوراً، مصفرّاً وجهي، وقلت لأهلي : هاتوا لي شيخاً لأحفظ عليه القرآن؛ ففرح أهلي، واستبشروا.

ثم ذكر الشيخ أنه حفظ القرآن على شيوخ أربعة.

ثم جوّده على الشيخ سعيد العبد الله، رحمه الله وقرأ عليه القراءات ، وقرّبه الشيخ سعيد، وجعله وكيلاً له على معهد دار الحفَّاظ والدراسات الإسلامية في حماة.

قال الشيخ: فتغيّرت حياتي، وشعرتُ بالعزة.

يقول الشيخ : كان أبي يملك الملايين، وبعد أن حفظتُ القرآن أصيبَ في ماله؛ فأصبح مديناً بالملايين؛ فأخذ الناس يواسونه؛ فجعل يقول:

أنا لست خسران؛ ما دام نبهان قد حفظ القرآن.

قلتُ : لما قال الشيخ هذه العبارة بكى.

رحم الله الشيخ محمد نبهان، وجزاه خيراً على ما بذله في سبيل تعليم القرآن.