ذكرياتي مع استاذي الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
فقيه وأديب وقاض .. أديب الفقهاء وفقيه الأدباء.. من كبار أعلام الدعوة الإسلامية ، والأدب العربي في القرن العشرين. عقمت نساء دمشق أن يلدن مثل الأديب والمؤرخ تلميذ مدرسة جودة الهاشمي تلميذ اللغوي الكبير عبد القادر المبارك ، ولد سنة 1909 .
عرفته الشام والعراق ولبنان والسعودية معلما ومربيا ، عرفه القضاء ربع قرن قاضيا نزيها عادلا ، طاف الدنيا من مشرقها إلى مغربها مشاركا في المؤتمرات وخطيبا ، زار القدس وباكستان والهند واندونيسيا وغيرها ، فكان قلمه مسلطا كالسيف سيالا كأعذب الأنهار وأصفاها ، رائعة صورته ، مشرقا بيانه ، قابل به الرجال ، وقاتل به الأبطال .
له صولات وجولات مع الإذاعة والإعلام بدأها من يافا في أوائل الثلاثنيات ثم إذاعة بغداد 37 ثم إذاعة دمشق 42 وأكمل مشواره في السعودية (مسائل ومشكلات ) (نور وهداية ) ( على مائدة الإفطار ) .
البطل الشجاع والرجل المقدام الذي واجه الطغيان وتحدى قوى البغي دون خوف أو وجل فوقف بوجه الطغيان الناصري بمصر حين أعدم العبد الخاسر كبار الدعاة على أعواد المشانق ومنهم عبد القادر عودة ومحمد فرغلي رحمهم الله .
ترك دمشق قسريا وهاجر إلى أرض الحرمين تحت ترحيب وحماية الملك فيصل ، وأصبح الحنين إلى دمشق حلما صعب المنال فقضى عمره بجوار البيت العتيق وتوفي في مكة المكرمة ودفن فيها بعد الصلاة عليه في الحرم المكي الشريف 1999 .
جاءنا مدرسا للسيرة النبوية فرأى في الصف بنات فرفض التدريس إلا بفصل الجنسين ولما أراد استاذنا السباعي أن يقنعه بأننا في أول عهد الكلية ولانملك إلا هذه الغرفة فقال : أعط درسا للشباب واتبرع بدرس للإناث ومن يقرأ رسالته ( يابنيتي ) يعرف نوع تفكيره .
لازمت دروسه ومنبره رأيته مرة عند قهوة الحجاز المزدحمة سلمت عليه وقلت له استاذ سؤال ؟ قال : هنا تسأل عن العلم ! فخجلت وتركته يمشي ، وللعلم الشيخ يمشي من قصر العدل إلى بيته في المهاجرين على الأقدام والمسافة تقريبا 7 كم .
كنت واقفا على باب المركز العام للجماعة في الشهداء بدمشق وإذا استاذنا يهم بالدخول فهو مدعو لإلقاء محاضرة ، فقال لي : لايوجد أحد أين المستمعون ؟ فقلت له : لعله الذين انشقوا عن الجماعة وفتحوا مركزا في باب الجابية . قال : إذا الإخوان ( اخوانان ) ورافقته ووصل باب الجابية وتلقته الهتافات الله أكبر ولله الحمد.. وبدأ باسلوبه الساخر يهاجم الفرقة ودعاتها وكانوا يقاطعونه بالتكبير فقال افعلوا ماشئتم وظل يهاجم الفرقة والاختلاف حتى انتهى رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
كان في الهند ضيفا على ندوة العلماء وشيخها ومؤسسها العلامة أبو الحسن الندوي التي قدمت للدنيا كبار العلماء وكان منهم صديقي محمد الندوي ، وأبو الحسن من أصول عربية ويكتب بالعربية بإسلوب بجعل الأزهر يقول الله أكبر وصاحب كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين وقدمه سيد قطب رحمهم الله . كان الشيخ الطنطاوي في الندوة طلب من الشيخ الندوي أن يترجم للعربية شعر شاعر الإسلام محمد إقبال وكان ذلك . رحم الله من ذكر وأسكنهم فسيح جناته في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
من كتبه رحمه الله :
تعريف عام بدين الإسلام - أبو بكر الصديق - عمر بن الخطاب - أخبار عمر - رجال من التاريخ - صور وخواطر - في أندونيسيا - وغيرها الكثير .
العلامة الكبير . الفقيه النجيب .. الأديب الأريب جزيت خيرا ورحمك المولى . قولوا آمين .
وسوم: العدد 652