المفكر والأديب والمصلح السوري جميل الألشي
سياسي سوري، تقلّب في عدة مناصب وزاريّة ورأس الحكومة لفترتين قصيرتين، المرة الأولى عام 1920 والثانية عام 1943 عندما توفي الرئيس حينها تاج الدين الحسني ما بوأه منصب رئيس الجمهورية المؤقت بموجب الدستور السوري لحين إجراء انتخابات. عُرف بقربه من الشيخ التاج ومن الانتداب الفرنسي رغم وجود خلافات دائمة مع ممثليهم في البلاد. بعد انهيار المملكة السورية العربية غدا منصب رئيس الوزراء هو الأعلى في البلاد، ولذلك يعرف الألشي أيضًا بكونه الحاكم الثالث لسورية بعد زوال حكم الاتحاديين الذين انقلبوا على الدولة العثمانية.
في 25 آذار 1943 أنهى المفوض الفرنسي حكومة الألشي المؤقتة التي كان رئيسها له صفة رئيس الجمهورية المؤقتة بموجب الدستور، وكلّف عطا الأيوبي تشكيل الحكومة المؤقتة لإجراء الانتخابات، ويعتبر ذلك نهاية الحياة السياسية للألشي، الذي توفي عام 1951 وهو عقيد سابق في الجيش العثماني وعمل أيضًا في جيش المملكة السوريّة وشغل منصب المفوض العسكري باسمها في بيروت.
في 24 تموز 1920 هُزم جيش المملكة السورية العربية في معركة ميسلون ودخل في اليوم التالي، الجيش الفرنسي دمشق، فغادرها الملك فيصل الأول إلى الكسوة وطلب من هناك استقالة حكومة الأتاسي وجرى تكليف علاء الدين الدروبي تشكيل الحكومة، تحوي شخصيات موالية للفرنسيين، فشغل الألشي منصب وزير الدفاع، وهو كان ذا صلات جيدة مع الفرنسيين منذ أن كان ضابطًا باسم المملكة في بيروت.
في 28 تموز غادر الملك الكسوة نحو درعا ومنها إلى حيفا وغدا رئيس الوزراء أعلى سلطة وطنية في البلاد، ورغم قصر الفترة الزمنية التي مكثت بها حكومة الدروبي إلا أنها اتخذت قرارات عامة من أمثال فرض الغرامة الحربية بمقدار 200 ألف ليرة عثمانية على السوريين في 2 آب، وإصدار الأمر بجمع السلاح من أيدي المواطنين في دمشق يوم 3 أيلول، ومنع الموظفين الحكوميين والعسكريين العمل بالشأن السياسي ومن ثم اعتبار الانتداب أمرًا واقعًا في 5 آب. وفي 19 آب اتجه رئيس الوزارة علاء الدين الدروبي إلى درعا رغبة في تهدئة خواطر أعيانها، فاغتالوه مع رئيس مجلس الشورى عبد الرحمن اليوسف في محطة قطار خربة الغزالة على الطريق المؤدي إلى درعا، وفي 21 آب قرر وزراء الحكومة تكليف الألشي رئاسة الوزارة مؤقتًا مع احتفاظه بوزارة الحربية.
مكث الألشي رئيسًا مؤقتًا حتى 6 أيلول حين عهد إليه تشكيل حكومة جديدة برئاسته، جمع رئاستها إلى وزارة الحربية، ومن ثم اختار جميع الوزراء من وجهاء دمشق دون سواها، لأن هنري غورو كان قد فصل حلب واللاذقية والسويداء وفلسطين ولبنان الكبير والأردن عن سورية، وفي 30 تشرين الثاني قرر غورو إلغاء وزارة الحربية، فأثار ذلك الخلاف بين الألشي وغورو استقال على إثره الألشي من الرئاسة وعهد إلى حقي بيك العظم رئاسة الحكومة نفسها، ومع استقالته من رئاسة الوزارة اعتكف الألشي عن العمل السياسي لسنوات طويلة، بدءًا من عهد صبحي بركات 1922-1926، وأحمد نامي 1926-1928، وعاد إلى السلطة وزيرًا في عهد تاج الدين الحسني.
في 15 تشرين الثاني 1928 أصبح تاج الدين الحسني ثالث رئيس للدولة السورية، وقد عهد في حكومته الأولى للألشي بوزارة المالية، لم يكن في هذه الوزارة من سبق انتسابه إلى حزب من الأحزاب الوطنية، وقد أجمع المؤرخون على اعتبارها وزارة انتدابية تستمد قوتها من الكومندان كولييه مدير الاستخبارات الفرنسية في دمشق والذي كانت تجمعه صداقة مع الشيخ التاج. ورغم أن الخلاف كان قد دب بين الألشي والفرنسيين قبل ذلك، إلا أنه لم يفعل كما فعل صبحي بركات مثلاً، بالميل نحو الوطنيين بل حافظ على علاقته الجيدة مع فرنسا وهو ما أهله لشغل المناصب الأخرى في ظل الحكومات الانتدابية.
استمر الألشي وزيرًا للمالية حتى آب 1930 حين شكّل الشيخ التاج حكومته الثانية، وقد كان من أبرز أعمال حكومته تنظيم انتخابات الجمعية التأسيسية ووضع دستور للبلاد، وقد اتهمت الحكومة بنوع من الفساد المالي نشرت فصوله صحيفة "القبس" الدمشقية الناطقة باسم الكتلة الوطنية، غير أن القضاء لم يفلح في إدانة التاج ووزير ماليته الألشي، وكذلك فقد مولت الحكومة عددًا من المشاريع الهامة في دمشق وسواها كالهلال الأحمر بعضها لا يزال قائمًا إلى اليوم.
أنهى الفرنسيون حكم الشيخ التاج في 16 تشرين الثاني وجاءت إلى الحكم وزارة مؤقتة ترأسها الفرنسي الجنرال سالومياك، نظمت الانتخابات النيابية وبنتيجة الانتخابات انتخب محمد علي العابد رئيسًا للجمهورية، غدا حقي بيك العظم رئيسًا للوزارة بائتلاف بين الكتلة الوطنية ومعتدلي الجنوب ثم بائتلاف آخر بين معتدلي الجنوب ومعتدلي الشمال، واستمر الائتلاف بين عامي 1932 و1934؛ وفي 17 أيار استقالت حكومة العظم الثانية وجيء بالشيخ التاج رئيسًا للوزارة فأسند للألشي وزارة الأشغال العامة.
لم تنعم الحكومة بالاستقرار السياسي، بل تتالت المظاهرات المنددة بالانتداب وسياسته، هذه الاحتجاجات أخذت منحى متصاعداً بعد وفاة إبراهيم هنانو في كانون الأول 1935، والاحتجاجات التي رافقت ذكرى أربعينه وعرفت باسم "الإضراب الستيني" في دمشق ومدن أخرى، وأفضت في نهاية الأمر إلى التوافق بين الانتداب والكتلة الوطنية، خلال عهد الجمهورية الأولى 1932-1933، عين وزيرًا للأشغال خلال حكومة الشيخ التاج أيضًا والتي شكلها في 17 أيار 1934 على أيام الرئيس محمد علي العابد، وقد جاء تشكيل هذه الحكومة أيضًا بعد حل البرلمان وتعطيل عمله بقرار من المفوض شارل دي مارتيل، وقد استقالت هذه الحكومة بعد الإضراب الستيني والانتخابات النيابية التي أوصلت الكتلة الوطنية إلى سدة الحكم، وطوال رئاستي هاشم الأتاسي وبهيج الخطيب ثم رئاسة خالد العظم المؤقتة لم يكن للألشي أي عمل سياسي، وفي 12 أيلول 1941 تم إعادة العمل بالدستور وتم تعيين تاج الدين الحسني رئيسًا للجمهورية ونودي "بسوريا المستقلة"، وفي 19 أيلول شكل التاج حكومته الأولى برئاسة حسن الحكيم وكانت تلك حكومة التاج الأولى التي غاب عنها الألشي، وفي نيسان 1942استقالت حكومة الحكيم وكلف البرازي تشكيل الحكومة، غير أن الخلافات طغت على عمل هذه الحكومة بين رئيس الدولة ورئيس وزرائها المدعوم من قبل بريطانيا، ولم تحل الخلافات إلا بتدخل الجنرال كوليه بإقناع بريطانيا التخلي عن دعمها للبرازي، وتمكن إثر ذلك رئيس الجمهورية إنهاء الحكومة البرازيّة، وعهد بتأليف ثالث وزارات عهده إلى صديقه العقيد السابق جميل الألشي.
في 8 كانون الأول 1943 شكل الألشي حكومته الثانية مؤلفة من تسعة وزراء، جميعهم من "المستقلين" غير أن رئيس الجمهورية توفي بعد أيام قليلة في 17 كانون الثاني 1943، وبموجب الدستور غدا الألشي رئيسًا مؤقتًا للجمهورية. كانت بريطانيا خلالها قد دخلت على الساحة السياسية السورية داعمة للكتلة الوطنية، وأرادت التوصل لاتفاق بين الكتلة وفرنسا، ومن ناحية ثانية كان الخلاف قد تفجر بين فرنسا وبين الألشي إثر رفض الأخير دفع مبلغ 15 مليون ليرة لمؤسسة تمويل الجيوش الفرنسية في المشرق لكون المبلغ يؤدي إلى عجز في الموازنة والإضرار ببرنامج "توزيع الخبز على الفقراء مجانًا"، والذي أعلنه الألشي خلال سنوات الحرب. ونتيجة ذلك أعلن المفوض الفرنسي، وبعد اتفاق مع بريطانيا والكتلة الوطنية على إنهاء حكم الألشي في 25 آذار 1943 وتشكيل حكومة محايدة مؤقتة برئاسة عطا الأيوبي لإدارة الانتخابات. احتجّ الألشي لكون إنهاء تكليفه مخالفاً للدستور، ورغم ذلك فقد شكل الأيوبي حكومته الحيادية. وقد برر الكتلويون دعمهم لهذه الحكومة، بأن الألشي بوصفه طرفًا في النزاع السياسي، لا يجوز له أن يشرف على الانتخابات، بل من الواجب أن تشرف عليها حكومة حيادية تحوز ثقة جميع مكونات الشعب، وقد نظمت الانتخابات في حزيران 1943 وفازت بنتيجتها الكتلة الوطنية، وانتخب شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية، وشكل ذلك نهاية الحياة السياسية للألشي حتى وافته المنية عام 1951.
وسوم: العدد 660