الشهيد همام الشامي
في حماة مدينة البطولة والفداء، ومنبع ثورة الإسلام على الطغاة.. ولد الشهيد همام الشامي، لكنه نشأ وترعرع في مدينة حلب منذ طفولته، وذلك بحكم عمل والده العالم المخترع الدكتور المهندس الزراعي (عبد الرحيم الشامي).
خلقه وأخلاقه:
همام.. شاب طويل القامة، نحيف الجسم، حنطي اللون، تلمح في وجهه سيماء الرغد، ولد عام 1955م من أسرة ذات علم ويسار، انضم إلى جماعة (الإخوان المسلمين) عام 1973م، ودخل الجامعة عام 1974. كان – رحمه الله- في هذه المرحلة غير مدرك لشمولية حركة الإخوان المسلمين، لأن الصورة لم تكن متكاملة في ذهنه بعد. كان يظن أنها منظمة لتجميع المسلمين وحسب. إلا أن هذه المرحلة لم تدم طويلاً. فسرعان ما تغير همام. تغير ولم تمض عليه سنة في صفوف الجماعة. لقد استقر الحق في قلبه، وعرف في حركة (الإخوان) الشمولية، وعرف أنها حق. فأطلق لحيته، وتحرك يدعو بين أصدقائه، فأصبحت ترى التطبيق والحركة والدعوة معاً. لقد لامست دعوة السماء شغاف قلبه، فهان في نظره متاع الدنيا.
كنيته:
سماه موجهه (أبا حارثة) لحديث النبي – صلى الله عليه وسلم- "مر النبي صلى الله عليه وسلم على حارثة الأنصاري، فقال له: كيف أصبحتَ يا حارثة؟ فقال: أصبحت مؤمناً حقاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظر ما تقول، فإنَّ لكلِّ قولٍ حقيقة، فما حقيقةُ إيمانك؟ قال حارثة: إني أظمأت نهاري، وقمت ليلي، وكأني بعرش ربي بارزاً، وكأني بأهل الجنة يتزاورون، وكأني بأهل النار يتضاغون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرفتَ، فالزم. ثلاثاً".
كان هذا الحديث ينبثق من قلب صادق، فيقع في فؤاد متعطش صادق. وكانت هذه الفترة فترة إعداد متين، وبناء متكامل الجوانب. فأصبحت ترى في (همام) الفكر الإسلامي الناضج، والمظهر الإسلامي المشرق، والصيام والقيام، وتعهد القرآن والأوراد، والرياضة، والتزام المساجد، والدعوة فيها، وحضور مجالس العلم من فقه وحديث شريف، ثم تفرغ – رحمه الله- للدعوة في المسجد، وبقي فيه سنة ونيف.
ثم تدرج في معارج السمو، فبدأت تجد فيه (هماماً) آخر، هماماً عاف عرض الدنيا، وشغل نفسه بجواهر الآخرة. لقد دخل مرحلة (الجهاد) "ذروة سنام الإسلام"، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لقد خالجت حديثه قوة من نوع جديد، ولهجة من طراز آخر في صدقها وصرامتها. لا تهاون، لا كسل، لا أنصاف حلول، لا، لا... حقاً لقد أصبح همام إنساناً آخر.
في هذا العام تأهبت والدته لأداء فريضة (الحج)، فطلب منها الدعاء له بالشهادة، فدعت له، فقال: أريد دعوة من القلب، فدعت له عند بيت الله بالشهادة.
الملاحقة:
أحس همام بنية السلطة وأهدافها الخبيثة، فأخذ حذره، وتوارى مع بعض أصدقائه، لكن الشياطين اعتقلوا أباه، ولم يوقروا سنه وعلمه، فهو يبلغ الستين من عمره، وشهرته العلمية طبقت الآفاق، فهو منتج قطن "صنف حلب -1-" وصنف "حلب-40-"، وعذب عذاباً شديداً وكان مع كل هذا صابراً محتسباً، وعندما عجز الشياطين – بعد هذا العذاب الدموي عن أن يستدلوا منه عن مكان ابنه – هددوه بعذاب من نوع آخر- يا للدناءة، عذاب لا يحسون هم بقسوته، لأنهم لا يحملون قدسية لشيء، لا لدين، لا لعرض، لا لخلق.. لقد هانت لديهم كل المعاني، وسيطر على قلوبهم الحس الغليظ، فهم كالأنعام، بل هم أضل سبيلاً.
وتحت الضغط على أحد أقرباء الشهيد اكتشف المجرمون البيت المطلوب فداهموه، وكانت معركة مفاجئة، قتل فيها قائد الحملة المرتد (أبو الفدا) الذي قال عنه رفعت أسد: (أشتري حلب كلها بأبي الفدا) ولا عجب لأنه ابن زمرته المارقة، وسهم من سهامه القذرة، المغروسة في صدر حلب الدامي. كما قتل عدد كبير من عملاء السلطة الباغية. ونجا المجاهدون من هذا الحصار بثياب النوم، بعد أن استشهد اثنان منهم، وأسر واحد.
الشهادة:
وفي 27 رمضان المبارك كانت الملائكة تستعد لاستقبال خمسة من الشهداء، كان بينهم همام، وكان ذلك في منطقة (باب النصر بحلب)، بعد معركة دامت أكثر من خمس ساعات، استعملت فيها الأسلحة الرشاشة والقاذفات الصاروخية، وسقط فيها من العدو عشرات القتلى والجرحى.
ودع همام الدنيا – وهو على أروع ما يكون الشاب همة وتوثباً واندفاعاً- ودع الدنيا، وهو يرفض أن يحلق لحيته، بالرغم من الجو الرهيب الذي أصبحت فيه اللحية في وجه المسلم خيانة عظمى – في نظر الطغاة وأذنابهم- خيانة تفوق خيانة بيعهم (الجولان).
إن من يذكر هماماً بوعده الذي عافه، ودنياه التي هجرها في سبيل الله، يتلامح في مخيلته ظل الشهيد (مصعب بن عمير) الذي طلق دنياه، ونبذ عطوره التي تفرد بها، ليبايع رسول الله، وليحمل رايته في (بدر)، وليموت شهيداً دونها، وكل ما يملكه ثوب قصير لا يكفنه.
لقد سما (مصعب) شهيداً
وسما (همام) شهيداً
وسما من حولهما شهداء، وما تزال معارج الأرواح تستقبل كل يوم عطرا جديداً، ووجهاً مشرقاً جديداً.
لقد ذهب همام. فارحم الله هماماً، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله واجمعنا معه في منازل الشهداء بعد أن تعلو راية الاسلام خفاقة على أرض الشام وما ذلك على الله بعزيز.
وسوم: العدد 693