الشهيد بشار حلي
لماذا عاد الفتى بشار سريعاً إلى مدينته جسر الشغور، بعد أن التحق بالخدمة الإلزامية، ولم يمض على التحاقه أكثر من شهر؟
وعلام خمدت في نفسه الرغبة في مقاتلة الصهاينة وكم رأيته واقفاً يفتح دفتر خدمة العلم، وينظر إليه باعتزاز؟
ألم يكن من قبل يتمنى أن يبلغ الثامنة عشرة، وقد بلغها؟
إن فرحته التي ملأت عليه جوانب نفسه يوم أن وقف على باب شعبة التجنيد، وقرأ اسمه بصعوبة في لوائج المدعوين إلى الخدمة العسكرية.. إن فرحته تلك لا يعادلها شيء في امتلاك قلبه، إلا أحزانه وقد رأى أربعة من أبناء عمومته يؤخذون من أحد البيوت يوم العاشر من آذار عام 1980م ليلاقوا حكم الإعدام مع اثنين وثلاثين مواطناً آخر في المحكمة الميدانية بمبنى البريد في أغرب نوع من أنواع المحاكمات حيث ينتظر الجلاد إشارة بيد، أو إطباقة جفن من قائد الحملة الهمجية التي رأسها المقدم الطائفي هاشم معلا، وابن الطالحة الطائفي توفيق صالحة، بشار الذي كان بوده أن يرى اليهود وأن يواجههم.. بشار الذي كان يصغي لحكايا العجوز الفلسطيني "أبو دياب" وهو يقص عليه وحشية اليهود في دير ياسين.
بشار الذي كان يتمنى لقاء يهود، وقد ملأت أحاديث أبي دياب جوارحه.
رأى اليهود يتكلمون العربية، بلكنة مستهجنة وهم يجوسون في أزقة جسر الشغور وحاراتها، ويقتلون ستة وثلاثين مواطناً في ساعات معدودة.
عاد بشار إلى مدينته وهي تضمد جراحها وأقسم ليثأرن لها من القتلة.. وفي صفوف المجاهدين تلقى تدريبه الأول، لينطلق بعد ذلك وقد كان له من الصفات النفسية "كرباطة الجأش، وشجاعة القلب" ما أهله لأن يخوض أعنف العمليات وأكثرها خطورة.
وهو في كل خطب وملمة ينافس إخوانه، ويندفع في وتيرة عالية مع الحركة الجهادية المباركة، التي وجد فيها بغيته، وحقق فيها ما تصبو إليه نفسه: ثأراً لله وللمؤمنين ورداً على همجية النظام الطائفي ويشاء الله أن يجمع له العيدين معاً، عيد الأضحى المبارك وعيد الشهادة المرتقب .. وكان ذلك في اليوم الثاني والعشرين من تشرين الأول عام 1980م، الموافق لليوم الرابع من عيد الأضحى حيث كان هذا اليوم عرساً من أعراس الشهادة.
فقد فوجئ الشهيد وهو خارج من بلدته بقوات البغي الطائفي كامنة تحاصره فاتخذ موقفاً دفاعياً واشتبك مع الكمين المعادي ورمى عساكر النظام بقنبلتين، فلم تنفجر أية واحدة منهما والرصاص ما يزال ينهمر عليه بغزارة فلم يكن له وهو في إحدى زوايا حيه القديم إلا أن يقنص عناصر البغي بطلقات من مسدسه ثم وثب على أحدهم وأطبق عليه محاولاً انتزاع بندقيته، وطال الصراع بينهما والرائد الطائفي يصرخ من خلف السور بأن يرمى الاثنان معاً، الجندي وشهيدنا بشار ولسان حال الجندي يقول: سامحك الله، لو كانت في غير هذا المكان لأمكنتك من البندقية لتحصد هؤلاء المجرمين الذين جاؤوا بنا إلى المدن والقرى لنقتل أهلنا، ونجري دماء شعبنا.. وانهالت الطلقات تنفذ أمر الرائد الطائفي من عنصر رعديد كان خلف سيده وسقط الاثنان معاً وحقَّق أزلام أسد الطائفيون إنجازاً من إنجازاته، إذ جعلوا الجيش يقتل أبناء الشعب، ويرد الشعب على قاتليه قتلاً بقتل، حتى حرف الجيش عن مهمته وجعل الشعب يخاف أبناءه في الجيش، وينظر إليهم نظرة غير سليمة.. نظرته إلى الأعداء.. وسحبت جثة الجندي لترسل إلى أهله، على أنه قتل في لبنان، أو في أثناء التدريب، هكذا وبكل وقاحة يكذبون على ذوي المقتولين، فيقتلون الجندي ويخرجون في جنازته.
وربطت جثة بشار حلي بسيارة عسكرية لتسحله في المدينة الجريحة.. وهل يضر الشاة السلخ بعد الذبح فالروح صعدت إلى بارئها إلى حواصل الطيور الخضر ووقف (أبو دياب) الفلسطيني العجوز، يهز رأسه ويقول: هكذا فعل اليهود بنا من قبل، ألم أحدثك عنهم يا بشار؟؟!
رحم الله بشاراً فقد قاتل (أسداً) وزمرته الحاقدة واستشهد على ثرى جسر الشغور وكان بوده أن يستشهد على ثرى حيفا ويافا ورام الله، ولكنها الشهادة يا بشار أينما كانت، وأعداء الإسلام الظالمون من الطائفيين وغيرهم لا يقلون جريمة عن الصهاينة الأوغاد، فهم سواء في عداء الإسلام والمسلمين.. وكما فعل اليهود بأبي دياب وشعبه، فعل أسد ببشار وأبناء وطنه في سورية العزة والكرامة.
هنيئاً لك بشار وإلى لقاء في جنات الخلد تحت لواء سيد المرسلين.
وسوم: العدد 698