الشيخ الدكتور المفكر محمد عبد الله دراز
( 10جمادى الأولى 1312 هـ - 8 نوفمبر 1894 م)
( 16جمادى الثانية 1377 هـ - 6 يناير 1958 م)
هو العلامة الحبر البحر الفهامة، وعاشق القرآن بل فيلسوف القرآن الكريم وابن الأزهر محمد عبد الله حسين دراز .
جمع بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية، وكان جريئاً يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم .
المولد والنشأة :
ولد محمد عبد الله دراز في 10جمادى الأولى سنة 1312هـ / 8نوفمبر1894م ، بقرية محلة دياي إحدى قرى مركز دسوق - محافظة كفر الشيخ، وقد كانت أسرته من خيرة البلد وعلمائها؛ جده الشيخ حسين دراز أحد علماء الأزهر الذي ترك عموده بالأزهر ليتفرغ لتعليم أبناء قريته، ووالده هو الشيخ عبد الله دراز عالم الأزهر الذي اختاره أستاذه الإمام محمد عبده لتأسيس الدراسة الأزهرية النظامية في الإسكندرية وشيخ معهد دمياط وأهم علماء الأزهر الذين نادوا بإصلاح التعليم وإدارة المعاهد.
حرص أبوه على تربيته تربية إسلامية فكان يرشده ويوجهه ويسهر على تثقيفه وتعويده على طريق الخير فعهد به إلى الشيخ سعد القرنشاوي محفظ القرآن بالقرية لتحفيظه القرآن الكريم فحفظه قبل أن يتجاوز العاشرة من عمره, ثم سافر إلى الإسكندرية ليلتحق بمعهدها الديني
الحياة العلمية والثقافية :
التحق بمعهد الإسكندرية الديني عام 1323هـ / 1905م، وتتلمذ على يد كوكبة من رجال عصره، وفي مقدمتهم الشيوخ :
-الشيخ الأكبر محمد الخضر حسين .
-الشيخ إبراهيم الجبالي صاحب كتاب الإسلام دين الفطرة .
-الشيخ علي محفوظ .
- الشيخ علي سرور الزنكلوني .
- الشيخ محمود أبو دقيقة .
- الشيخ علي إدريس...وغيرهم .
وحصل على الشهادة الثانوية عام 1330هـ / 1912م وكان ترتيبه الأول، ثم حصل علي شهادة العالمية النظامية 1334هـ / 1916م، وعُين مدرسًا بنفس المعهد الذي درس به ، اتجه إلى تعلم اللغة الفرنسية وأتقنها في ثلاث سنوات وكان أول الناجحين في شهادة القسم العالي منها سنة 1338هـ / 1919م .
التحق للتدريس بالأزهر في غرة ربيع الآخر 1347هـ / 16 سبتمبر 1928م، حيث اختاره شيخ الأزهر محمد مصطفي المراغي للتدريس بالقسم العالي، وبقسم التخصص في 4 رجب 1348هـ - 5 ديسمبر 1929م، وعمل بالتدريس بكلية أصول الدين في 3 ربيع أول 1350هـ / 18 يوليو 1931م ، ثم سافر في غرة ربيع الأول 1355هـ / 21 مايو 1936م ضمن بعثة فؤاد الأول إلى باريس لدراسة المنطق والفلسفة وعلم النفس والحصول على الدكتوراه، وظل بأوروبا قرابة اثني عشر عامًا حيث قامت الحرب العالمية الثانية وتوترت الأحوال عالميًا مما أثر بالسلب على أحواله بالخارج، ولكنه لم يترك الأمور تسير دون أن يتفحصها بنظرة العالم الفذ الفلسفية الرائعة ويرجعها إلى أصولها الدينية، ولقد عبر عن هذا في مؤتمر الأديان الذي عقد في باريس 1358هـ / 1939م, حين انتدبه الشيخ المراغي ليلقي كلمة الأزهر في هذا المؤتمر العالمي الذي ضم صفوة المفكرين من رجال وعلماء الدين في الشرق والغرب. وقد أثنى فيها السير فرنسيس رئيس المؤتمر على كلمة مندوب الأزهر, وذكر: أنها تعد الكلمة الرئيسية في المؤتمر, كما وصفتها الصحف الفرنسية أيضًا أنها الكلمة الأولى في المؤتمر . ومن هنا بزغ نجم محمد عبد الله دراز بين رجال العلم والصحافة والسياسة، وعلى أيه حال فقد استطاع الحصول على الدكتوراه من جامعة السربون بفرنسا في 3 صفر 1367هـ / 15 ديسمبر 1947م ،عن موضوع " دستور الأخلاق في القرآن", و هي في الأصل جزءان, الأول: مدخل للقرآن الكريم, وهو دراسة تمهيدية موجزة حول تاريخ القرآن الكريم , والثانية: دستور الأخلاق في القرآن, واستغرق في كتابة هذه الرسالة بالفرنسية ما يقرب من ست سنوات (1941/1947م ), ونوقشت هذه الرسالة أمام لجنة مكونة من خمسة أعضاء من أساتذة جامعتي السربون، والكوليج دي فرانس قوامها الأساتذة: لويس ماسينيون، ليفي بروفنسال، لوسن، فالون، فوكونيه، وذلك في الخامس عشر من شهر ديسمبر سنة 1947م، ومنحته اللجنة الفاحصة شهادة الدكتوراه بمرتبة الشرف العليا. وقد اتبع فيها منهج التأصيل القرآني، وتعتبر بحق تحفة ودلالة من دلائل إعجاز القرآن في منهجه، وهذه الرسالة لم تنقل إلى العربية ونشرها الأزهر بلغتها الأصلية عام 1370هـ / 1950م, ثم نقلها إلى العربية بعد ذلك الدكتور عبد الصبور شاهين، وحققها وعلَّق عليها, وصدرت الطبعة الأولى منها بالعربية سنة 1393هـ / 1973م بعد مضي ربع قرن من ظهور الرسالة بالفرنسية.
وبعد عودته من فرنسا وجه إلى كلية أصول الدين، ثم اختير ضمن جماعة كبار العلماء 29 المحرم 1369هـ / 20 نوفمبر 1949م، وانتدب لإلقاء محاضرات في علم تاريخ الأديان بكلية الآداب بجامعة القاهرة, ومحاضرات في فلسفة الأخلاق بقسم التخصص بجامعة الأزهر، وأسند إليه العمل في كثير من اللجان مثل: العمل في اللجنة العليا السياسية للتعليم, والعمل في المجلس الأعلى للإذاعة، والعمل في اللجنة الاستشارية للثقافة بالأزهر، هذا إلى جانب اختياره في المؤتمرات الدولية والعلمية ممثلاً لمصر والأزهر الشريف، ونتيجة لتلك الجهود المخلصة وتقديرًا لمكانته عرض عليه أن يتولى مشيخة الأزهر عام 1373هـ / 1953م فرفضها بسبب القيود التي كان يتضمنها العرض، اعتزازاً بدين الله وإخلاصا له.
خلف الشيخ محمد عبد الله دراز تراثًا فكريًا راقيًا تمثل في أربعة عشر مؤلفًا, تراوحت بين الكتب والبحوث، كما انتدب لتمثيل الأزهر في المؤتمرات العالمية العديدة منذ مطلع الخمسينات ومنها: المؤتمر الدولي للجامعات بمدينة نيس بفرنسا، وآخرها حين مثل مصر في مؤتمر الثقافة الإسلامية الذي عقد بمدينة لاهور بباكستان، حيث توفاه الله في هذا المؤتمر مساء الاثنين 16 جمادى الآخر ة 1377هـ / 6 يناير 1958م وتناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية نبأ وفاته ببالغ الأسى، ونقلت رفاته إلى القاهرة، وأم شيخ الأزهر الجموع الغفيرة بالصلاة عليه بالجامع الأزهر.
الوظائف التي تولاها :
- عُين مدرسًا بمعهد الإسكندرية 1334هـ / 1916م.
- اختير للتدريس في القسم العالي بالأزهر عام 1347هـ / 1928م، ثم في قسم التخصص بالعالم التالي.
- اختير للتدريس في الكليات الأزهرية في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين.
- نال عضوية جماعة كبار العلماء في 29 المحرم 1369هـ / 20نوفمبر 1949م.
- نال عضوية اللجنة الاستشارية بالأزهر.
- عمل مراقب الامتحانات العامة بالأزهر.
- اختير عضوًا باللجنة العليا لسياسة التعليم بوزارة التربية والتعليم.
- عمل أستاذًا بكلية اللغة العربية.
أهم الأنشطة الاجتماعية والسياسية :
- أسهم بإتقانه للغة الفرنسية في القيام بدور متفرد في ثورة 1919م, حيث قام بكتابة المنشورات باللغة الفرنسية, وكان يطوف بها على السفارات الأجنبية بناءً على اقتراح من ابن عمه الشيخ محمد عبد اللطيف دراز.
- رد على افتراءات جريدة الطان الفرنسية على الدين الإسلامي.
-عندما سافر مصطفي النحاس ليوقع مع بريطانيا معاهدة 1936م، وأثناء توقفه في باريس قامت البعثة الأزهرية التي يترأسها الشيخ دراز بتحية الوفد المصري وألقى كلمة ترحيب شد فيها من أزرهم ومنها: " هذه ألوية النصر معقودة فوق رؤوسكم ، هذه قلوب تخفق من حولكم وتلك أرواح الشهداء ترفرف مبتهجة بانتصاركم ومن فوق عناية الله ترعاكم إن مراحل المجد التي تستشرق إليها مصر لا تحدها غاية ، فإذا فرغتم من الأساس فارفعوا فوقه البنيان ".
-أرسل خطابًا لجمعية الأمم المتحدة يستنكر فيه انتهاكات الاستعمار الإيطالي في ليبيا والفظائع التي اقترفها في مسلمي طرابلس . ولم يكن في تنديده بفظائع الطليان في ليبيا إلا نموذج مشرف قدمه الأزهر الشريف مع غيره من أفاضل العلماء.
-أسهم الشيخ دراز في النشاطات الثقافية والدعوية التي كانت تقوم بها نوادي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بفرنسا، كما أخذ يتابع النشاط الإصلاحي للإمام عبد الحميد بن باديس ورفاقه المصلحين في الجزائر. والتمس منه ابن باديس التدخل لدى مشيخة الأزهر لقبول الطلبة الجزائريين بهذه الجامعة العريقة، ومساعدتهم ماديًا.
-قام بتقديم مذكرة لشيخ الأزهر نادى فيها بإصلاح أحوال الأزهر, وقدم لذلك عدة اقتراحات بتخفيض عدد اللجنة المشكلة لتقدير حالة طالب العالمية من خمسة أعضاء إلى ثلاثة فقط, وهو عدد كاف ومن خلاله يتفادى تفاوت الآراء والنزاعات، كما طالب بمزيد من التدقيق والتحري ويلزم لها قوة النقد والملاحظة ونفاذ النظرة بحيث يميز الأسلوب المأخوذ بالتلقين من الأسلوب المبتكر، وأن يتحلى بضبط النفس، وقوة الإرادة واستقلال الرأي بحيث يضع قاعدة واحدة تكون ميزانًا واحدًا يزن الطلاب جميعًا لا يميل عنه.
-بعد قيام ثورة يوليو 1952م ألقى عدة أحاديث عن التوجيهات الوطنية في القرآن الكريم, ففي حديث يد الله مع الجماعة ناشد رجال الثورة وأبناء الوطن بضرورة التوحد والوقوف في وجه الأخطار الخارجية والداخلية التي تهدد أمن البلاد مؤكدا بقول الله تعالي :"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا"," وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ ".
- ثم وقف الدكتور دراز موقفًا مناصرًا للرئيس محمد نجيب عند ما قدم استقالته إلى مجلس قيادة الثورة في 16جمادى الآخرة 1373هـ /2 فبراير 1954م، وبعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ صدر قرار مجلس الثورة بقبول الاستقالة ولكن سرعان ما قامت المظاهرات المؤيدة لنجيب مما أدى إلى اتخاذ قرار بعودته مرة أخرى وأرسل إليه رسالة أثني فيها على محمد نجيب وأسدى إليه النصح، وبذلك ضرب أروع الأمثلة لعالم الأزهر الغيور على وطنه المعاصر لقضاياه ومشكلاته والمسهم في توجيهها نحو الأفضل.
أهم الإنجازات :
- زود المكتبتين العربية والأجنبية بمؤلفات عالية القيمة جليلة القدر.
- امتد عطاؤه عبر كوكبة مضيئة من تلاميذه النوابغ الذين أصبحوا أعلام العصر, فقد تتلمذ على يديه عدد كبير من أبناء الأزهر الذين ذاع صيتهم, وعلي رأسهم: الشيخ يوسف القرضاوي، ومحمد محمد المدني، والدكتور عبد الحليم محمود، ومحمد عبد المنعم خفاجي، ومحمد متولي الشعراوي، وعبد الصبور شاهين، و محمد رجب البيومي، وعبد الله شحاته، ومحمد عبد الله السمان، ومحمد سيد أحمد المسير، وعبد الستار فتح الله سعيد، ومصطفي حلمي.
قالوا عن الشخصية :
- الشيخ يوسف القرضاوي: " كان الشيخ دراز علمًا من أعلام الفكر، وإمامًا من أئمة الدين، وبحرًا من بحور العلم والثقافة، جمع - حقًّا- بين الأصالة والمعاصرة، فإن شئت نسبته إلى جامع ( الأزهر ) فهو ابنه البار، وتكوينه الأزهري قوي متين، وإن شئت نسبته إلى جامعة ( السوربون ) فهو من خريجيها الذين تعتز بهم، وتفخر بانتمائهم إليها، وهو أحد رجال الفلسفة والأخلاق المعدودين في عالمنا العربي والإسلامي. ".
- يقول الشَّيْخ محمد أبو زهرة -وكان قريبًا منه : " وقد عاد بعد هذه الرِّحلة الطويلة الشَّاقة المجهدة، وتوقعنا أن نجدَ تغيرًا في مظهرِه أو ملبسه أو عاداته أو تدينه، كما رأينا في بعض من ذهبوا وأقاموا بعضَ إقامته, ولكنَّا وجدناه كما تركناه خلقًا ودينًا وإيمانًا، فأثبتَ بذلك سلامةَ جَوْهره؛ لأنَّ جيد المعادن تجلوه التَّجارِبُ، وتصقلُه الحوادثُ من غير أن يفنى ويبلى, ولقد ازداد استمساكًا بدينه وتشددًا فيه، فزاد بهاءً ونورًا وجلالاً ".
مؤلفاته :
1- أطروحة الدكتور محمد عبد الله دراز وجهوده في البحث الخلقي- مؤلف عنه.
2- أطروحة الدكتور محمد عبد الله دراز وجهوده البلاغية - مؤلف عنه .
3- أطروحة دستور الأخلاق في القرآن- مؤلف .
4- الإمام المجدد محمد عبد الله دراز سيرة وفكر - مؤلف عنه
5 - أوراق محمد عبد الله دراز في الإسلام واللغة والآداب والنقد والتاريخ والجغرافيا ، نبذة عن العالم الأديب والصالح المصلح المغفور له الشيخ عبد الله دراز . مؤلف عنه
6- الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان .
7- خلاصة مختصر دستور الأخلاق في القرآن .
8- المختار من كنوز السنة النبوية : شرح أربعين حديثا في أصول الدين.
9- دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية .
10- من خلق القرآن .
11- فقيد الأزهر الشيخ محمد عبد الله دراز، كامل محمد حسن : مجلة الأزهر : الجزء السادس ، جمادى الآخرة 1377هـ - 22 ديسمبر 1957م المجلد التاسع والعشرون ص 625- 626 .
12 - فقيد الأزهر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز عضو جماعة كبار العلماء .
13- الربا في القانون الإسلامي .
14- أساس الشعور بالمسئولية .
15 - بحث في مؤتمر السيرة العطرة لعمر بن العزيز .
16- بحث في مؤتمر الربا في القانون الإسلامي .
17- بحث في مؤتمر إصلاحات الشيخ محمد عبده .
18 بحث في مؤتمر موقف الإسلام من الأديان الأخرى وعلاقته بها .
19-تسجيل إذاعي من خلق القرآن .
20-تسجيل تليفزيوني حلقة خاصة من برنامج وتزودوا مخصصة للحديث عن الشيخ محمد عبد الله دراز ، قناة الخليجية .
21 تسجيل تليفزيوني خواطر في الحج.
وفاته :
توفي فضيلة الشيخ محمد عبد الله دراز –رحمه الله - في 16جمادى الثانية 1377 هـ / الموافق 6 يناير 1958 م .وانتقل إلى رحمة الله بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والتأليف والتدريس والوعظ والإرشاد .
وسوم: العدد 700